لفتات أممية واضحة حول التوترات اللاحقة بتنظيم داعش فى إفريقيا والشرق الأوسط

إعداد: جميلة حسين 

وسط التهديد الأمنى الذى يشهده العالم مؤخرًا قدم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب “فلاديمير فورونكوف” تقريرًا أمام مجلس الأمن الدولى استعرض فيه الخطر والتهديد المتزايد الذى يشكله تنظيم داعش للسلام والأمن الدوليين لاسيما فى القارة الإفريقية البيئة الحاضنة له، على الرغم من جهود الأمم المتحدة والمكافحة الدولية فى دحره والحد من تواجده ومن قدراته العملياتية، ولكن ما زالت لديه قدرة عارمة بمساعدة الجماعات التابعة له على شن عمليات دموية ينتج عنها  خسائر مادية وبشرية، فماذا يحمل التنظيم من تهديدات محتملة فى المستقبل تأتى بتخوفات الأمم المتحدة؟

خطر متصاعد

أعربت منظمة الأمم المتحدة عن خطورة تنظيم داعش فى سوريا والعراق خاصة مع محاولات عودته بعد هزيمته العسكرية وتولى زعيم جديد للتنظيم واتباع إستراتيجة البقاء رغم الأزمات المالية التى عصفت به ولكن هناك من يقوم بدور الراعى الخفى يساعده بعنصر التمويل، فضلًا عن مده بالأسلحة والتدريب، وفى هذا السياق قال “فورونكوف” وكيل الأمين العام للأمم المتحدة “على الرغم من التقدم المطرد الذى أحرزته الدول الأعضاء فى الحد من القدرات العملياتية لتنظيم داعش، لا يزال لدى التنظيم القدرة على شن هجمات تسفر عن خسائر كبيرة فى صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانية”.

وعلى الرغم من الأزمات التى عصفت بالتنظيم سواء فى القيادة أو التمويل إلا أنه لم يوجد فى أجندتهم كلمة الاستسلام فظلوا يحتفظون بقدرتهم على شن هجمات إرهابية خارج مناطق عملياتهم خاصة فى منطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا التى تدهورت بشكل لا بأس به بفعل نشاط الجماعات المنتسبة لداعش، ولكن ما ينبأ بالخطر محاولات فروع داعش فى إفريقيا من استمرارها بالعمل بمزيد من الاستقلالية عن قلب داعش.

وبالعودة إلى سوريا فإن الحرب فى غزة وتداعياتها والاستهداف المتبادل بين الميليشيات التابعة لإيران من ناحية والتحالف الدولى لمكافحة داعش من ناحية أخرى فى شمال شرق سوريا سمح باستعادة التنظيم لنشاطه فى منطقة البادية السورية وتنفيذ عملياته سواء ضد قوات النظام السورى والميليشيات الإيرانية، وعزم التنظيم على الاعتماد فى معاملاته المالية بجانب الأموال النقدية والأنظمة البديلة للتحويل المالى على العملات المشفرة  من خلال وسائل التواصل الاجتماعى.

محاولات إعادة زخم التنظيم  لا سيما فى إفريقيا

إن التهديد الذى يمثله الوجود الداعشى فى إفريقيا يمثل توترًا وقلقًا بالغًا مقارنة بأى منطقة أخرى فى العالم نظرًا لأن الأمر مرتبطًا بمحفزات أخرى لوجود إرهاب التنظيم وتوغله فى المنطقة وتفاقم هجماته ويساعده فى الأمر الوضع السياسى والأمنى غير المستقر المرتبط بالصراع لاسيما فى منطقة غرب إفريقيا المنطقة الأكثر تعقيدًا فى القارة التى تمثل 25% من الهجمات حول العالم، وحذر أحد المسؤوليين فى الأمم المتحدة من تداعيات استقلالية فروع داعش على ظهور منطقة شاسعة من عدم الاستقرار من مالى إلى حدود نيجيريا.

وأشار فى إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولى قائلًا ما يلى: “رغم أن تنظيم داعش والجماعات المنتسبة إليه ظلوا يواجهون استنزافًا فى القيادة ونكسات مالية، إلا أنهم احتفظوا بقدرتهم على شن هجمات إرهابية والتخطيط لتهديد خارج مناطق عملياتهم، وظل خطر عودة ظهور التنظيم قائمًا فى سورية والعراق، وساهمت أنشطة الجماعات المنتسبة لداعش فى تدهور الوضع فى أجزاء من غرب إفريقيا ومنطقة الساحل”.

ولفتت التقارير الأممية إلى نقطة محورية مرتبطة بالجماعات المنضوية تحت لواء تنظيم داعش بايعتها وأصبحت جزءًا من التنظيم وفرع من فروعها وساعدتها على التوغل داخل القارة ومنافسها ذويها من الجماعات والتمدد داخل الأراضى مستغلى النزاعات العرقية والإقليمية، فعلى سبيل المثال تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا هى فى الأصل جزء من جماعة بوكو حرام الدموية التى كانت تصنف على أنها الجماعة الأكثر تطرفا ووحشية فى القارة الإفريقية ولكن بايع تنظيم داعش فى عام 2015.

ولكن الآن أصبح تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا المرتكز فى منطقة غرب إفريقيا وتحديدًا فى منطقة “حوض بحيرة تشاد” ينافس جماعة بوكو حرام، وتقارير مجلس الأمن الدولية تشير إلى أن الهجمات التى ينفذها تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا تفوق فى وحشيتها جماعة بوكو حرام.

ومع اتجاه مواكبة التطوير أكدت “ناتاليا غيرمان” رئيسة المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب ضرورة معالجة تفوق داعش فى استخدام التكنولوجيا لأغراض التواصل والتجنيد والتمويل، وكذلك الطائرات المسيرة لجمع معلومات استخبارية وتنفيذ هجمات.

واستطرادًا للتقارير الأممية يتبين لنا أن واقع الهجمات فى الشرق الأوسط يتخذ نمط الهجمات النوعية فى سوريا فى حين يسجل انخفاضًا طفيفًا فى العراق لاشتداد عمليات المكافحة هناك مع المطالبة بخروج قوات التحالف الدولى، ومع تركيز التحول الإرهابى نحو القارة الإفريقية نجد نيجيريا  ما زالت متصدرة المشهد الإرهابى وتزداد عمليات تنظيم داعش “ولاية غرب إفريقيا” بشكل بارز،  وتتصاعد أحداث العنف والاشتباكات المسلحة من جانب الجماعات الإرهابية التى تتغذى على الهشاشة الأمنية وتزيد من تعقيد المشهد العام فى المنطقة لاسيما مع تعاظم نفوذ تلك الجماعات فى مساحات كبيرة.

بالانتقال إلى منطقة الوسط حيث جمهورية الكونغو يستمر نشاط الولايات المرتبطة بتنظيم داعش لاسيما مع اعتبار تنظيم داعش فرع إفريقيا الوسطى أكثر فروع التنظيم استهدافا للمدنيين خاصة المسيحيين، يليه فرع موزمبيق الذى يلعب فيها داعش دور متصاعد للتهديدات الأمنية فى البلاد ينعكس على السكان ويهدد بأزمة طائفية والقتل على أساس الهوية الدينية، يلعب فيها داعش دورًا لتصاعد التهديدات الأمنية فى البلاد، ينعكس بدوره على الأمن الإقليمى ويهدد جنوب إفريقيا.

كيف نرى التحرك الدولى تجاه داعش؟

يتسبب تنظيم داعش الإرهابى فى إحداث نوع من الدمار والمأساة الذى يحتاج إلى تكثيف للجهود على مستوى واسع للمساعدة فى إحداث حل تلك الأزمة من جذورها العميقة ومعالجة آثارها وتكثيف الجهود لمنع عودتها مرة أخرى، وتحاول الأمم المتحدة ولجانها المعنية وكذلك مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب دعم الدول الأعضاء فى مكافحة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى لتنفيذ إستراتيجية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب لما يراعى الفوارق ويتوافق مع حقوق الإنسان بمكافحة الإنسان ومنع التطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب، فضلًا عن دور الإنتربول الدولى.

أما عن دور الإنتربول الدولى فقد أشار “يورغن ستوك” الأمين العام للشرطة الدولية، إلى أن جهازه يعمل بشكل متصل مع مسؤولى مكافحة الإرهاب التابعين للأمم المتحدة لمساعدة سلطات إنفاذ القانون من أجل تحديد ومنع استغلال أغراض الإرهابيين لخدمات مثل التسفير وأدوات الفيديو ومنصات الدعاية، وأكد أن لديه مشروعًا لجمع البيانات حول العلاقة بين الجريمة المنظمة والإرهاب الذى كانت نتائجها مفادها وجود تفاعلات صريحة بين الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية، حيث تتلاقى مصالحها ومناطق عملياتها على الحدود فى الغالب لصالح الطرفين، ويزداد تواجدهم فى المناطق الحدودية ضعيفة التأمين.

وفى سياق آخر، يلزم التعاون الإقليمى  بين الحكومات والمجموعات الإقليمية الفعال لا سيما فى القارة الإفريقية لمكافحة التنظيم، خاصة فى مناطق النزاع التى يتغذى عليها، والإلزام طويل الأمد والتنسيق المستمر للتصدى لخطر التنظيم على كافة المستويات، ومعالجة الأسباب الجذرية بداية من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة فى نقص التنمية والفقر والتعليم والبطالة والحكومة الرشيدة والاستثمارات وكذلك السياسية المتمثلة فى التسويات السياسية وحل أزمات الانقلابات والنزاعات المحلية والأمنية وغيرها من الأسباب الآخذة فى التمادى والتوغل.

 ومن ثم توفر البيئة الإفريقية مناخًا خصبًا لتمدد الجماعات الإرهابية خاصة المرتبطين بالتنظيمات الجهادية العالمية، وبمرور الوقت يتوفر المناخ الملائم لهذا التطور باختلاف التحديات التى تواجهها القارة مما يصب فى نهاية الأمر لمصلحة التنظيمات التى تحاول إعادة بناء قدراتها والتغلب على انقساماتها الداخلية وتطوير رؤية إستراتيجية جديدة فى بيئة تحدها المخاطر من كافة الاتجاهات.

وتشدد التنظيمات هجماتها ضد العسكريين والمدنيين وتسيطر على مناطق متنوعة مستغلة بذلك طفرة انعدام الأمن المحلى وعدم الاستقرار السياسى وتراجع الأوضاع الاقتصادية وانتشار عدوى الانقلابات مما يجعل النظم العسكرية الجديدة ستستهلك جزءًا كبيرًا من قدراتها الأمنية من أجل فرض وتثبيت حكمها وذلك على حساب توجيه تلك القدرات للحرب على الإرهاب، ذلك بالإضافة إلى تغير المعادلة الدولية المكافحة لتلك الجماعات حيث خروج القوى الغربية من المشهد لصالح دول أخرى كروسيا والصين وفتور الضغوط الأمريكية لمكافحة الإرهاب.

مما سبق؛ جاء الطرح السابق للتأكيد على الخطورة القادمة كتحدى لاحق يواجه العالم بجانب تحديات جمة، وعليه ذلك التحدى أصبح أكثر تعقيدًا يحتاج مقاربات جهود مكافحة الإرهاب على المستويين المحلى والإقليمى وتنسيق بشكل فعال للحفاظ على أمن واستقرار إفريقيا لاسيما منطقة الساحل والصحراء وتدعمها تراجع دعم الأنظمة السياسية والأمنية فى إفريقيا، فضلًا عن ضرورة تقوية دور الاتحاد الإفريقى الذى تراجع دوره مؤخرًا وانشغل بالصراعات فى عدة دول فى القارة وتغافل عن ظاهرة تنامى الإرهاب والتطرف العابر للحدود التى تحتاج إلى حلول على كافة المستويات عسكرية وأيدولوجية واقتصادية وسياسية من خلال الاعتماد على إستراتيجية طويلة المدى.

كلمات مفتاحية