إعداد: شيماء عبد الحميد
فى محاولة أمريكية جديدة لمواجهة القوة المتنامية للصين، استضافت الولايات المتحدة يوم 18 أغسطس الجارى، فى منتجع كامب ديفيد القريب من العاصمة واشنطن، قمة ثلاثية هى الأولى من نوعها، جمعت بين الرئيس الأمريكى “جو بايدن” والرئيس الكورى الجنوبى “يون سوك يول” ورئيس الوزراء اليابانى “فوميو كيشيدا”، حيث ناقشت القمة التى تأتى وسط توترات أمنية متزايدة مع الصين، سبل تعزيز التعاون بين الدول الثلاث فى مختلف المجالات وعلى رأسها الأمن والاقتصاد.
مخرجات القمة:
أكد الرئيس الأمريكى “جو بايدن” خلال القمة أن تعزيز الروابط بين الدول الثلاث أولوية ستجعلهم أقوى وتدعم الأمن العالمى، واصفًا القمة بالحدث التاريخى حيث قال إنها تمثل حقبة جديدة فى العلاقات بين الدول الثلاث، ومن جانبه؛ أكد الرئيس الكورى الجنوبى “يون سوك يول”، أن القمة تعزز التضامن على أسس مؤسسية أكثر قوة لمواجهة التحديات التى تهدد الأمن الإقليمى وتتطلب التصدى لها من خلال بناء التزام أقوى، أما رئيس الوزراء اليابانى؛ فتعهد برفع مستوى التنسيق الأمنى مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وكذلك تعميق الأمن الاقتصادى والتعاون التكنولوجى وتأمين سلاسل التوريد.
وفى ختام القمة؛ أصدر قادة الدول الثلاث بيانًا ختاميًا يؤكد تعزيز التعاون الأمنى والدفاعى بينهم، وقد نص البيان على التالى:
- التزام الدول الثلاث بالتشاور مع بعضهم البعض من خلال إنشاء خط ساخن خلال الأزمات، وتنسيق الاستجابة للتحديات الإقليمية والاستفزازات التى تؤثر على المصالح المشتركة.
- عقد قمة ثلاثية مرة واحدة على الأقل فى العام، وإجراء تدريبات دفاعية مشتركة بشكل متكرر، وتبادل المعلومات فى الوقت الفعلى بشأن تجارب الإطلاق الصاروخى التى تجريها كوريا الشمالية بحلول نهاية عام 2023.
- فيما يتعلق بالسلوك الخطير والعدوانى الداعم للمزاعم البحرية غير القانونية التى شوهدت فى الآونة الأخيرة من قبل جمهورية الصين الشعبية فى بحر الصين الجنوبى، تعارض الدول الثلاث بشدة أى محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن فى مياه المحيطين الهندى والهادئ، وتشدد على أهمية السلام والاستقرار فى مضيق تايوان.
- تعزيز التعاون فى مجال الدفاع الصاروخى الباليستى لمواجهة التهديدات من كوريا الشمالية والصين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الأمن السيبرانى.
- تعزيز سلاسل التوريد لأشباه الموصلات وغيرها من العناصر الصناعية الرئيسية، والعمل عن كثب على التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعى.
- الالتزم بتقوية اقتصاداتهم ودعم السلام والأمن الإقليمى والعالمى وتعزيز التنسيق الإستراتيجى لضمان ازدهار وأمن واستقرار منطقة المحيطين الهندى والهادى.
الرد الصينى على البيان:
جاء الرد الصينى على بيان قمة كامب ديفيد سريعًا؛ حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “وانغ وين بين”، يوم 21 أغسطس الجارى، بأن قادة الولايات المتحدة واليابان والجمهورية الكورية شوهوا صورة الصين وهاجموها بشأن قضايا متعلقة بتايوان وقضايا بحرية، وتدخلوا بشكل صارخ فى الشؤون الداخلية للصين، وزرعوا الخلاف عمدًا بين الصين وجيرانها، مؤكدً أن بلاده تعبر عن استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة لنص البيان، موضحًا أن بكين قدمت احتجاجات رسمية للأطراف المعنية.
كما دعا بين إلى عدم تحويل منطقة آسيا والمحيط الهادى إلى ساحة منافسة جيوسياسية، واصفًا القمة بأنها مسعى لإحياء عقلية الحرب الباردة بالتحريض على الانقسام والمواجهة التى تمثلها دوائر صغيرة متنوعة ومغلقة وحصرية، مؤكدًا ثقة بكين فى أن محاولة حشد الدوائر وخلق التكتلات العسكرية، ستُقابل بيقظة ومعارضة من دول المنطقة.
سياق مضطرب يعزز أهمية القمة:
تأتى القمة فى سياق إقليمى ودولى مضطرب؛ حيث تشهد الساحة العالمية فى إطار الحرب الروسية الأوكرانية والأوضاع المتوترة فى منطقة بحر الصين الشرقى والجنوبى والمنافسة الجيوسياسية والاستفزازات النووية، تحركات سياسية وعسكرية سريعة خاصةً من الصين وروسيا وكوريا الشمالية والولايات المتحدة، وتكتسب القمة أهميتها من هذا السياق، الذى من أبرز ملامحه:
- تقارب عسكرى متنامى بين الصين وروسيا؛ ترد الصين على سياسة الاحتواء الأمريكية بزيادة تعاونها العسكرى مع موسكو، ففى اليوم نفسه لانعقاد قمة كامب ديفيد، كانت البحريتان الصينية والروسية تشرعان فى مناورات مشتركة فى المحيط الهادئ، تشمل تدريبات على عمليات الإنقاذ والتصدى لضربات جوية، وكذلك تدريبات على ملء احتياطات الوقود من قبل السفن ونقل الحمولة أثناء تحرك السفن.
وتأتى هذه المناورات فى أعقاب اختتام دوريات مشتركة لقوات البحرية الروسية والصينية فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقى، استمرت على مدار 3 أسابيع متتالية بدءًا من 24 يوليو الماضى، وفى ختام هذه الدوريات؛ رست ثلاث سفن حربية روسية فى ميناء “تشينغداو” الصينى.
كما تأتى قمة كامب ديفيد عقب زيارة وزير الدفاع الصينى “لى شانغو” إلى روسيا وبيلاروسيا على هامش مشاركته فى مؤتمر موسكو للأمن الدولى، وخلال هذه الزيارة، صرح وزير الدفاع الصينى بأن بلاده ستواصل تعزيز آليات التعاون الأمنى مع شركائها فى منظمة شنغهاى للتعاون ومع بيلاروسيا التى وقعت معها مؤخرًا مذكرة التزام من شأنها أن تقوم بتمهيد الطريق لعضوية بيلاروسيا الكاملة فيها.
- تصعيد عسكرى صينى فى مضيق تايوان؛ حيث أجرت الصين يوم 19 أغسطس الجارى، تدريبات عسكرية جوية وبحرية حول تايوان، والتى تُعتبر بمثابة تحذير صارم من بكين عقب القمة والزيارة القصيرة التى أجراها نائب رئيس الجزيرة “ويليام لاى” إلى الولايات المتحدة.
وقد أُجريت التدريبات فى المياه والمجال الجوى إلى شمال وجنوب غربى جزيرة تايوان، بهدف اختبار قدرة جيش التحرير الشعبى على السيطرة على مجالات جوية وبحرية، والقتال فى ظروف معارك حقيقية، وقد شارك بالتدريبات 42 طائرة حربية دخلت منطقة دفاع تايوان الجوى، فضلًا عن 8 سفن صينية.
من جانبها؛ نددت تايوان بهذه التدريبات واصفة إياها بـ”السلوك اللاعقلانى والاستفزازى”، مشددة على أن إجراء مناورة عسكرية هذه المرة بذريعة، لا يساعد على إحلال السلام والاستقرار فى مضيق تايوان، بل يسلط الضوء على عقلية الصين العسكرية، وعلى الطبيعة المهيمنة لتوسعها العسكرى.
- استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؛ والتى جعلت الموقف الأمريكى أكثر خشية من تكرار بكين سيناريو موسكو فى تايوان، خاصة وأنها فى السابق كانت قد هددت مرارًا وتكرارًا باجتياحها، وأنها يجب أن تعود لتنضم للسيادة الصينية، وهو ما زاد المخاوف الأمريكية والغربية من الصين التى اتخذت موقفًا معتدلًا من روسيا، وأكثر ما يقلق واشنطن فى هذا الشأن؛ هو تطور الشراكة بين الرئيسين الصينى “شى جينبينغ” والروسى “فلاديمير بوتين”، إلى تقديم بكين مساعدة عسكرية لموسكو فى حربها فى أوكرانيا، وخطوة مثل هذه من شأنها إحداث اختلال كبير فى معادلة الميدان الأوكرانى.
ولهذا، تعتقد إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن”، أنه يتعين ممارسة المزيد من الضغوط على الصين لردعها عن الإقدام على تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، ولذلك تكثف واشنطن جهودها لإقامة شراكات اقتصادية وعسكرية مع الدول المحيطة بالصين، وتواصل فرض القيود على وصول بكين إلى التكنولوجيا الأمريكية.
- التزامن مع قمة البريكس؛ فقد انعقدت قمة كامب ديفيد قبل أيام من انطلاق أعمال قمة البريكس، والذى تعتبره الولايات المتحدة محاولة صينية اقتصادية لها أبعاد سياسية وأمنية، تهدف من خلالها بكين إلى كسر الهيمنة الأمريكية، ومع قرار التجمع بقبول عضوية دول جديدة وتوسعه، فإن واشنطن ترى أن الرد الأنسب هو إقامة تحالفات أمنية وسياسية دائمة مع دول الجوار الصينى، وهو ما حاولت قمة كامب ديفيد أن تحققه.
- تزايد الجهود الأمريكية لتطويق الصين عبر التحالف مع جيرانها؛ حيث سعت الولايات المتحدة لتشكيل وقيادة تحالفات تحاصر بها الصين وتحد من تمددها وحضورها فى مناطق نفوذها فى بحر الصين الجنوبى والشرقى وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة القلقين من تمدد وبناء جزر وقواعد عسكرية لترهيب حلفاء واشنطن وخاصةً كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا والفلبين.
ولذلك قامت واشنطن بتشكيل سلسلة تحالفات لمواجهة الصين، كما زودت عدد القواعد العسكرية لـ120 قاعدة عسكرية أمريكية فى اليابان و53 ألف عسكرى من مختلف القطاعات العسكرية، و73 قاعدة عسكرية فى كوريا الجنوبية و26 ألف عسكرى أمريكى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
- اقتراب انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية فى العام 2024؛ حيث يترشح بايدن لولاية ثانية وسينافس على الأرجح الرئيس السابق دونالد ترامب الذى يُعد الأوفر حظًا للفوز فى السباق التمهيدى للحزب الجمهوري، ومن المؤكد أن بايدن سوف يستخدم تحالفاته الأمنية ضد بكين والتى من بينها ما جاء فى قمة كامب ديفيد، كدليل على نجاحه فى قيادة تحالفات عالمية ضد خصم واشنطن الأول؛ الصين.
- تأزم علاقات الصين مع جارتيها؛ حيث يتزامن الانفراج الأخير فى العلاقات بين سول وطوكيو، بتشجيع ورعاية أمريكية ملموسة، مع بروز حالة من الجفاء فى علاقة العاصمتين مع بكين، لأسباب بعضها ثنائى وإقليمى ولعوامل سياسية وأمنية خارجية، طرأت على خارطة الأحداث الدولية، دفعت كوريا الجنوبية واليابان للاصطفاف بجوار واشنطن.
ويمكن تفسير حالة الجفاء هذه بأن كوريا الجنوبية باتت مهددة وجوديًا بسبب تحذير كوريا الشمالية لها، بمحوها من على الخريطة، باستخدام كل إمكانات “بيونج يانج”، من ترسانة نووية وصاروخية، بينما لم تبد بكين من وجهة نظر “سول”، القدر الكافى لكبح جماح الزعيم الكورى كيم جونج إيل، وإعادته إلى مائدة التفاوض، كما بات التهديد النووى والصاروخى الوجودى نفسه جليًا أمام متخذ القرار الياباني، خاصةً مع دخول كل من روسيا والصين على الخط، ولهذه الأسباب وغيرها من التهديدات، بات لجوء سول وطوكيو للردع الأمريكى حتميًا وليس خيارًا، يفرضه الواقع الأمنى المستجد.
- جهود أمريكية متواصلة لتخطى شوائب الماضى بين الدولتين الآسيويتين؛ حيث تأتى قمة كامب ديفيد بعد جهود أمريكية استمرت على مدار العامين الماضيين للجمع بين سيول وطوكيو؛ حيث لم تكن العلاقة بينهما فى أفضل أحوالها على طول الخط، نظرًا لمعاناتهما من رواسب وعوائق تاريخية متصلة بفترة احتلال اليابان لشبه الجزيرة الكورية ما بين ١٩١٠ – ١٩٤٥، والتى شكلت عائقًا دائمًا لجهود تقاربهما، بالإضافة إلى أن اليابان وكوريا الجنوبية كانت لهما تحفظاتهما واعتراضاتهما على نواحٍ بعينها تخص بعض السياسات الأمريكية حيال شرق آسيا، وتتعارض مع مصالحهما السياسية والعسكرية والاقتصادية بالقارة.
ولكن القلق المتنامى من قبل اليابان وكوريا الجنوبية تجاه الصين وروسيا وكوريا الشمالية، دفع هذه الدول لتناسى خلافاتها، وتكثيف جهودها وتنسيق سياساتها العسكرية والاقتصادية لمواجهة التحديات المحتملة للصين وحلفائها.
هل القمة نواة لناتو آسيوى؟
فى قراءة لدلالات القمة، رأى عدد من الخبراء والمراقبين أن قمة كامب ديفيد قد تكون بداية لتأسيس تحالف أمنى مؤسسى أشبه بأن يكون نسخة مصغرة من حلف شمال الأطلسى، وإن لم يُعلن عن ذلك بشكل رسمي، فيما يُعرف بالناتو الآسيوى، والذى سيكون واحدة من الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة لاحتواء الصين، فواشنطن واليابان وكوريا الجنوبية يرون أن بكين باتت تمثل تهديدًا كبيرًا للقارة الآسيوية، والذى يتطلب موقفًا موحدًا للحد من هذه التهديدات وضمان استقرار القارة.
وينطلق عمل الولايات المتحدة على تشكيل هذا الناتو الآسيوى، من إدراك واشنطن لقدرة وقدر اليابان وكوريا الجنوبية فى القارة الآسيوية واللذان يمثلان رأس الحربة بمواجهة الصين، وبالتالى هذا التحالف الجديد، يجعل كوريا الجنوبية واليابان تتحمل كل منهما المسؤولية فى حمل أعباء الدفاع على المصالح المشتركة ومصالح الشرق الأقصى برمته بدلًا من الحياد السابق.
كما من المتوقع وفقًا لآراء الخبراء أن يكون هدف الناتو الآسيوى المفترض، بالأساس ردع الصين إذا ما حاولت احتلال تايوان، وردع كوريا الشمالية إذا فكرت بالاعتداء على جارتها كوريا الجنوبية، ومن المرجح أن تنضم عدة دول إلى هذا الناتو؛ مثل أستراليا، الفلبين، تايوان، وماليزيا.
وإذا ما تحقق قيام هذا الناتو الآسيوى المصغر؛ فإنه سيتمتع بقدرات عسكرية كبيرة للغاية؛ حيث:
- تشير إحصائيات موقع “جلوبال فاير بور” حول القدرات العسكرية للبلدان الثلاث، إلى أن الجيش الأمريكى يُصنف فى المرتبة الأولى عالميًا، ويمتلك نحو 1.8 مليون جندى بينهم قوات عاملة وقوات احتياطية، فيما تضم القوات الجوية الأمريكية 13 ألفًا و247 طائرة حربية، أما القوات البرية؛ تضم 6 آلاف 612 دبابة و45 ألفًا و193 مدرعة، وألفًا و498 مدفعًا ذاتى الحركة، وألفًا و339 مدفعًا مقطورًا، وألفًا و366 راجمة صواريخ، فيما يضم الأسطول الأمريكى 484 وحدة بحرية.
- يحتل الجيش اليابانى المرتبة رقم 5 عالميًا، ويمتلك 309 آلاف جندى بينهم قوات عاملة وقوات احتياطية وقوات شبه عسكرية، بينما تضم القوات الجوية اليابانية ألفًا و449 طائرة حربية، وقوات برية تتشكل من ألف و4 دبابات و5 آلاف و500 مدرعة و212 مدفعًا ذاتى الحركة و480 مدفعًا مقطورًا و99 راجمة صواريخ، بينما يُصنف الأسطول اليابانى فى المرتبة رقم 19 عالميًا.
- يُصنف جيش كوريا الجنوبية بالمرتبة رقم 6 عالميًا، ويمتلك قوة بشرية تُقدر بمليون و130 ألف جندى بينهم قوات عاملة وقوات احتياطية وقوات شبه عسكرية، بينما تضم قواته الجوية ألفًا و595 طائرة حربية وتُصنف فى المرتبة الخامسة عالميًا، أما القوات البرية؛ فتضم ألفين و624 دبابة و13 ألفًا و990 مدرعة و3 آلاف و40 مدفعًا ذاتى الحركة و3 آلاف و854 مدفعًا مقطورًا و574 راجمة صواريخ، فيما تمتلك كوريا الجنوبية أسطولًا حربيًا يُصنف فى المرتبة رقم 13 عالميًا بـ234 وحدة بحرية.
ولكن من جانب آخر، ورغم معقولية الطرح سالف الذكر؛ فإن هناك عددًا من العقبات التى تقف فى طريق إنشاء هذا الناتو الأمريكى الآسيوى المصغر، من بينها ما يلى:
- حتى مع اشتراك اليابان وكوريا الجنوبية ضمن الناتو الآسيوى، فإنهما مطالبان بألا يغلقا الباب تمامًا فى وجه الصين، لأنها بقعة بالغة الأهمية لأنشطتهما الاقتصادية والاستثمارية والمقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وليس بمقدورهما التفريط فيها، أو تعريضها لتهديدات سيكون لها مردودها السلبى على اقتصاديهما، ومعهما الاقتصاد العالمى.
- على رغم من القمة والتأثير الموحد بين طوكيو وسيول، فإن العلاقات بين البلدين لا تزال معقدة لا سيما بالنظر إلى الشعور العام فى كوريا الجنوبية الذى يرى أن تعاملات يون مع طوكيو هى استسلام من جانب واحد للعلاقات التى تم إصلاحها، كما أن عددًا من ضحايا العمل القسرى خلال احتلال اليابان لكوريا، المعترف بهم من قبل المحكمة العليا فى كوريا الجنوبية، يواصلون رفع قضايا تعويضات، وليس من الواضح ما إذا كانت المحكمة ستسمح لهؤلاء بالحصول عليها من خلال أصول الشركات اليابانية، لأنه إذا حدث ذلك، إما فى ظل ولاية يون أو خلال فترة رئاسة كوريا الجنوبية المستقبلية التى هى أكثر تحيزًا لمخاوف الضحايا، فإن العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية قد تتعثر بسرعة مرة أخرى.
- هناك انقسام عميق فى المجتمع الأمريكى، وفوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية قد يقلب هذه التحالفات رأسًا على عقب، فهو رغم تشدده مع الصين، لكن سجله السابق غير مشجع لفكرة التحالف، فقد أضعف تحالفات واشنطن حتى مع حلفائها التاريخيين فى أوروبا، بل هدد بالانسحاب من حلف الناتو.
- لا تستطيع اليابان أن تتحالف عسكريًا مع أى دولة لأن ذلك يتعارض مع دستورها، الذى وضعه الأمريكيون لها بعد الحرب العالمية الثانية.
- إعلان قيام ناتو آسيوى هو استفزاز واضح للصين، وكذلك لكوريا الشمالية، وقد يؤدى هذا إلى زيادة التوترات فى منطقة بحر الصين الشرقى والجنوبى، ويعمق بؤرة الصراعات الحالية فى المناطق المتنازع عليها فى أراضى تايوان والفلبين، لأنه سيعمل على تقويض حركة الصين فى المنطقة ويضع أسلحة إستراتيجية قرب حدودها، وهو ما يُعد بمثابة إعلان حرب على بكين.
- إنشاء الناتو سيوسع من نطاق الحركة العسكرية الأمريكية فى المنطقة بحريًا وجويًا؛ بحيث تبحر قرب الأراضى والجزر المتنازع عليها بين اليابان وكوريا والصين، وهو ما يهدد بتكرار ما حدث قبل اندلاع الحرب فى أوكرانيا، حيث أن الحرب اشتعلت بسبب إعلان أوكرانيا نيتها التخلى عن الحياد، وهو ما استفز روسيا وأثار قلقها من أن يكون لحلف الناتو قدم عند حدودها باستغلاله لأراضى أوكرانيا.
وإجمالًا:
يشير الواقع الدولى الجديد إلى عودة أجواء الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، والثنائية القطبية، فاليوم هناك محاولات تشكيل ناتو آسيوى برعاية أمريكية يُضاف للناتو الأوروبى، وفى المقابل؛ هناك روسيا وحليفتها الصين التى تجمع القوة الاقتصادية مع القوة العسكرية، ويبدو أن الولايات المتحدة فى ظل هذه المعطيات، باتت على قناعة تامة بأن العالم قد بلغ بالفعل وضعًا متأزمًا، الأمر الذى يستدعى نوعًا جديدًا من أنواع التعاون الأمنى، وما قمة كامب ديفيد إلا وتعبير عن ذلك.