بقلم السفير : محمد الصوفي
وقع نحو المائة من المفكرين ورجال الثقافة والإعلام من السنغال وبلدان أخرى إفريقية عريضة بعنوان “نداء العقل” موجهة للرئيس السنغالي ماكي صال أياما قليلة قبل الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لاستقلال هذا البلد.
وقد برَّر الموقعون على النداء مبادرتهم بكون السنغال يحتفل هذه السنة بذكرى عيد الاستقلال في ظل درجة غير مسبوقة من الاحتقان السياسي على بعد أقل من سنة من الانتخابات الرئاسية المنتظرة في شهر فبراير 2024.
وقد احتفل السنغال يوم 4 ابريل الجاري بالذكرى 63 لاستقلاله الوطني حيث جابت شوارع العاصمة عروض عسكرية كبيرة وألقى الرئيس ماكي صال خطابا أكد فيه على متابعة تأمين الحوزة الترابية الوطنية بنشر وحدات قوات الجيش والأمن في كافة المناطق داخل البلاد من أجل تأكيد سيادة الدولة وتأمين الأشخاص والممتلكات.
إلا أن المخيب لآمال الموقعين على النداء والرأي العام المحلي هو أن الرئيس السنغالي ، رغم تأكيده على الانفتاح على الحوار والتشاور مع كافة القوى الحية في البلد ضمن احترام دولة القانون ومؤسسات الجمهورية حسب تعبيره ، لم يتحدث عن نقاط معينة يعتبرها هؤلاء جوهرية ومن الهم اليومي الراهن لكافة المواطنين، واعتبر محللون أن عرض الحوار الذي أعلن عنه بقي عاما ودون تحديد لنقاط معينة فلم يوضح الرئيس نواياه بشأن الترشح أو عدم الترشح لمأمورية رئاسية ثالثة سنة 2024، كما أنهم كانوا ينتظرون منه التطرق لأعمال العنف التي عرفتها البلاد في الآونة الأخيرة وأدت إلى سقوط قتلى والعديد من الجرحى بالإضافة إلى أضرار مادية معتبرة.
وبدا واضحا للمراقبين أن الرئيس ماكي صال يتجنب في الوقت الراهن، على الأقل، التطرق إلى مثل هذه المسائل التي يعتبر المراقبون أنها تشغل المواطن والطبقة السياسية في السنغال في الوقت الراهن. وقال أحد المعلقين من المعارضة إن خطاب ذكرى الاستقلال الحالي يعتبر قانونيا الخطاب الأخير بالنسبة للرئيس ماكي صال وكان عليه أن يتحدث عن الانتخابات المقبلة ويعطي إشارات حول هذه المسألة إلا أنه أحجم عن ذلك من أجل الإبقاء على الغموض والضبابية حسب تعبير هذا المتحدث.
ويرى أصحاب النداء وكذلك العديد من الذين تناولوا الأوضاع الراهنة في السنغال على صفحات المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي أن البلد قد وصل إلى درجة من الاحتقان غير مسبوقة رغم ما عرف عنه في السابق من أنه أنموذج للاستقرار الديمقراطي فأصبح بفعل العوامل المتراكمة في الفترات الأخيرة يتجه نحو موجات من الغضب وستزداد حدتها بعد خطاب الرئيس الحالي الذي لم يتطرق فيه إلى ما يقود إلى التهدئة بالفعل.
لقد أصبح على السنغاليين بعد مرور خطاب الرئيس أن ينتظروا لفترة أخرى ليعرفوا الرأي النهائي حول نوايا الرئيس الحالي الذي يتهمه الكثيرون من معارضيه بالتحضير للإعلان عن الترشح لمأمورية رئاسية ثالثة رغم المعارضة الشديدة لهذا الاحتمال ومن العناصر التي وردت في خطاب الرئيس أنه أعرب عن نيته في مواصلة تعبئة المؤسسات الجمهورية من أجل متابعة الإصلاحات والإنجازات في البلد وإذا كان لا يعني أن متابعة هذه الإنجازات ستكون على يد غيره فإنه يقود البلد إلى الانزلاق نحو العنف وعدم الاستقرار.
وهو ما كان أصحاب العريضة قد أشاروا إليه قبل خطاب الرئيس ماكي صال حيث قالوا بالحرف الواحد إن البلد يتجه نحو الهاوية وفي ما يشبه التنبيه ألاستباقي للرئيس طالبوا بخلق جو سياسي هادئ من أجل التوجه إلى الانتخابات المقبلة ومن أجل الحرص على تعزيز المكتسبات الديمقراطية في السنغال وفوق ذلك تمكينها من التطور.
وقالوا إن كل استحقاق رئاسي يكون في العادة مسبوقا بحالة احتقان إلا أن ما وصلت إليه الأمور اليوم في البلد حسب بعبيرهم يختلف عن الحالة العادية فقد أصبحت التطورات الحالية و تلك التي تلوح في الأفق ، تمثل تهديدا قويا لمكتسبات البلد و يبدو ذلك جليا من خلال حالة الحشد القصوى والاحتقان السائد بين أنصار النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى.
يعني هذا بالسبة لأصحاب النداء أن السنغال يتجه نحو صدام بين معسكرين في درجة من التوتر و الشحن مخالفة تماما لما يحدث عادة قبل الاستحقاقات الرئاسية وهو ما يعني ضرورة التفكير بطريقة أخرى لمعالجة الوضع قبل فوات الأوان.
فالساحة المناوئة للرئيس ماكي صال تشهد حملة قوية تتهمه باستخدام القضاء لإبعاد خصومه في الرئاسة المقبلة في إشارة إلى ملف المعارض الرئيسي عثمان سونكو ومنع كل من خليفة صال البرلماني و العمدة لدكار وكريم واد نجل الرئيس السابق من الترشح لأسباب ترتبط بأحكام قضائية صدرت في ظل حكم الرئيس الحالي.
ويقول موقعو النداء بأنهم وإن كانوا قد خاطبوا الرئيس ماكي صال في البداية، نظرا للدور الحاسم يمكن أن يلعبه ليس فقط في تهدئة الوضعية الحالية ولكن أيضا بسبب ما بيده من سلطات يمكن أن يستخدمها من أجل تلافي انزلاق البلد إلى ما لا تحمد عقباه. إلا أنهم في نفس الوقت يتوجهون بالنداء إلى كافة مكونات الطبقة السياسية والفاعلين في الساحة السنغالية.
و بعد صدور العريضة و مرور خطاب الرئيس ماكي صال في احتفالية عيد الاستقلال دون أن يتطرق بشكل صريح إلى هذه النقاط و دون أن يحسم القول في عزمه الترشُّح أو عدم الترشُّح لمأمورية رئاسية ثالثة، يقول احد المحلِّلين إن الرئيس يدرك بدون شك أن البلد الذي يقوده الآن يتَّجه بالفعل نحو موجة عنف وغليان في الشارع غير مسبوقة و غير محسوبة النتائج و بالتالي يمكن أن يختلق مناسبة أخرى للإعلان عن مبادرة لمعالجة الوضع، أما بالنسبة لمسألة ترشُّحه أو عدم ترشُّحه لمأمورية رئاسية ثالثة،فسيكون مُجبرًا على كشف موقفه قبل نهاية العام الحالي أي مع حلول اجل انطلاق حملة المترشحين لجمع التزكيات قبل شهر ديسمبر القادم.