قمة الولايات المتحدة -أفريقيا: العودة الأمريكية لأفريقيا في ظل المتغيرات العالمية

إعداد : حسناء تمام كمال

تحت أجندة تعزيز المشاركة الاقتصادية الجديدة بشكل أفضل، ودعم التزام الولايات المتحدة وأفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتخفيف من تأثير وباء كوفيد-19 والأوبئة المستقبلية، والعمل بشكل تعاوني لتعزيز الصحة الإقليمية والعالمية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتعزيز السلام والأمن، والاستجابة لأزمة المناخ، وتعزيز العلاقات مع الشتات. تستضيف الولايات المتحدة القمة- العربية الأفريقية الثانية في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر الجاري.

ونلاحظ تصاعد لدبلوماسية القمم في الآونة الأخيرة، إذ تتعدد القمم على مستوى القارات والقادة، نحاول أن نتبين حدود تأثيرها وأهدافها، كما نسلط الضوء على العلاقات الأمريكية الأفريقية، وموقف القمة منها.

أولًا تصاعد دبلوماسية القمم الموسعة

تزايد عدد القمم التي تجريها القوى الكبرى مؤخرًا، سواء مع أفريقيا، أو في منطقة دول الشرق الأوسط، و المنطقة العربية، وذلك في محاولة لكسب   الأطراف الفاعلة في هذه الأقاليم وأن تحصل منهم علي موقف موحد بالتعاون معا، أو دعمها وتعزيز العلاقات، وبجانب القمة الأمريكية- الأفريقية المقرر انعقادها، مؤخرا عدد من القمم الهامة  منها الأتي:

القمة العربية الصينية: والتي عقدت مع كُلٍّ من المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية”، الأسبوع الثانى، من شهر ديسمبر 2022؛ قامت بعقْد ثلاث قممٍ إستراتيجية، هى الأولى من نوعها فى تاريخ العلاقات “الصينية – العربية”، والثانية مع قادة الخليج، والثالثة مع قادة الدول العربية، وذلك بهدف تنسيق ملفات التعاون النفطي والتبادل التجاري،والتي حظت مخرجاتها بقبول واسع علي المستويين العربي والصيني

 قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية : وهي القمة التي انعقدت من يوم 19 إلى يوم 22 يوليو بمراكش شملت ثلاثة أيام متتالية من المباحثات حول فرص تعزيز العلاقات الصناعية والتجارية والاستثمارات. وبلغ العدد الإجمالي للمشاركين في هذه القمة 1500 مشارك، 450 فاعل اقتصادي أمريكي بينهم فايزر وفيزا وبروكتر أند غامبل وشيفرون وكوكا كولا وغوغل بالإضافة إلى مجموعات إفريقيا كبرى، كونها أسفرت عن ربط 5000 اتصال أعمال وتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين الفاعلين الاقتصاديين المشاركين في القمة.

القمة الأفريقية الروسية: فهناك سعي روسي للانفتاح أكثر على بلدان القارة الإفريقية وتوسيع شبكة المصالح المشتركة معها، وخلال مايو الماضي  هذا السياق جرت قمة روسية إفريقية، بين الرئيس الروسي ورئيس الاتحاد الأفريقي في سوتشي الروسية، أشار فيها الأول أن وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا زاد بنسبة تجاوزت 34 في المئة منذ بداية العام الحالي.

كما عقدت في أكتوبر 2019 قمة روسية أفريقية الأولى من نوعها بتمثيل  54 دولة دولة حسب يان القمة، كان خطوة هامة لتعزيز العلاقات الروسية الأفريقية،وقد أصدرت القمة بياناً يحتوي على أهداف متفق عليها لزيادة تطوير التعاون الروسي الأفريقي على جميع الأصعدة، مع وضع إطارًا جديدًا للحوار، وقد بلغ عدد الاتفاقيات والمذكرات والعقود التي تم توقيعها أكثر من 50 وثيقة، وبلغ إجمالي الحجم المالي لها حوالي 12,5 مليار دولار.

ثانيًا: لماذا تعود أمريكا إلى أفريقا مجددا.

أثبت التغيرات العالمية الأخيرة، أن العودة للتعاون والتنسيق علي مستويات متقدمة مع قادة القارة الأفريقي ضرورة خصوصا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، والتي جعلت الأهمية السياسية والاقتصادية والأمنية لأفريقيا تتعاظم، وظهر لدى الولايات المتحدة حاجة بالعودة إلى أفريقيا، نطرح أهم الأسباب فيما يلي:

توالي الانسحابات من مالي، وتزايد النفوذ الروسي: أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون وكندا في مطلع أبريل من العام الجاري، انسحابهم العسكري من مالي وإنهاء العمليتين العسكريتين لمكافحة الجهاديين “برخان” و”تاكوبا، تلي ذلك الإعلان انسحابات من قوى أوربيا متتالية أخرها ألمانيا التي حددت مايو 24 موعدا لسحب قواتها، قابل هذا الانسحاب تمدد وترحيب بالدور الروسي في مالي، وغرب أفريقيا وفي ظل التراجع الأوروبي عن وسط وغرب أفريقيا، قد يفسح ذلك مساحة للتواجد الأمريكي، وتحجيم الانتشار الروسي من ناحية أخرى.

 السلوك التصويتي لدول أفريقيا : إذ كانت القارة الأفريقية هي الوحيدة المنقسمة حيال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة روسيا 2 مارس، وذلك بسبب تدخلها عسكرياً، ضد أوكرانيا، والذي وافقت عليه 28 دولة أفريقية ،وامتنعت عن التصويت 16 دولة أفريقية، وصوت ضده من افريقيا ارتريا فقط، وهو ما يعكس حجم العلاقات العميقة التي تمكنت روسيا من تطويرها مع دول القارة، عبر الأعوام الماضية، وهذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، ولكنه يعود إلى سنوات سابقة، وتحديداً منذ ضم روسيا للقرم، فلم تساند حوالي 35 دولة أفريقية قرار عدم الاعتراف بالوضع المستجد في شبه جزيرة القرم، بعد سيطرة عليها عام 2014، وامتنعت 27 دولة عن التصويت، وتغيب ثمان دول.

توسع روسي في تصدير الأسلحة لأفريقيا: روسيا من أكبر مصدري الأسلحة للقارة الأفريقية. ففي هذا الصدد، أوضح التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” عام 2020 أن الصادرات العسكرية الروسية للقارة الأفريقية قد مثلت حوالي 18% من إجمالي الصادرات الروسية من الأسلحة، وذلك خلال الفترة الزمنية بين عامي 2016 و2020. كما تستورد القارة حوالي نصف وارداتها من السلاح من روسيا.

ريادة صينية في التجارة مع أفريقيا: والصين هي أكبر شريك تجاري للقارة الأفريقية وسجلت التجارة الثنائية رقما قياسيا بلغ 254 مليار دولار العام الماضي. سجلت الولايات المتحدة – رابع أكبر شريك تجاري لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – 64 مليار دولار أكثر تواضعًا في التجارة الثنائية في عام 2021. وسيؤدي تحرك بكين لرفع الرسوم الجمركية على 98 في المائة من الواردات من اقتصادات أفريقيا العشرة الأقل نموًا إلى توسيع هذا التفاوت.

تزايد خطر الإرهاب في القرن الأفريقي : يشهد الدور الأمريكي بمكافحة الإرهاب في الصومال اهتمامًا متزايد في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإقليم القرن الأفريقي بوجه عام، ترجم في قرار عودة القوات الأمريكية إلى الصومال أصدر بايدن قرارًا في منتصف شهر مايو 2022 لتضييق الخناق على حركة الشباب الإرهابية التي توسّعت عملياتها ونفوذها خلال الآونة الأخيرة.

حاجة أمريكية لزيادة الشرعية: بالرغم من فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس لكن يبدو أن تراجعًا في شرعيته أخذ في الاستمرار فقد أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة رويترز انخفاض شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن في الأسبوع الأول من الأكتوبر  لأدنى مستوى لها خلال ولايته الرئاسية،.وخلص الاستطلاع الذي أُجري على مدى يومين، إلى أن 40% من الأميركيين يتفقون مع أداء بايدن الوظيفي.

بالنظر إلى جميع ما سبق يمكن القول أن هناك ظروف داخلية وخارجية تفرض على الولايات المتحدة العودة إلى أفريقيا، وأن تنسق جهودها مع القادة الأفارقة وأن لا يتكرر الانسحاب الذي شهدته العلاقات خلال العقدين الماضيين.

 ثالثًا: ما الذي يُنجح القمة؟

لا شك أن الموضوعات التي وضعت على أجندة القمة الأمريكية الأفريقية هي موضع اهتمام عالمي، لكن هذا بمفرده لا يضمن نجاح القمة ،خصوصا في ظل وجود منافسين آخرين من القوى الدولية تبذل قصارى جهدها لكسب الولاء الأفريقي.

الحرص على التنسيق على مستوى كبار القادة: فبحسب مسؤولون أمريكيون أن القمة التي تجمع حوالي 49 قائد أفريقي، لم يرتب لأن يتخللها لقاءات ثنائية مع الرئيس جو بايدن. فلا تعقد جلسة ثنائية مع زعيم أفريقي واحد، حتى مع انعقاد قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي تستمر ثلاثة أيام في 13 ديسمبر، وبرر ذلك بأنه لأسباب لوجيستية، لكن قد يسبب إحباطا.

معالجة الملفات ذات الأولوية الأفريقية: بأن يولي اهتمام الولايات المتحدة بالتدخل في الوثائق المهمة التي تؤثر على أمن هذه البلدان، لا سيما تلك المتعلقة بالجوانب الأمنية لجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والبلدان التي تعاني بالصراعات.

وجود آليات واقعية لتنفيذ التطلعات: أي أن تصمم الآليات تعكس اهتمامهم إلى التعامل مع القضايا قيد المناقشة لتأخذها حيز العمل الفعلي، سواء كانت الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، أو تغير المناخ، أو طرق التخفيف من آثار الأوبئة، أو لتعزيز الأمن الغذائي، أو السلام، أو والأمن. تقيس هذه الآليات مدى جدية الولايات المتحدة في تطلعاتها واهتمامها بالقضايا المختلفة.

بالأخير : يمكن القول أن تصاعد دبلوماسية القمم من قبل القوى الدولية وبالتحديد روسيا والصين يفرض على الولايات المتحدة استخدام الآلية ذاتها لتعزيز تواجدها في أفريقيا، خصوصا أنها بادرت باستخدام الآلية ذاتها في فترة تولي باراك أوباما.

من ناحية أخرى فإن هناك عدد من السياقات الحاكمة الداخلية والخارجية التي تفرض على الولايات المتحدة أن تعيد علاقتها مع الجانب الأفريقي، خصوصًا في ظل مستجدات الحرب الأوكرانية الروسية، والتقدم الصيني في أفريقيا والشرق الأوسط، لكن نجاح هذه القمة يبقى مرهون بمدى انعكاس أجندة هذه القمة في خطط وآليات قابلة للتنفيذ.

كلمات مفتاحية