“مؤشرات أولية”: هل تخضع جنوب أفريقيا لعقوبات من الولايات المتحدة؟

إعداد : حسناء تمام 

في تطوُّرٍ لافتٍ وقَّع أربعةٌ من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين المؤثرين من الحزبيْن “الجمهوري، والديمقراطي” على رسالةٍ مشتركةٍ، تدعو الولايات المتحدة إلى تجريد جنوب أفريقيا من حق استضافة منتدى “AGOA”، والبحث عن مقرٍ آخر لاستضافة القمة 2023، واتهام جنوب أفريقيا بدعم روسيا في حربها في أوكرانيا.

وقَّع الرسالة أعضاء مجلس الشيوخ “كريس كونز، وجيمس ريش، وجريجوري ميكس، ومايكل ماكول”، ووجّهت الرسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، والممثل التجاري، كاثرين تاي، قال أعضاء مجلس الشيوخ: إن جنوب أفريقيا يجب ألَّا تستضيف الحدث الرئيسي لـ “قانون النمو والفرص الأفريقية”.

ومن المقرر أن تستضيف جنوب أفريقيا منتدى قانون “أجوا” في جوهانسبرج، وهو اجتماع للزعماء الأفارقة والمسؤولين الأمريكيين؛ لمناقشة مستقبل البرنامج، الذي من المقرر أن ينتهي في عام 2025.

أولًا: ما هي دوافع تقديم المقترح؟

بالرغم من أن روسيا، تبدو أن لديها موقفًا محايدًا من الناحية الرسمية، كما شارك الرئيس، راما فوزا، في الوفد الأفريقي، الذي زار موسكو لطرح مبادرة سلام أفريقية، إلَّا أن هناك العديد من الإجراءات التي دفعت الأعضاء لاتهامها بالانحياز إلى الجانب الرُّوسي، ومنها الآتي:

موقف جنوب أفريقيا من قرار المحكمة الجنائية باعتبار “بوتين” مجرم حرب: أصدرت “الجنائية الدولية” في مارس، مذكرة توقيف، بحق الرئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين؛ بتهمة ارتكاب جريمة حرب على خلفية “ترحيل” أطفال أوكرانيين، وأنه يتعيّن على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تنفيذ مذكرتَيْ التوقيف بحق “بوتين” والمفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الأطفال “ماريا لفوفا – بيلوفا” إذا سافرا إليها، لكن في لقاء قمة “بريكس” حاولت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، تحويل التركيز بعيدًا من “بوتين” والحرب في أوكرانيا.

إجراء مناورات بحرية مع الصين وروسيا: في فبراير الماضي، أجرت حكومة “رامافوزا” مناورات بحرية مشتركة مع روسيا والصين؛ في سبيل تعزيز العلاقات المزدهرة بين “جنوب أفريقيا، وروسيا، والصين”؛ إذ جرت  مناورات بحرية متعددة الجنسيات بين هذه الدول الثلاث، حملت المناورات اسم “موسي”، وتعني “دخان” بلغة تسوانا المحلية، بين 17 و27 فبراير، قُبَالَةَ سواحل “ديربان، وريتشاردز باي”؛ بهدف تبادُل المهارات والمعرفة، وقد أُجريت مناورات ثلاثية مماثلة قبل سنوات، لكن تكرارها في ظلِّ تزامنها مع الحرب في أوكرانيا، أثار قلقًا دوليًّا.

دعاوى تزويد جنوب أفريقيا لروسيا بالأسلحة: في مايو، وجَّه سفير الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا، روبن بريجيتي، اتهامات لحكومة “رامافوزا” بتزويد روسيا بأسلحة من قاعدة بحرية في جنوب أفريقيا، وهي مزاعم تنفيها جنوب أفريقيا، لكن كرَّرها أعضاء مجلس الشيوخ، وأنه في أواخر العام الماضي، رست سفينة شحن روسية خاضعة للعقوبات الأمريكية في أكبر ميناء بحري في جنوب أفريقيا، وتشير المخابرات إلى أن حكومة جنوب أفريقيا استغلَّت هذه الفرصة؛ لتزويد روسيا سِرًّا بالأسلحة والذخيرة.

ثانيًا: الدلالات

ضغط اقتصادي: رسالة أعضاء الكونجرس، هي علامة على أن جنوب أفريقيا قد تواجه انتقامًا اقتصاديًا؛ بسبب موقفها من الحرب “الروسية – الأوكرانية”، كما أثار أعضاء مجلس الشيوخ شبح اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات لإخراج جنوب أفريقيا من مخطط الوصول التفضيلي الخاص بـ”أجوا”، وتجدر الإشارة إلى أن صادرات جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة وصلت بموجب قانون “أجوا” إلى ما يقْرُب من مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام؛ ما يجعلها ثاني أكبر مستفيدٍ من البرنامج بعد نيجيريا.

تكرَّر في وقتٍ سابقٍ التلويح بطرد جنوب أفريقيا من “أجوا”، في عام 2015؛ بهدف فرْض سياسات معينة على جنوب أفريقيا، تخدم بعض السلع الأمريكية، كما تطرح مجموعات الضغط الصناعية في الولايات المتحدة، بأن جنوب أفريقيا لا يجب أن تصنف أنها «دولة نامية»، وبالتالي لا يجب أن تستفيد من التجارة الحرة الجمركية مع أكبر اقتصادٍ في العالم، وباعتبار جنوب أفريقيا واحدةً من الدول الأفريقية الأكثر تصنيعًا في القارة، بهذا يعرفها البنك الدولي، ومقرُّه واشنطن، على أننا دولة ذات دخلٍ أعلى من المتوسط.

ضغط سياسي: يبدو أن الولايات المتحدة تحاول أن تكون أكثر حسْمًا تجاه الدول الأفريقية التي تُقدِّمُ أيَّ شكْلٍ من أشكال الدعم، وإن كان ضمنيًّا تجاه روسيا، بجانب سعْيها لتوسيع قاعدة دعْم الموقف الغربي تجاه الرُّوسي، بكفِّ الدول الأفريقية المتعاونة مع روسيا عن استئناف هذا التعاون؛ لذا تُوصف استضافة منتدى قانون “أجوا” لعام 2023، في جنوب أفريقيا، بمثابة تأييدٍ ضمنيٍّ لدعم جنوب أفريقيا الضار للغزو الرُّوسي لأوكرانيا.

من ناحيةٍ أُخرى، هناك تخوُّفات أمريكية من محاولات التوسُّع التي يجريها الـ”بريكس”؛ إذ أعلن الـ”بريكس” عن توجُّهٍ في التوسُّع في قبول انضمام دول، وقد أشارت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا إلى أن 13 دولةً قدَّمت طلبات رسمية؛ للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، جاءت هذه الطلبات من “السعودية، الجزائر، ومصر، والإمارات، والبحرين، والسنغال، وسوريا، والسودان،، وتونس، وتركيا، والأرجنتين، وأفغانستان، وبنغلاديش، وبيلاروس، وفنزويلا، وزيمبابوي، وإندونيسيا، وإيران، وكازاخستان والمكسيك، ونيجيريا، ونيكاراغوا، وباكستان، وتايلاند، وأوروغواي”، وبالتالي قد يكون الضغط بالحرمان من مزايا قانون “النمو والفرص” هو وسيلةٌ لردع هذا التوسُّع.

كما يُوجد ازدواجٌ في تعهُّدات جنوب أفريقيا بحماية مصالح شركائها السياسية والأمنية؛ فلدى جنوب أفريقيا تعهُّدان بمقتضاهما تلتزم بحماية مصالح كلا الشريكيْن المتنافسيْن، الأول: المرتبط بأجواء أهليتها للحصول على مزايا تجارية بموجب قانون “أجوا”، يقتضي الالتزام بالشرط القانوني، بأن الدول المستفيدة لا تشارك في أنشطة تُقوِّض الأمن القومي للولايات المتحدة أو مصالح السياسة الخارجية.

والثاني: متمثلٌ في شراكةٍ عسكريةٍ وقعت مع روسيا، عام 2013؛ إذ وقَّعت جنوب أفريقيا صفقة شراكة إستراتيجية شاملة مع روسيا، يحدد هذا الإعلان، الذي وقَّعه الرئيسان “جاكوب زوما، وفلاديمير بوتين”، إطارًا للتعاون بين البلديْن، وهو يغطي طائفةً واسعةً من المجالات، بما في ذلك التعاون “السياسي، والاقتصادي، والتكنولوجي، والثقافي”، والذي يقتضي عدم المشاركة في أيِّ تحالُفات أو رابطات أو نزاعات مسلحة “عسكرية – سياسية” أو غيرها، موجهة ضد الطرف الآخر، أو في أيِّ معاهدات أو اتفاقات أو تفاهمات تنتهك استقلال الطرف الآخر، أو سيادته أو سلامته الإقليمية، أو مصالحه الأمنية الوطنية؛ لذا تسعى الولايات  المتحدة لحسْم هذه الازدواجية لصالحها؛ الأمر الذي يضع جنوب أفريقيا في موضع تطلَّب منها حسْم موقفها.

وجدير بالذكر، أنها ليست المرة الأولى التي يُهدد فيها بتطبيق عقوبات على الدول بمنعها مزايا قانون “النمو والفرص”، فقد سبق ولوَّحت الولايات المتحدة بإمكانية أن يكون هناك عقوبات تفرضها على الجانب الإثيوبي، إبان حرب “تيجراي”، ففي سبتمبر عام 2021، أكَّد مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، بأنه إذا لم يتم التعامل مع الوضع الحالي بشكلٍ سلميٍّ، فقد يؤثر ذلك على أهلية إثيوبيا للانضمام إلى (Agoa)، فإزالة إثيوبيا من (Agoa)، من شأنه أن يضر بالإستراتيجية الصناعية لإثيوبيا، بجانب تهديدات سابقة لجنوب أفريقيا.

ثالثًا: ترقُّبٌ وتأنٍ متبادل

تعتبر مطالب أعضاء الكونجرس، بحرمان جنوب أفريقيا من استضافة قمة “أجوا” ينُمُّ عن اتجاه الدول الغربية بشكلٍ عامٍ، بالضغط بالمساعدات “الاقتصادية، والتنموية”؛ لحسْم مواقف الدول الأفريقية لصالحها في مقابل روسيا.

ولاشك أن مواقف جنوب أفريقيا كانت لافتةً في موقفها من الحرب “الروسية – الأوكرانية”، “جنوب أفريقيا، وروسيا” تربطهما شراكةٌ عسكريةٌ، منذ عام 2013، لكنها في الوقت ذاته – وكما بدت من تصريحات مسؤوليها حول الموضوع – ليست على استعدادٍ أنْ تتخلَّى عن الولايات المتحدة كشريكٍ اقتصاديٍّ.

فيرجح أن تأخذ الولايات المتحدة الطلب المقدم بتنفيذ عقوبات على محْمل التأني، على الأقل في الفترة الحالية وحتى توقيت عقْد المؤتمر، على أن يستمر التلويح بعدم رضائها عن ممارسات جنوب أفريقيا في دعم روسيا؛ فالامتثال لمقترح أعضاء الكونجرس بشكلٍ فوريٍّ، وتنفيذ نقل المؤتمر، سيكون خيارًا غيْر فعَّال بالنسبة للولايات المتحدة من ناحية؛ لأن الجانب الأوسع من العقوبات التي فرضتها في الحالات الأفريقية المختلفة لم تُثْبت فعاليتها، أو نجاحها في تحويل مسارات الأحداث والمواقف لصالحها.

من ناحيةٍ أُخرى، قد تفضل الولايات المتحدة إعطاء جنوب أفريقيا مساحةً أوسع، تُبْدي فيها حرصها على التعاون المشترك بين الطرفيْن، خصوصًا أن جنوب أفريقيا واحدةً من الدول ذات الثقل “السياسي، والاقتصادي” في أفريقيا بشكلٍ عامٍ، والاتحاد الأفريقي بشكلٍ خاصٍ، لكن لا شكَّ أن يكون هناك نقاشٌ حقيقيٌّ وتغيُّراتٌ محتملة في نقاشات تمديد قانون “النمو والفرص”، قد تتجه في معظمها إلى توفير ضمانات أوسع تُقدِّمها جنوب أفريقيا للولايات المتحدة مقابل تمديد العمل بالقانون والتمتُّع بمزاياه.

كلمات مفتاحية