مؤشر السلام العالمي 2023..  تفاقم تحديات السلم حول العالم

إعداد/ حسناء تمام كمال

صدر مؤخرًا  تقرير السلام العالمي في نسخته الجديدة – السابعة عشر- الذي يصدر عن معهد السلام والاقتصاد، ويصنف 163 دولة وفقًا لمستوى السلام فيها، وذلك بالتركيز على موضوعات رئيسية  هي  اتجاهات السلام، تأثيرات العنف اقتصاديًّا، وكيفية تنمية المجتمعات السلمية، كما يقيس حالة السلام عبر ثلاثة مجالات: مستوى الأمن والسلامة المجتمعية؛ مدى الصراع المحلي والدولي الجاري، ومستويات التسلح العسكري، وتنبع أهمية هذه النسخة من التقرير، أنه يقيس حالة السلم في العالم، بعد مرور أكثر من عام على الحرب الروسية الأوكرانية التي  غيَّرت كثيرًا في  العالم، ويعرض هذا التقرير أبرز النتائج التي جاء بها التقرير.

أولًا: حالة السلم تواصل التدهور

جاء في نتائج التقرير لهذا العام، أن متوسط مستوى تدهور السلام العالمي بنسبة 0.42%، وأن هذا هو التدهور الثالث عشر في مستويات السلام في الخمسة عشر عامًا الماضية، وأن من أًصل 163 دولة تحسنت 84 دولة وتدهور السلام في 79 دولة في عام 2022.

وسجلت أوروبا أنها هي المنطقة الأكثر سلامًا في العالم، بينما ظل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) المنطقة الأقل سلامًا في العالم، وحافظت أيسلندا على مرتبتها أكثر دول العالم سلمًا، والتي تحافظ عليها منذ عام 2008، فيما كانت أفغانستان هي الدولة الأقل سلمًا في العالم للسنة الثامنة على التوالي.

أما فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، فوفقًا للتقرير، كان للحرب في أوكرانيا تأثير كبير على العالم السلام، فقد سجلت أوكرانيا وروسيا أكبر وخامس أكبر تدهور في السلام على التوالي، وأشار التقرير إلى رصد ما لا يقل عن 82200 حالة وفاة مرتبطة بالنزاع في أوكرانيا في عام 2022، بل إنه من المرجح أن يكون الرقم على أرض الواقع أعلى من ذلك بكثير.

ثانيًا: المؤشرات الفرعية وحالة السلم

كان عام 2022 هو العام الأكثر دموية في النزاعات المسلحة منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994؛ إذ كان هذا مدفوعًا بأكثر من 100000 قتيل في حرب تيجراي الشمالية إثيوبيا، وأن الحرب بين إقليم تيجراي والحكومة الفيدرالية هي الأكثر دموية منذ 1994، و تزايدات الوفيات المرتبطة بالنزاع، كما شهدت أوكرانيا أيضًا على الأقل 82000 حالة وفاة؛ بسبب النزاع في عام 2022.

كذلك تزايدت الوفيات المرتبطة بالنزاع في مالي 154 % في عام 2022، و العنف ضد المدنيين بنسبة 570 %، بينما في ميانمار، الوفيات المرتبطة بالنزاع بنسبة 87 %، فيما حدث أكبر تحسن في السلام في ليبيا للعام الثاني على التوالي، في المقابل، انخفض مستوى العنف في مناطق نزاع كانت تصنف السنوات الماضية على أنها تشهد عنفًا حادًّا؛ مثل أفغانستان واليمن، فقد انخفضت الوفيات المرتبطة بالنزاع بنسبة 91 % في أفغانستان، وانخفضت بنسبة 63 % في اليمن.

من ناحية أخرى، أكد التقرير على أن حالة السلم والعنف معدية، يمكن أن تمتد آثار إجراءات كليْهما في منطقة أو بلد واحد إلى المناطق والبلدان المجاورة؛ ما يؤدي إلى خلق حلقات مفرغة؛ حيث يتحرك السلام والصراع جنبًا إلى جنب، وحالة أوروبا الشرقية هي مثال على ما أدت إليه التغييرات في بلد واحد إلى انخفاضات كبيرة في السلام في الدول المجاورة، روسيا أدى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 إلى زيادة مستويات التسلح والعسكرة في أوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، مع تدهور العلاقات بين هذه الدول.

في حين تعتبر منطقة غرب أفريقيا الساحلية مثالًا على العدوى الحميدة؛ حيث قامت الدول بتحسين الناتج المحلى الإجمالي مدى السنوات الخمس عشرة الماضية؛ لذا على الرغم من انتشار العنف في منطقة الساحل، ووجود تاريخ قوي من الصراع العنيف، سجلت كل دولة ساحلية في غرب أفريقيا تحسنًا في مستويات السلم من 2008 إلى 2023، وتحسينات في الحكم والاستقرار السياسي، فضلًا عن زيادة المخصصات المالية للشرطة والأمن لعبت الخدمات دورًا رئيسيًّا في هذا التحسن، وتستثني غينيا من ذلك.

وكان أبرز ما رصدته المؤشرات الفرعية، أنه ولازالت الفجوة بين الدول الأقل والأكثر سلمًا مستمرة في التباعد منذ عام 2008، أقل 25 دولة سلمية في المتوسط بنسبة 9.8 %، في حين أن 25 دولة هي الأكثر سلمية، البلدان تحسنت بنسبة 0.1 %، كما تدهور مؤشر تأثير الإرهاب بشكل حاد حتى عام 2015، ولكن بدأت السنوات الأخيرة في التحسن.

كذلك تحولت تركزات بؤر العنف من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء الكبرى أفريقيا، ولا سيما منطقة الساحل، كما تحسنت خمسة من ستة مؤشرات في مجال العسكرية منذ عام 2008، مع انخفاض متوسط معدل الأفراد المسلحين من 476 في عام 2007، إلى 403 جنود لكل 100000 نسمة في عام 2022، وحققت   123 دولة تحسين تمويل عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.

ثالثًا: صراعات تتجه نحو التهدئة وأخرى نحو التصعيد

بحسب التقرير شهد عام 2022 تحولًا في التوزيع العالمي للعنف، الصراعات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، بينما انخفضت الصراعات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، كما أدت المنافسة الجيوسياسية المتزايدة إلى تأجيج الصراع في العديد من الدول والبلدان، تتنافس القوى العظمى والمتوسطة على حد سواء، التأثير في الولايات أو المناطق من خلال دعم المصالح المتنافسة، من خلال تقديم المساعدة العسكرية، أما عن الأوضاع في أبرز دول الصراع من ناحية التهدئة أو التصعيد فكانت كالآتي:

  • الغزو الروسي لأوكرانيا؛ هو أكبر حرب في أوروبا منذ حروب البلقان في التسعينيات، تصاعد العنف بشكل ملحوظ في مالي وميانمار وأوكرانيا في 2022.
  • في إثيوبيا قتل أكثر من 104000 شخص في الحرب في تيجراي، أكبر حدث موت في الصراع منذ 1994 الإبادة الجماعية في رواندا، على النقيض من ذلك، انخفض الصراع بشكل ملحوظ في أفغانستان واليمن.
  • تصاعد العنف في مالي بعد أن سحبت فرنسا قواتها من جمهورية مالي، شهدت مالي زيادة بنسبة 154 % في الوفيات المرتبطة بالنزاع، بما في ذلك زيادة تقارب أربعة أضعاف في الوفيات الناجمة عن العنف تستهدف المدنيين، كان هناك ما يقرب من 5000 قتيل في ساحة المعركة في 2022.
  • شهدت ميانمار تحولًا من العنف المرتبط بالاحتجاج إلى الحرب الأهلية؛ حيث حصلت الميليشيات المختلفة على الدعم بعد الانقلاب، يتعلق بالاحتجاج انخفاض عدد الوفيات بنسبة 99.2 %، في حين زادت الوفيات المرتبطة بالنزاع بنسبة 86.7 %.
  • شهدت الحرب في منطقة تيجراي الإثيوبية أعنف المعارك، فأكثر من 104000 شخص قُتلوا بين أغسطس ونوفمبر قبل هدنة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي، كما تصاعد العنف في أوروميا، وهو صراع منفصل.
  • سجلت أفغانستان أكبر انخفاض في الوفيات الناجمة عن المسلحين والصراع في عام 2022؛ حيث انخفضت الوفيات المرتبطة بالنزاع بنسبة 90.6 %، من حوالي 43000 إلى ما يزيد قليلًا عن 4000، كما تراجع الصراع في اليمن مع عقد الهدنة.
  • حدث أكبر تحسن في السلام في ليبيا للعام الثاني على التوالي.
  • لعبت الطائرات بدون طيار أيضًا دورًا رئيسيًّا في العديد من النزاعات، مع الجيش والطائرات بدون طيار التجارية المستخدمة بأعداد كبيرة في أوكرانيا، إثيوبيا وميانمار، العدد الإجمالي لهجمات الطائرات بدون طيار بنسبة 40.8 % عن عام 2022، مع عدد زيادة استخدام المجموعات المختلفة للطائرات بدون طيار بنسبة 24 %.

“جدول يوضح ترتيب دول العالم وفقًا لمؤشر السلام العالمي ومقدار التحسن أو التدهور المُحرز”

رابعًا: موضع دول الشرق الأوسط وأفريقيا في المؤشر

تظل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) المنطقة الأقل سلامًا في العالم للعام الثامن على التوالي، على الرغم من تسجيلها تحسينات متتالية في السلام منذ عام 2020؛ وذلك لأنها هي موطن لأربعة من أقل عشرة بلدان سلمية في العالم، ومع ذلك يمكن الإشارة إلى ترتيب الدول الآتية:

  • سجلت عدة دول في مرحلة ما بعد الصراع في المنطقة تحسنًا في السلام، بما في ذلك ليبيا وسوريا والعراق واليمن.
  • سجلت ليبيا أكبر تحسن في السلام في المنطقة وأكبر تحسن على مستوى العالم، مع تحسن بنسبة 7.2 % في درجاتها الإجمالية، تعد ليبيا الأكثر سلمًا منذ بداية الحرب الأهلية الليبية الثانية في عام 2014، بالرغم من أن الوضع الأمني ​​الداخلي لا يزال هشًّا.
  • شهدت إسرائيل أكبر تدهور في السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث تراجعت ثماني مراتب إلى المرتبة 143، ولم يكن مستوى السلام بهذا المستوى المنخفض منذ عام 2010.
  • فيما جاءت مصر في المرتبة 121، وسجلت إيران المرتبة 148.
  • السودان هو ثالث أقل دولة سلمية في منطقة الشرق الأوسط، حتى قبل حساب اندلاع الصراع في منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
  • اليمن هي الدولة الأقل سلمًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنسبة إلى السنة الثالثة على التوالي، وبذلك سجل اليمن تحسنًا لأول مرة منذ عام 2017.

سجلت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء انخفاضًا طفيفًا في معدلات السلام، فيما تحسن 21 في النتيجة، بينما تدهورت 22 حالة وبقيت واحدة على حالها، أكثر دول المنطقة هدوءًا هي موريشيوس، وحققت جنوب السودان التدهور الأكبر في أفريقيا جنوب الصحراء.

خامسًا: التأثير الاقتصادي للعنف

وفقًا للتقرير، بلغ الأثر الاقتصادي العالمي للعنف 17.5 تريليون دولار في عام 2022؛ ما يعادل 12.9 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو 2200 دولار للفرد، وأنه كان للحرب في أوكرانيا تأثير اقتصادي مدمر، وزاد الأثر الاقتصادي للعنف في أوكرانيا بنسبة 479 %، أو 449 مليار دولار، كانت هذه أكبر زيادة في أي بلد، فقد سجلت أوكرانيا وأفغانستان والسودان أعلى نسبة، من حيث نسبتهم التكلفة الاقتصادية للعنف في عام 2022، تعادل 63.1 و46.5 و39.7 % من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.

كما اهتم التقرير بتخصيص مساحة لرصد تبعات سياسة عزل تايوان التي تتبعها الصين، وقياس أثرها اقتصاديًّا، وقدَّر التقرير أن الحصار الصيني لتايوان سيؤدي إلى انخفاض الناتج الاقتصادي العالمي بمقدار 2.7 تريليون دولار أمريكي في العام الأول، ومن شأن الحصار أن يؤدي إلى تراجع بنسبة 2.8 % على الصعيد العالمي الناتج الاقتصادي في السنة الأولى، هذا ما يقرب من ضعف الخسارة حدث نتيجة للأزمة المالية العالمية لعام 2008، وأنه سيحدث ما يقرب من 60 % من هذه الخسارة في النشاط الاقتصادي في الصين وتايوان، مع خسارة البلدين مجتمعين إنتاج 1.6 تريليون دولار أمريكي، وقد ينكمش الاقتصاد الصيني بنحو 7 % في كل مرة، بينما ينكمش اقتصاد تايوان بنحو 40 %.

سيكون تأثير الحصار قويًّا بشكل خاص على التجارة في أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات، فالصين وتايوان معًا تهيمنان على التجارة العالمية في أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات بنسبة 31 % والمعدات الكهربائية بنسبة 23 %.

الصين والعديد من دول شرق آسيا بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان تعتمد بشكل كبير على واردات أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية مكونات من تايوان، وحصة التجارة مع تايوان، وإجمالًا التجارة في هذا القطاع، تتراوح من 10 % للفلبين إلى 21 % للصين، وأن تايوان هي الشركة الرائدة عالميًّا في إنتاج أشباه الموصلات، مع 20 % من إجمالي السعة العالمية، 37 % من القدرة العالمية المنطق الطاقة الإنتاجية لأشباه الموصلات، و92 % من قدرة إنتاج أشباه الموصلات المنطقية المتقدمة في العالم.

بالأخير:

كما ورد بالتقرير، فإن حالة السلام واصلت في التدهور، وبالتأكيد هذا لم يكن مفاجئًا، في ظل التدهور المتتابع المسجل في حالة السلام خلال الأعوام الماضية، ويعزز مواصلة التدهور استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وربما إشارة التقرير إلى عدوى السلام والصراع يبقى ذات دلالة في التنبؤ بمستقبل السلام.

من ناحيةٍ أخرى، بالرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية ساهمت في استمرار تراجع حالة السلم في العالم، لكن كان من المفاجئ أن الحرب الأكثر دموية كانت في إثيوبيا، والتي سجل عدد الوفيات فيها 100ألف، في حين سجلت أوكرانيا 82 ألف، عدد الوفيات الأكبر هو المسجل في إثيوبيا جرَّاء حرب التيجراي، بجانب تحول تركز بؤر العنف من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء الكبرى، هي علامات إنذار قوية بأن جهودًا أكبر متطلبة لتحجيم تفاقم العنف لمستويات أكبر في أفريقيا.

كلمات مفتاحية