قضية الصحراء الغربية «صراع مستعصٍ رافض للحلول التوافقية.. تحكمه الأهمية الجيوبوليتيكية للإقليم»

إعداد: بسمة أنور 

تُعدُّ قضية الصحراء الكبرى من أقدم وأطول الصراعات التي شهدتها القارة الأفريقية؛ حيث نشأت بوادر الصراع عقب انسحاب الاستعمار الإسباني من القارة السمراء، عام 1975م، والذي بدأ عام 1884م، ودام قُرَابةَ قرنٍ من الزمان، أصبح الإقليم خلاله مقاطعةً إسبانيةً، بمطلع السبعينيات من القرن المنصرم، قامت “انتفاضة الزمالة ” في مدينة العيون، عاصمة الإقليم، ضد «أسبنة الصحراء»، ورفع فيها شعارات مطالبة بالاستقلال، وانتهت ببحر من دماء مواطني الصحراء، كما اعتقل مئات المواطنين، من بينهم، زعيم الحركة “محمد سيد إبراهيم بصيري”، والذي أصبح مصيره مجهولًا، منذ أسْره إلى يومنا هذا، فهذه الانتفاضة أصبحت نقطة تحوُّلٍ بارزةٍ في الكفاح التَّحرُّري للشعب الصحراوي، ووصمة عارٍ على جبين المستعمر الإسباني، الذي يتحمل مسؤولية كل هذه المعاناة، التي ألمَّت بالشعب الصحراوي منذ احتلاله للصحراء، وانسحابه منها، دون تقرير مصير شعبها.

وخلال تلك الفترة – السبعينيات- شهدت منطقة الصحراء الغربية عدة تحرُّكات سياسية محلية مناهضة للاستعمار الإسباني، وكان آخرها، تيار “جبهة البوليساريو”، والتي تأسَّست في (مايو/ أيار) 1973، وهي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ورفعت شعار الاستقلال، ونادت بقيام دولة صحراوية مستقلة، هذا إلى جانب اهتمام الأمم المتحدة في تلك الفترة، بالوضع في الصحراء الغربية، طبقًا للائحة (1514)، المتعلقة بمنح الاستقلال للشعوب والدول المستعمرة، ففي عام 1965، تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية 100 صوتٍ مقابل صوتيْن، القرار رقم 2072، الذي يطالب إسبانيا، بصفتها القوة المديرة، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير الإقليم من السيطرة الاستعمارية، ونتيجةً للضغوط الدولية الداعية لتصفية الاستعمار في ذلك الوقت، قرَّرت إسبانيا إجراء استفتاء تقرير المصير في المنطقة الصحراوية، وتنسيقها في ما بعد إسبانيا، من خلال المفاوضات مع مختلف الأطراف؛ بهدف التوصُّل إلى اتفاقياتٍ تضمن مصالح الإسبان من جانب، وتُبقي فتيلًا قابلًا للاشتعال في حال استدعاء ملفات إسبانيا العالقة في المنطقة؛ لذا عقدت إسبانيا “اتفاق مدريد” مع المغرب وموريتانيا، والذي تتخلَّى بموجبه عن إدارة الصحراء لصالح البلديْن، وعقب ذلك الاتفاق، توجهت المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية، التي أعطت في (أكتوبر/ تشرين الأول) 1975، رأيًا استشاريًّا، حول طبيعة روابط البلديْن مع المجموعة الصحراوية، فسَّره كُلُّ طرفٍ لصالحه، وبذلك تحوَّلت تصفية الاستعمار في الصحراء من حلِّ مشكلة الإقليم إلى بذرةٍ لصراعٍ جنى حصاده الأشقاء المتجاورون – المغرب وموريتانيا والشعب الصحراوي- وخرجت إسبانيا من المنطقة الصحراوية، تاركةً خلافاتٍ تُغذِّيها مُخلَّفات الأمس ومصالح اليوم ومطامع المستقبل.

بوادر الصراع الذي خلَّفه الاستعمار:

(مشكلات ما بعد الاستعمار أشدّ ضراوةً وأبعد أثرًا من ذي قبل):

ظهرت بوادر مشكلة الإقليم الصحراوي بين دول الجوار – المغرب وموريتانيا وقاطني الصحراء الغربية – بعد انسحاب القوة المحتلة من الصحراء الغربية؛ حيث شنَّت جبهة البوليساريو حربًا ضد القوات المغربية والموريتانية، بدعمٍ سياسيٍّ عسكريٍّ من ليبيا، بالإضافة للدعم السياسي بالجزائر، وفي عام 1979، انسحبت موريتانيا من الصراع، مُفْسِحةً المجال للمغرب؛ لضمِّ حصتها من الإقليم؛ أدَّت الحرب إلى تهجير عشرات الآلاف من الصحراويين إلى مُخيَّماتٍ في “تندوف” جنوب غربي الجزائر؛ حيث اتخذتها جبهة البوليساريو مقرًّا لها، وانتهت الحرب عام 1991، باتفاقٍ لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة، وإجراء استفتاء لتقرير المصير، لكن الاستفتاء لم يحْدُثْ إلى يومنا هذا.

وقام بعض قاطني “مدينة العيون” بنصْب عددٍ من الخيام بمنطقة ” أكاديم أزيل ” عام 2010؛ من أجل الضغط على السلطات المحلية؛ للاستجابة لمجموعةٍ من المطالب الاجتماعية، كتوفير وظائف للعاطلين عن العمل، وتوفير السكن، وتقديم الدعم الاجتماعي، غير أن هذه المطالب تمَّ استغلالها سياسيًّا من طرف مجموعات ذات ارتباطات بالبوليساريو، والتي ناورت على إبقاء مخيم “إكديم أزيل ” وتأجيج الوضع، وتعطيل أيِّ حلٍّ لهذا الملف، وتم استغلال هذا الملف سياسيًّا؛ لترويج فكرة استقلال الصحراء الغربية عن المغرب؛ ما أجبر السلطات المحلية على التدخُّل؛ لتفكيك هذا المخيم؛ الأمر الذي نتج عنه مواجهاتٌ داميةٌ، ومقتل عناصر من القوات العمومية وخسائر مادية.

وطرد المغرب 84 موظفًا من بعثة “المينورسو”، التابعة للأمم المتحدة عام 2016، بعد أن تبيَّن له أن عناصر من هذه البعثة، قاموا بإجراء العديد من اللقاءات، مع عناصر لديهم وجهة نظر معادية للطَّرْح المغربي، بالإضافة إلى التعبير عن مواقف وتصريحات تضرب “مبدأ الحياد” المفترض في الموظفين الأمميين، وازداد توتُّر العلاقات بين المغرب وبعثة “المينورسو”، بعد أن صرَّح الأمين العام السابق للأمم المتحدة “بان كي مون” في مؤتمرٍ، أن ضمَّ المغرب للصحراء الغربية، هو بمثابة “احتلال لدولة ذات سيادة”.

وشهدت تلك المنطقة توتُّرًا حادًّا بين “المغرب والبوليساريو”، خصوصًا في مطلع عام 2017، فقد شهدت منطقة “الكركرات” تصعيدًا عسكريًّا قويًّا بين المغرب والبوليساريو، وصل حدَّ التلويح بإمكانية خرْق اتفاق وقْف إطلاق النار، وعودة الطرفيْن إلى الاشتباكات المسلحة، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريس” عن قلقه إزاء تزايد التوتُّرات في محيط “الكركرات”، داعيًا المغرب وجبهة البوليساريو إلى ممارسة أقصى درجات ضبْط النفس، وتجنُّب تصعيد التوتُّرات، وقد جاء هذا التصعيد بعد أن قرَّر المغرب تعبيد الطريق بين المركز الحدودي “الكركرات” والمركز الحدودي الموريتاني؛ الأمر الذي احتجَّت عليه البوليساريو، وردَّ عليه المغرب، بأن نشاطه في “الكركرات” يأتي لمحاربة التجارة غير المشروعة، وأنه يحترم قرار وقْف إطلاق النار، وقد تدخلت قوات “المينورسو” لأجل الحيلولة دون اندلاع اشتباكات بين الطرفيْن، وبعد المفاوضات مع “المينورسو”، قام المغرب بسحْب قواته، ثمَّ تبعته البوليساريو.

الصحراء الغربية قضية الصحراء الغربية «صراع مستعصٍ رافض للحلول التوافقية.. تحكمه الأهمية الجيوبوليتيكية للإقليم»

اختراق البوليساريو “اتفاق الهدنة” وعودة الصراع على المشهد السياسي:

بعد هُدْنَةٍ شهدها ليل الصحراء الغربية الحالك، لأكثر من ثلاثين عامًا، بدأت طلقات النيران تدوي من جديد في سماء الصحراء؛ حيث أعلنت جبهة البوليساريو نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار مع المغرب، المُوقَّع عام 1991، برعاية الأمم المتحدة، ففي عام 2020، عرقلت حركة البوليساريو حركة المرور المدنية والتجارية بمنطقة “الكركرات” على الطريق الرابط بين المغرب وموريتانيا، فقد وجَّه نحو مائتي سائق شاحنة مغربية نداء استغاثةٍ إلى السلطات المملكة المغربية وموريتانيا، قالوا فيه: إنهم عالقون في معبر “الكركرات”، الواقع بين موريتانيا والصحراء الغربية، وهذا يُعدُّ خرْقًا لاتفاقية وقْف إطلاق النار من قِبَلِ البوليساريو، والتي تنُصُّ على تقييدات تمنع التواجد العسكري بالمنطقة العازلة، مقابل بقاء الممرات التجارية والاقتصادية والإنسانية مفتوحة، وبعد استنفاذ كل الوسائل السلمية، اضطر المغرب للقيام بعمليةٍ عسكريةٍ غير هجوميةٍ؛ حيث قامت القوات المسلحة الملكية المغربية، بإنشاء جدارٍ رمليٍّ لحماية منطقة “الكركرات” من أيِّ اختراقاتٍ مستقبلًا؛ لتأمين الطريق الرابط بين المعبريْن الحدودييْن للمغرب وموريتانيا، وعلى إثْر هذه العملية، أعلنت البوليساريو، أنها لم تعُدْ ملتزمةً باتفاق وقْف إطلاق النار، فقد هدَّدت الجبهة بإنهاء الاتفاق مع المغرب، والذي اتهمته بجلْب أعدادٍ كبيرةٍ من قوات الدَّرَك وأجهزة أمنية أُخرى إلى منطقة “الكركرات”، وحذَّرت البوليساريو، من أن دخول تلك القوات إلى هذه المنطقة العازلة الخاضعة لجنود القبعات الزُّرْق، يعتبر عُدْوانًا صارخًا على الطريق الصحراوي، الذي سيدافع عن سيادته الوطنية.

موقف المجتمع الدولي إزاء القضية الصحراوية:

تباينت مواقف وردود الفعل الإقليمية والدولية تجاه نزاع الصحراء العتيق، ما بين (محايد ومتشدد ومُتغيِّر):

أولًا: دول الجوار:

أزمات دبلوماسية متلاحقة تتجه نحو مزيدٍ من التعقيد بين (المغرب – موريتانيا – تونس – الجزائر):

على الرغم من أنه ليس هناك تهديد كبير بنُشُوب نزاعٍ مسلحٍ في منطقة المغرب العربي، إلَّا أن إشعال أزمة صراعٍ دبلوماسيٍّ كبرى بين دول المغرب العربي على إقليم الصحراء، قد تكون له عواقب وخيمة على اقتصاد المنطقة.

موريتانيا:

تُعدُّ موريتانيا الدولة الوحيدة التي تملك حدودًا مشتركةً مع الجزائر والمغرب؛ ما يجعلها ميدانًا مهمًا للمنافسة بين البلديْن، اللذيْن يتطلعان إلى تنشيط حركة التجارة مع جيرانها؛ على أمل أن تشهد المعابر الحدودية حركة انتعاشٍ تجاريٍّ بين تصديرٍ واستيرادٍ، خصوصًا بعد الأزمات التي شهدها العالم مؤخرًا، سواء (فيروس كوفيد – 19، والأزمة الاقتصادية التي تعانيها الدول نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية)، والتي سبَّبت كسادًا عالميًّا؛ لذا صرَّحت “نواكشوط”، أنها تتخذ موقفًا حياديًّا من النزاع في الصحراء الغربية، وأنها تستهدف التوصُّل إلى حلولٍ سلميةٍ، تُجنِّبُ المنطقة مخاطر التصعيد المُسلَّح، ولكن استقبال “نواكشوط” لمسؤولين من جبهة “البوليساريو” في قصر الرئاسة من حين إلى آخر، يُؤثِّرُ سلبًا على العلاقات بين موريتانيا والمغرب.

تونس:

منذ أواخر أغسطس 2022، دخل المغرب وتونس في خلافٍ دبلوماسيٍّ، يوشك أن تمتد تداعياته إلى علاقاتهما التجارية، فقد سحب المغرب سفيره من تونس، في 26 أغسطس، بعد أن استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيد، زعيم جبهة البوليساريو “إبراهيم غالي”، وهي الحركة التي تطالب “بتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”، والذي يطالب المغرب بالسيادة عليها، وردًّا على ذلك الاستقبال، استدعت الحكومة التونسية سفيرها في الرباط، وأعلن المغرب، أنه لن يشارك في المؤتمر المنعقد في تونس، فقد جرَّت هذه الأزمة تونس إلى خصومةٍ مع المغرب، فقد كانت تونس تاريخيًّا ملتزمةً بالحياد، وهذا الاستقبال الغامض أدخل العلاقة «المغربية – التونسية» في نَفَقٍ مُظْلمٍ،، فبعد هذه الأزمة الدبلوماسية لم يقف الأمر هنا، بل امتدَّ ليطال قطاعيْ “الرياضة والاقتصاد”؛ الأمر الذي لم تتضح انعكاساته على البلديْن بعْدُ؛ حيث طالب “مكتب الجامعة المغربية لحقوق المستهلك”، بمقاطعة جميع المنتجات التونسية؛ ما أدخل الجزائر على خطِّ الأزمة، فقد استنكرت وكالة الأنباء الجزائرية الحملات المغربية ضد تونس، ووصفتها بالخسيسة، وقالت: إن حملة التشويه هذه أُطلقت لاعتبارات داخلية مرتبطة بالإخفاقات؛ لفرض رؤية المغرب التوسُّعية، وأشارت إلى مشاركة الملك “محمد السادس” في عدة قمم ومؤتمرات، تواجد فيها زعيم جبهة البوليساريو، ومنها: “القمة «الأوروبية – الأفريقية» في ساحل العاج 2017”.

الجزائر:

ظل موقف الجزائر تجاه قضية الصحراء الغربية منذ تصفية الاستعمارالإسباني ثابتًا، يرجع إلى ثوابت سيادية، تعكس صورة مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية، والتي تُركِّزُ على عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، وحق الشعوب في تقرير المصير، وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النزاعات بالطرق السلمية؛ لذا اتخذت الجزائر بعد انسحاب الاستعمار الإسباني، وقرارها بإجراء استفتاء تقرير المصير في المنطقة الصحراوية، وتقسيم منطقة الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، موقفها المُؤيد بالحق في تقرير المصير، الذي يمثل الركيزة الأساسية للقانون الدولي؛ لذا ساندت الجزائر الشعب الصحراوي، وزاد موقفها صمودًا تجاه قضية الصحراء الغربية، بصدور قرار الأمم المتحدة بـ(اللائحة 1514)، الذي يتضمن حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، من هذا المنطلق، دافعت الدبلوماسية الجزائرية عن الصحراء الغربية، خاصةً بعد أن نجحت هذه اللائحة الأممية بتحرير أكثر من 100 دولة أفريقية، بما فيها الجزائر؛ لذا ترى الجزائر، أن تقرير المصير هو حقٌّ حتميٌّ، وغير قابل للتقادُم، وتسعى باعتبارها بلدًا جارًا ومراقبًا للعملية السياسية؛ لتكون على الدوام مصدرًا للسِّلْم والأمن والاستقرار لمن بجوارها.

موقف الجزائر من المغرب:

لهذا السبب، وقفت الجزائر بالمرصاد ضد المغرب، وأي كيان دولي يحاول أن ينتزع من “البوليساريو” حقها في تقرير المصير، فقد طالب العاهل المغربي “محمد السادس” مرارًا في خطاباته، عن الرغبة في فتح الحدود مع الجارة الجزائرية، وعرض عليها المساعدة في أزماتها- المساعدة في إخماد النيران التي ضربت مناطق عديدة في الجزائر- ولم تسْمعْ الجزائر له، وأقدمت على إجراءاتٍ أكثر تصعيدًا؛ حيث قامت الأخيرة بقطْع علاقاتها مع المغرب في (آب/ أغسطس) 2021، واتهمت الرباط، بأنها تقوم “بأعمال عدائية” ضدها، ومنها، دعم المغرب حركة تقرير مصير منطقة القبائل، التي يطلق عليها “الماك”، وهي جماعة انفصالية، تصنفها الحكومة الجزائرية منظمةً إرهابيةً، وفي 22 (أيلول/ سبتمبر) قرَّرت الجزائر أن تُغْلِق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات “المدنية والعسكرية” المغربية.

الموقف الإسباني المتغير، ورد الفعل الجزائي: وعقب إعلان إسبانيا موقفها الداعم للجانب المغربي، أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها في “مدريد” للتشاور، ووصفت الموقف الإسباني، بأنه “انقلاب مفاجئ”، استغربت السلطات الجزائرية من هذا التغيير الجذري بموقف إسبانيا؛ لذا قرَّرت استدعاء سفيرها في مدريد فورًا للتشاور، وحاولت الضغط عليها اقتصاديًّا؛ من أجل التراجُع عن دعمها للمغرب؛ حيث اتخذت الجزائر “ورقة الطاقة” أداة ضغطٍ على إسبانيا؛ لتغيير موقفها من نزاع الصحراء.

ردود فعل محايدة.. وأخرى داعمة للمغرب:

الاتحاد الأوروبي ودوله:

رغم الضغوط المُكثَّفة التي تُجْرِيها “الرباط” على الاتحاد الأوروبي؛ لكي يتبنَّى الموقف الأمريكي، تستمر الأجهزة الأمنية للاتحاد في الاحتفاظ بمواقف تقليدية، تبتعد عن الحسْم؛ حيث أكَّد الممثل الأعلى بالاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية “جوزيف بوريل” إلى “الرباط”، أن الاتحاد يدعم جهود الأمين العام لأمم المتحدة؛ للتوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ عادلٍ وواقعيٍّ ودائمٍ ومقبولٍ.

رغم أن موقف الاتحاد الأوروبي شديد الحيادية، إلَّا أن هناك عدة دول أوروبية دعمت مُقْتَرَحَ الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وهي: (إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، وقبرص، ولوكسمبرغ، والمجر، ورومانيا، والبرتغال، وصربيا)؛ حيث أعلنوا في محافل واجتماعات دولية: “أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 إلى الأمم المتحدة هي خطةٌ جادَّةٌ، ذات مصداقية وأساس جيٍّد”؛ للتوصُّل إلى حلٍّ لتسوية ملف الصحراء.

الأمم المتحدة:

وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارة بشأن الصحراء الغربية، وكان آخرها، القرار الذي اعتمدته لتجديد وتأكيد دعمها للعملية السياسية، التي تجرى تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة؛ من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، في إطار قرارات مجلس الأمن، منذ عام 2007، ودعا القرار جميع الأطراف إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي؛ للتوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ لهذا النزاع الإقليمي، ولم يتضمن هذا القرار على غرار القرارات السابقة، أيَّ إشارةٍ إلى الاستفتاء الذي أقرَّه كُلٌّ من (الأمين العام للأمم المتحدة، والجمعية العامة، ومجلس الأمن)، فضلًا عن إشارته إلى أكاذيب الجزائر وصنيعها بالبوليساريو، واصفًا قضية الصحراء، بأنها “نزاع إقليمي” بين المغرب والجزائر، وليس إطلاقًا “تصفية استعمار” المزعومة، فقد تمَّ إنهاء استعمار الصحراء المغربية بشكلٍ نهائيٍّ بعْد عودتها إلى المغرب، عقب توقيع “اتفاق مدريد” 1975.

سيناريوهات مُقْتَرَحَةٌ على الطاولة الدولية لإنهاء الصراع:

(حلول ومُعوِّقات)

عُرضت على طاولة المجتمع الدولي عدة مقترحات؛ للتوصُّل لحلٍّ يستطيع نزْع فتيل الأزمة، لكنهم تعرَّضُوا جميعًا لعراقيل وقفت عثرةً في طريق اتفاق أطراف النزاع على أيٍّ منهم.

أولًا: سيناريو تقسيم الإقليم:

طُرِحَت هذه الفكرة لأول مرةٍ، في معاهدة مدريد عام 1975، بين المغرب وموريتانيا، ولكن بانسحاب موريتانيا بعد توقيعها لاتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو عام 1979، عادت الفكرة مرةً أُخرى على الطاولة، عندما طلب مجلس الأمن من الأمين العام الأسبق “كوفي عنان” القيام بمهمة، تتلخص في جمْع أطراف النزاع، وحثهم بالعودة للمفاوضات؛ من أجل الوصول إلى حلٍّ سلميٍّ يُرْضِي طرفيْ النزاع، وكان أساس هذا الحل، إعادة تقسيم الصحراء الغربية، بين (المغرب والبوليساريو) وفْق “اتفاقية مدريد” سنة 1975، وأن ينسحب المغرب من جنوب الصحراء، ويمنح البوليساريو المنطقة التي كانت توجد فيها موريتانيا، ولكن رفض كلا الطرفيْن فكرة التقسيم؛ حيث ذكرت المغرب، أن فكرة تقسيم الصحراء الغربية لا يمكن أن تحظى بموافقة المغرب؛ لأسبابٍ إستراتيجيةٍ واقتصاديةٍ، بالإضافة إلى تخوُّفها من “البلقنة”، نسبةً إلى البلْقَان، أيْ انتقال التقسيم والتفكيك إلى المنطقة ككل، وعلى الجانب الآخر، صرَّحت جبهة البوليساريو، بأنها لا تؤيد فكرة التقسيم؛ لأنه لا يمنحها “دولة مستقلة” على كامل التراب الصحراوي.

ثانيًا: سيناريو الحكم الذاتي المُوسَّع:

وهذا السيناريو هو الخيار المُفضَّل لدى المغرب، والمشروع الذي اقترحه كحلٍّ لإنهاء النزاع، ورفض أيّ تفاوضٍ خارجه- مشروع الحكم الذاتي المُوسَّع الذي اقترحه المغرب عام 2007- وقام بتحديد أُطُر خُطَّةِ الحكم الذاتي؛ حيث خصَّت المبادرة جهة الحكم الذاتي للصحراء بعدة اختصاصات تمارسها داخل حدودها الترابية، هذه الاختصاصات شملت الميادين التالية:

  •   الإدارة المحلية والشرطة المحلية وحاكم الجهة.
  •   على المستوى الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة؛ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي.
  •   فيما يخُصُّ اَلْبُنَى التحتية: (الماء، والمنشآت المائية، والكهرباء، والأشغال العمومية، والنقل).
  •   على المستوى الاجتماعي: (السكن، والتربية، والصحة، والتشغيل، والرياضة، والضمان الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية).
  •   على مستوى الثقافي: التنمية الثقافية، بما في ذلك النُّهُوض بالتراث.

وفي محاولةٍ من المغرب لجعل هذا الخيار الأكثر قبولًا لدى أطراف الصراع والمجتمع الدولي، أعلن العاهل المغربي “محمد السادس” في (تشرين/ الثاني) 2014، عن ما  أسماه “الإقليمية المتقدمة” أيْ الحكم الذاتي الكامل للصحراويين، تحت السيادة المغربية، ولكن رفضت البوليساريو مشروع “الحكم الذاتي”، الذي تقدَّمت به المغرب، وردَّت عليه بسيناريو آخر يقابل المقترح المغربي، في رسالةٍ بعثها رئيس جبهة البوليساريو في ذلك الوقت “محمد عبد العزيز” إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويتضمن تنظيم استفتاءٍ لحق تقرير المصير.

ثالثًا: السيناريو الأممي:

في ظل تعثُّر السيناروهيْن السابقيْن، انبثق مُقْتَرَحٌ ثالثٌ، أُطلق عليه السيناريو الأممي، نِسْبَةً إلى الأمم المتحدة، وقد يكون امتدادًا للسيناريوهيْن السابقيْن، أو يحمل بعض خصائصهما، وقد حاولت الأمم المتحدة تنظيم استفتاء لتحديد مصير المنطقة، منذ عام 1991، ولكن الخلافات استمرت بعد ذلك، بشأن من يحِقُّ له المشاركة في هذا الاستفتاء.

الخلاصة:

يتضح من قراءة مشهد الصحراء الغربية من جميع زواياه على الساحة السياسية عدة نقاط أساسية:

أولًا: التفاعلات الدولية يحكمها المصالح الجيوسياسية والاقتصادية:

تنبثق مواقف المجتمع الدولي تجاه الصراع الصحراوي من منطلق المصالح الشخصية، والتي تستطيع من خلاله تحقيق رغباته أو تمرير قرارات ترمي أهدافًا دوليةً لصالحه، فبالنظر إلى الموقف الجزائري “المتعصب” لحق البوليساريو في تقرير المصير، ففي ظاهره يبدو دعْمًا لاعتباراتٍ تاريخيةٍ، ولكن يحمل في طيَّاته تصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، وعلى الرغم من من أن الجزائر تخسر الكثير من الثروات؛ لأجل البوليساريو، لكنها تحقق هدفها، بإشغال المغرب في القضية الصحراوية عن أطماعها المعروفة “بالصحراء الشرقية”، هذا إلى جانب المنافسة بينهما على الزعامة في “المغرب العربي”.

ثانيًا: المحددات الحاكمة:

تلعب مجموعة من المُحدِّدات دوْرًا مُؤَثِّرًا في ترجيح أو إضعاف السيناريوهات المقترحة لإنهاء الصرع، ويأتي في مقدمتها الأهمية “الجيوبوليتيكية” للصحراء الغربية – كما أطلقت عليها إسبانيا للتقليل من أهميتها حتى لا تكون محطَّ اهتمام الدول العربية المحيطة بها – والتي تتحكم بمؤشرات السيناريوهات المقترحة بين الصعود والهبوط بتغيير المواقف الدولية بين “الانحياز والحياد”، حسب الاتجاه الذي يصُبُّ في مصالحها ومطامعها بالمنطقة، بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية للصحراء الغربية، والتي تُمثِّلُ عُمْقًا إستراتيجيًّا للمغرب في اتجاه الجنوب، ولموريتانيا في اتجاه الشمال، وعلى الجانب الجزائري، يُشكِّلُ وجود إقليم “تندوف” الجزائري بالقرب من إقليم الصحراء الغربية، وهي المنطقة الأغنى بخام الحديد، ولذلك تمثل الصحراء الغربية أهميةً إستراتيجيةً للجزائر، ونظرًا للأهمية الإسترايجية والاقتصادية القصوى لهذا الإقليم الصحراوي؛ لاحتوائه على مخزونٍ هائلٍ من الثروات الطبيعية الخام (النفط، واليورانيوم، والفوسفات، والحديد)، فإن المشاكل الإقليمية الدائرة بين أنظمة الحكم في المنطقة، تُشْعِلُها القوى الاستعمارية السابقة للإقليم والمصالح الدولية لتحقيق أهدافها؛ ما يساهم في زيادة حِدَّة المشاكل الإقليمية، وإضفاء الطابع الدولي عليها.

 ثالثًا: درجات الترجيح المتفاوتة بين سيناريوهات الحلول:

تتفاعل المُحدِّدات الحاكمة والعوامل المؤثرة مع السيناريوهات المقترحة؛ ما تؤثر عليها سلبًا أو إيجابًا، هذا إلى جانب تمسُّك كُلِّ طرفٍ بمقترحه، وعدم قبول التفاوض فيه:

1-  بالنظر لمقترح “البوليساريو” المطالب بالاستقلال، يُعدُّ هو الأصعب، رغم الداعمين الدوليين له؛ لأنه يشكل خطرًا كبيرًا على المغرب العربي، باعتباره البذرة الأولى لفكرة الانقسامات بالمنطقة المغربية، وعلى الشق الآخر، يفتفد البوليساريو لمقومات الدولة، والمبادئ التي يجب الاستناد إليها عند الاعتراف بالدول.

2-  ويأتى مقترح “الاستفتاء الأممي” في المرتبة الثانية من حيث الترجيح، فرغم كل المجهودات التي بذلتها الأمم المتحدة منذ عام 1991، لتنظيم استفتاءٍ حول مستقبل الصحراء، فإنها فشلت في تحقيق مبتغاها، فلم يتم الاستفتاء لتحفُّظاتٍ عديدةٍ من طرفيْ الصراع تجاهه، وأهمها، فشل الأمم المتحدة في تحديد من هم الصحراويون؟ الذين يحِقُّ لهم التصويت في الاستفتاء حول تقرير المصير؛ ما شكَّلَ حجر عثرةٍ في النزاع؛ إذ أصبحت الأمم المتحدة عاجزةً عن الوصول إلى حلٍّ للاستفتاء؛ لذا أصبح هو الموضوع الرئيسي للخلافات بين طرفيْ النزاع.

3-  ولذا أضحى “مقترح المغرب” هوالأصلح لجميع الأطراف، والمغرب العربي ككل، والأقرب للواقع، رغم رفضه من قِبَلِ البوليساريو، لكنه يرمي للصالح العام؛ حيث إن المغرب تسيطر على أكثر من 80 % من مساحة الإقليم الصحراوي، فإن هذا المقترح سيخلق ديناميكةً جديدةً، على مستوى المسار الأممي، المتعلق بتسوية هذا الخلاف، باعتباره يُشكِّلُ قاعدةً للحوار والتفاوض والتوافق، وتُبْدِي المغرب استعدادها للانخراط، بكل عزْمٍ، في مفاوضاتٍ جِدِّيَّةٍ ومُعمَّقَةٍ مع الأطراف الأخرى؛ من أجل المساهمة الفِعْلية، في إيجاد حلٍّ سياسيٍّ ونهائيٍّ، طالما انتظره المجتمع الدولي.

هذه المقترحات السابقة؛ الهادفة إلى حل هذا الخلاف، أصبحت شبه مستحيلة التحقُّق، رغم الدعوات المتتالية للمفاوضات، بوصول هذه القضية إلى طريقٍ مسدودٍ؛ ما حدا بمجلس الأمن، منذ 2004، للدعوة إلى تجاوزه؛ بغية التوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ مقبولٍ من جميع الأطراف.

كلمات مفتاحية