“قوات الكيان الوطنى”: مؤشر لضرورة تعجيل عمليتيْ الدمج والتسريح فى السودان

إعداد : حسناء تمام كمال

فى تطوُّرٍ لافتٍ، أعلن متقاعدون من القوات المسلحة السودانية، عن تشكيل كيان عسكرىٍّ تحت اسم “قوات كيان الوطن العسكري”، مؤكدين أن هذه القوات منتشرة بكل ولايات السودان، وأسندت رئاسة القوات لـ”اللواء محمد رحمة الله”، وتمَّ تعيين الناطق الرسمي السابق باسم القوات المسلحة السودانية “الصوارمى خالد سعد”.

بحسب الإعلان، فإن هذا الكيان يهدف إلى إلغاء اتفاقية سلام جوبا، وتحسين العلاقة مع جمهورية مصر العربية، فضلًا عن التمسُّك بوطنية القوات المسلحة ووحدتها، إضافةً لتمثيل الولايات التي لم تكن لها قوات عسكرية، وطالب بوحدة القوات المسلحة، ولم يتم الإعلان عن حجم هذا الكيان، بينما قِيلَ أن لديه قوات مسلحة، لكن بحسب الإعلان، فإن لها وجودًا بكل الولايات، ولها 28 هدفًا لهذه القوات، أبرزها: إلغاء اتفاقية جوبا، فضلًا عن التمسُّك بوطنية القوات المسلحة ووحدتها.

ردًّا على ذلك، اتهم رئيس مجلس السيادة الانتقالى فى السودان، عبد الفتاح البرهان، جهات لم يُسمِّها بالسعى للوقيعة بين الشعب وقوات الشرطة، وبالرغم من أنه تمَّ إطلاق سراح “الصوارمى خالد سعد”، ونحو 2 من قيادات قوات “كيان الوطن” بعد اعتقالٍ دام أسبوعًا على خلفية إعلانها، إلَّا أن ظاهرة تعدُّدِ الجيوش فى السودان، هى ظاهرةٌ تستدعى فهم أبعادها وحدود تأثيرها وتداعياتها.

أولًا: ظاهرة تعدُّدِ الجيوش.

تستضيف الخرطوم أكثر من 5 جيوش، هى «الجيش النظامى، وقوات الدعم السريع، وقوات حركة تحرير مناوى، وقوات العدل والمساواة، وقوات أُخرى تابعة لحركات منشقة من الحركات الأم»، كلها تحوم فى طرقات الخرطوم بكامل عتادها و سياراتها ذات الدفع الرباعي[1]، ذلك بجانب قوات الحركة الشعبية شمال وقوات حركة تجمع قوى تحرير السودان وقوات حركة تمازج وغيرها من القوات والميليشيات.

وفى اتفاق السلام الذي وقع في عام 2020، ووقع على الاتفاق من جانب المعارضة المسلحة، الجبهة الثورية السودانية، التى تضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، فى حين لم ينضم فصيلان رئيسيان، وهما جيش تحرير السودان والحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو إلى مفاوضات السلام.

ثانيًا: ما وراء هذه المطالب والسياق المحيط

دفعت تحرُّكات إنشاء جيشٍ جديدٍ فى السودان، العديد من التحرُّكات والتوتُّرات التى أصابت المستوى السياسى والأمنى، نشير إلى أبرز هذه التحرُّكات، فيما يلى:

 مرور عامٍ على استقالة “حمدوك”: مرَّ عامٌ على التحرُّكات التى قام بها قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر الماضى2021، والتى انتهت بتوقيع اتفاق أكتوبر بين “حمدوك، والبرهان”، تلاها استقالة رئيس الوزراء السودانى، صاحب هذه الذكرى، الخروج فى تظاهرات فى مدن عدة، ولم تنقطع التظاهرات خلال عام.

اشتباكات النيل الأزرق: من ناحيةٍ أُخرى، تجدَّدت الاشتباكات القبلية في النيل الأزرق، ففي أكتوبر الماضى، تزايدت حدة القتال بين القبائل، واندلعت مواجهات عنيفة بين عرقيتيْ “الهاوسا، والبارتا”؛ بسبب خلافاتٍ حول الأراضى، وأفادت السلطات السودانية، ارتفاع ضحايا الاقتتال العرقى جنوبى البلاد إلى 200 شخص.

اشتباكات دارفور: خلال نوفمبر، تجدَّدت الاشتباكات فى إقليم دارفور؛ ما أسفر عن إعلان حالة الطوارئ فى إقليم دارفور، الواقع فى غرب السودان، وذلك بعد إعلان وكالة الأنباء السودانية الرسمية وزعماء قبليين، مقتل 24 شخصًا فى اشتباكات قبلية، مع تجدُّد الاشتباكات فى وقتٍ سابقٍ؛ بسبب التنافُس على الأراضى ومصادر المياه.

موقف المفاوضات مع عبد العزيز الحلو: وجناح عبد العزيز الحلو واحد من الحركات المسيطرة فى شمال السودان، ولم توقع على اتفاقية السلام 2020، وبالرغم من أنه كان مخططًا الاستكمال، لكن تعثَّرت عملية التفاوُض بين حكومة الانتقال والحركة الشعبية، بقيادة عبد العزيز الحلو، بوساطةٍ من جنوب السودان؛ نتيجةً لتمسُّك التنظيم المسلح بمطالب، من بينها: الإقرار بحق تقرير المصير، على الرغم من توقيع الطرفين إعلان مبادئ تناولت حديث فصل الدين عن الدولة.

كل هذه المؤشرات وغيرها، أدَّت إلى فقْد سيطرة القوات المسلحة  السودانية على كامل  أنحاء السودان؛ ما أدى إلى بروز قوات أخرى مسيطرة فى الأقاليم المختلفة، وجرَّأ آخرين على  تكوين قوات أُخرى.

ثالثًا: تبعاتها وتأثيرها على المشهد السياسي

جاء فى بيان الحركة، أن هذه القوات تأتى للرد على الحركات المسلحة، التى حصلت على مناصب ووزارات، وأضاف: ”الوسط والشمال لم يتم منحهم أىّ مناصب للقيادة والوزارات؛ لأنهما لم يكونا قوات أسوة بحركات دارفور”، وأعلن رفضهم لأىّ قوات لحركات مسلحة، مؤكدًا تنازلهم عن هذه القوات فى حال توحدت القوات المسلحة، وأن من حق أىّ إقليم تقرير المصير إذا لم يجد ما يحتاجه فى الحكومة، وهذا الإعلان لا شكَّ أنه سيُلقى بتبعات متعلقة بالتسوية السياسية فى السودان.

خلط أوراق التسوية السياسية: أتت محاولات تكوين الجيش فى ظل محاولات التوصُّل لاتفاق وتفاهمات بين “قوى الحرية والتغيير”، ومن ناحيةٍ أُخرى؛ لخلط الأوراق، وتشتيت تركيز الرأى العام؛ فى محاولةٍ لإعادة المؤتمر الوطنى للسلطة، خصوصًا، أنها وضعت أو عرقلت تنفيذ اتفاق جوبا.

زيادة التحديات بإعادة الدمج: يخلق تتعدد الجيوش حالةً من التحديات والعوائق أمام عملية إعادة الدمج في السودان؛ إذْ بدا هذا التعدُّد جزءًا رئيسيًّا من العملية السياسية، وبدأ يتطبّع بالحياة اليومية، وتحوّل إلى ظاهرةٍ رئيسيةٍ فى السودان، واكتسب أهدافًا عدةً، أهمها: أنه سبيلٌ لكسب الرزق، ووسيلة لتوزيع الإيرادات النفطية على شريحة سكانية، محرومة من فرص العمل الأخرى.

استدعاء التيارات السياسية المتأسلمة فى السودان: من ناحيةٍ أُخرى، فإن هذا التحرُّك يعكس محاولة التيارات المتأسلمة، المحسوبة على “البشير”، العودة إلى المشهد مجددًا، فقادة التنظيم المشار إليه، أغلبهم محسوبون على التيار الإسلامى، ينتمون لفترة “البشير”، وهم يحاولون إعادة تقديم أنفسهم للمشهد السياسى، وظهور هذه الخلفيات لن يكون تأثيرها – فى الوقت الحالى- إيجابى على المشهد السودانى.

 الخاتمة

الجيد فى الأمر، أنه تمَّ  التعامُل مع الإعلان سريعًا،  فعدم إيلاء الأهمية الكافية له، يؤسس لإمكانية أىِّ جهةٍ، أن تعلن عن تكوين جيش خاصٍّ بها، ويمكن أن ينتقل الأمر إلى القبائل، لكن هذا الإعلان هو بمثابة إنذار؛ لتعجيل عملية دمج الجيوش، وتسريح المقاتلين  فى السودان.

إذ تستدعى هذه الظاهرة، إعادة النظر فى بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه فى اتفاق السلام؛ لدمج وتسريح لقوات الحركات المسلحة فى الجيش، والمشاركة فى القوات المشتركة، بالتحديد البند، المتعلق بالقوات ودمجها فى الجيش، والأسلحة التى تمتلكها الحركات، وكلاهما حدّد الاتفاق طريقةً للتعامُل معها، بالأسلحة تذهب إلى المخازن والجنود يدمجون فى الجيش أو يُسرحون، وربما  يستدعى المستجد محلَّ التناول أن ينظر إلى الأسلحة والمقومات التي أُشير إليها في إعلان “الكيان الوطنى” والتعامُل معها بالنحو الذى يؤدى لعدم امتلاك مقومات تسليح فى يد غير المعنيين بحمل السلاح.

 إن إنهاء أزمة تعدد الجيوش – بحسب مراقبين- يتطلب الإسراع فى تنفيذ الترتيبات الأمنية، والعمل على معالجة العقبات كافة، التى تعرقل عملية تنفيذها، ودعمها بالإمكانيات المادية، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بالقوات النظامية وعمليات الدمج، وأن يتم الالتزام بإدماج كل الفصائل المسلحة، تحت غطاء القوات النظامية، كما ينص عليها اتفاق السلام، وضرورة دعم المؤسسات المعنية بنزع السلاح، والتسريح بالأدوات المختلفة لتحقيق ذلك.

 

المصادر :

[1] https://is.gd/yVkaCN

كلمات مفتاحية