قراءة في أبعاد زيارة الوفد الحوثي إلى السعودية 

إعداد: رضوى الشريف

يُجري وفْدٌ من جماعة الحوثي مفاوضات في العاصمة السعودية الرياض، في تطورٍ جديدٍ بمسار التفاوض المتعثر في الأزمة اليمنية؛ امتدادًا لسلسلة من اللقاءات والمفاوضات السرية، الممتدة منذ أكثر من عام، برعاية الوسيط العماني؛ من أجل التوصُّل إلى تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة، وتُعدُّ هذه الزيارة واحدةً من أهم تطورات حلحلة الأزمة في اليمن، وهي المرة الأولى التي يزور فيها الحوثيون السعودية؛ للتفاوض الرسمي العلني، منذ مفاوضات ظهران الجنوب (في السعودية)، في عام 2016.

ويُذكر بأن وكالة الأنباء السعودية “واس”، قد أفادت يوم الخميس الماضي، بأن المملكة وجَّهت دعوةً لوفد من صنعاء لزيارة الرياض؛ لمواصلة المحادثات في شأن وقف إطلاق النار، وأشارت الوكالة؛ بأن هذا يأتي امتدادًا للمبادرة السعودية، التي أُعلنت في مارس 2021، واستكمالًا للقاءات والنقاشات التي أجراها الفريق السعودي، برئاسة السفير محمد آل جابر، وبمشاركة سلطنة عُمان، في صنعاء، خلال شهر أبريل الماضي، واستمرارًا لجهود السعودية وسلطنة عُمان للتوصل لوقف إطلاق نارٍ دائمٍ وشاملٍ في اليمن، والتوصُّل لحل سياسيٍّ مستدامٍ ومقبولٍ من كافَّة الأطراف اليمنية.

وعلى هامش ذلك الحدث اللافت، غادر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مساء السبت، سلطنة عمان، عقب “زيارة خاصة”، استغرقت 6 أيام، والتي ربطها البعض، بأنها جاءت لمناقشة عدة ملفات، أبرزها بكل تأكيد؛ الملف اليمني وحل الأزمة.

أبرز ردود الأفعال الرسمية

رحَّبت الحكومة اليمنية بجهود “السعودية وسلطنة عمان” والمساعي “الأممية، والدولية”؛ الهادفة لدفع الميليشيات الحوثية نحو التعاطي الجاد مع دعوات السلام، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، وجدَّد عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الله العليمي، ثقته ودعمه لجهود “السعودية وسلطنة عمان” في إنهاء الأزمة،

وجدَّد المجلس الانتقالي في بيانٍ له، ترحيبه بالمبادرة السعودية، التي أُعلنت في مارس 2021، داعيًا إلى إقرار ما أسماه قضية شعب الجنوب، ووضْع إطارٍ تفاوضيٍّ خاصٍّ لحلها كأساس لبدء جهود السلام، والالتزام باتفاق الرياض ومخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي، ومن جهته، أوضح القيادي في الانتقالي، أحمد بن بريك، أن المجلس يقف مع السعودية، في رغبتها لإنجاز سلامٍ دائمٍ؛ شريطة تحقيق مطالبه في الانفصال.

وفي سياقٍ متصلٍ، رحَّب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، باستضافة السعودية للوفد الحوثي، ووجّه الشكر لسلطنة عمان؛ لدورها بالوساطة في المحادثات، ودعا جميع الأطراف في هذا الصراع المرير إلى مزيدٍ من التعاون، وتوسيع مزايا الهدنة، التي حققت نوعًا من السلام للشعب اليمني، وفي نهاية المطاف، وضْع حدٍّ لهذه الحرب.

ضغوط شعبية ضد الحوثيين

تصاعدت خلال الأشهر الماضية، الضغوط الشعبية ضد جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها؛ نتيجة المطالبات بدفع الرواتب مع توقُّف الحرب منذ نحو عام ونصف؛ ما دفع الحوثيين لطلب تدخّل الوساطة العمانية؛ لمحاولة الوصول إلى أيِّ نوْعٍ من الاتفاق مع السعودية؛ لمواجهة التحديات التي تواجههم في الوقت الحالي.

الدور الشعبي المتحرك في مناطق الحوثيين؛ من أجل الخدمات والرواتب، كان ضاغطًا حقيقيًّا على الحوثيين ومهددًا لاستقرارهم كسلطة أمرٍ واقعٍ، وبرز على شكل كياناتٍ حقوقيةٍ جديدةٍ، مثل “نادي المعلمين والأكاديميين”.

وتحدّ هذه العوامل من سلطة الحوثي، والتي كانت تُبرر للمواطنين عجزها، بأنها تعيش حالة الحرب، والآن مع وجود هدنة (غير معلنة)، أصبح الحراك المجتمعي يتصاعد ضدهم بشكلٍ لافتٍ، والذي أدَّى إلى خلافاتٍ على مستوى القيادة لدى الحوثيين وحلفائهم.

قراءة في أبعاد محادثات الرياض

بالرغم من أن زيارة الحوثيين إلى السعودية هي الأولى من نوعها؛ من أجل التفاوض الرسمي العلني، ولكن سبق أن سافر وفد قيادي حوثي إلى السعودية؛ لأداء فريضة الحج في عيد الأضحى الماضي، ووصفه مراقبون حينذاك، بأنه تقارب “سعودي – حوثي”؛ نتيجة مفاوضات جارية، بدأت بشكل علني في شهر رمضان الماضي بين الجانبين في صنعاء، بوساطة عمانية.

لذا فإن الزيارة الحالية للوفد الحوثي، بما يتضمنه من قادة عسكريين وسياسيين، لا يمكن إغفالها؛ كونها الزيارة الأولى إلى السعودية لعناصر حوثية بهذا المستوى الرفيع، منذ عام 2015؛ ما يؤكد أن ثمَّةَ تقدُّمًا على مستوى العلاقة بين الرياض قائدة التحالف العربي الذي تدخَّل عسكريًّا في اليمن لردع الانقلاب، وبين الحوثيين الذين كانوا هدف هذا التدخل العسكري.

يحمل هذا التقدُّم الكثير من الدلالات والمؤشرات التي تحملها زيارة الوفد الحوثي، وهي دلالات تتعلق بمصير ومستقبل اليمن سياسيًّا وعسكريًّا، بعد تسع سنوات من الحرب، لكن هذه المؤشرات تبدو كأنها تسير بهدوءٍ، بعيدًا عن الضجيج أو الأضواء الإعلامية؛ فاستمرار المفاوضات بين “السعوديين والحوثيين” منذ شهر رمضان الماضي، وبقاء مخرجاتها حتى الآن تحت السرية الكاملة، لا يُفهم إلا في إطار الرغبة المتبادلة بين الطرفين، بعدم الإفصاح عن أي تفاصيل حول نتائج المفاوضات، وجعلها طيّ الكتمان، لكن في الوقت نفسه، هناك الكثير من الدلالات التي تشير بأن هذه النتائج والمخرجات وصلت إلى مستويات متقدمة، وطَّدت العلاقة بين الجانبين للدرجة التي سمحت فيها الرياض بدعوة وفد حوثي لزيارتها.

وهناك طرْح حول أسباب تعتيم مخرجات المفاوضات السابقة؛ إذ ذهب الكثيرون الذين اعتبروا التهديدات الحوثية الأخيرة للسعودية – في خِضِّمِ مفاوضات جارية- ليست سوى تعتيم إضافي، لما تمَّ التوصل إليه من تفاهمات، يحرص الطرفان على تأجيل الإعلان عنها رسميًّا في الوقت الحالي؛ حتى تنضج تمامًا، بفعل “النار الهادئة”، خاصة أن هذه التهديدات لم تُصدِر أيَّةَ ردة فعل سعودية، وإلا أنهت الرياض التفاوض، ولكن الدراية بأساليب ميليشيات الحوثي ترجح هذا الطرح؛ حيث اعتاد الحوثيون على السير في الاتجاه المعاكس لما يجري على الواقع، ربما بسبب الحفاظ على موقفهم أمام أنصارهم ومؤيديهم، والظهور بمظهر القوي، أو للحصول على مزيدٍ من المكاسب والتنازلات من الطرف الآخر، لكن في حقيقة الأمر، فإن التوافق هو ما يمكن تأكيده بالنسبة للعلاقة بين “الحوثيين والسعوديين”، وإلا لما رأى الجميع مثل هذه الزيارة المهمة والأولى من نوعها.

ويجدر بالذكر، بأنه منذ أسابيع قليلة، أشارت تصريحات وزير الخارجية العماني، الوسيط الإقليمي بين “الحوثيين والسعوديين”، إلى انفراجة مرتقبة قد تحدث بين “الرياض وصنعاء”؛ بناءً على ما تم التوصل إليه خلال مفاوضات العاصمة اليمنية؛ ما يجعل زيارة الوفد الحوثي إلى السعودية تصديقًا لتلك التصريحات العمانية، وتأكيدًا على التوصل إلى اتفاقات.

مسارات التفاوض المتوقعة

بدأ مسار التفاوض عقب إعلان الهدنة، في 2 أبريل 2022، التي على إثرها، تم إعلان وقف إطلاق النار، وعدد من البنود الإنسانية، منها فتح الموانئ، وتدشين رحلات من مطار صنعاء، وفتح الطرق في تعز، وتم تنفيذ كل البنود باستثناء فتح طريق تعز؛ إذ ما زال الحوثيون يحاصرون المدينة منذ سبع سنوات.

ولاحقًا برز ملف تسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين؛ حيث أشار رئيس وفد الحوثيين التفاوضي، محمد عبد السلام، بأن جولة التفاوض الحالية تأتي في إطار النقاشات التي تم إجراؤها مع السعودية في “مسقط وصنعاء”، وأن الملف الإنساني على رأس الملفات، المتمثل في صرف رواتب جميع الموظفين، وفتح المطار والموانئ، والإفراج عن كافَّة الأسرى والمعتقلين.

وعلى الرغم من إعلان الموافقة على تسليم الرواتب من قِبَلِ الحكومة اليمنية، في أكتوبر 2022، إثْر وساطة أممية؛ من أجل تمديد اتفاق الهدنة حينها، غير أن جماعة الحوثي ذهبت نحو التصعيد، واستهدفت موانئ تصدير النفط الخام بمناطق الشرعية (شرق اليمن)، وشنّت هجمات بالطيران المُسيّر، واستطاعت منع التصدير؛ ما تسبَّب بأزمة مالية للحكومة اليمنية.

وخلال مسار الهدنة، منحت قوات التحالف العربي تسهيلات للحوثيين في الرحلات الجوية، وأيضًا في ميناء الحديدة، غير أن الحوثيين ما زالوا يطالبون بإنهاء حالة الحصار بالكامل؛ من أجل المضي قُدُمًا نحو اتفاق السلام، ويهددون بين الحين والآخر بالتصعيد العسكري.

ومن النقاط التفاوضية الأخرى المتوقعة بين الأطراف، هو أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين “الصيغة النهائية” لوقفٍ شاملٍ ودائمٍ لإطلاق النار، على أن يباشر الأطراف بعد ذلك بالتفاوض مباشرة؛ للتوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ، برعاية الأمم المتحدة، وبدعمٍ من “السعودية وعُمان”.

مُعوِّقات تقف حائلًا في طريق السلام 

بالرغم من أن كل هذه المؤشرات ترجح اقتراب السلام في اليمن، خاصَّةً في ظل رغبة إقليمية ودولية جامحة نحو هذا الاتجاه، مع التطورات على الساحة العالمية، والحرص الإقليمي على تحقيق تهدئة في المنطقة، لكن هذه الرغبة والحرص قد يصطدم بتعنُّتٍ حوثيٍّ، كما هي عادة هذه الجماعة، فإمكانية القبول بالسلام من جهة الحوثيين قد لا ترتقي نسبتها إلى المستوى المثالي لتأمين بيئة سلام مناسبة، تكون فيها أي تفاهمات يتم التوصل إليها قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

فالتفاهم أو التوافق قد لا يكون هو الهدف النهائي لما يجري، ولكن ما بعد ذلك هو الغاية الأخيرة؛ حيث إن التفاهمات “السعودية والحوثية” الحالية، لا بُدَّ أن تُفضي في النهاية إلى سلامٍ حقيقيٍّ على الأرض، وهو الأمر الطبيعي والمتوقع لمثل هذا التوافق، لكن الواقع قد يكون عكس ذلك، هذه المواقف نابعة من كوْن جماعة الحوثي تطغى عليها “الصفة الميليشاوية”؛ لهذا من الصعب ضمان أو تأمين جانبها في تنفيذ أيَّة تفاهمات قد لا تُترجم على الواقع، وبالتالي ثمَّةَ شكوك حول أيَّة تسويةٍ قادمةٍ، في ظل احتمالات رفضها من جهة الحوثيين.

سيناريوهات الفترة القادمة

رغم أن جماعة الحوثيين لا يمكن تقبُّل اقتناعهم بفكرة (السلام)؛ نتيجةً لمواقف عديدة وسابقة تؤخذ عليهم، غير أن ثمَّةَ عوامل أخرى قد تجعلهم يميلون نحو السَّلمِ، ولعل أهمها؛ عدم تقبُّل الشعب اليمني لوجودهم، بعد الكثير من الممارسات والانتهاكات التي ارتكبوها بحق اليمنيين، وتراجع نسبة القبول المجتمعي بهم.

كما أن جماعة الحوثيين أيقنت عدم قدرتها على حكم اليمن بشكلٍ كاملٍ، أو فرض مشروعهم الطائفي على كافة أنحاء البلاد؛ وهذا ما يدفعهم لقبول أيَّة تسوية، تضمن لهم البقاء مسيطرين، ولو على أجزاء من اليمن، ويُؤمِّن لهم الاستمرار في الحصول على ما تبقَّى لهم من مكاسب.

وما يُقوِّي هذا الطرْح، أن الحوثيين يدركون مدى تخلِّي إيران عن الاستمرار قُدُمًا في دعمهم لتهديد السعودية، خاصَّةً عقب الاتفاق بين “طهران والرياض”، وبالتالي فإن القبول بالتفاهمات مع السعودية، قد يضمن للحوثيين ما تبقَّى لهم من مكاسب.

خاصَّةً في ظلِّ توقُّعٍ لشكل الدولة والنظام في اليمن، بطريقةٍ معينةٍ، عقب التسوية السياسية المتوقعة، التي ستنتج عن التفاهمات بين “السعودية والحوثيين”.

واحتمالات الإبقاء على المناطق الخاضعة للحوثيين تحت سيطرة الجماعة مرتفعة جدًا، في ظل التفاهمات الأخيرة، بالإضافة إلى إشراكهم في تسوية وحكومة مُوحَّدة مع الشرعية وبقية المكونات السياسية الأخرى، مع احتفاظ كل طرف بمناطقه عسكريًّا، والخضوع لحكومة واحدة سياسيًّا، وعمومًا، فإن أيَّة نتائج أو مخرجات حول هذه الجزئيات، ستؤكدها الأيام القادمة، الكفيلة بكشف ما سيتم الاتفاق عليه بين “السعودية والحوثيين” في الرياض.

كلمات مفتاحية