كيف نقرأ موقف الإخوان فى ظل احتدام الأزمة السودانية؟

إعداد: جميلة حسين 

مع تضخم الأزمة السودانية وعودتها للواجهة مرة أخرى واشتداد الضربات والقصف بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش، وانتهاك جانبى الصراع للجانب الإنسانى والبنى التحتية للدولة، وفشل محاولات التفاوض على هدنة جديدة أو السماح بفتح ممر إنسانى، يجدر الإشارة إلى موقع تيارات الإسلام السياسى وخاصة إخوان السودان من هذا المشهد ومحاولة استغلاله وتوظيفه لصالحهم، لاسيما مع التأكيد النسبى على مسؤوليتهم عن إشعال شرارة الحرب فى السودان للإطاحة بقوات الدعم السريع والعودة إلى السلطة مرة أخرى وتحقيق أجندتهم الخاصة.

إرث ممتد

ارتبط ظهور الإخوان المسلمين فى السودان فى أواخر الأربعينات بعد زيارة قام بها وفد إخوانى بقيادة “جمال الدين السنهورى” وحركة الطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون فى القاهرة واعتبروا بمثابة حلقة الوصل فى نقل أفكار التنظيم إلى السودان، وأنشئ أول فرع لجماعة الإخوان هناك عام 1949، وفى مطلع الخمسينات انضم عدد كبير من السودانيين إلى التنظيم وانتشر التنظيم فى السودان بسرعة متفاوتة نجحت فى استقطاب الإسلاميين باعتبارها الحركة الإسلامية الأبرز فى الدول.

إلا أن جزءًا منها انشق وأنشأ “الجبهة الإسلامية القومية” التى حاولت جمع غالبية التيارات الإسلاموية فى جعبتها بقيادة “حسن الترابى” وخاضت تلك الجبهة باسم الإخوان المسلمين الانتخابات البرلمانية فى 1986 ولكن لم يفز فيها أحد.

ومع تطور الحرب الأهلية فى الجنوب وتصاعد حالة عدم الاستقرار، شهدت السودان فى يونيو عام 1989 ثورة الإنقاذ الوطنى بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده “حسن الترابى” زعيم الجبهة الإسلامية، وتم استدعاء أحد أعضاء الجبهة “عمر البشير” من أجل استلام مهام الرئيس على اعتباره أعلى رتبة فى الجيش السودانى فى ذلك الوقت، وتمت الإطاحة بالحكومة المنتخبة والتى ترأسها “الصادق المهدى”.

وعليه بدأت فترة حكم “عمر البشير” واستولى الإسلاميون على السلطة بشكل بارز لمدة 30 عامًا، مع استمرار الصراع فى السودان، وتمكن أفراد التنظيم من حكم البلاد على المستوى السياسى والأمنى والاقتصادى، وتوظيف الشعارات الدينية للقضاء على الخصوم السياسيين التى أطالت الإسلاميين المدنيين بما فيهم “الترابى” الذى تم القبض عليه والزج به فى السجن.

بمعنى آخر، حكمت الجماعة السودان تحت إطار حكم حزب “المؤتمر الوطنى” نحو توجه إسلامى أكثر تشددًا، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1993 أدرجت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب خاصة بعد استضافة البشير لـ “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة، فضلا عن أزمة دارفور فى عام 2003 التى اتهم على إثرها بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.

وظل الأمر هكذا حتى شهد السودان حراكًا شعبيًا فى أبريل 2019 أفضى إلى سقوط حكم الإخوان فى السودان بعد تضامن الجيش السودانى بقيادة “عبد الفتاح البرهان” مع القوى المدنية بقيادة “تحالف الحرية والتغيير”، وتم توقيع اتفاق لتقاسم السلطة مع الجيش ودخل السودان فى مرحلة انتقالية تعين على إثرها “عبد الله حمدوك” رئيسًا للحكومة الانتقالية.

 واشتد مع تلك المرحلة الصراع بين المكون المدنى والعسكرى حول السلطة، ففى 25 أكتوبر 2021 أعلن “البرهان” حل مجلسى السيادة والوزراء والمؤسسات الانتقالية وكذلك أعلن حالة الطوارئ وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية، وجرى اعتقال العديد من القيادات المدنية على رأسهم “حمدوك”، من هنا بدأت الحركة الإسلامية فى العودة إلى المشهد السودانى بعد سماح “البرهان” بممارسة النشاط السياسى للإسلاميين، لاسيما قد نشأ تحالف بين الإخوان وعدد من الأحزاب والحركات المسلحة المقربة من المكون العسكرى فى مجلس السيادة عرفت بـ”منصة التأسيس”.

محاولات العودة

فى أبريل 2022 أعلنت 10 تيارات إسلامية فى السودان تكوين “جبهة إسلاموية” جديدة تحمل مسمى “التيار الإسلامى العريض” ووضعت عدة أهداف أبرزها صيانة السيادة الوطنية، وإصلاح الشأن السياسى وإعلاء قيم الدين فى مناحى الحياة السودانية، ومن أبرز الكيانات الموقعة على هذا التحالف “حركة الإصلاح الآن”، و”منبر السلام العادل”، و”حزب دولة القانون والتنمية”، و”جماعة الإخوان السودانية”، و”تحالف العدالة القومى”، و”تيار النهضة”.

ويرى البعض أن تأسيس هذا التحالف بمثابة تطور فى مستوى العلاقة بين المكون العسكرى والحركة الإسلامية خاصة فى ظل عدم القدرة على إدارة الدولة وخوضها لصراع ممتد غير منتهى الأفق.

وفى ظل رغبة الحركة الإسلامية فى إعاقة جهود التسوية وتعطيل مسار الانتقال وفشل الاتفاق الإطارى السياسى بين العسكريين والمدنيين، وما أسهم فيه الصراع الأخير فى أبريل الماضى مع تعمق الانقسامات الجذرية بين المكون العسكرى ذاته حول إصلاح المؤسسة العسكرية ودمج الدعم السريع فى القوات المسلحة، الأمر الذى أفضى إلى رغبة التيار الإسلامى فى بقاء العسكريين فى السلطة تحت لواء قيادات “البرهان”، لاسيما بعد تصريحات “البرهان” العام الماضى بأن إعادة المرتبطين بنظام “البشير” لمناصبهم أمور سيتم مراجعتها، فضلًا عن إمكانية الإفراج عن بعض قيادات حزب المؤتمر الوطنى.

دلالات خطرة

  • تشكيل تحالفات مسلحة وقبلية: منذ الأزمة السودانية أعلنت جماعة الإخوان تشكيل ميليشات مسلحة فى مقدمتها “قوات كيان الوطن” تحت قيادة “العميد الصوارمى خالد سعد” المتحدث السابق باسم الجيش السودانى فى حكومة البشير، و”درع الشمال” و”درع الوطن”، فضلًا عن سعى التنظيم لتشكيل تحالفات مع قبائل سودانية لكسب عريضة شعبية أبرزها “التحالف الأهلى لاسترداد الحقوق” فى ولاية نهر النيل الواقعة فى الشمال.
  • هروب قادة إخوان من السجون: بعد بدء الصراع بين الجيش والدعم السريع استطاع بعض قادة نظام “البشير” المعتقلين الهروب من سجن “كوبر” فى الخرطوم الذى يضم عددًا كبيرًا من قادة الصف الأول للنظام السابق فى مقدمتهم “عمر البشير” بعد موجة احتجاجات عارمة شهدها السجن وتدهور الإمدادات الإنسانية به، ومن أبرز هؤلاء الفارين “أحمد هارون، على عثمان محمد طه، عوض الجاز، ونافع على نافع”، ومثل ذلك هدفًا مهمًا لجماعة لإخوان، واعتبرته “تحالف الحرية والتغيير” دليلًا على وقوف التنظيم وراء الصراع المشتعل فى السودان.
  • إمكانية شن استهداف مماثل: كثفت قوات الدعم السريع هجماتها تجاه العناصر الإخوانية، حيث اعتقلت فى مايو الماضى “محمد على الجزولى” رئيس التيار الإسلامى العريض، و”أنس عمر” رئيس حزب المؤتمر الوطنى، بذريعه وجود اتفاق سياسى وعسكرى مسبق من أجل إفشال الاتفاق الإطارى والتخطيط للصراع الحالى، كما تم استهداف قيادات من الصف الثانى فى تنظيم الإخوان فى الشهور الماضية مثل “عمر قاسم سراج، أيمن عمر فرج، ومحمد الفضل عبدالواحد عثمان”.

موقف القوى الإقليمية والدولية

بالنظر إلى تحول الساحة السودانية لاحتمالات إعادة الزخم الإخوانى، نجد فى المقابل دول إقليمية مهمة أبرزها مصر تسعى لتحجيم نفوذ الجماعة خاصة فى ظل القلق حيال عودة نشاط التيارات الإسلامية السودانية، فضلًا عن التخوفات الأمنية من احتمال عودة بعض الإخوان عبر الحدود السودانية بأساليب غير شرعية، ذلك فى ضوء تأكيد أجهزة الأمن المصرية على استعدادها لمواجهة أى تحركات محتملة مصحوبة بالفوضى وعدم الاستقرار، حيث كثفت مراقبتها على الحدود مع السودان.

وبالنظر إلى التحركات الدولية واستكمالًا لسلسة العقوبات المفروضة على السودان وخاصة الشخصيات الإخوانية البارزة منذ نهاية القرن الماضى، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية فى 29 سبتمبر الماضى عقوبات على وزير الخارجية السودانى السابق فى حكومة البشير “على كرتى” وآخرين منسوبين إلى حزب المؤتمر الوطنى، لدورهم فى تقويض السلام والأمن والاستقرار فى السودان.

وفى مطلع الشهر الحالى توالت العقوبات على ثلاثة مسؤولين فى نظام البشير هم “صلاح عبد الله قوش، محمد عطا المولى عباس” رئيسى المخابرات السابقين، و”طه عثمان الحسين” أحد مساعدى البشير، وهناك محاولات بتصنيف “الحركة الإسلامية” فى السودان باعتبارها حركة إرهابية بعد دعوات متكررة من جانب تحالف الحرية والتغيير لسعى الحركة لتخريب الانتقال المدنى الديمقراطى، وإعاقة الجهود المبذولة لوقف لإطلاق النار فى سبيل إيقاف مجرى الحرب الدائرة.

مما سبق، فى ضوء توهم الفصيل الإسلامى بإمكانية العودة وتصدر المشهد السياسى مرة أخرى فى السودان، واعتياد توظيف الأزمات لصالحهم، تأتى محاولاتهم لخلق مزيد من الفوضى وزعزعة الاستقرار فى ضوء الاتهامات الموجهة ضدهم بالوقوف كحجر عثرة أمام محاولات التوصل إلى هدنة إنسانية، والنظر إلى قوات الدعم السريع كخصم مباشر أسهم فى سقوطهم وإبعادهم عن الحكم فضلًا عن محاولات توظيف الدين والمساعدة فى تعبئة واستقطاب الجماهير وإعادة تنظيمهم مرة أخرى عبر تضليلهم عن الحقيقة برفع شعارات فزاعة، وذلك بدعم من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين.

كلمات مفتاحية