بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
لقد أصبح المراقبون و الخبراء المتابعون لتطورات الوضع في مالي و في منطقة غرب إفريقيا عموما،يتحدثون عن توسُّعٍ متسارعٍ بدرجة غير مسبوقة لرقعة نشاط الجماعات المسلحة بعد سلسلة الهجمات النوعية التي كانت منطقة الساحل خصوصا و غرب إفريقيا عموما ،مسرحا لها طيلة الأسابيع و الأيام القليلة الماضية و من أكثرها لفتا للانتباه الهجوم على ثكنة “كاتي” المحصَّنة قرب العاصمة المالية باماكو.
و ترى Niagalé Bagayoko رئيسة “الشبكة الإفريقية لقطاع الأمن” أن ما يحدث يؤكد عدة أمور أولها التوسع المطرد لرقعة نفوذ الجماعات المسلحة و ثانيها حجم تغلغلها و ثالثها ما لديها من قدرات معتبرة على إلحاق الضرر بالمستهدفين بهجماتها التي وصلت مناطق جديدة في الفترة الأخيرة منها أراضي دولتيْ”التوغو” و “بنين”.
و قد تجسّدت ردود فعل العواصم الغربية حتى الآن في طلب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، من العمال الحكوميين غير الضروريين العاملين في سفارتها بباماكو مغادرة مالي، بسبب ما قالت إنه تهديد أمني تشهده العاصمة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صادر يوم الجمعة 29 يوليو إن العمال الحكوميين المعنيين وعائلاتهم عليهم مغادرة العاصمة المالية بسبب تصاعد التهديد الأمني وإمكانية حدوث هجوم إرهابي في المناطق التي يرتادها الأجانب”.وأضافت الوزارة في بيانها أن الجماعات المسلحة تواصل هجماتها في مالي، وقد تستهدف المناطق التي يرتادها الأجانب والمؤسسات الحكومية.
و يأتي قرار وزارة الخارجية الأمريكية القاضي بدعوة العمال الحكوميين المعنيين وعائلاتهم عليهم مغادرة العاصمة المالية بعد تهديد “حمادي باري”، عضو مجلس شورى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في فيديو بُثَّ يوم الأربعاء 27 يوليو بحصار باماكو العاصمة المالية.
المراقبون لا يترددون في إرجاع الوضعية الحالية المقلقة ،إلى حالة انسداد أفق التغلب على الجماعات المسلحة التي أوصلت إليها الاستراتيجيات المتبعة في السابق. فبعد أن تبين للشركاء الدوليين فشل الإستراتيجية العسكرية المحضة، حشد هؤلاء مصادر و وسائل معتبرة لانجاز برامج تنموية لم يحالفها الحظ في النجاح بسبب عوامل الفساد و سوء التسيير و تصفية الحسابات داخل مكونات المجتمع و غيرها كثير.
لقد أصبحت الأمور الآن، حسب المراقبين، أكثر تعقيدا في ظل الأزمة القائمة بين مالي مركز ثقل المعضلة الأمنية و فرنسا المتدخل الرئيسي في المنطقة. فالمراقبون يطرحون السؤال المحوري حول حظوظ نجاح الإستراتيجية الفرنسية الجديدة في المنطقة التي تسعى باريس من ورائها إلى الخروج من مسرح الأحداث مع مواصلة التدخل عن بعد.
كما يطرح المراقبون السؤال المزمن عن الرؤية السياسية و البدائل التي يتعيّن على حكومات الدول المعنية في المنطقة أن تقدِّمها لشعوبها في مواجهة ما تقترحه الجماعات المسلحة على هؤلاء السكان التائهين.