قراءة مستقبلية لدور الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية بعد هجوم 7 أكتوبر

إعداد: رضوى الشريف

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط

مقدمة

تلعب أجهزة الاستخبارات دورًا رئيسيًّا في جميع بلدان العالم، وتحتلُّ مرتبةً عاليةً ضمن دوائر صُنْع القرار  بهذه الأجهزة، التي تتسم بنفوذٍ قويٍّ وتأثيرٍ مؤثرٍ، غالبًا ما تحظى بأكبر نسبةٍ من موازنات الدولة وإمكاناتها التشغيلية، ويأتي ذلك الاهتمام الفائق بأجهزة الاستخبارات من منطلق أنها تقوم بدورٍ حيويٍّ ومركزيٍّ في الحفاظ على أمن الدولة وحماية مصالحها، كما أن لها دورًا بارزًا في الإسهام في عملية التخطيط وتنظيم الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية، خاصَّةً في زمن الحروب والأزمات، وفي أحيانٍ كثيرةٍ تكون الاستخبارات عنصرًا جوهريًّا في تحديد القرارات الرئيسية والمحورية في تاريخ الدول.

وفي سياق ذلك، تأتي “إسرائيل” كواحدةٍ من أكثر الدول التي تمنح أجهزتها الاستخباراتية اهتمامًا مُكثَّفًا، خصوصًا أنها تعيش في أزماتٍ متتاليةٍ، وتخوض حروبًا، في أكثر من صعيد، وهي تعيش باستمرارٍ في حالةٍ من الشعور بالتهديد لأمنها واستقرارها، وربما حتى لوجودها نفسه، هذا الاهتمام الكبير بأجهزتها الاستخباراتية ساهم في تفوُّقها على العديد من نظيراتها حول العالم، وبشكلٍ خاصٍ في منطقة الشرق الأوسط، التي تُعتبر من أكثر المناطق اشتعالًا على صعيد الحرب الاستخبارية، ومنذ قيام “إسرائيل” عام 1948، هناك نظرية ثابتة لم تتغير مع تغيُّر الزمن، وهي أن أجهزة جمْع المعلومات هي التي أدَّت لقيام الدولة، ولها الفضْل الأكبر في تحقيق أهداف “تل أبيب” التوسُّعية، وكذلك معرفة نوايا البيئة الاستراتيجية المحيطة بأعدائها.

وبالرغم من أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تُمثِّلُ قوة “تل أبيب” الضاربة لتعزيز وجودها بالمنطقة، من خلال أدوارها الرئيسية الخطيرة في المحيط العربي وتغلْغُلها داخل المجتمعات لضرب استقرار الدول المعادية لها، إلا أن هجوم السابع من أكتوبر 2023، ألقى بظلالٍ من الشَّكِّ على مدى كفاءة الأجهزة الاستخباراتية، وأثار تساؤلاتٍ حول مدى استعدادها في مواجهة هجوم “حركة حماس”؛ حيث كشف هذا الهجوم عن القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية الغير فعَّالة.

وفي هذا التقرير، سيتم الإشارة إلى المنظومة الاستخبارية في “إسرائيل”؛ من أجل معرفة أساليبها وأدواتها، ودورها خلال هجوم السابع من أكتوبر، ومن ثمَّ عرْض تقييم وقراءة مستقبلية لتلك المنظومة.

أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ومهماتها

تُشكِّلُ الاستخبارات الإسرائيلية هيكلًا يضُمُّ ثلاثة أفْرُعٍ رئيسيةٍ: هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة، المعروفة بـ “الموساد”، جهاز الأمن العام المعروف بـ”الشاباك”، وشعبة الاستخبارات العسكرية المسماة “أمان”، هذه الأفرع الاستخباراتية بتنوُّعِها تُسْهِمُ في الدفاع عن أمن إسرائيل، وتُعدُّ من العناصر الاستراتيجية الرئيسية والذراع الممتدة لمواجهة التحديات الأمنية القومية الإسرائيلية بأشكالها المختلفة، وتعتبر القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية أجهزة الاستخبارات محوريةً في تقديم المعلومات والتقديرات الاستخباراتية، العملياتية والاستراتيجية، وهي تلعب دورًا أساسيًّا في صُنْع القرار وتوجيه السياسة الإسرائيلية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي أو العسكري.

هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة “الموساد”

وهو جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية، ومعنى تسميته “مؤسسة المعلومات والمهمات الخاصة”، وقد تأسس في ديسمبر عام 1949؛ ليقوم بجمع المعلومات، والدراسات الاستخباراتية، وبتنفيذ العمليات السرية خارج حدود “إسرائيل”، ويعمل الموساد بصفته مؤسسة رسمية بتوجيهاتٍ من قادة “إسرائيل”، وفقًا للمتطلبات الاستخباراتية والعمليات المتغيرة، مع مراعاة السرية في أداء عمله، ولديه العديد من المهام التي تندرج ضمن مجالات متنوعة، كالعلاقات السرية مع أطراف أخرى، وقضايا الأسرى والمفقودين، والتقنيات والأبحاث، وعمليات الاغتيال.

وتورَّط “الموساد”، في عملياتٍ كثيرةٍ ضد الدول العربية والأجنبية، منها: عمليات اغتيال لعناصر تعُدُّها إسرائيل معاديةً لها، بالإضافة للعديد من العلماء المصريين في عدة مجالات في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واغتيال العديد من القيادات الفلسطينية في الخارج، ولا يزال يقوم حتى الآن بعمليات التجسُّس حتى ضد الدول الصديقة، والتي لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها، بما فيها الولايات المتحدة نفسها.[1]، ويوجد جهاز تنفيذي تابع للجهاز المركزي الرئيسي للمخابرات الإسرائيلية، ويحمل الاسم نفسه، أسس عام 1953، به مجموعة من الإداريين ومندوبي الميدان في قسم الاستعلام التابع لمنظمة “الهاجاناه” – التي كانت النواة الأولى للجيش الإسرائيلي – وتطور ليتولَّى مهمة الجهاز الرئيسي لدوائر الاستخبارات.

ينقسم “الموساد” إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولًا: قسم المعلومات، وهو يتولَّى جمْع المعلومات وتحليلها، ووضْع الاستنتاجات بشأنها، ثانيًا: قسم العمليات، يتولَّى وضْع خطط العمليات الخاصة، ثالثًا: قسم الحرب النفسية، وهو يُشْرِفُ على خطط العمليات الخاصة بالحرب النفسية وتنفيذها، مستعينًا بجهود القسميْن السابقيْن.

مهام “الموساد” الأساسية

يتولَّى الجهاز التنفيذي مهمة الجهاز الرئيسي لدوائر الاستخبارات، وتنحصر مهماته الرئيسية في إدارة شبكات التجسُّس في جميع الدول وزرْع عملاء، وتجنيد المندوبين في جميع الأقطار.

وتقوم إدارة فرْع المعلومات العلنية برصْد مختلف مصادر المعلومات التي تَرِدُ في النشرات والصحف والدراسات الأكاديمية والاستراتيجية في أنحاء العالم.

ويعمل “الموساد” في وضْع تقييمٍ للموقف السياسي والاقتصادي للدول العربية أو الدول المعادية بصفةٍ عامةٍ، ويقدم مقترحات وتوصيات حول الخطوات الواجب اتّباعُها في ضوْء المعلومات السرية المتوافرة.

مهام غير عادية للموساد

كما وسَّع “الموساد” نشاطاته على مدار السنوات الأخيرة لتشمل اليوم مجالات كثيرة؛ إذ يشمل الجزء الرئيسي لهذه المجالات عدة مهمات منها:

  • جمع المعلومات بصورةٍ سريةٍ خارج حدود “إسرائيل”.
  • إحباط تطوير الأسلحة غير التقليدية من قِبَلِ الدول المعادية، وإحباط تسلُّحها بهذه الأسلحة.
  • إحباط الأنشطة العسكرية التي تستهدف المصالح الإسرائيلية واليهودية في الخارج.
  • إقامة علاقاتٍ سريةٍ مع أطرافٍ ودولٍ خارج إسرائيل.
  • مساعدة اليهود من الدول التي لا يمكن الهجرة منها إلى “إسرائيل”، من خلال المؤسسات الإسرائيلية المُكلَّفة رسميًّا بالقيام بهذه المهمة.

 دور “الموساد” خلال 7 أكتوبر

ألقى هجوم “حركة حماس” بظلالٍ من الشكِّ على مدى كفاءة “الموساد”، وأثار تساؤلات حول مدى استعداد الجهاز في مواجهة هجوم “حركة حماس”؛ حيث أكَّد رئيس “الموساد” السابق “إفرايم هاليفي”، عقب ما جرى في غلاف غزة والمستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع في السابع من أكتوبر 2023، بأن القوات الإسرائيلية لم تتلقَ أيَّ تحذيرٍ من أيِّ نوْعٍ، واصفًا تغلْغُل عناصر من الفصائل الفلسطينية إلى مدنٍ إسرائيليةٍ “بالمفاجأة التَّامة”، كما أضاف “لم نكن نعلم أن لديهم هذه الكمية من الصواريخ، وبالتأكيد لم نتوقع أنها ستكون فعَّالة كما حصل”، وشدَّد على أن هذا الهجوم كان فريدًا من نوْعه، ولأول مرة تتمكن العناصر الفلسطينية من “التوغُّل في عُمْق إسرائيل والسيطرة على عددٍ من القرى”.

ومن الأساليب الأخرى التي تنتهجها إسرائيل في حربها للقضاء على “حركة حماس”، قامت بتأسيس وحدةٍ خاصةٍ من عملاء “الموساد” و”الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي) أطلق عليها اسم “نيلي”، مهمتها تعقُّب أعضاء “حركة حماس” المسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر2023، والقضاء عليهم، ويقول “أهرون بريغمان” الباحث السياسي الإسرائيلي في كينغز كوليدج بلندن، الذي كتب دراسات عن المخابرات الإسرائيلية: مشاركة “الموساد” تعني: أن “قادة حماس الذين حددتهم إسرائيل كمنظمي خطة الهجوم، ستتم ملاحقتهم حتى في الخارج، سواء في تركيا أو قطر على سبيل المثال”، ومن المحتمل أن تكون قائمة أهداف عمليات الاغتيال غير نهائية.

وبالفعل كثَّفت إسرائيل منذ بداية العدوان على غزة عمليات الاغتيال لقادة وكوادر تنظيمات المقاومة الفلسطينية، و”حزب الله” اللبناني، فضْلًا عن قيادات عسكرية واستخبارية إيرانية في سوريا، ولم تقتصر الاغتيالات على قياداتٍ ميدانيةٍ داخل غزة والضفة الغربية، بل تجاوزتها لتشمل قيادات سياسية وعسكرية في الخارج، كان في مقدمتهم: صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حركة حماس” ورفاقه، إضافةً إلى قيادات في “حزب الله” و”فيلق القدس”.[2]

جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”

لا يتوقف دور الاستخبارات في “إسرائيل” عند توفير المعلومات وتحليلها والاستنتاج، بل يتخطَّاها إلى تقديم توصيات للعمل وتشكيل الأحداث، وتتربع الاستخبارات العسكرية “أمان” على قمة الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، ويُعدُّ “أمان” كجهاز استخباراتي في حالة تغيُّر دائمة؛ بهدف مواكبة التهديدات السيبرانية، والتقنيات التكنولوجية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي.

المهام والهيكل التنظيمي لـ “أمان”

يتبع جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” تنظيميًّا وإداريًّا، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وتُعدُّ موازنته المالية جُزْءًا أساسيًّا من موازنة الجيش، ومن أبرز مهامه:

  • جمع المعلومات الاستخباراتية بواسطة العملاء.
  • تقديم التقييمات الاستخباراتية حوْل الوضْع والخطط العملياتية، وخطط العمل للجيش الاسرائيلي المصادق عليها من قِبَلِ رئيس هيئة الأركان.
  • تزويد الملحقين العسكريين الإسرائيليين في السفارات بالمعلومات المتعلقة بعملهم.
  • إبلاغ رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، بجميع التهديدات المحتملة من الإرهابيين والدول المعادية، عبْر تقرير سنوي يتضمن معلومات.

يعمل في “أمان” أكثر من (7) آلاف شخص، وتنقسم إلى (3) وحدات رئيسية: وحدة (8200)، وحدة (9900) ووحدة (504)، وتُعدُّ وحدة (8200) أكبر الوحدات الرئيسية، مسؤولة عن جمْع المعلومات الرئيسية في الاستخبارات العسكرية، ويتولَّى الجنود فيها مسؤولية تطوير واستخدام أدوات جمع المعلومات، وتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات المُجَمَّعة مع المسؤولين، وتعمل في جميع المناطق ووقت الحرب، والمقر الميداني القتالي من أجل ضمان تدفُّقٍ أسرع للمعلومات، وتلعب دورًا رئيسيًّا في الحرب الإلكترونية، كوْنها مكلفة بجمْع معلومات الإشارة ”SIGINT” وفكّ التشفير، وبحسب الباحث في المعهد الملكي في بريطانيا بيتر روبرتس، فإن الوحدة “8200” هي على الأرجح وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم، وتقف على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي الأمريكي في كل شيءٍ باستثناء الحجم.[3]

دور “أمان” خلال 7 أكتوبر

عقب هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، انهالت الانتقادات على المؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية، بشأن الإخفاق في منْع الهجوم أو تحذير الحكومة من أيِّ تهديدات محتملة؛ لذا أقرَّ رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، في( 17 أكتوبر – والأول من نوفمبر 2023)، بمسؤولية الفشل في إعطاء تحذيرٍ مُسْبَقٍ قبْل الهجوم، مؤكدًا أن “أمان” تتحمل مهام الهجوم والدفاع في المعركة الحالية، وأن وجود إسرائيل ليس على المحكِّ، وفي 26 نوفمبر 2023، كرَّر اعترافه بتحمُّل المسؤولية بشأن الإخفاقات، وتقديم الاستقالة في أقرب وقتٍ ممكنٍ، وبعد هذه التصريحات، ظهرت منافسة داخل “أمان” على رئاسة أركان الجيش، حتى بدأت بعض المشاورات حول الحرب دون إشراك “أهارون حاليفا”.

وقدَّمت “أمان” تقديرات بعد هجوم “حماس”، تفيد بأن رئيس “حركة حماس” بغزة “يحيي السنوار” مسؤول عن الهجوم، وأن إيران و”حزب الله” لم يحْصُلَا على بلاغٍ مُسْبَقٍ منه بشأن الهجوم وتوقيته، ورغم أن تقديرات “أمان” في السابق، كانت تشير إلى أن “يحيي السنوار” امتنع عن المواجهة العسكرية مع إسرائيل منذ عملية “حارس الأسوار” في مايو 2021، وأن “حماس” تريد استمرار التهدئة، وراضية عن التعهُّدات الإسرائيلية بزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل للعمل من غزة، إلا أن المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، أشار إلى أن خطة الهجوم كانت معروفةً لإسرائيل منذ أكثر من سنة، وكشفت “أمان” عن أسباب محتملة لتغيير “حماس” توجُّهاتها، وتتعلق بمخاوف الحركة من جمود التفاوُض حول تحرير الأسرى الفلسطينيين، واقتراب اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، في ظلِّ توسع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، مستغلةً التوتُّر في الداخل الإسرائيلي حول التعديلات القضائية.[4]

جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”

يُعدُّ جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” هو أصغر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، وبالرغم من ذلك يملك “الشاباك” حضورًا وتأثيرًا في صناعة القرار السياسي والعسكري في إسرائيل، يتعامل “الشاباك” مع قضايا الأمن الداخلي، وفي طليعتها مكافحة المؤامرات السياسية والإرهاب.

 أُضْفِيَ على “الشاباك” الصفة الرسمية، في 18 فبراير 1949، واستمرّ التكتُّم على وجوده حتى عام 1957، وقد قام بتأسيسه “ديفد بن غوريون” وترأَّس الجهاز بدايةً “إيسار هرئيل”، ويجدر بالذكر ، بأن جهاز “الشاباك” يخْضَع مباشرةً لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي، وينتشر في منطقة القدس والضفة الغربية، والمنطقة الشمالية، والمنطقة الجنوبية. [5]

أقسام “الشاباك”

يضم جهاز “الشاباك” عدة أقسامٍ متخصصةٍ، منها: قسم مكافحة التجسُّس ومنْع الاختراقات، وقسم الحماية، وقسم التحقيقات، والقسم التكنولوجي، والهيئة الحكومية لحماية المعلومات.

 وتشير التقديرات إلى عمل بضْع مئات، أو الآلاف من المستخدمين، ومنهم ضباط استخبارات ميدانيون ومحققون ورجال عمليات ومتنصّتون ومحللون للمعلومات الاستخبارية وخبراء التكنولوجيا وأفراد الإدارة وضباط أمن وحراس.

المهام:

يعمل جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” على مكافحة التجسُّس الذي تمارسه جهات خارجية، والمؤامرات السياسية، والإيقاع بالجواسيس، كذلك حماية أمْن المؤسسات والمنشآت الحيوية للدولة والسفارات في الخارج.

ويلزم موافقة جهاز الأمن الداخلي على أيِّ قرارٍ تتخذه الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”، ومن مهامه – أيضًا – الحفاظ على أمن وحماية القيادات الإسرائيلية، واكتشاف الخلايا “الإرهابية”، كذلك منْح الموظفين العموميين والعاملين في القطاع العام التصنيف الأمني المناسب؛ استنادًا إلى قرارات الحكومة المتعلقة بكل وظيفةٍ وشخصيةٍ.

دور “الشاباك” في 7 أكتوبر

يُعدُّ “الشاباك”، أحد الأجهزة الاستخباراتية الرئيسية المكلفة بتوفير إنذارٍ تحذيريٍّ استراتيجيٍّ، إضافةً إلى إحباط أعمالٍ عسكرية مُحدّدة من غزّة، وهو المسؤول عن الاستخبارات البشرية، ولكنّه يستخدم الوسائل التكنولوجية، ويعتمد نظام التحذير الإسرائيلي ضد الهجمات الصغيرة أو الواسعة النطاق من قطاع غزّة على 3 طبقاتٍ دفاعيةٍ رئيسيةٍ؛ منها يتألَّف بشكلٍ رئيسيٍّ من مصادر الاستخبارات البشرية في “الشاباك”؛ بهدف تقديم تحذيرٍ بأنّ قيادة المقاومة قرّرت التخطيط والإعداد وتنفيذ هجومٍ كبيرٍ، انهارت الطبقات الثلاث، ولم يتم أيّ تحذيرٍ استراتيجيٍّ بشأن طبيعة الهجوم الوشيك وحجمه؛ لتنجح طائرات “حماس” المُسيّرة في تدمير ما يُقدّر بنحو 100 بُرْجٍ للمراقبة يحمل سلاحًا رشّاشًا يتمّ تشغيله عن بُعْد.[6]

تحقيقات في فشل قادة إسرائيل بالتصدِّي لهجوم 7 أكتوبر

اعترف مسؤولون كبار في إسرائيل بفشلهم في العثور على الرهائن، بالرغم من مرور قرابة 4 أشهر على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مُرْجِعين السبب إلى شبكة أنفاق “حماس” المتطورة للغاية، والتي فشل الاحتلال في اكتشاف مركز قوتها حتى الآن، بينما اعترف آخرون بأن السبب الرئيسي وراء عدم القدرة على القضاء على أنفاق “حماس”، يعود إلى الفشل الاستخباراتي غير المسبوق في “إسرائيل”، حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

وفي الجهة الأخرى، قالت هيئة البثّ الإسرائيلية، إن مراقب الدولة في “إسرائيل” ماتانياهو إنغلمان، شرع في التحقيق بفشل التصدِّي لهجوم السابع من أكتوبر الماضي، وطلب مراقب الدولة الإسرائيلي مَحاضر اجتماع 8 مسؤولين وعسكريين كبار، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، ورئيس قوات الأمن. وتتضمن الوثائق جداول اجتماعات المسؤولين، بدْءًا من منتصف ليل 7 أكتوبر، أيْ قبْل ساعات من شنِّ “حماس” هجوم السابع من أكتوبر.

يُشار إلى أن عددًا من المسؤولين السابقين في إسرائيل يُحمِّلُون “نتنياهو” مسؤولية ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، كما أنه الوحيد من المسؤولين السابقين الذي لم يعلن مسؤوليته عنها، ومن بين من حمَّل “نتنياهو” المسؤولية، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، الذي قال في وقتٍ سابقٍ: إن رئيس الوزراء الحالي يتحمَّل مسؤولية الفشل في التصدِّي لهجوم “حركة حماس”، وقال: إنه تمَّ تحذير “نتنياهو” مرارًا من قِبَلِ مخابرات الجيش ورئيس الأركان ورئيس “الشاباك”، من أن الحرب مع “حماس” باتت وشيكة.

وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أعلن سابقًا عن تعيين فريقٍ للتحقيق في الأحداث التي أدَّت إلى هجوم “حماس” المفاجئ يوم 7 أكتوبر، الذي تقول “إسرائيل”: إنه تسبَّب في مقتل نحو 1200 شخص، غير أنه تقرَّر لاحقًا تجميد قرار تشكيل لجنة تحقيقٍ في الفشل بمواجهة عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر، وذلك بعد خلافاتٍ نشبت في الحكومة الإسرائيلية.

تقييم وقراءة مستقبلية

في تقييمٍ لما يحدث، لا شكَّ بأن هجوم السابع من أكتوبر، كشف عن فشلٍ ذريعٍ لأجهزة الدفاع والأمن والاستخبارات في إسرائيل، فقد أخفق جهاز الأمن العام والمخابرات العسكريّة الإسرائيليّة و”الموساد” عن رصْد عمليات التخطيط والتدريب والإمداد الممهّدة لهذا الهجوم المُعَقَّد برًّا وبحرًا وجوًّا.

ويسود الاعتقاد – منذ وقتٍ طويلٍ – بأنّ إسرائيل تُدير عمليّةً شاملةً لجمْع معلومات استخبارية في غزّة والضفة الغربية، بالتنسيق مع عناصر من السلطة الفلسطينية، بقيادة “حركة فتح”، ولكن كما حدث في يونيو 2007، عندما أطاحت “حماس” بالسلطة الفلسطينيّة، وفرضت سيطرتها على قطاع غزّة، غافلت حماس إسرائيل بفضْل نهْج السريّة والانضباط الصارميْن الذي تتبعه، فقد واجهت إسرائيل – تاريخيًّا – صعوبةً في اختراق “حماس”؛ من أجل جمْع المعلومات الاستخباراتيّة التي كانت لتُسهم في إحباط هجوم السابع من أكتوبر، وشكّلت الحركة بالتالي استثناءً مخابراتيًّا بالنسبة إلى إسرائيل، مقارنةً مع الفصائل الفلسطينيّة الأخرى في غزّة.[7]

من جهةٍ أُخرى، لطالما حافظت “حماس” على الانضباط الصارم داخل صفوفها، بفضْل عقيدتها التي أسّست لنوْعٍ من الالتزام الذي افتقرت إليه الفصائل الفلسطينيّة الأخرى، كما حافظت على فصْلٍ صارمٍ بين مختلف عناصر الحركة، ويتجلّى ذلك بوضوحٍ، عند النظر إلى “كتائب عزّ الدين القسام”، جناحها المسلّح؛ حيث تبنّى قادتها ومدرِّبُوها وناشطوها وكوادرها نظامًا خلويًّا، أثبت صموده في وجْه محاولات الاختراق أو التخريب على يد العملاء الاستخباراتيين الخارجيين أو غيرهم.

الاستخبارات المحليّة تتفوق على استخبارات إسرائيل

حسب مجلة The Economist، من المرجح أن تتم دراسة هجوم “حركة حماس” وفشل المخابرات الإسرائيلية من قِبَلِ القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم، في السنوات الأخيرة، جادل المفكرون العسكريون بأن أجهزة الاستشعار التكنولوجية والأسلحة الدقيقة التي ترصد عن بُعْدٍ، جعلت من الصعب على أيِّ جيشٍ أن يشُنَّ هجومًا لأن التكنولوجيا المتقدمة تميل إلى رصْدها وضربها، ويمكن إجمال الفشل الإسرائيلي في 7 أكتوبر، من خلال تناول ثلاثة مستويات:

  • فشل استخباراتي بسبب امتلاك “إسرائيل” مجموعتها الواسعة من أجهزة الاستشعار الإلكترونية وأنظمة المراقبة والعملاء المدسوسين بين الفلسطينيين.
  • على الرغم من وجود تحذيراتٍ ملموسةٍ، ومؤشراتٍ باقتراب هجومٍ وشيكٍ، فإن المستوى الأمني والاستخباراتي والسياسي – أيضًا – فشل في تفسير هذه المؤشرات، أو التعامل معها بجدية، على الرغم من اطّلاعهم عليها قبْل الهجوم بساعات.
  • فشل الجيش في التعامُل السريع، عسكريًّا ولوجستيًّا، بعد اندلاع الهجوم، لدرجة أن مقاتلي “حماس” أتمُّوا مهماتهم الأساسية في غضون (3-5) ساعات، وعادوا إلى قواعدهم، قبْل أن يتحرك الجيش الإسرائيلي بشكلٍ مركزيٍّ وشموليٍّ.

ومن الناحية الأخرى، فإن قطاع غزّة – كما هو معروف – واحد من أكثر المناطق كثافةً سكانيةً في العالم، ومعرفة “حركة حماس” الدقيقة بكلّ موقع حراسة إسرائيلي وقاعدة عسكرية ومستوطنة وحاجز متاخم للأراضي في غزة، لا يعود إلى قدرة استخبارية، بل لأن كلّ من يعيش قُرْب السياج الفاصل، يرى يوميًّا الأراضي التي تواصل إسرائيل السيطرة عليها، هكذا علمت الحركة بتفاصيل الطريق المقابل وأماكن الكاميرات التي تُشَغَّل عن بُعْد ونقاط المراقبة، فكثيرون في غزّة يعرفونها عن ظهْر قلب، ولا يحتاجون إلى إيران ولا إلى الحرس الثوري الإيراني لجمْع مثل هذه المعلومات الاستخباراتيّة.

فضْلًا عن ذلك، تخضع نقاط التفتيش والمعابر في غزة لسيطرة “حماس” منذ 2007، فلا تحتاج الحركة إلى تقنيات متطوّرة لمعرفة ما يحدث، كما أنّها دَأَبَتْ على تحويل المخبرين إلى عملاء مزدوجين يعملون لصالحها في ضربةٍ أُخرى لإسرائيل وأجهزتها الاستخباراتيّة، وإسرائيل تعرف ذلك، وهي تدرك جيّدًا النَّهْج الذي يتبّعه قادة “حماس” وكوادرها، من دون أن يقعوا في الأخطاء الاستخباراتية، أو التخبُّط الناجم عن تقصير أو نقاط ضعف بنيوية، مثل تلك التي وقعت فيها الفصائل المسلّحة التابعة لـ”فتح” أو قوّات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزّة.[8]

فشل استراتيجي

على مدى السنوات القليلة الماضية، حوّلت إسرائيل انتباهها عن الفلسطينيين، وركّزت على بناء تحالُفات إقليميّة للتصدِّي لإيران؛ فاعتمدت على أجهزة السلطة الفلسطينيّة؛ للحصول على المعلومات الاستخباراتيّة، على الرغم من أنّ هذه الأجهزة كانت أُقْصِيَتْ فعليًّا عن الدوائر المحليّة لتشارك المعلومات الاستخباراتيّة، في غضون ذلك، واصلت إسرائيل تطبيق سياساتها القمعيّة ضدّ الفلسطينيين، وتجاهلت تطلّعاتهم السياسيّة القديمة، وقد تسبّبت هذه الإخفاقات الأمنية والسياسية بأسوأ هجومٍ على أراضيها منذ عقود، شكّل زلزالًا ربما لن تتعافى سمعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة من تردّداته أبدًا.

الخاتمة:

مثَّلت هجمات “حماس” في السابع من أكتوبر 2023، مفاجأة للحكومة الإسرائيلية، فالسيناريو الذي كانت تستعدُّ له دائمًا الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، هو هجومٌ من الشمال؛ أيْ من تنفيذ “حزب الله”، ويرجع فشل الاستخبارات الإسرائيلية في إحباط هجوم “حماس” إلى وجود أخطاء في التحليلات والتقديرات الاستخباراتية، ومن المرجح أيضًا أنه قصور في استعداد القوات الخاصة الإسرائيلية، ووجود مشكلة في الإجراءات الاستباقية لدى الأجهزة الاستخباراتية، وفشل محتمل في تحليل المخاطر، فضْلًا عن وجود العديد من الأزمات الداخلية مع استقطابٍ حادٍّ وانقسامٍ مجتمعيٍّ، كانت سببًا في إضعاف الأمن القومي، وتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وربما تكون استغلَّت “حماس” تلك الأزمات في الداخل الإسرائيلي لتنفيذ الهجوم.

ويدفع تصعيد الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” إلى تسريع وتيرة عمل الأجهزة الاستخباراتية – خاصةً “الموساد” – حاليًا عند نقطة عالية، من حيث نشاطه على المستوى الدولي؛ لحماية السفارات المصالح الإسرائيلية، ومن المحتمل بعْد تصعيد الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”، أن تكون هذه بداية للعديد من العمليات السرية الإسرائيلية؛ لملاحقة قيادات “حماس” على المستوى الإقليمي والدولي.

وبالرغم من صعوبة استهداف “حركة حماس” خارجيًّا؛ نظرًا لأن قادة “حماس” ينتشرون في دولٍ كثيرةٍ وليسوا في دولةٍ واحدةٍ، إلا أنه تُوجد عراقيل أخرى، من أهمها: بأن أيَّ محاولة اغتيال خارجية ستخلق مشكلةً بين إسرائيل وبين الدول المضيفة لقادة “حماس”، خاصَّةً أن بعضها يمتلك علاقات كبيرة مع إسرائيل، مثل تركيا، وبجانب أن قادة “حماس” يتخذون إجراءاتٍ أمنية مشدَّدة، وليس من السهل اغتيالهم، إلَّا أن ملاحقة إسرائيل لهم قد تدفع قيادات “حركة حماس” في الخارج، إلى استهداف المصالح الإسرائيلية في الخارج، خاصَّةً أن “حماس” لم تُنفِّذْ – حتى الآن – أيَّ عمليةٍ خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

المصادر:

[1] الموساد الإسرائيلي: تاريخ حافل بالاغتيالات والتجسس، بي بي سي نيوز عربي، تم الدخول 20 يناير، متاح على الرابط الأتي: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-43980517

[2] إسرائيل تلجأ لسياسة الاغتيالات ضد المقاومة، هسبريس، تم الدخول 20 يناير، متاح على الرابط الاتي:

https://shorturl.at/nQVZ7

[3] جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” : الأخطر والفشل. المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية. تم الدخول 20 يناير، متاح على الرابط الاتي: https://shorturl.at/jNPRS

[4] مرجع سابق

[5] “استخبارات ـ الشاباك الإسرائيلية المهام وخطط مستقبلية لمحاربة حماس”، المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تم الدخول 1 فبراير، متاح على الرابط الاتي: https://shorturl.at/mW017

[6] مرجع سابق

[7]   ” عملية طوفان الأقصى تكشف عن فشلٍ استخباري إسرائيلي ذريع”، أفكار، تم الدخول 28 يناير، متاح على الرابط الأتي: https://shorturl.at/boLWZ

[8] مرجع سابق

كلمات مفتاحية