ليبيا على خطِّ الأزمة السودانية: ماذا عن المبادرة الليبية لحلِّ النِّزَاع؟

إعداد: شيماء ماهر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تعثَّرت طُرُق الحلِّ السياسي للأزمة السودانية، وارتفع صوتُ السلاح عاليًا؛ الأمر الذي أدَّى إلى فشل المبادرات التي طُرِحَتْ من قِبَلِ وسطاء محليين ودوليين؛ من أجل تسوية النِّزَاع الحالي، وفي هذه المرة، خرجت مبادرةٌ لحلِّ الأزمة السودانية من بلدٍ يُعانِي من الانقسام السياسي، فأعربت الجارة الشمالية الغربية للسودان، عن استعدادها لاستضافة طرفيْ النِّزَاع المُسلَّح؛ أملًا في الوصول إلى حلٍّ للأزمة المتفاقمة، وتقريب وجهات؛ ما يؤدي إلى إحلال السلام وإيقاف المآسي في هذا البلد، الذي مزَّقه الصراع الداخلي، ودخل في متاهة حرب لم تعرف خطَّ النهاية حتى اليوم.

وساطةٌ ليبيةٌ لإحلال السلام ووقْف إطلاق النار في السودان

تسرع ليبيا تحرُّكاتها مع كافَّة أطراف الصراع في السودان؛ لاستضافة محادثات، من شأنها إيجاد مخرجٍ للأزمة السودانية، فقد وجَّه كُلٌّ من رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دعوى رسمية لرئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع حميدتي؛ لزيارة العاصمة الليبية طرابلس، وبالفعل، لبَّى رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، هذه الدعوة، وذهب في زيارةٍ رسميةٍ إلى طرابلس، اليوم الإثنين؛ للقاء برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.

وتأتي هذه الزيارة عقب إعلان “الدبيبة”، السبت 24 فبراير 2024م، عن مبادرةٍ لإحلال السلام، ووقْف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلال مكالمةٍ هاتفيةٍ مع قائد قوات الدعم السريع في السودان، ودعاه إلى زيارة ليبيا، في أسرع وقتٍ ممكنٍ، وتناول الاتصال ضرورة تقريب وجهات النظر بين كافَّة الأطراف السودانية؛ لإحلال السلام والاستقرار، وإعادة بناء الدولة على أُسُسٍ جديدةٍ، وعلى الرغم من مبادرة “الدبيبة” إلا أن “البرهان” لم يتطرق إليها خلال لقائه مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي؛ حيث تحدَّث “البرهان” عن عُمْق العلاقات بين “السودان، وليبيا”، دون أن يتطرق إلى مبادرة “الدبيبة”، على الجانب الآخر، رحَّبَ “حميدتي” بالمبادرة الليبية، وأعلن “حميدتي” أنَّه سيُلبِّي دعوة “الدبيبة” لزيارة ليبيا في القريب العاجل.

والجدير بالذكر، أن الزيارة الليبية تأتي في ظلِّ توقيتٍ يسعى فيه الجيش السوداني لاستعادة سيطرته على العديد من المناطق، خاصَّةً بعد سلسلة الخسائر خلال الشهور الماضية، وقد تمكَّن الجيش السوداني من بسْط سيطرته على أحياء “بيت المال، وأبو روف” المتمركزة في مدينة أم درمان، فضلًا عن تطويق قوة الدعم السريع منازل المواطنين والأعيان بمحور أم درمان.

ما وراء مبادرة “الدبيبة” لحل الأزمة السودانية؟

قد تحمل دعوة “الدبيبة” طرفيْ الأزمة السودانية دلالات عدة، منها أن سلطات غرب ليبيا تبحث عن دور في الأزمة السودانية، وتقريب وجهات النظر بين “البرهان، وحميدتي”؛ من أجل التقليل من المخاطر التي أصبحت تهددها؛ جرَّاء الحرب السودانية، في الوقت الذي تُعاني فيه ليبيا من أزماتٍ مُعقَّدة، وبحاجة إلى من يساعد فُرَقَاءَها على حلِّها، كما أن “الدبيبة” يسعى لتوظيف زيارة “البرهان” إلى طرابلس؛ من أجل تنشيط خطوط التواصُل الإقليمي، والتغطية على تفاقُم الأزمة الأمنية في “العاصمة طرابلس، ومدن الساحل الشمالي الغربي”؛ بسبب حالة الانعدام الأمني التي تُعاني منها، وذلك بالعمل على الجمْع بين “البرهان، وحميدتي” في لقاءٍ وجهًا لوجه؛ ما يُمثِّلُ – في حال تحقُّقِه – انتصارًا للدبلوماسية الليبية، وإن كان مُسْتَبْعَدًا، رغم ترحيب “حميدتي” بدعوة “الدبيبة”.

وفي السياق ذاته، يحاول “الدبيبة” استخدام المبادرة كورقةٍ تُكْسِبُه شرعيةً دوليةً، ومن المتوقع صعوبة نجاح حكومة “الدبيبة” في حلِّ الأزمة السودانية؛ كوْن طرابلس لا تمتلك أوراق ضغط على الأطراف المتحاربة، وفي حال نجاح الحكومة الليبية وضْع الطرفين على طاولة المناقشات معًا، فإنه يمكن تمهيد الطريق نحو اتفاق سلامٍ، يُسْتَكْمَلُ بعْد ذلك، عبْر منبر جدة أو منبر آخر، ونجد أيضًا أن “البرهان” يسعى من خلال زيارته إلى اكتساب شرعيةٍ سياسيةٍ كرئيس للدولة، بزيارة تلك الدول ولقاء الرؤساء، وفي الوقت ذاته، يريد الحفاظ على موقعه في الجيش.

أبرز ما جاء في زيارة “البرهان” إلى ليبيا

تركزت المباحثات نحْو تعزيز العلاقات الثنائية ودعمها وتطويرها بما يخدم مصالح الشعبيْن “الليبي، والسوداني”، واتفق الطرفان على تبادُل الوفود بين الدولتيْن، وتفعيل الاتفاقيات الواقعة بينهما، والبحث في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار في السودان وفي المنطقة، وأكَّد “المنفي” وقوف ليبيا بجانب السودان ودعْمه لوحدته وأمنه وسلامة أراضيه، مُبيِّنًا أن السودان يُعدُّ دولةً مهمةً بالنسبة لليبيا، ولا يمكن التفريط في استقراره وتماسُكِهِ، وأضاف أن جهود ليبيا من أجل التوصُّل إلى السلام في السودان، هي التزام ومسؤولية تجاه هذا البلد، وأكَّد على مواصلة هذه الجهود؛ حتى تُؤْتِي ثمارها.

قواسم مشتركة بين الوضع الليبي والأزمة السودانية

سِمَةُ قواسمَ مشتركة بين الوضع في “ليبيا، والسودان”، فعلى سبيل المثال، تعيش الدولتان – حاليًا – الوضع السياسي نفسه، من حيث الانقسام في أعلى هرم السلطة، وتفكُّك الدولة، وتعطُّل مسار الانتقال الديمقراطي، وتُظهر عسكرة الصراع السياسي في الدولتيْن، وجود عددٍ من القوى السياسية المسلحة المتصادمة، الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في شرق ليبيا، والميليشيات الحاكمة في “طرابلس، ومصراتة، والزنتان” في ليبيا، والجيش الوطني السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق حميدتي، والحركات المتمردة في “دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق” في السودان.

فقد تعثَّر مسار الانتقال السياسي في ليبيا بقيام حكومتيْن وبرلمانيْن يتنازعان الشرعية، بما عقَّد عملية الاحتكام الديمقراطي، عبْر الانتخابات التعُّددية الحرة، وفي السودان حالةٌ مماثلةٌ من سِمَاتِها الظاهرة، صراع الشرعية بين المؤسسة العسكرية وقوى الحرية والتغيير، التي تُمثِّلُ أساس الحركة المدنية، والتي أسقطت نظام عمر البشير، في أبريل 2019م.

ختامًا:

تكثُر المبادرات السياسية من مختلف القوى الدولية الإقليمية؛ للسعي نحو إيجاد مخرجٍ للأزمة السودانية، ولكن يتضح أن هذه المفاوضات لا جدوى منها، في ظل إصرار طرفيْ النزاع ورغبة كُلِّ طَرَفٍ في حسْم الحرب لصالح موقفه، ولهذا السبب تمضي الحرب السودانية في طريقها نحْو المجهول، فقد تحوَّل الصراع فيها إلى حرب استنزافٍ استهدفت المدنيين، وارتفع خلالها عدد الضحايا والنازحين، وتدمير المُدُن والبُنَى التحتيّة، وهذه الأوضاع تحتاج إلى سنواتٍ عِدَّة؛ لكي يتمَّ التعافِي منها، وعلى الرغم من أن الشعب هو المتضرر الأكبر في هذه الحرب، إلَّا أنه لا صوت له فيها، فلا تُوجد توقُّعات بشأن إنهاء الحرب مباشرةً؛ لأن توقُّف الحرب تشير إلى نهاية طرفيْ الأزمة ومحاسبتهم على كافَّة الجرائم التي ارتكبوها في حقِّ الشعب، ولكي يتمَّ حلُّ الأزمة السودانية، لا بُدَّ من تشكيل حوارٍ وطنيٍّ، وليس الاكتفاء بالتفاوُض العسكري، فضلًا عن ضرورة الإصلاح السياسي، فلا جدْوَى لأيِّ مسارٍ آخر.

كلمات مفتاحية