إعداد: شيماء ماهر
يعتبر تجمع دول البريكس من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، ويهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أهمها؛ إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب لتحقيق التوازن الدولي، والابتعاد عن سيطرة الغرب الاقتصادية والسياسية، وإصلاح المؤسسات المالية، وتشجيع التنمية الاقتصادية التي تقوم على التكنولوجيا المتقدمة، وتنمية المهارات؛ إذ يعتبر تكتل بريكس حلًّا بديلًا للعديد من الدول؛ من أجل الخروج من الهيمنة الغربية، وسيطرة مجموعة دول السبع الصناعية الكبرى على الاقتصاد العالمي، في إطار سعي الدول الأعضاء إلى إنشاء عملة موحدة، تحُدُّ من هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، ورغبتهم في التعامل بالعملات المحلية.
أولًا: قمة بريكس المقبلة
استضافة جنوب أفريقيا لقمة البريكس ومذكرة اعتقال “بوتين”:
أعلنت جنوب أفريقيا، في يونيو الماضي، استضافتها لقمة دول البريكس الخامسة عشر، في شهر أغسطس، في الفترة من 22 – 24 عام ٢٠٢٣م، وسوف تعقد هذه القمة حضوريًّا، في ظل وجود العديد من المخاوف كانت تشير إلى احتمالية انتقال القمة إلى الصين، من أهم هذه المحاكم، عدم تمكُّن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الحضور؛ بسبب مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة ضده؛ بسبب قيامه بإعلان الحرب على أوكرانيا، وترحيل الأطفال من أوكرانيا، وهذا ما ترفضه السلطات الروسية.
وفي حالة قيام الرئيس الروسي بالمخاطرة، وحضر إلى القمة المقبلة، فمن المتوقع، أن يتم إلقاء القبض عليه، باعتبار أن جنوب أفريقيا عضوٌ في المحكمة الجنائية الدولية، ويجب عليها تسليمه فورًا، وهذا ما رفضته جنوب أفريقيا؛ إذ يرى رئيس جنوب أفريقيا، أن اعتقال الرئيس الروسي سوف يكون بمثابة إعلان حرب، وأنها طرف محايد في الصراع مع أوكرانيا، والجدير بالذكر، أن الرئيس الجنوب أفريقي، قاد وساطة أفريقية مع رؤساء جمهورية “الكونغو، ومصر، والسنغال، وأوغندا”؛ في محاولة للتوصل إلى سلام بين “كييف، وموسكو”.
ولهذا السبب؛ أعلن الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قرر المشاركة في قمة البريكس في جنوب أفريقيا، الشهر المقبل، عبر تقنية الفيديو كونفرنس، وقد نوى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، جميعًا الحضور.
أهم القضايا المطروحة خلال قمة البريكس في جنوب أفريقيا
تحقيق النمو
سوف تناقش القمة، كيف يمكن لدول البريكس أن تتشارك مع أفريقيا لمساعدة القارة في تحقيق النمو الاقتصادي، والحد من أزمات نقص الغذاء التي تعاني منها معظم دول القارة؟ فضلًا عن التطرُّق إلى الحديث عن مساندة روسيا للدول الأفريقية، في حل أزمة نقص الغذاء، بعد قرارها بتصدير الحبوب للدول الأفريقية بالمجان.
خطة بريكس بلس
في ظل حرص الصين على تطويق الاقتصاد الأمريكي ومنافسته، أعلنت بكين خلال قمة البريكس السابقة، التي عقدت في عام ٢٠١٧م، عن خطتها في توسيع تحالف البريكس؛ ليضم المزيد من الأعضاء، فيما عُرف باسم خطة “بريكس بلس”، ثم تزايد الاهتمام بتجمع دول البريكس بعد الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وما نتج عنها من تشكيل نظام عالمي جديد؛ نظرًا لتأثيرها على اقتصاد العديد من الدول؛ إذ أعلنت ١٢ دولة، عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، من بينها؛ “السعودية، والإمارات، ومصر، والجزائر، وإيران، والأرجنتين، والمكسيك، ونيجيريا” وغيرهم من الدول.
والجدير بالذكر، أن “الإمارات العربية المتحدة، وبنغلاديش، وأوروغواي، ومصر”، انضموا رسميًّا إلى بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، في عام 2021.
عملة جديدة
تطمح دول مجموعة البريكس، في إطلاق عملة موحدة فيما بينها، تُنهي بها هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، وترى دول البريكس، أنه في الوقت الحالي فرصة مواتية لإصدار هذه العملة، في ظل العقوبات المفروضة على روسيا، والتنافس الاقتصادي بين “الولايات المتحدة، والصين”، وأكد هذا الأمر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يناير 2023م، حين قال: إن مسألة إصدار عملة موحدة لدول مجموعة بريكس، ستناقش في القمة المقرر عقدها في جنوب أفريقيا، نهاية أغسطس 2023م.
ولم يتم الاتفاق على شكل العملة الجديدة، ولكن الغالبية يتفقون على العملات الرقمية، التي سوف يتم إنشاؤها على أساس إستراتيجي، لا على أساس الدولار أو اليورو، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة.
رغبة “ماكرون” في الانضمام لقمة بريكس
يطمح الرئيس، إيمانويل ماكرون؛ ليكون أول زعيم غربي يشارك في قمة البريكس المقبلة، التي ستجمع بين “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا”، والمقرر عقدها في جوهانسبرج، في الفترة من ٢٢ إلى ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣؛ ويهدف من وراء هذه الخطوة إلى حشد دول الجنوب العالمي؛ لمنعها من التحول كليًّا إلى روسيا، وإبقاء قنوات التواصل الفرنسي مع جميع الأطراف، في حالة قيام هذا التكتُّل بالنمو على حساب مجموعة دول السبع.
كما يتخوَّف الرئيس الفرنسي من الآثار السياسية والاقتصادية، التي ترتب على صعود دول البريكس، في عصر يشهد مواجهة بين “الصين، والولايات المتحدة”، وهي المواجهة التي تعيد تشكيل طرق التجارة والاقتصاد العالمي.
رغبة مصر في عضوية البريكس
سوف تكتسب مصر من وراء انضمامها لمجموعة دول البريكس، العديد من المزايا، تتمثل في الآتي:
- زيادة معدلات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بين “مصر، والدول الأعضاء”، وحماية المصالح السياسية والاقتصادية للدولة المصرية وتحقيق التعاون.
- الاستفادة من اتجاه البريكس للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأمريكي؛ ما يساهم في توفير سيولة من العملات الأجنبية.
- تنمية العلاقات السياسية بين مصر وباقي دول المجموعة، وعلى رأسها؛ “روسيا، والصين، والهند”.
- امتلاك دول البريكس قدرات اقتصادية كبيرة، بما يعود على مصر بالعديد من المزايا الاقتصادية.
- خلْق فرصة لتنشيط الصادرات المصرية، بما يخفف الضغط على النقد الأجنبي بالبلاد، وتعزيز حركة التبادل التجاري مع دول المجموعة، والانفتاح على الاستثمارات المشتركة.
- الاستفادة من خبرات الدول المشاركة في زيادة معدلات التصنيع والإنتاج.
- خلْق سوق مشتركة لترويج السلع والمنتجات المصرية، في ظل زيادة التنافس والاستقطاب الحاد على المستوى “الدولي، والإقليمي”.
ثانياً: دلالة القمة وتوقيتها وتأثيرها على التوازن السياسي وتوازن العلاقات
تترقب مجموعة دول البريكس العديد من التطورات، فمن المتوقع، أن يتم مناقشة طلبات العضوية المقدمة إلى مجموعة دول البريكس، التي يصل عددها إلى 19 طلبًا، منها؛ 13 طلبًا رسميًّا، بالإضافة إلى 6 طلبات غير رسمية، وسوف تناقش القمة تعزيز دور دول المجموعة كتحالف اقتصادي يقوم بمنافسة مجموعة السبع، وخلْق حالة من التوازن بالاقتصاد العالمي.
وتأتي هذه القمة في توقيت يتعرض فيه النظام العالمي إلى مجموعة من التغيُّرات السياسية والاقتصادية، في ظل التنافس الحاد بين “الولايات المتحدة، والصين”؛ إذ تسعى الصين إلى أن تأخذ دور القيادة من الاقتصاد الأمريكي، وفي أعقاب الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وزيادة التوتر بين “روسيا، والدول الغربية”، وتداعيات هذه الحرب على جميع الدول الأفريقية في ارتفاع نسب التضخم، وزيادة بؤر التوتر والصراع في أنحاء العالم، وفي القارة الأفريقية بشكلٍ خاصٍ.
وتعمل هذه القمة على تحقيق مستوى جديد من المنفعة والشراكة المتبادلة بين الدول الأعضاء، خاصةً “روسيا، والصين” مع الدول الأفريقية، وتحقيق أهداف الإستراتيجية الوثيقة للاتحاد الأفريقي في أجندة عام 2063م، ولعل اختيار دولة ذات ثقل، مثل؛ جنوب أفريقيا، وهي أحدث الدول التي انضمت لتجمع البريكس، في عام 2011، يعطي دلالة لمكانة هذه الدولة الأفريقية الكبيرة والمؤثرة، وأهمية القارة الأفريقية ككل؛ بسبب تنوع الموارد ومصادر الطاقة بها.
ومن المرجح، أن هذه القمة سوف تزيد من التعاون والشراكة بين الدول الأفريقية ودول البريكس، وستساعد الدول الأفريقية على تحقيق التوازن والتبادل التجاري السريع؛ لإنعاش اقتصاداتها، والاستغلال الأمثل لمواردها، ولكن من المحتمل، أن تتأثر علاقة الدول الأفريقية بالولايات المتحدة الأمريكية، إذا قاموا بالانخراط في عقْد العديد من الصفقات التجارية والاقتصادية مع “روسيا، والصين”.
ختامًا
من المتوقع، سيكون بإمكان دول البريكس عقْد الصفقات وتبادل إسناد القروض، عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين جميع دول التكتل، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، والشروع في بناء منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، ويتحقق ذلك من خلال التعاون المالي بين دول المجموعة؛ لدفع احتساب التجارة بالعملة المحلية؛ الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة وبعضها البعض، ويدفع بالتعاون والاستثمار المشترك فيما بينهما، وفي حالة انضمام مصر لهذا التكتل الاقتصادي، سوف يعود ذلك عليها بالنفع؛ للتخلص من هيمنة الدولار، وتوفير سيولة من العملات الأجنبية، والاستفادة من الخبرات الاقتصادية لدول التجمع في زيادة معدلات التصنيع والإنتاج.