إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
في حدثٍ تاريخيٍّ غير معتاد فيما يبدو على الساحة السياسية الكويتية، أدْلى الشيخ “مشعل الأحمد”، أمير الكويت الجديد، بخطابٍ قويٍّ، وصفته الدوائر السياسية في الكويت، بأنه “حاسم”، وذلك بعد أدائه اليمين الدستورية في مجلس الأمة، يوم الأربعاء، الموافق 20 ديسمبر، وفي خطابه لم يتردد الأمير في توجيه نقْدٍ صريحٍ لكُلٍّ من النواب والحكومة؛ الأمر الذي أدَّى إلى ردِّ فعلٍ مباشرٍ من الحكومة؛ حيث قدَّمت استقالتها عقب الجلسة مباشرة،
وقالت وكالة الأنباء الرسمية لدولة الكويت: إن أمير الكويت الشيخ “مشعل الأحمد”، بدأ بالفعل المشاورات التقليدية، التي ينُصُّ عليها الدستور ؛ تمهيدًا لتشكيل الحكومة الجديدة، وقَبِلَ أمير الكويت استقالة الحكومة، وكلَّفها بتصريف الأعمال لحين تشكيل أُخرى جديدة،
ويُعدُّ الشيخ “مشعل الأمير”، السابع عشر للكويت، خلفًا لأخيه الأمير “نواف”، الذي تُوفي يوم السبت 16 ديسمبر، عن 86 عامًا، ويُذكرُ أن الشيخ “مشعل”، شغل مناصب رفيعة في أجهزة الأمن والدفاع الكويتية، واعتاد على تسيير شؤون الحكم؛ نظرًا لتولِّيه على مدى العاميْن الماضييْن المهام الرئيسية للأمير الراحل الشيخ “نواف”.
تمتلك دولة الكويت نحو 7 % من احتياطي النفط العالمي، وتحظى بوضعٍ ماليٍّ قويٍّ مع قليلٍ من الديون، وأحد أكبر صناديق الثروة السيادية عالميًّا، وعلى الرغم من هذه المزايا الاقتصادية، تعاني الكويت من توتُّرات مستمرة بين النواب المنتخبين ووزراء الحكومة التي يُعيِّنُ الأمير رئيس وزرائها.
ويجدر بالذكر ، أن التعثُّر السياسي الناتج عن تلك التوترات، أعاق تحقيق الإصلاحات الضرورية لتنويع الاقتصاد؛ ما أدَّى إلى تفاقُم المشكلات المالية، مثل العجز المتكرر في الميزانية، وضعف الاستثمار الأجنبي.
فكيف يمكن فهْم توجُّهات الأمير الشيخ ” مشعل الأحمد” للكويت من خلال خطابه؟
منذ اللحظة الأولى التي تولَّى فيها الشيخ “مشعل” مقاليد الإمارة، أراد إيصال رسالة واضحة إلى الجميع، متجنبًا الاستعانة بالعبارات التوجيهية التقليدية والخطابات التأبينية، معبرًا عن عُمْق الولاء والاحترام لأخيه الفقيد، الشيخ “نواف الأحمد”، وأكَّد الشيخ “مشعل” قائلًا: “كنا دائمًا نستمع ونطيع للأمير الراحل، ولم نعارض قراراته وتوجيهاته، حتى وإن لم نقتنع ببعضها؛ إذ كانت طاعته جزءًا من طاعتنا لله”، ووفقًا للنص الذي نشره الموقع الرسمي لمجلس الأمة، انتقد الأمير تعاون السلطتيْن التشريعية والتنفيذية، فيما وصفه بـ”الإضرار بمصالح البلاد والشعب”، مشيرًا إلى سلسلةٍ من القضايا، مثل التعيينات وتغيير الهوية الكويتية في ملف الجنسية، والتداعيات المترتبة على ملف العفو، وما حصل من تسابُقٍ لملف ردِّ الاعتبار لإقراره، وأشار الأمير إلى أن الصمت من قِبَلِ أعضاء الحكومة ومجلس الأمة، حول هذه الإجراءات، يُعدُّ بمثابة “صفقة متبادلة للمصالح والمنافع بين السلطتيْن، على حساب مصلحة الوطن والمواطنين.”
بالرغم من وجود بعض التحليلات لكتاب سياسيين كويتيين، الذين يرون أنه من المحتمل أن تستمر السياسات السابقة؛ وذلك لأن الشيخ “مشعل” كان يدير كافة الملفات السيادية كولي للعهد، في ظل الحالة الصحية للأمير الراحل، لكنّ تصريح الأمير حول خلافاته مع السياسات السابقة، يجعل من الضروري إعادة تقييم هذا التقدير، ومتابعة التوجُّهات الجديدة التي ستتكشف خلال الأسابيع القادمة.
إقليميًّا:
وبطبيعة الحال، فمن المتوقع، بأن يسير الأمير الشيخ “مشعل الأحمد” على النهْج نفسه الذي سار عليه أسلافه أمراء الكويت السابقون، فهو حريص على توطيد علاقات الكويت مع أشقائها من الدول العربية والخليجية، وتعزيز التعاون المشترك، والتنسيق مع قادتها فيما يتعلق بالشؤون التي تهم المنطقة والقضايا العربية والعالمية؛ لضمان الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة، وتحقيق الحياة الكريمة للشعوب الخليجية.
ومن المحتمل، أن يستمر الشيخ “مشعل” في التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، خاصَّةً في ظل التحديات الأمنية الإقليمية، مثل التهديدات الإيرانية، أنشطة الميليشيات المسلحة في العراق، مخاطر الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى الأنشطة المتعلقة بتهريب المخدرات في المنطقة، ومن المتوقع أيضًا أن يواصل الأمير “مشعل” الاهتمام بتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية بشكلٍ خاصٍّ.
أما على المستوى الداخلي للكويت:
في ظل قيادة الأمير الجديد، يُتوقع أن تشهد السياسة الداخلية للكويت تحوُّلات، ربما تكون جِذْرية؛ حيث خلال السنوات الأخيرة، عانت البلاد من جمودٍ سياسيٍّ بين مجلس الأمة والحكومات المتعاقبة؛ ما أعاق تمرير تشريعات وسياسات مهمة، خاصَّةً تلك المرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية لتنويع الاقتصاد وتحسين الإدارة المالية.
فكلمات الأمير تلمح إلى وجود تسويات بين الحكومة السابقة ومجلس الأمة لإقرار قوانين تخُصُّ العفو عن بعض الأفراد وردّ الاعتبار لآخرين، في قضايا تشمل جوانب سياسية وغير سياسية، هذه التسويات كانت بهدف تجنُّب الضغوط المستمرة من مجلس الأمة، التي أدَّت في الماضي إلى إسقاط عدة حكومات، وأفْضت إلى حالةٍ من الجمود السياسي، التي اعتادت عليها البلاد.
وفي المجال الأمني، قد يتخذ الأمير خطوات حاسمة لتنفيذ سياسات اقتصادية أو قوانين جديدة، دون اللجوء إلى توازنات مع النواب المعارضين، قد تشمل هذه الإجراءات ضغوطًا سياسيةً وتهديداتٍ غير معلنة، كما لمَّح إليها في خطابه، أو حتى حلّ مجلس الأمة، وإعادة النظر في صلاحياته الدستورية، قد يعيد النظر أيضًا في قرارات سابقة تخُصُّ ملف العفو وردّ الاعتبار.
خلاصة القول:
يبدو أن الكويت مقبلة على مرحلة فرْض “تصحيح مسار”، وأن القرارات التي صدرت في السابق، رافقها جدل اجتماعي، وحديث اجتماعي وسياسي عن مدى استحقاقها، وبالرغم من أنه كان هناك تيار تعاطف معها، إلا أنه يوجد تيار أكبر يرى أن فيها تفريطًا بجوانب من أمن الكويت. ومن خلفية الأمير الجديد الأمنية، يبدو أن أمن الكويت بالنسبة له سيكون بمثابة خطٍّ أحمرَ، لا يقبل فيه أنصاف الحلول، ولا أيَّ نوْعٍ من التقصير.
لذا من المحتمل أن يتجه الأمير “مشعل” نحو إنهاء سياسة استرضاء مجلس الأمة، وهي سياسة تعرَّضت لانتقادات من قِبَلِ مؤسسات دولية؛ بسبب تأثيرها السلبي على مسار التحوُّل الاقتصادي في الكويت، خاصَّةً عند مقارنتها بالتقدُّم الاقتصادي الذي حققته دول مجاورة، مثل “السعودية، الإمارات، وقطر”.