قمة دول جوار السودان.. هل هناك مجال لإنهاء الأزمة؟

إعداد: دينا لملوم

انطلاقًا من حرص مصر الدائم على رفع المعاناة عن كاهل الشعوب واتباع دبلوماسية متوازنة وحيادية فى أى صراع، استضافت القاهرة فى 13 يوليو الجارى قمة دول الجوار السودانى للوقوف على آخر مستجدات الأزمة، ووضع آليات فعالة تشارك فيها دول الجوار وتهدف إلى تسوية الحرب السودانية بشكل سلمى، وطالبت طرفى الصراع بالتهدئة وحقن دماء الشعب السودانى، وقد لاقت هذه القمة قبولًا لدى عدة منظمات إقليمية وعربية، وتمكن مسؤولو عدة دول إفريقية من حضور القمة التى أوصت بنتائج مهمة تتعلق بالقضية السودانية.

مبادرات سابقة:

منذ نشوب الحرب فى السودان والجهود والمساعى الدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة تتسارع على قدم وساق؛ من أجل تسوية الصراع وإعادة الأمن والاستقرار فى السودان، بل وفى المنطقة بأسرها، إلا أن مواصلة طرفى الأزمة السودانية إدارة صراع على أرض ملتهبة يتخلله خروقات دائمة لهدن وقف إطلاق النار حال دون نجاح المساعى والمبادرات المختلفة، ويمكن إجمال أبرز الجهود الدولية والإقليمية فى التالى:

1- الاتحاد الإفريقى:

قدم الاتحاد الإفريقى خارطة طريق تهدف إلى حل الأزمة السودانية التى تعصف بالبلاد، وقد اشتملت على ٦ بنود تناولت ضرورة وقف إطلاق النار وإخماد الصراع الذى دمر البنى التحتية وروع حياة المدنيين وهو ما أسفر عنه عمليات نزوح لآلاف السودانيين، أيضًا عمل الاتحاد على تنسيق وحشد كافة الجهود الإقليمية والدولية؛ لإيجاد مخرج لهذه الأزمة.

2- مبادرة (سعودية – أمريكية):

سعت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية للعب دور الوسيط بين طرفى النزاع ودعوتهما لوقف إطلاق النار حتى يتثنى للمساعدات الإنسانية أن تصل إلى الشعب السودانى، كما أعلنت الرياض عن مبادرة مشتركة مع واشنطن لاستضافة حميدتى والبرهان فى جدة؛ لكى يتم إيجاد أرضية خصبة تعمل على خفض التوترات وإنهاء حالة الاحتقان التى تتصدر المشهد بين الأطراف المتناحرة والتوصل إلى حوار بناء وفعال يضمن أمن واستقرار السودان.

3- الأمم المتحدة:

عملت الأمم المتحدة على دعم السودان فى حربها سياسيًا وإنسانيًا؛ لكى يتم تجاوز الآثار المدمرة التى خلفتها الحرب، وذلك بتقديم المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها داخل وخارج السودان، وتعمل بعثة الأمم المتحدة فى الخرطوم على دعم إعادة السلام والاستقرار فى المنطقة، والمساعدة فى عملية الانتقال السياسى والاجتماعى فى البلاد.

4- جامعة الدول العربية:

قام مجلس جامعة الدول العربية بعقد دورة غير عادية للوقوف على آخر تطورات المشهد فى السودان ومطالبة طرفى الصراع بالتوقف عن الاشتباكات المسلحة التى نجم عنها مسلسل من الدماء لا ينقطع، ناهيك عن عمليات النزوح الكبيرة التى شهدها السودان، وطالب أعضاء الجامعة العربية بضرورة اتباع الحل السلمى لحلحلة الأزمة والتأسيس لمرحلة جديدة تراعى حقوق الشعب السودانى فى العيش فى سلام واستقرار.

ولم تقتصر المحاولات الرامية لحل أزمة السودان على هذا الحد، بل تعددت الأطراف المختلفة الداعية لتهدئة الأوضاع فى البلاد، حيث الإمارات التى طالبت بضبط النفس والمضى قدمًا نحو وقف التصعيد، فضلًا عن مصر التى عرضت الوساطة مرارًا وتكرارًا ودعت إلى ضرورة احتواء الموقف تحسبًا لأى احتمالات يمكن أن تؤدى إلى نشوب حرب أهلية فى الخرطوم، أيضًا فقد حذر الاتحاد الأوروبى من خطورة الوضع الإنسانى الذى بات يكتنف السودان، وشدد على أهمية التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، إلا أن تلك المحاولات لم تؤتِ ثمارها ولم تتمكن من وقف الحرب التى تدور رحاها منذ أربعة أشهر، ولكن مازالت المساعى جادة وحقيقة فى هذا الصدد، وهو ما ظهر جليًا فى محاولة مصر احتواء هذا الخطر الداهم، عبر عرض وساطتها لأكثر من مرة، حيث استضافت قمة لدول الجوار السودانى فى القاهرة؛ سعيًا نحو محاولة إيجاد مخرج لهذه المعضلة.

قمة القاهرة:

استكمالًا للمساعى الدبلوماسية المصرية التى تهدف إلى حقن دماء الشعب السودانى ووقف الأعمال العدائية التى تعصف بالبلاد، استضافت القاهرة قمة دول الجوار السودانى، بحضور رؤساء عدة دول منها، إريتريا وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا؛ وذلك لبحث سبل إنهاء الأزمة وتداعياتها الوخيمة على دول الجوار، وبالتالى التوصل لآليات تسوية سلمية تضمن تنفيذها على أرض الواقع، وقد قامت القاهرة بدعوة العديد من المنظمات الإقليمية والعربية، كالاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية، وذلك فى ظل المخاوف الأمنية بشأن انتشار عدوى الصراع فى دول الجوار بشكل موسع، فضلًا عن احتمالية تسلل العناصر الإرهابية من وإلى السودان ومن ثم زعزعة الأمن والاستقرار فى المنطقة بأكملها.

مخرجات القمة:

١- التشديد على أهمية عدم تدخل أى أطراف خارجية فى الأزمة بما يطيل من أمدها.

٢- التأكيد على ضرورة الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى، بما فى ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة فى محيطها، وهو ما سيؤثر سلبًا على أمن واستقرار دول الجوار، بل والمنطقة ككل.

٣- أهمية التعامل مع الأزمة الإنسانية الراهنة وتبعاتها بشكل جاد وشامل يأخذ فى الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دور الجوار، وهو ما سيشكل ضغطًا إضافيًا على مواردها بشكل يتجاوز قدرتها على الاستيعاب وهو ما يتطلب ضرورة تحمل المجتمع الدولى والدول المانحة لمسئوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التى تم الإعلان عنها فى المؤتمر الإغاثى لدعم السودان، والذى عقد ١٩ يونيو ٢٠٢٣، بحضور دول الجوار.

٤- الإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية فى السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة كافة أطراف المجتمع الدولي لبذل الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة؛ لمعالجة النقص الحاد فى الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية بما يخفف من وطأة التداعيات الخطيرة للأزمة على المدنيين.

٥- الاتفاق على تسيير نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضى دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية وتشجيع العبور الآمن للمساعدات؛ لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان ودعوة الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفى الإغاثة الدولية.

٦- التأكيد على أهمية اتباع الحل السياسى لوقف الصراع الدائر وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبى طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستقرار.

٧- الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، يكون اجتماعها الأول فى دولة تشاد؛ وذلك لاتخاذ ما يلى:

أولًا- وضع خطة عمل تتضمن حلول عملية وقابلة للتنفيذ.

ثانيًا- وقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة فى تكاملها مع الآليات القائمة بما فيها إيجاد والاتحاد الإفريقى.

ثالثًا- تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة؛ لمعالجة تداعيات الأزمة على مستقبل واستقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه والحفاظ على مؤسساتها الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التى تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السودانى، وتقوم هذه الآلية بعرض ما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول الجوار السودانى.

ختامًا:

جاءت قمة دول الجوار السودانى لتكشف عن موقف مصر الحيادى الداعم لأمن واستقلال السودان، مع عدم التدخل فى شؤونه الداخلية، ومازالت الرؤية المصرية تؤمن بأهمية حق الشعب السودانى فى تقرير مصيره، والتوقف عن حقن دماءه، ومما لاشك فيه أن هذه القمة تعكس مدى التضامن مع شعب السودان الشقيق والسعى بكافة السبل من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة والتوصل بشكل مستدام لوقف إطلاق النار وإخماد فتيل الصراع الذى يضع البلاد على صفيح ساخن، وكما سبق الذكر فإن هذه القمة لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقتها محاولات عدة لم تنجح مساعيها، إلا أن مؤتمر القاهرة ربما يكون بداية خارطة طريق جديدة للسودان يأتى معها الحل التدريجى لهذه القضية، ولكن إذا أصر طرفى الصراع السودانى على تعنتهم فقد يطول أمد الحرب أكثر من ذلك، وتكون البلاد أرضًا خصبة لتكالب المزيد من القوى الدولية، الأمر الذى سيصعب معه الخروج من هذا النفق المظلم، وعليه فلابد من توافر الإرادة السياسية لطرفى النزاع، والإيمان بضرورة وضع حقوق الشعب السودانى فى الحسبان، ففى هذه الحالة يمكن الحديث عن سودان جديد بلا حرب.

كلمات مفتاحية