قراءة في الموجات الاحتجاجية في الأردن

إعداد: أكرم السيد

لا تزال الأوضاع العالمية غير المستقرة على الصعيد الاقتصادي، تُلقي بظلالها على الأوضاع السياسية، في مختلف دول العالم، على اختلاف تفاوت قدراتها الاقتصادية، وفي هذه المرة، نالت (المملكة الأردنية) نصيبها من الاضطراب الاقتصادي الحادث؛ حيث شهدت الأردن على مدار العاميْن الماضييْن، ارتفاعاتٍ كبيرةً في أسعار المشتقات النفطية؛ حيث ارتفعت الأسعار 16 مرةً تقريبًا، ويعتبر شهر نوفمبر الماضي آخر الجولات، التي تم تحريك الأسعار فيها، بنسبة تعدَّت 45% ؛ ما قُوبل باحتجاجاتٍ شعبيةٍ، شهدتها عمان منذ الفاتح من ديسمبر الجاري؛ لتأخذ الأوضاع الداخلية المتأزمة في (الأردن) صبغةً سياسيةً، ويمتد الأمر إلى أبعد من مجرد تحريك أسعار المحروقات.

أبرز ردود الفعل النخبوية والشعبية

لم تسْلَم قرارات الحكومة الأخيرة من الاعتراضات على المستوى النخبوي والشعبي معًا، فعلى صعيد السلطة التشريعية، أثارت الموجة الأخيرة، من رفع الأسعار تنديدًا واضحًا من بعض نواب البرلمان؛ حيث ألقوا باللوم على عدم الاكتراث الحكومي بالأوضاع المعيشية، ويذكر أن هذا التنديد البرلماني قُوبل برد فعل حكومي؛ حيث صرَّح رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، بأن الخزينة العامة للدولة، لم يعد بمقدروها مواصلة دعم المحروقات؛ نظرًا لاستنزاف الدعم الكثير من الاحتياطات المالية.

في المقابل، لم يكن هذا المبرر الذي أبداه رئيس الوزراء مقنعًا لشريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين، لا سيما الطبقة الوسطى، التي عانت ولا تزال تعاني؛ من جرَّاء الارتفاعات المتكررة في الأسعار، وهذا بدوْره، أدَّى إلى احتجاجات وإضرابات شهدتها مناطق متفرقة في البلاد، توزاي معها موجات اعتراض على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

 وفي سياقٍ متصلٍ، فإن ثمَّة تداعيات شهدتها البلاد؛ نتيجةً لهذه الاحتجاجات؛ حيث نتيجةً لإضرباتٍ نظَّمها أفراد ينتمون لقطاعات اقتصادية مختلفة، كسائقي الشاحنات، فإن ثمَّة تكدُّسًا للبضائع في الموانئ قد حدث؛ ما أدَّى إلى نقْص تزويد الأسواق بالسلع الأساسية، بالإضافة إلى تطوُّر الأوضاع على الأرض، وتحوُّل الاحتجاجات إلى اشتباكاتٍ مع قوات الشرطة، والتي سقط على إثرها، نائب مدير شرطة محافظة (معان الجنوبية)، وهو “عبد الرزاق الدلابيج”، فوْر تعرُّضه لإطلاق نار، فيما قد أُصيب 49 آخرون.

تصاعد الأحداث ما بين تشكيك في نوايا المحتجين وما بين تأييد لهم

1-أثار مقتل “الدلابيج” الشكوك حول مدى سلامة نية المحتجين، ومدى تنظيمهم لهذه الاحتجاجات والاستمرار فيها؛ انطلاقًا من أرضية وطنية؛ حيث يرى محللون، أن حادثة مقتل “الدلابيج” كاشفة، إلى حدٍّ كبيرٍ، ارتباط المحتجين بعناصر خارجية، لها مصلحة في تأجيج الأوضاع الداخلية، ويدلل هذا  الفريق من المحللين على نظرتهم هذه للاحتجاجات، بالاستشهاد بموجات احتجاجات ماضية شهدتها البلاد كانت سلمية إلى حدٍّ كبيرٍ، فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت الأردن عدة احتجاجات داخلية، كاضطرابات أو تظاهرات، لكنها لم تصل أبدًا إلى درجة قطْع الطرق، أو استخدام السلاح؛ ما يجعل الاحتجاجات الجارية الآن مختلفة عن سابقتها، ويجعل من احتمالية تدخل أطراف بعينها؛ من أجل إشعال الأوضاع أمرًا واردًا.

تلك النظرة تجعل من التدخلات الخارجية في الأوضاع الداخلية أمرًا شديد الالتصاق؛ ما يفرض على الحكومة، ضرورة التدخل للوقوف على أسباب ما يحدث، وفي هذا الإطار، وفي سياق المتابعة الرسمية، الحريصة على متابعة تطورات الأحداث، أعلنت الحكومة الأردنية، عزْمها اتخاذ خطوات صارمة، وكذا عزمها، مواجهة العناصر الهادفة إلى تصعيد الاحتجاجات إلى سلم المواجهات الدامية بين المواطنين والدولة، كما حرص الملك عبد الله الثاني، على المشاركة في مراسم عزاء، نائب مدير شرطة (معان)، متوعدًا بتصدي الدولة الحازم لمحاولات رفع السلاح في وجه الدولة أو ممتلكاتها.

2-وعلى الجانب الآخر، يرى فريق من المحللين، أن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد؛ نتيجة أوضاع داخلية واقتصادية غير مستقرة، وأن الحادث على الأرض من تظاهرات وإضرابات، هي نتيجة طبيعية لتأزُّم الأوضاع، مستبعدين وصف الاحتجاجات الجارية، بأنها نتيجة لتدبير أطراف خفية أو أطراف خارجية، وبشكلٍ عامٍ، يُجْمِعُ جميعُ الأطراف، المؤيدون للاحتجاجات والمعارضون لها، رفض العنف، ورفض تحوُّل الاحتجاجات إلى مواجهات بين الشرطة والمحتجين، قد ينتج عنها خسائر بشرية ومادية، من شأنها، المساهمة في تفاقُم الأوضاع المتأزمة.

لماذا تتركز الاحتجاجات في الجنوب؟

يذهب بعض المحللين، إلى وقوف إيران وأذرعها خلف تأجيج الأوضاع في الأردن، من منطلق أن التشكيك في النظام الملكي بالأردن وإسقاطه من شأنه، أن يمنح إيران اختراقًا للجزيرة العربية، التي يهيمن عليه تحالفٌ خليجيٌّ أمريكيٌّ مناهضٌ لـ(طهران)، ولكن من زاويةٍ أُخرى، فإن محاولة الاتكاء على قاعدة، مفادها، أن الاحتجاجات التي تتوزع في عدة مناطق في البلاد، هي من قبيل تدبير قوى متربصة بالأردن، هو تجاهل لحقيقة ما يجري من تدهور للأوضاع المعيشية، وأمام احتجاجات متكررة على مدار السنوات الماضية؛ بسبب ظروفٍ صعبةٍ تمر بها البلاد، فإن هذا يستدعي على الحكومة الاهتمام بتطوير آليات، من شأنها، حل الأزمة بدلًا من إلقاء اللوم على أطراف مجهولة، وهذا التحليل لا يعني نفي أي محاولات من أطراف ما، التدخل في المشهد الأردني المضطرب واستغلاله من أجل مكتسبات سياسية، لكن تدخلًا حكوميًّا يعالج الأزمة الراهنة، ويفتح قنوات تواصل مجدية ومقنعة مع المواطنين، من شأنها، أن تقطع الطريق أمام أي أطراف تعمل على استغلال الأزمة.

 وفي سياقٍ متصلٍ، فإنه يمكن فهم تركُّز عددٍ كبيرٍ من الموجات الاحتجاجية في الجنوب الأردني، وبالتحديد محافظة معان؛ نظرًا لاعتماد اقتصادها على النقل الثقيل، ونتيجةً لارتفاعٍ مَهُولٍ في أسعار الطاقة اللازمة؛ لتدفق حركة النقل الثقيل، فإن ثمَّةَ إضرابات، وتوقف عن العمل، قد شهدته هذه المحافظة.

هل تنحسر الموجات الاحتجاجية؟

كان لجوء الحكومة الأردنية إلى رفع أسعار الطاقة، هو الفتيل الذي أشعل موجة الاحتجاجات الحالية، ونظرا لالتزام (عمان) ببرنامج إصلاح اقتصادي، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، فإن الأمل في أن تعدل الحكومة عن قرارها؛ الهادف إلى رفع الدعم عن أسعار الطاقة مستبعد بدرجة كبيرة، وهو أكدته تصريحات حكومية، تفيد بصعوبة إنفاق مزيدٍ من الأموال؛ لدعم الطاقة، وعلى الرغم من ذلك، تعهدت الحكومة في احتواء مطالب المحتجين، وذكرت أنها أنفقت ما يقارب ٧٠٠ مليون دولار هذا العام؛ لدعم أسعار الطاقة، لكن ذلك لا يبدو مقنعًا للمشاركين في الاحتجاجات؛ ما يتطلب مرونةً حكوميةً أكبر أمام تعنُّت المحتجين، من شأنها، أن تؤدي إلى عودة الاستقرار إلى عموم البلاد.

وختامًا

أمام استمرار الاحتجاجات ميدانيًّا، وعدم نجاح التبريرات الحكومية، في تهدئة وطأة التظاهرات، فإنه لا جدوى أمام (الأردن)، في إعطاء ظهْرها لمطالب المحتجين، هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنه نظرًا لتمتُّع النظام الأردني بأرضيةٍ شعبيةٍ لا تزال حية، فإن تدخلًا ملكيًّا مباشرًا يتمثل في توجيه الحكومة للتوصُّل إلى حلٍّ وسطٍ مع المحتجين، من شأنه، أن يضفي على الأوضاع بعض الهدوء، ويقطع الطريق أمام الدخول في مراحل تصعيدية للأزمة، تستغلها أطراف سياسية لصالحها.

كلمات مفتاحية