إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
تسلمت الغرفة الأمنية المشتركة، الخميس 4 إبريل، مهام تأمين منفذ رأس جدير الحدودي من رئاسة الأركان العامة لقوات حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بقيادة الفريق اول محمد الحداد وسط جهود تبذل لإعادة فتح المعبر وانهاء حالة التوتر، رغم رفض الامازيغ وميليشيات زوارة لتواجد قوات امنية تابعة لوزير الداخلية عماد الطرابلسي للمشاركة في إدارة المعبر.
ومنذ 18 مارس الماضي، أغلقت السلطات الأمنية بطرابلس المعبر، وأرجعت ذلك لـهجوم مجموعات خارجة عن القانون عليه، بقصد إثارة الفوضى وإرباك العمل، وفي أعقاب هذا الإغلاق، ناشد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا الضباط وضباط الصف والجنود كلهم النفير العام، وتسخير كل الإمكانات المتاحة للمجهود الحربي، ليبرز من جديد صراع النفوذ المسلح، الذي تَوارَى أمام القبضة الأمنية لسلطات طرابلس.
وتسيطر مجموعات من منطقة زوارة التي تسكنها غالبية أمازيغية منذ سنوات على المعبر الحدودي؛ حيث عقب الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، تقدّمت مدينة زوارة الصفوف بعد تهميشها طويلاً، واستولت قوّاتها على رأس جدير، وضمّت رسمياً المعبر الحدودي إلى المنطقة الإدارية، الواقعة تحت سيطرة بلديتها، ومن ذلك التاريخ تحوّلت الأخيرة إلى مركز قوة حقيقي، على الرغم من أنها بقيت اسمياً تحت سلطة الحكومات، التي اتخذت من طرابلس مقراً لها,
أهمية المعبر
يعتبر معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس من أهم المعابر البرية بين البلدين، حيث يستعمل لتبادل السلع وتنقل الأفراد، وتعبر منه مئات الشاحنات وآلاف المواطنين يومياً، ويبعد المعبر نحو 60 كيلومتراً عن مدينة زوارة بغرب ليبيا و175 كيلومتراً عن طرابلس العاصمة، بينما يبعد قرابة 32 كيلومتراً عن مدينة بنقردان التونسية.
يساهم معبر رأس جدير في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين تونس وليبيا ويساعد أيضاً في إنعاش الاقتصاد التونسي، كما يعد مدخل رئيسي لليبيين المسافرين لتونس للسياحة أو للعلاج ويساهم في انتعاش تجارة البضائع والسلع، ولكن على الرغم من كل هذه الفوائد يساهم معبر رأس جدير في تهريب المحروقات والذهب وانتعاش السوق الموازية.
أبعاد أزمة رأس جدير
الأزمة التي يشهدها معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس هي إحدى عناوين النزاع الليبي وبعض من تمظهراته، فهي تعبير جلي عن الاختلالات التي تشهدها البلاد بسبب ضعف سلطة الدولة وتضخم نفوذ المناطق والقبائل والمجموعات المسلحة الخاصة في المدن التي توجد بها مؤسسات ومرافق حيوية.
وفشل الحكومات المتعاقبة في الاستدراك على الفراغ الذي وقع بعد سقوط نظام القذافي فسح المجال لتوسع صلاحيات القبائل، ونشأت قوى مصلحية خارج السلطة تتورط في أعمال خارجة عن القانون، وقد كشفت أزمة المعبر الأخيرة حجم التجاوزات وأثارها على الجانبين، الليبي والتونسي، فأن تنتعش محطات الوقود في مدن الساحل الغربي بعد إغلاق المنفذ، وتتعطل أرتال القادمين عبر الحدود لمزاولة الأنشطة التي الكثير منها غير قانوني، فهو مؤشر على الفوضى في المعبر والخلل في العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية.
وتتمحور الأزمة الراهنة في معبر رأس جدير حول الضرائب التي تتأتى من حركة العابرين بين الضفتين، فالأموال التي يتم جنيها من عمليات العبور بين تونس وليبيا تنتفع بها التنظيمات المسلحة، فأصبحت تفرض إتاوات على المسافرين، وفي الفترة الأخيرة حاولت حكومة طرابلس فرض قيود وسيطرة على المعبر لكنها تواجه تحديات بسبب عدم توفر قوات مسلحة نظامية بل تعتمد على ميليشيات ومجموعات مسلحة أيضًا، مما أدى إلى صدامها مع الميليشيات الأمازيغية التي ترفض التنازل عن المعبر مما يُشير إلى تحول الصراع إلى عمليات انتقامية قد تأخذ طابعًا عرقيًا بين الميليشيات العربية والأمازيغية وبلا شك أن هذا التطور يشكل خطرًا جديدًا يهدد وحدة ليبيا خاصة أن الأمازيغ لديهم دعم وتحالفات في مناطق خارج زوارة، مما يعزز إمكانية الانزلاق نحو صراع مناطقي وعرقي قد يكون له عواقب وخيمة، فقد حذر رئيس المجلس الأعلى للأمازيغ الهادي بالرقيق من أن أي تحرك عسكري قد يؤدي إلى تصاعد الأحداث بشكل غير متوقع في المنطقة ودعا إلى حل للوضع من خلال سحب غرفة الأمن المشتركة التي أنشأتها الحكومة بسبب عدم مشاركة المكون الأمازيغي فيها وجاء هذا التحذير بعد أنباء عن تكليف الحكومة لقوات مسلحة بالسيطرة على المعبر، وهو ما أثار غضب مكونات مدينة زوارة التي ترفض وجود أي قوة مسلحة خارجية في حدود المدينة.
تداعيات الأزمة على المشهد الأمني في ليبيا
تظهر أزمة المعبر عدم قدرة حكومة الوحدة الوطنية الليبية في التحكم بالمعابر الحدودية والتأثير على الميليشيات المسلحة في غرب البلاد. وعلى الرغم من حالة الهدوء النسبي التي تخيم حتى الآن عقب الاشتباكات بين الأطراف المعنية، فإن هذا الاستقرار يبقى مؤقتاً ما لم يحدث اتفاق بين الأطراف الليبية المعنيين لإيجاد حل وسط يُرضي الجميع. -وهو ما يزيد من الشكوك المتعلقة بشأن قدرة الدبيبة على فرض حالة من الاستقرار الدائم في غرب ليبيا.
ويُعتبر تناقض المصالح بين المليشيات في الغرب الليبي عاملاً مؤثراً في تفاقم النزاع، حيث يتمحور ولاء هذه العناصر حول مصالح ضيقة ويسعون لفرض سيطرتهم وإظهار قوتهم، وتدل الاشتباكات المتكررة في غرب ليبيا على تحديات جمة في التعامل مع الميليشيات. على الرغم من الصفة الرسمية لحكومة الدبيبة، إلا أن التوترات مع قوات زوارة على المعبر تكشف عن ضعف دور المؤسسات في غرب ليبيا وتراجع سلطة الدولة أمام قوة الميليشيات والكتائب المسلحة، وهذه الميليشيات التي تتفوق بشكل ملحوظ في العتاد والسلاح، باتت تمثل عنصراً محورياً في البنية الأمنية والعسكرية بالغرب الليبي، وتزايد نفوذها يحد من إمكانية تجاهل دورها، خاصة مع استيلائها على أدوار كانت تؤديها الدولة وتعزيز وجودها في الساحتين الأمنية والسياسية.
يفرض النزاع المستمر بين حكومة طرابلس ومختلف الفصائل الأخرى تحديات أمنية متزايدة ويزعزع من استقرار دول الجوار الليبي، مما يتطلب استجابة عاجلة في ظل التوترات القائمة في المنطقة الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، يسهم هذا الصراع في جذب الجماعات الإرهابية، التي ازداد تواجدها ونشاطها في المنطقة مؤخراً، خاصة أن ليبيا أصبحت مركزاً جذاباً لهذه الفصائل الإرهابية التي شهدت نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة.
في مجمل القول:
يمكن قراءة أحداث معبر رأس جدير فيما يبدو في ضوء الاستراتيجية الأمنية التي يتبناها الدبيبة مؤخراً، لإحكام السيطرة المركزية على المنطقة الغربية ومنافذها البرية والبحرية والجوية. وهذه الاستراتيجية مدفوعة بمعالجة حالة الفوضة الأمنية التي تحكم عمل التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية، وما ترتبه من مواجهات عسكرية متكررة بين بعضها البعض، ومعالجة ظاهرة الجرائم المنظمة سواء الإتجار بالبشر والهجرة الغير شرعية أو تهريب الوقود وغيرها من السلع.
وتعد تلك الاستراتيجية أيضا مدفوعة برغبة الدبيبة، في ظل الحديث المحلي والإقليمي والدولي عن ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة، في إظهار أن حكومته قادرة على السيطرة المركزية وبسط الأمن في المنطقة الغربية، في القلب منها العاصمة، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تكون عماد وأساس الحكومة الموحدة التي تدير العملية الانتخابية.
وبينما طغى الجانب العسكري والأمني على أحداث المعبر، فإنه قد رافقته تجاذابات وسجالات على مستوى التصريحات بين المسؤولين الرسميين والمكون الأمازيغي في زوارة، بينت عن مدى غياب فكرة الاندماج الوطني في الحالة الليبية؛ إذ أنه ليس هناك إطار قومي موحد يجمع الليبيين، وهو ما يساهم ضمن عوامل أخرى في حدوث تفسخ مجتمعي ووطني، وبروز عصبيات قبلية وعرقية ومناطقية تتجاوز بنى الدولة وفكرتها، بما يحول دون بروز ليبيا كدولة موحدة مستقرة. ولمعالجة هذه الإشكالية.