قراءة في الصراع الروسي الأوكراني ومستقبله في ٢٠٢٣

إعداد: مروة سماحة 

المقدمة

شهد عام 2022 المنصرم منذُ أيام  الكثير من الأحداث المتأججة على الصعيد العالمي، التي كان أهمها الحرب الروسية الأوكرانية التي شُنَت موافق 24 فبراير العام الماضي، وبدورها كان هناك تداعيات وخيمة  على الاقتصاد والأمن القومي العالمي ، وبمستهل عام 2023 ، ستوشك الحرب الروسية الأوكرانية على إتمام عامها الأول والدخول في عامها الثاني، وباتت التوقعات والسيناريوهات المتعلقة بمستقبل الحرب في 2023 تتأرجح بين عدة مسارات، ولاسيما بعد فشل الهدنة التي أقرها بوتين في بداية العام احتفالًا بعيد الميلاد المجيد، وفي ذلك التقرير سيتم تسليط الضوء على أهم ما كشفته الحرب الروسية الأوكرانية عن كل من روسيا وأوكرانيا والغرب في 2022 ، مرورًا بعرض الأوضاع الراهنة ، نهاية بوضع سيناريوهات استشرافيه لمصير الحرب  في 2023 .

ماذا كشفت الحرب الروسية الأوكرانية في 2022؟

روسيا دولة ماضوية انتقامية

فكشفت الحرب أن روسيا دولة امبريالية، كما  كشفت الستار عما تنقله للعالم من أوهام  بصفتها دولة تتوجه بشكل متوازن نحو  تحقيق الاستقرار الداخلي والخارجي، كما أن الاتحاد الروسي امبراطورية شريرة وقد تكون الأسوأ على الاطلاق، كما كشفت الحرب عن الثقافة الروسية الاستعمارية التي أكدت على ذلك التوجه من خلال عدم اتخاذ الشعب موقف أخلاقي ضد بوتين ونظامه والحرب في أوكرانيا.

كما أوضحت الحرب في نهاية 2022 أن السبب الجوهري وراء اشتعالها ليس بسبب توسيع نطاق حزب الناتو وعضوية أوكرانيا المحتملة؛ فستنضم فنلندا والسويد إلى حلف الناتو وبالتالي سيتم توسيع نطاق الحلف اعتبارًا من عام 2023، ووفقًا لذلك، لم تبد روسيا أي اعتراض، وكان الجميع في روسيا وأوكرانيا وأوروبا وأمريكا الشمالية قبل الحرب بأسبوعين أن ـأوكرانيا لن تسنح أمامها الفرصة للانضمام إلى الناتو إلا بعد مرور عقدين على الأقل، والسبب يكمن في التوجه الامبريالي الروسي والحنين لحضارة الاتحاد السوفيتي الماضوية.

بوتين يسير بروسيا إلى الهاوية

تمكن بوتين خلال العشرين سنة التي أمضاها بالسلطة من انشاء نظام هش مجرد من  الحياة ، كما ساعد في تقويض اقتصاد السوق وما يرتبط به من فئات مهنية ، وتحويل روسيا إلى دولة نفطية فاسدة للغاية وغير فعالة، وكذلك جعل  روسيا دولة ينفر منها أصدقائها وحلفائها، كما لطخ اسم روسيا بربطها بجرائم الحرب، واشراكها في حرب مدمرة ستعد من أعظم الأخطاء الاستراتيجية في التاريخ. وتجدر الإشارة إلى أن أكبر الأخطاء التي يرتكبها بوتين هو جعل نفسه التجسيد والركيزة الأساسية في النظام السياسي الروسي، ومع مغادرته سيتعرض النظام لضغوط شديدة من أجل البقاء بدونه.

روسيا تحارب الغرب بأكمله وليس أوكرانيا فقط

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية أن تواجد السلاح الروسي في الغرب يمثل تهديد استراتيجي لا مثيل له، ويستدل بذلك الدعم الغربي الواسع لأوكرانيا على كافة المستويات، فلم تكتفي الدول الأوروبية بتقديم المساعدات الغذائية وفتح الحدود بشكل مرن لللاجئين، بل قامت الدول الأوروبية بدعم الجيش الأوكراني عسكريًا وهذا يعتبر نقطة التوازن التي تعتمد عليها أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وحتى الآن ما زالت المساعدات العسكرية تتدفق على كييف، وفي سياق متصل، تداولت قناة إكسترا نيوز تقريرًا عن حجم الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا مشيرة إلى ما أفصحت عنه أبرز دفاعات الولايات المتحدة الأمريكية من المساعدات العسكرية لكييف سنة 2022 التي تم تقديرها على نحو 3 مليار دولار، شاملة 50 مدرعة من طراز برادلي وعشرات المدرعات الأخرى. والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي التاريخية إلى البيت الأبيض قبل نهاية العام بأيام وتأكيد الكونجرس على عزمه في تسليح أوكرانيا بصواريخ باتريوت حتى تتمكن التصدي للهجمات الروسية بالصواريخ والطائرات المسيرة، تعد دلالة على أن تلك الحرب روسية غربية في المقام الأول.

ازدواجية المعايير الغربية وخدعة حقوق الانسان

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء على مدى تسييس المنظومة الغربية بقيمها ومبادئها؛ فعكست  الكثير من مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية ضد كل من هو غير أوروبي الجنس، وكذلك لاقت الحرب انتفاضة أخلاقية كبيرة من قبل المجتمع الغربي ومنظمات حقوق الإنسان لم تشهدها الأزمات في الوطن العربي والحروب في العالم الثالث من قبل، بالرغم من تداعياتها المأسوية على كافة المستويات والأصعدة، بخلاف ازدواجية المعايير التي كانت ترى الغزو الأمريكي للعراق وما نتج عنه من دمار تدخل انساني، والحرب الروسية الأوكرانية سياسة استعمارية توسعية. 

الوضع الحالي

تصعيد في المعارك

بالرغم من دعوة بوتين إلى وقف إطلاق النار خلال فترة الاحتفال بأعياد الميلاد لدى اتباع الكنيسة الأرثوذكسية، قام الجيش الروسي بإسقاط بلدة باخموت بعد يومين من الإعلان، وقد أسفر ذلك إلى تكبد الأوكرانيون خسائر فادحة، وعقب ذلك استأنف الجيش الزحف وقام بقصف مدينة سوليدا يوم  الثلاثاء أكثر من مئة مرة وشن 22 هجومًا وبالفعل نجحت القوات الروسية في السيطرة الكلية على المدينة يوم الأربعاء، ووفقًا للناطق الأوكراني باسم قيادة المنطقة الشرقية؛ فقد دمرت مدينة سوليدار بشكل كبير نتيجة الهجمات الروسية الأخيرة بعد أن زجت موسكو بأكثر عناصر فاجنر خبرة وتدريبًا وحددت نقاط ضعف الدفاعات الأوكرانية وضغطت عليها.

تزايد الدعم الغربي

بينما يكثف الروس ضرباتهم على جبهات القتال، تتعالى دعوات غربية للاحتشاد خلف أوكرانيا بتقديم مساعدات عسكرية؛ فدعت هولندا إلى تحالف قوي لتزويد كييف بالدبابات القتالية الحديثة، بصفته استعداد لحملة واسعه من المرتقب أن تغير مسار الموازيين الميدانية للحرب، وبصدد ذلك، ناقشت عدة أطراف غربية عن امدادات بالدبابات والمدرعات لأوكرانيا؛ فتزعم بريطانيا بتدعيم أوكرانيا بدبابات قتالية من طراز challenger 2  ، كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم عتاد عسكري لأوكرانيا يتضمن عربات قتالية من طراز Bradely، كما أعلنت فرنسا ارسال مركبات قتالية من طراز AMX-10 RC، وكذلك يبت المسؤولون في ألمانيا بتزويد كييف بدبابات قتالية ومدرعات من طراز Marder .

السيناريوهات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية في 2023

بعد الاطلاع على ما سبق من معطيات ودلالات، يمكن التنبؤ بسيناريوهين للحرب الروسية الأوكرانية في 2023، وهما كالتالي:

إطالة أمد الحرب

من المتوقع أن تستمر الحرب الروسية الأوكرانية بدون حسم أمام الوضع الميداني الحالي، وكذلك استمرار حالة التصعيد بين الطرفين، ولاسيما بعد تزايد عزم الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بالعتاد والأسلحة ليتسع نطاق الحرب لتكن حرب روسية ضد الناتو، وهذا ما يجعل روسيا تزداد انهماكًا في الحرب واستئناف عملياتها العسكرية كفرصة لاستعراض قوتها ومدى صمودها أمام الغرب ولتثبت أن لديها كل المقومات التي تجعلها طرفًا في نظام دولي متعدد القطبية. وبصدد الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا والتوسع الروسي بها خلال الفترة الحالية، فمن المتوقع عدم استسلام الجيش الأوكراني وصموده أمام الروس .

الجلوس على طاولة المفاوضات لوقف الحرب

بالرغم من الاتجاه نحو التصعيد العسكري على الأرض، فمن المتفق عليه أن الحرب أضحت مكلفة لجميع الأطراف؛ فبالنسبة لروسيا، باتت مقوماتها العسكرية والاقتصادية اليوم غير جديرة بالكفاية للاستمرار في عملياتها العسكرية بأوكرانيا لمدة أطول، ولاسيما مع العقوبات الاقتصادية والسياسية الضاغطة المفروضة عليها من قبل الدول الغربية.

وبالنسبة للجانب الغربي، فقد كلفته الحرب مصاعب كثيرة، كان أهمها تزايد حالات الهجرة واللجوء إليها، فضلًا عن الانعكاسات السلبية خلف العقوبات المفروضة على روسيا، وخاصة فيما يتعلق بتأمين حاجات الدول الغربية من النفط والغاز وبعض من المنتجات الزراعية، والتي نتج عنها ارتفاع اسعار السلع الأساسية، وتزايد نسب الفقر داخل مجتمعاتها، وتوقف عدد من المصانع عن العمل، فضلًا عن تزايد تكلفة الدعم الغربي السخي لأوكرانيا من أجل مساعدتها على الصمود في مواجهة الروس. وكل ذلك يحيل إلى أن الجانب الغربي سيستمر في تلك الحرب لأمد طويل أو سيقبل بتفاقم وتصعيد الوضع نحو الأسوأ.

وانطلاقًا مما سبق، فمن المحتمل أن يصل التصعيد الجاري من أطراف الحرب بالصراع إلى مرحلة تمهد إلى عقد اتفاق لوقف اطلاق النار وإن كان هذا الاتفاق مؤقت، ثم الدخول بعد ذلك إلى المفاوضات، ولا شك بإطالة أمدها وفقًا لتعقيد الاشكالات المتراكمة، وامتلاك كل طرف لأوراق ضغط سيحرص على توظيفها.

ختامًا

يجدر بالإشارة أنه في كلا السيناريوهين، سواء ارتبط الأمر بالاحتمال القائم على استئناف التصعيد العسكري وإطالة أمد الحرب، أو الاحتمال الآخر المتعلق بإمكانية التفاوض بين أطراف الحرب الأوكرانية في سبيل البحث عن توافقات، فإن الأمر سيتطلب وقتًا مطول ؛ حتى يتم إرساء السلام بشكل مستدام، وبالتالي فستكون 2023 استمرارًا للحرب الروسية الأوكرانية .

 

كلمات مفتاحية