ماذا وراء انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟

إعداد: رضوى الشريف

أضحت إيران رسميًّا العضو التاسع في منظمة شنغهاي للتعاون، وذلك خلال القمة الـ 23 لزعماء “منظمة شنغهاي للتعاون والأمن”، التي احتضنتها الهند، الثلاثاء، 4 يوليو، وشارك فيها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بصفته ممثلًا لبلد كامل العضوية في المنظمة، بعدما ظلت إيران تحضر لقاءات المنظمة لسنوات، بصفتها مراقبًا وشريكًا.

وبدأت مساعي إيران للانضمام إلى منظمة التعاون، منذ عام 2005؛ حيث كان الحصول على عضوية هذا التكتُّل هدفًا رئيسيًّا لتيار المحافظين في إيران، الذين أصبحوا بعد انتخاب “إبراهيم رئيسي” رئيسًا، في يونيو 2021، يسيطرون على كل أدوات السلطة، وفي عام 2021، قُبِل طلبها لتصبح عضوًا كامل العضوية، بينما وقّعت مذكرة التزامات للانضمام كعضو دائم، في عام 2022.

تأسست منظمة شنغهاي للتعاون ( (SCO، في 15 يونيو 2001، وتضمنت قائمة الدول المنضمة حينها، بالإضافة إلى “الصين، وروسيا”، كل من “كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وجمهورية أوزبكستان”، وباستثناء أوزبكستان، فإن بقية الدول الأعضاء المؤسسة كانت أعضاء في مجموعة “شنغهاي الخمسة”، وهي رابطة سياسية تأسست على وثيقتيْ اتفاقية “بناء الثقة في المجال العسكري في المناطق الحدودية”، والموقعة في شنغهاي عام 1996، واتفاقية “التخفيض المشترك للقوات المسلحة في المناطق الحدودية”، والموقعة في موسكو عام 1997.

وقالت المنظمة: إن الوثيقتيْن وضعتا أسس الثقة المشتركة في المناطق الحدودية، وساهمتا في تأسيس “شراكة حقيقية” بين تلك الدول، عقب انضمام أوزبكستان لمجموعة “شنغهاي الخمسة”، في عام 2001، أُعيد تسمية المجموعة لتصبح “منظمة شنغهاي للتعاون”، وكانت تضم المنظمة 8 دول كاملة العضوية هي: “الهند، وكازاخستان، والصين، وقيرغيزستان، وروسيا، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان”، ثم أصبح عدد أعضاء المنظمة (9) بعد انضمام إيران.

وتهدف منظمة التعاون، إلى تقوية الثقة المشتركة وعلاقات حسن الجوار بين الدول الأعضاء، وكذلك تعزيز التعاون السياسي الفعَّال في مجالات “السياسية، والتجارة، والاقتصاد، والعلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، والتعليم” ضمن مجالات أخرى، بحسب الموقع الرسمي للمنظمة، والذي يعتمد “الصينية، والروسية، والإنجليزية” لغات رئيسية له.

وبجانب الدول كاملة العضوية السالف ذكرها، فإن المنظمة تضم 4 دول تحمل صفة مراقب، وهي “أفغانستان، وبيلاروس، ومنغوليا”، و6 دول تملك صفة “شركاء الحوار”: وهي “أذربيجان، وأرمينيا، وكمبوديا، ونيبال، وتركيا، وسريلانكا”، وفي عام 2021، وافقت المنظمة على منح “السعودية، ومصر، وقطر” صفة “شريك في الحوار”، وفي مايو الماضي، مُنحت دولة الإمارات رسميًّا صفة “شريك حوار” في المنظمة.

ولعل هذا العدد من الدول الذي يُشارك في المنظمة، أو ذاك العدد من الدول الذي ما يزال ينتظر الموافقة على الانضمام إليها، هو ما دفع البعض لأن يعتبر منظمة شنغهاي نِدًّا لـ”الناتو”، وأن يعتبر البعض الآخر، أنها تتضمن هيكلًا هو أقرب إلى هيكل الاتحاد الأوروبي، وإن كان هذا يبدو ظاهريًّا صحيحًا إلى حدٍّ ما؛ إلا أن الحقيقة أن المنظمة رغم إمكاناتها الاقتصادية والجيوسياسية، تضم دولًا لا تتسم العلاقات فيما بينها بالاستقرار، والأمثلة هنا كثيرة، كـ”الهند، والصين”، و”الهند، وباكستان” وغيرها؛ لذلك، يُمثل التعاون الاقتصادي مرتكزًا رئيسيًّا للتفاعلات بين أعضاء المنظمة، التي تأسست قبل عقديْن من الزمان.

ماذا وراء انضمام إيران؟

غالبًا ما يتم تصوير هذا الاهتمام المتزايد بـ “منظمة شانغهاي للتعاون” على أنه ثمرة علاقات إيران مع “روسيا، والصين” – وفي الآونة الأخيرة، عمّقت الحرب الأوكرانية العلاقة بين “طهران، وموسكو”، في حين حافظت العلاقات مع بكين على مكانتها البارزة في عهد الرئيس، إبراهيم رئيسي، ومع ذلك، تعتبر الحكومة أيضًا المنظمة منصةً لتوسيع العلاقات مع القوى الأقل مستوى، فقد أعقبت الموافقة المبدئية على العضوية في العام الماضي سلسلةٌ من التبادلات الدبلوماسية الإيرانية مع “طاجيكستان، وكازاخستان، وأوزبكستان” في ربيع وصيف عام 2022 وفي الواقع، تمنح “منظمة شانغهاي للتعاون” طهران منتدى دبلوماسيًّا للسعي إلى توطيد العلاقات مع المنطقة، وهي عملية أعاقتها سابقًا القيود المحلية وانعدام الاتساق في السياسات، ومن جانبها، ترى حكومات آسيا الوسطى إيران مركزًا محتملًا للعبور، وبديلًا للاعتماد على روسيا.

وتعوّل إيران على فوائد الانضمام للمنظمة، وفقًا لخطاب “إبراهيم رئيسي”؛ إذ يأمل أن يوفر وجود طهران فيها منصة للأمن الجماعي، ويؤدي إلى التنمية المستدامة، ويوسع الروابط والاتصالات، ويُعزِّز الوحدة، ويحترم سيادة الدول، وستحاول إيران تعزيز مسعاها للبحث عن مركز مُميّز في نظام عالمي متعدد، فقد قال “رئيسي” خلال خطابه أمام قمة قادة شنغهاي: إن ما يُشكِّلُ أساس نظام الهيمنة الغربية هو هيمنة الدولار، وبالتالي، فإن أية محاولة لتشكيل نظام دولي عادل تتطلب إزالة أداة الهيمنة في العلاقات البينية.

وتمثل خطوة الانضمام أهمية كبرى للمنظمة نفسها وتزيدها قوة وتضاعف فعاليتها، خاصةً أن المنظمة التي أُنشئت من أجل ضمان الأمن والاستقرار في وسط آسيا من جهة، ولوقف تغلغل النفوذ الغربي في آسيا ومنطقة أوراسيا بشكلٍ عامٍ، تتعزَّز قوتها بانضمام إيران؛ لما لإيران من تاريخ من العلاقات مع وسط آسيا ومن النفوذ في هذه المنطقة؛ ما يحد من النفوذ “الغربي، والأمريكي”.

ولكن:

البعض يعتبر أن انضمام إيران للمنظمة لن يكون مُجْدِيًا لها؛ لعدة اعتبارات ارتبطت أساسًا بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي لم تُرْفع في ظل انسداد أفق إعادة إحياء الاتفاق النووي، بل تزايدت مع ارتفاع وتيرة القمع الأمني للانتفاضة الداخلية، التي نشبت منذ أشهر؛ احتجاجًا على مقتل الشابة “جينا أميني”.

ومن جهةٍ أُخرى، فلن يكون الأمر مُجْدِيًا لأن الدول الصديقة لطهران؛ مثل الصين، لم تقم بالاستثمار جِدِّيًا في البنية التحتية الإيرانية، التي لا تزال تعتريها بعض التحديات والقصور؛ مثل “الطرق، والسكك الحديد” التي تقلل من قيمتها كممر عبور، ولكن في ظل السياق الحالي المرتبط بما يتردد في التقارير الصحافية “الأمريكية، والإسرائيلية”، بأن ثمَّةَ اتفاقًا أو تفاهمًا موقتًا بين “واشنطن، وطهران”، فمن المتوقع، أن تسعى إيران إلى إتمامه؛ استثمارًا لانضمامها الكامل لـ “منظمة شنغهاي”، وتحسّن علاقتها مع الدول “العربية، والخليجية” المجاورة لها؛ حتى تتمكن من رفع العقوبات عنها، والاستفادة منها، في ظل مسعاها إلى الاستفادة من دبلوماسية الجوار التي أعلنتها، والاستفادة من المبادرات العالمية التي تطرحها “الصين، وروسيا” وشركاؤهما؛ إذ أعلنت إيران دعمها الكامل للمشاريع القائمة؛ مثل “الممر بين الشمال والجنوب، ومشروع “الحزام والطريق”” وجعلته أولوية، كما أنها تسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأعضاء في “منظمة شنغهاي للتعاون”، فضلًا عن تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع “موسكو، وبكين”.

ختامًا:

وجَّه الإعلان الرسمي بانضمام إيران إلى منظمة شانغهاي للتعاون، الأنظار إلى أهمية هذه المنظمة وفاعليتها، بوصفها منظومة علاقات سياسية تجمع دولًا تطمح إلى الحدِّ من الهيمنة الأمريكية، وأن يكون لها حصة وازنة في النظام الدولي، خاصةً أنها اكتسبت أهميةً متزايدةً، بعد أن امتدت مساحتها الجغرافية والجيوسياسية، من المجال الأوراسي إلى امتداده الشرق أوسطي، وذلك عبر انضمام ست دول عربية، بما يعكس “سياسة انفتاحية”، تُركز على توسيع قاعدة المصالح إقليميًّا وعالميًّا.

لذا يبدو أن مستقبل هذه المنظمة واعدٌ، خصوصًا أنها تُمهِّد لنمط من العلاقات أكثر عدالة على المستوى الدولي، تقوم دعائمها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم تغيير الأنظمة، والأهم من ذلك، الابتعاد عن منطق الهيمنة، بل إنها تسعى إلى إقامة علاقات، يمكن أن يستفيد منها الجميع ضمن معادلة “رابح – رابح”.

كلمات مفتاحية