إعداد: وسام العربي
مقدمة:
يعالج التقرير الذي أعده كل من “كورت بوسرت، وفيليب أولارت”، والصادر عن معهد الدراسات الأمنية ISS حول التوترات المستجدة في العلاقات بين روسيا ومجموعة الدول الأفريقية (A3) في مجلس الأمن، خلال العام 2020؛ حيث يتناول الكاتبان البارزان في مجال العلاقات الدولية الجيوسياسية المعقدة، وتأثيرها على المواقف والتحالفات داخل المجلس، ويوضح الكاتبان الديناميكيات الجديدة والتحديات التي تواجهها الدول الأفريقية وروسيا في الساحة الدولية.[1]
يبرز التقرير أهمية المجموعة الأفريقية في السياق العالمي، ويستعرض التفاعلات والتباينات الحادة بينها وبين روسيا في مجلس الأمن الدولي، ويوضح كيف تشكل هذه المجموعة نقطة تحالف هامة في السياق السياسي الدولي، مع الإشارة إلى تغييرات روسيا في تعاملها مع الدول الأفريقية، كما يقدم رؤية جديدة للتوجهات السياسية الحديثة والتحديات التي تواجهها الدول الأفريقية في ظل تطور العلاقات الدولية، إلا أنه بالرغم من البيانات الثمينة والتحليلات العميقة التي يقدمها المقال، يظل هناك بعض القضايا التي تستحق النقد والاستكشاف الأعمق، ولهذا السبب؛ سنقوم بإعطاء نظرة نقدية على الأفكار المطروحة في التقرير.
الفكرة الرئيسية للتقرير:
تتمحور فكرة التقرير حول تحليل التوترات والاختلافات في المواقف بين مجموعة الدول الأفريقية (A3) وروسيا في مجلس الأمن الدولي؛ إذ يُلقي الضوء على نقاط التقارب والانفصال بين الجانبين، فيما يتعلق بالقضايا المطروحة في المجلس، مثل “النزاعات في دولة الكونغو الديمقراطية، والصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى”، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بـ”ليبيا، والصحراء الغربية، والسودان، وجنوب السودان”، ويُظهر أن مجموعة الدول الأفريقية كانت تؤيد بشكلٍ متجانسٍ اعتماد هذه القرارات، بينما امتنعت روسيا عن التصويت في أغلب الحالات، وهذا يشير إلى وجود اختلافات وتباينات واضحة بين الجانبين في قضايا الصراعات والأزمات في أفريقيا والشرق الأوسط.
تُظهر البيانات المقدمة في المقال تكرار تحالف مجموعة الدول الأفريقية (A3) مع الدول الغربية، مثل “الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا”، في المجلس؛ ما يدل على قرب الاتجاهات السياسية للأفريقيين من تلك الدول، على الرغم من التنوع الداخلي للقارة، ويشير المقال أيضًا إلى أهمية اعتماد استراتيجية موحدة للقارة الأفريقية في التعامل مع العلاقات الدولية، تتيح لها الاستفادة من وزنها وتأثيرها على الساحة الدولية، وعامةً، يعكس المقال أهمية العلاقات بين روسيا وأفريقيا، في ظل التغيُّرات الجيوسياسية العالمية، ويستعرض التحديات التي تواجهها الدول الأفريقية في تحقيق التوازن بين مصالحها وتحقيق أهدافها الدولية، ومن المهم أن تستمر الدول الأفريقية في تعزيز التعاون والتنسيق بينها؛ لتحقيق تحالف قوي، يُساهم في حماية مصالح القارة، وتعزيز دورها في المشهد الدولي.
الأفكار الفرعية:
تطور العلاقات الروسية الأفريقية خلال العقد الماضي
يستعرض التقرير بدقة وتفصيل تطور العلاقات بين روسيا وأفريقيا على مدار العقد الماضي، من خلال تسليط الضوء على زيادة التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية، فيشير إلى أن حجم التجارة بين روسيا وأفريقيا قد زاد بنسبة تتجاوز 300٪، خلال العقد الماضي؛ ما يشكل مؤشرًا قويًّا على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفيْن، واهتمام روسيا المتزايد بالاستثمار في السوق الأفريقية، كما يستعرض الزيارات الرئاسية الهامة بين روسيا والدول الأفريقية، والتي تعكس أهمية التواصل السياسي بينهما، ويشير في هذا الصدد، إلى أن رؤساء دول أفريقيا قد زاروا روسيا بشكلٍ متكررٍ خلال العقد الماضي، وعلى سبيل المثال؛ تمت زيارة رئيس جنوب أفريقيا لروسيا في عام 2021، تلك الزيارات تعكس التزام روسيا بتعزيز العلاقات الثنائية وتوطيد التعاون السياسي والاقتصادي.
يدعم التقرير فكرة تزايد الاستثمارات الروسية في القارة الأفريقية؛ حيث يشير إلى أن روسيا قد وقَّعت عددًا من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع دول أفريقيا في مجموعة متنوعة من القطاعات، مثل “الطاقة، والبنية التحتية، والتعليم”، وفقًا للمقال، فإن هذه الاستثمارات تُعزِّزُ الاقتصاد الأفريقي وتدعم تنمية القارة.
التحالفات والتباينات بين روسيا ومجموعة الدول الأفريقية في مجلس الأمن الدولي
يشير التقرير إلى تحالفات روسيا مع مجموعة الدول الأفريقية في بعض القضايا التي تأتي في مقدمة أجندة مجلس الأمن، والتي من بينها؛ يُذكر التصويت المتوافق بين روسيا ومجموعة الدول الأفريقية، فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية في أفريقيا، مثل “الصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى”، ويعتبر هذا التحالف استجابة للتهديدات الأمنية المشتركة والتحديات الإقليمية التي تواجه البلديْن والقارة بأكملها، ويدعم التقرير هذه الفكرة بالإشارة إلى عدة قرارات مشتركة صوَّتت عليها روسيا ومجموعة الدول الأفريقية بالإجماع.
أما عن التباينات بين روسيا ومجموعة الدول الأفريقية في بعض القضايا المثيرة للجدل في مجلس الأمن، يُشير التقرير إلى أن روسيا غالبًا ما تصوت ضد القرارات التي تدعمها مجموعة الدول الأفريقية، ويُقدم أمثلةً على ذلك، من خلال تصويتها ضد قرارات، تهدف إلى فرض عقوبات على بعض الدول الأفريقية، أو التدخل في شؤونها الداخلية، وتظهر البيانات المقدمة في المقال، أن هذه التباينات تنُمُّ عن اختلاف في المصالح والرؤى بين الجانبين.
يسلط التقرير الضوء على العوامل التي تؤثر في تحالف روسيا ومجموعة الدول الأفريقية في مجلس الأمن؛ حيث يُذكر أن بعض العوامل الرئيسية تتضمن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لكل طرف، وأيضًا التحديات الأمنية المشتركة التي تواجهها الدول الأفريقية، والتي تدفعها للتعاون مع روسيا في بعض القضايا، ويستدل المقال على ذلك بنتائج دراسات وتحليلات موضوعية، تم نشرها في المجلات الأكاديمية المرموقة.
تعاطي روسيا ومجموعة الدول الأفريقية للقضايا المثارة في المجلس
تم توضيح أن هناك عددًا من القضايا المستعرَضة بانتظام في المجلس تتعلق بالدول الأفريقية، ويذكر النزاعات في “الكونغو الديمقراطية، والصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى” كأمثلة لتلك القضايا، ويشير التقرير إلى أن هذه القضايا تستدعي انتباه المجتمع الدولي، وتطلب من مجلس الأمن اتخاذ إجراءات فعَّالة للتعامل معها، ثم يستعرض المقال مواقف روسيا ومجموعة الدول الأفريقية تجاه هذه القضايا، ويشير إلى أن روسيا قدمت مواقف متباينة بخصوص بعض هذه القضايا؛ حيث صوَّتت ضد بعض القرارات المتعلقة بهذه الدول في المجلس، ويُوضِّح أن هذه التصويتات تحمل رسالة معينة حيال تلك القضايا، وتعكس مواقف سياسية واقتصادية قد تكون مختلفة عن مواقف الدول الأفريقية.
بالإضافة إلى ذكر الجهود المبذولة من قِبَلِ مجموعة الدول الأفريقية للتعامل مع هذه القضايا في المجلس؛ حيث يذكر التقرير أن مجموعة الدول الأفريقية تسعى إلى تحقيق توافق وتوحيد المواقف تجاه هذه القضايا، وتعزيز صوت القارة الأفريقية في المجلس، ويوضح أن مجموعة الدول الأفريقية تعمل بجد للحصول على دعم دول أخرى في المجلس لقضاياها، وتقديم الدعم المطلوب للتعامل مع التحديات المشتركة.
توجهات الأفريقيين نحو الدول الغربية:
وفقًا للتقرير، فإن مجموعة الدول الأفريقية تعاونت مع الدول الغربية في تبنِّي بعض القرارات والمواقف في مجلس الأمن؛ ما يشير إلى تقارب توجهاتهم، ولقد استخدم المقال بيانات من الجلسات والتصويتات بالمجلس لدعم هذه الفكرة، وعلى سبيل المثال؛ يذكر أن مجموعة الدول الأفريقية انضمت إلى الدول الغربية في التصويت لصالح قرار تأييد اتفاق السلام في كولومبيا، وهذا يُظهر تبادل الدعم بينهم في القضايا الدولية، كما يشير إلى تجاوب مجموعة الدول الأفريقية مع الجهود الدولية لحل النزاعات في “سوريا، ودولة فلسطين”، وهذا يعكس التقارب في التوجهات، وتُظهر البيانات المقدمة أن مجموعة الدول الأفريقية انضمت إلى الدول الغربية في التصويت ضد تمديد حظر الأسلحة على إيران؛ ما يشير إلى اختلاف في المواقف بينهم؛ ما يُظهر أن هناك تحالفات وتباينات بين مجموعة الدول الأفريقية والدول الغربية في بعض القضايا الدولية، ومن الملفت أن التقرير قدَّم أمثلة أخرى تُظهر تقارُب توجهات مجموعة الدول الأفريقية مع الدول الغربية في مجلس الأمن، وذكر أن مجموعة الدول الأفريقية عبَّرت عن قلقها إزاء التطورات في أوكرانيا، وهو موقف يُشير إلى دعمها للدول الغربية في هذا الصدد.
أهمية اعتماد استراتيجية موحدة للدول الأفريقية
أعطى التقرير أهمية بالغة لاعتماد استراتيجية موحدة لأفريقيا في التعامل مع العلاقات الدولية، هذا التأكيد يأتي من فهم المؤلف للتغيرات الحالية في السياسة العالمية والتحولات في القوى العظمى؛ حيث يبرز التقرير أن الدول الأفريقية، رغم الاختلافات الموجودة بينها، تتشارك في العديد من التحديات والفرص، بيانات التقرير تشير إلى أن هناك زيادة في الاهتمام الدولي بالقارة الأفريقية، ولكن هذا الاهتمام غالبًا ما يأتي من منطلقات تتعلق بالمصالح الاستراتيجية أكثر من الرغبة في تعزيز التنمية المستدامة في القارة، وعلى هذا النحو، يعتبر أن اعتماد استراتيجية موحدة قد يُمكِّنُ الدول الأفريقية من التفاوض بشكل أكثر فعالية في الساحة الدولية، ويستدل على هذه الفكرة بالإشارة إلى البيانات المتعلقة بالنجاحات التي حققتها البلدان الأفريقية، عندما تحدثت بصوت واحد في مؤسسات مثل الأمم المتحدة.
التقييم:
يحتوي التقرير على العديد من الجوانب الإيجابية، ومن بينها:
- تحليل شامل: يقدم التقرير تحليلًا شاملًا للتحديات التي تواجه الدول الأفريقية في الوقت الحالي، مثل “الفقر، والتطور الاقتصادي، والأمن” وغيرها، يساعد هذا التحليل القارئ على فهم أعمق للمشكلات التي تحتاج إلى معالجة.
- دعم بالبيانات: يستند المقال إلى بيانات وإحصائيات موثوقة لدعم وتوثيق الأفكار المطروحة، هذا يزيد من مصداقية المقال ويُعزِّزُ الثقة في الطرح.
- التركيز على الاستراتيجية الموحدة: يعرض المقال فكرة قوية حول أهمية اعتماد استراتيجية موحدة للتعامل مع التحديات والعلاقات الدولية، هذه الفكرة تعكس رؤية طموحة لتعزيز دور القارة الأفريقية على المستوى العالمي.
- التركيز على التعاون الإقليمي: يُشدِّدُ المقال على أهمية التعاون بين الدول الأفريقية، وبناء شراكات قوية داخل القارة، هذا النَّهْج يمكن أن يُعزِّزَ من فعالية الاستراتيجية الموحدة ويحقق التكامل والتقدم.
- رؤية إيجابية: يختتم المقال برؤية إيجابية للمستقبل؛ حيث يركز على أهمية العمل المشترك، وتحقيق التقدم والتنمية في القارة الأفريقية، ويلقي المقال الضوء على أن القارة لديها إمكانات كبيرة لتحقيق التغيير الإيجابي.
بشكلٍ عامٍ، يتميز المقال بالشمولية والتوازن في التعامل مع القضايا الأفريقية، ويحمل رؤية إيجابية للمستقبل، كما يتمتع بمصداقية عالية؛ بفضل دعمه بالبيانات والإحصائيات الموثوقة، ولكن يمكن النظر بصورة نقدية لبعض الجوانب، ففيما يخص التحديات التي تواجه الدول الأفريقية، يعرض المقال تحليلًا دقيقًا لتلك التحديات والفرص المرتبطة بها، ومع ذلك، قد يكون المقال أكثر فعالية إذا كان قدَّم حلولًا أكثر تفصيلًا وتحديدًا لكيفية التغلُّب على هذه التحديات، بدلًا من التركيز فقط على وصْف المشكلة، يمكن أن يكون للمقال أثر أكبر إذا تناول كيفية تطبيق سياسات فعَّالة لمعالجة هذه المشاكل، أما بالنسبة لفكرة الاعتماد على استراتيجية موحدة للتعامل مع العلاقات الدولية، فإنها فكرة قوية ومدعومة بالبيانات في المقال، ومع ذلك، يمكن أن يكون المقال أكثر توازنًا إذا ناقش أيضًا التحديات والصعوبات التي قد تواجه تحقيق هذه الاستراتيجية الموحدة، فعلى سبيل المثال؛ قد يتعين على الدول الأفريقية التغلب على اختلافاتها الداخلية، وتوجيه مواردها المحدودة نحو تنفيذ هذه الاستراتيجية.
بالنسبة للاهتمام المتزايد بالقارة الأفريقية من قِبَلِ القوى العظمى، فإن هذه النقطة مؤثرة، ويمكن أن تساهم في تعزيز دور القارة في السياسة العالمية، لكن من المهم أن يتناول المقال أيضًا آفاق هذا الاهتمام وتأثيره على السيادة الوطنية للدول الأفريقية، قد يواجه القارة تحديات في مواجهة التدخلات الخارجية، التي قد تكون مدفوعة بأجندات محددة.
أخيرًا:
يجب على المقال، أن يقدم نظرة أعمق عن أهمية العمل الجماعي بين الدول الأفريقية؛ لتحقيق التكامل والتعاون الإقليمي، إن بناء شراكات قوية داخل القارة يمكن أن يُعزِّزَ من فعالية الاستراتيجية الموحدة، ويُعزِّز موقعها في العالم.
وختامًا:
يُعدُّ المقال قاعدةً جيدةً؛ لتسليط الضوء على قضايا هامة تواجه القارة الأفريقية، ولكن يمكن تعزيزه عن طريق تقديم حلول أكثر تفصيلًا، ومواجهة التحديات المحتملة في تنفيذ الاستراتيجية الموحدة، كما يمكن أن يوسع النقاش ليشمل التأثيرات المتوقعة لتنفيذ هذه الاستراتيجية على المدى الطويل والقصير.
المصادر:
Priyal Singh, “Russia is prioritising its Africa outreach to reduce the impact of Western sanctions and its growing isolation,” Institute for Security Studies, November 21, 2022.[1]