ماذا ينتظر أردوغان داخليًا وخارجيًا بعد فوزه بالانتخابات؟

إعداد: شيماء عبد الحميد

تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الفوز بولاية رئاسية جديدة لمدة 5 سنوات بعد منافسة محتدمة مع مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو في واحدة من أعنف المعارك الانتخابية في تاريخ البلاد، ليصبح أول رئيس ينال 3 ولايات منذ تأسيس الجمهورية التركية الجديدة في عام 1923، حيث اُختتمت جولة الإعادة التي عُقدت يوم 28 مايو الجاري بإعلان هيئة الانتخابات التركية بفوز أردوغان بالرئاسة في جولة الإعادة وحصوله على 52.1% من الأصوات، مقابل 47.9% لخصمه كمال كيليتشدار أوغلو. ولكن رغم هذا الفوز؛ فإنه من المتوقع أن تكون هذه الفترة الرئاسية هي الأصعب بالنسبة لأردوغان نظرًا لوجود عدد من التحديات والمشكلات العالقة سواء في الداخل أو الخارج.

قضايا الداخل التي تقف أمام أردوغان:

  1. اهتزاز شعبية أردوغان؛ تشكل الانتخابات الأخيرة تحذيرًا لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية الذي حصد أدنى نسبة من التأييد منذ انتخابات عام 2002 التي أوصلته إلى السلطة، فلأول مرة تتوحد كبرى أحزاب المعارضة في تحالف واحد وهو تحالف الأمة لتخوض به السباقين الرئاسي والبرلماني، وبالفعل استطاع هذا التحالف أن يذهب بأردوغان للمرة الأولى إلى جولة إعادة في انتخابات الرئاسة، فضلًا عن تراجع نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية لتصل إلى 34.3% لأول مرة حيث بتتبع تاريخ الحزب في الانتخابات منذ 2002 حتى الآن، يتبين أنه حقق وقتها الأغلبية المطلقة بحصوله على 363 نائبًا من أصل 600 نائبا، في حدث نادر في تركيا، ولكن بعدها بدأ التصويت له في تراجع مستمر؛ ففي انتخابات 2007 حصد 341 نائبًا، وفي 2011 حصد 326 نائبًا، وفي 2015 حصد 258 نائبًا، وفي 2018 حصد 295 نائبًا، وفي انتخابات 2023 حصد 266 نائبًا، وكل ذلك يعني أن أردوغان سيواجه لأول مرة معارضة قوية مدعومة بظهير يكاد يصل إلى نصف الشعب، وعليه التعامل مع هذا الإشكال مستقبلًا.
  2. الأزمة الاقتصادية؛ سيشكل الاقتصاد أكبر عقبة سيواجهها الرئيس أردوغان في ولايته الجديدة، حيث يمر الاقتصاد التركي بمرحلة حرجة، فقد وصل معدل التضخم رسميًا إلى نحو 44% وهناك شكوك أن معدل التضخم أعلى من ذلك بكثير، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بـ54% على أساس سنوي في أبريل الماضي، وظل التضخم السنوي أكثر من 10% طوال خمس سنوات تقريبًا منذ انتخابات عام 2018، إلا أنه بدأ في الارتفاع بشدة بعد أزمة العملة أواخر عام 2021، غير أن الليرة التركية خسرت 44% من قيمتها عام 2021 و30% عام 2022، وقد تفاقمت هذه المشاكل بعد الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب البلاد في أوائل فبراير الماضي، والتي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص وتركت عشرات الآلاف من الأشخاص بلا مأوى.

وفي الأيام الماضية دار خلافًا بشأن هل يجب التمسك بالاستراتيجية الاقتصادية الحالية التي تعطي الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة أم التحول إلى سياسات تقليدية بدرجة أكبر بعد الانتخابات، وقد جاء الرد واضحًا من أردوغان الذي شدد على أنه سيواصل سياسته غير التقليدية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة لمكافحة التضخم المرتفع، معتبرًا أن خفض أسعار الفائدة هي الطريقة الصحيحة لانتشال البلاد من المشاكل الاقتصادية الحالية، ومن هنا؛ يُتوقع أن يتواصل التردي الاقتصادي الذي كبد تركيا خسائر كبيرة، أهمها تردي الليرة إلى مستويات غير مسبوقة خاصةً وأنه قد تراجعت الليرة التركية إلى 20.05 مقابل الدولار مع إعلان فوز أردوغان فوزه، ومع العجز عن زيادة الصادرات، وهروب المستثمرين الأجانب وانسحابهم من السوق التركية، بسبب مخاوفهم من حالة عدم الاستقرار في الأسواق، وإدارة ملف الاقتصاد، فإن إعادة الثقة بالاقتصاد التركي ستستغرق وقتًا طويلًا جدًا.

  1. ملف اللاجئين السوررين؛ يُعد أحد أبرز التحديات التي تأتي على رأس أولويات الرئيس التركي، نظرًا لأنه كان ورقة في غاية الأهمية لدى أحزاب المعارضة والتي استخدمتها لكسب تأييد الناخبين الأتراك حيث أدى ارتفاع عدد اللاجئين إلى 3 ملايين و381 ألفًا و429 شخصًا وفقًا لبيان إدارة الهجرة التركية، إلى خلق نوع من التذمر عند الأتراك الذين حمل معظهم اللاجئين مسؤولية تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار.

وفي ضوء هذه المعطيات؛ سعى أردوغان إلى تخفيف استياء الأتراك من خلال التعهد بسرعة الإعادة الطوعية لمليون لاجيء سوري موضحًا أن وزير الداخلية سليمان صويلو وصل إلى الشمال السوري، وأشرف على وضع حجر الأساس لمشروع المنازل وهو اللبنة الأولى لتأسيس البنية التحتية للعودة الطوعية للسوريين إلى تلك المناطق.

كما من المتوقع أن يقلل أردوغان من المزايا الممنوحة للسوريين، مع تبنيه طرقًا ناعمة للتعامل مع اللاجئين وإعادتهم من خلال تحسين العلاقة مع الحكومة السورية والأمن في المنطقة الحدودية، خصوصًا في المنطقة الشمالية الغربية، خاصةً مع تفهم أردوغان أن تحالف أوغلو الذي كان يطالب بعودة كافة اللاجئين قد حصل على ما يزيد عن 47.5% من الأصوات، وبالتالي هناك عدد كبير من الأتراك يطالبون بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

  1. ملف الأكراد؛ يختلف موقف أكراد تركيا وسوريا عن أكراد العراق من فوز أردوغان في الانتخابات؛ ففي حين ينتظر الأكراد في تركيا وسوريا مزيدًا من المواجهات العسكرية والاعتقالات من جانب الحكومة التركية، فإن الأكراد في شمال العراق ينتظرون مزيدًا من التبادل التجاري وعودة تصدير النفط بين الجانبين؛ حيث:
  • بالنسبة لأكراد تركيا؛ فقد صوتوا لتحالف الأمة المعارض في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة على أمل إزاحة حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن فوز الأخير أثار قلقهم بشأن 4 قضايا؛ وهي: مصير حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على الأكراد، والمرفوعة ضده دعوى قضائية لحظره ووصفه وزير الداخلية سليمان صويلو، في تصريحات تلفزيونية قبل أيام بأنه يهدف إلى تسميم الديمقراطية التركية، مصير حزب العمال الكردستاني وعبد الله أوجلان، الذي يسعى الأكراد لإطلاق سراحه هو وبقية السجناء الأكراد، استمرار الاعتقالات في صفوف السياسيين والناشطين الأكراد، استمرار العمليات الأمنية والعسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا، وفي ضوء تلك القضايا؛ من المتوقع زيادة التوتر بين الأكراد والحكومة مع الانتخابات البلدية القادمة.
  • بالنسبة لأكراد سوريا؛ فقد أبدوا توجسهم من عمليات عسكرية تركية جديدة في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرق سوريا؛ حيث ينادي أردوغان دائمًا بإلغاء اتفاقية لوزان الموقعة بين تركيا ودول في أوروبا والتي رسمت حدود تركيا الحالية، زاعمًا أن حدود بلاده الحقيقية تتضمن المناطق التي باتت في قبضة الأكراد في شمال شرق سوريا، وهو ما يثير مخاوف كردية بأن يضمها لبلاده، لذا ليس من المستبعد أن يدعم أردوغان جماعات في سوريا في مواجهة قسد أو يتدخل عبر عملية عسكرية.
  • بالنسبة لأكراد العراق؛ فهم يتوقعون مزيدًا من التعاون بين حكومة إقليم كردستان العراق، المدارة بنظام الحكم الذاتي والرئيس التركي، وقد تكون أولى المكاسب عودة تصدير النفط من الإقليم إلى تركيا وزيادة التبادل التجاري، حيث كانت أنقرة قد أغلقت خط أنابيب في مارس الماضي بسبب نزاع على النفط الذي يصدره إقليم كردستان في شمال العراق، الأمر الذي أثار استياء بغداد، ومع فوز أردوغان؛ قد يشعر بثقة أكبر في تعاملاته مع العراق، ويطالب بمزيد من التنازلات من بغداد وأربيل من أجل فتح خط الأنابيب.

السياسة الخارجية المتوقعة لأردوغان في ولايته الجديدة:

مع فوز أردوغان بالانتخابات؛ فإنه من المتوقع أن تبقى السياسة التركية الخارجية على ما هي عليه تجاه العديد من القضايا، سواء فيما يخص التقارب مع عدد من دول المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، أو ما يخص موازنة علاقات بلاده بين الشرق والغرب؛ حيث:

  1. بالنسبة لمستقبل العلاقات العربية التركية؛ لقد تراجعت حدة التوترات بين تركيا والدول العربية في العامين الماضيين حيث اتخذت أنقرة خطوات تصالحية لترميم علاقاتها بدول مثل مصر والسعودية؛ إذ أصلح أردوغان العلاقات مع الإمارات في 2021 ومع الرياض في 2022 مقابل الحصول على الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية، حيث وافقت السعودية على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي، ما ساعد لفترة وجيزة في تخفيف الأعباء عن كاهل البنك المركزي التركي والأسواق، ومن المتوقع أن يمضي أردوغان قدمًا في هذه السياسة؛ حيث:
  • يمكن أن تشهد العلاقات الخليجية- التركية المزيد من التقدم في الفترة المقبلة.
  • استمرار المفاوضات بشأن التطبيع مع النظام السوري، والتوصل إلى تسوية للعلاقات بين البلدين، تحت وساطة روسية، ولكن يبدو أن مسار التطبيع سيكون صعبًا وسيستغرق وقتًا طويلًا، بسبب الخلاف حول نقطة الانسحاب العسكري التركي من شمال سوريا، والتي لا يُتوقع أن يقبل بها أردوغان.
  • استمرار خطوات التقارب التركي المصري، وبالفعل أعلنت الرئاسة المصرية يوم 29 مايو أي بعد ساعات من فوز أردوغان بالانتخابات، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي اتفقا على رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء وذلك خلال اتصال هاتفي جمع بينهما، وتأتي هذه الخطوة بعد عدة مساعي تركية لتحسين علاقاتها مع مصر والتي كان آخرها زيارة وزير خارجيتها إلى القاهرة في مارس الماضي، ولكن هذا لا يمنع أن استكمال عملية التقارب تلك سيكون مرهون بعدة قضايا عالقة بين الجانبين؛ على رأسها الملف الليبي وملف غاز شرق المتوسط.
  • ساعد النهج التصالحي الذي اتبعه أردوغان مؤخرًا على تهدئة الصراع في ليبيا، ولكن هذا النهج ليس معناه أنه من المتوقع أن تنسحب تركيا من المشهد الليبي وموقف الدبيبة ودعمه لأردوغان في الانتخابات ووجوده للاحتفال بفوزه أكبر دليل على أن تركيا ستظل فاعل حيوي في هذا الملف، مما قد ينعكس سلبًا على ملف التقارب المصري التركي إذ ترفض القاهرة التدخلات التركية في الشأن الليبي.
  1. العلاقات الروسية التركية؛ استطاع أردوغان أن يوازن بين علاقاته بين روسيا والولايات المتحدة؛ فرغم انتقادات الغربيين له بسبب تقاربه مع روسيا وموقفه من الرئيس فلاديمير بوتين مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، إلا إنه تمكن من إقامة علاقات قوية ومفيدة مع موسكو حيث استطاع الحصول على أنظمة “أس-400” للدفاع الجوي من روسيا، برز سياسيًا على الساحة الدولية من خلال تقديم بلاده كوسيط بين روسيا وأوكرانيا، وسهل تبادل الأسرى ومبادرة حبوب البحر الأسود ومحادثات السلام في بداية الصراع، فضلًا عن افتتاح محطة طاقة نووية روسية الصنع، هي الأولى من نوعها في تركيا.

ولذلك من غير المرجح أن يتغير موقف تركيا بشأن روسيا، بل ستستمر تركيا في التعامل مع موسكو وبوتين على الصعيدين المالي والسياسي والاستراتيجي، كما أنه من المتوقع أن يتخذ الدولتان خطوات كبيرة في سبيل إنشاء مركز الغاز الأوروبي الذي اقترحته روسيا ورحبت به تركيا، خاصةً بعد أعمال التخريب في نورد ستريم، لتصبح تركيا بذلك الطريق الوحيد لإمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا.

  3. العلاقات التركية الأوروبية؛ لقد تراجعت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، وفي ظل وصول المفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي لطريق مسدود تقريبًا، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق يسمح بدخول الأتراك إلى الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة دخول، من المتوقع ألا تتغير علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة.

  1. العلاقات التركية الأمريكية؛ من المتوقع أن تستمر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة كما هي دون تغيير بحيث تظل العلاقة التبادلية التي أنشاها أردوغان مع واشنطن في ضوء اختلاف مصالح الدولتين الاستراتيجية، ومن ثم؛ ستظل قضية ضم السويد إلى الناتو قبل قمة الحلف في يوليو المقبل، أولوية لتحديد مستقبل العلاقات الأمريكية التركية، لأنه دون تنازل أنقرة وتصديقها على عضوية السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، لن يوافق الكونجرس على بيع مقاتلات إف-16 إلى أنقرة.
  2. العلاقات التركية الأفريقية؛ تنافس تركيا الدول القوية اقتصاديًا في أفريقيا حيث ترحب الكثير من الدول الأفريقية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان واستثمارات بلاده في أفريقيا، فضلًا عن زيادة حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول الأفريقية في السنوات الأخيرة بسرعة كبيرة؛ إذ نما حجم التبادل التجاري بينهما من 5.4 مليار وقت مجيء أردوغان كرئيس لتركيا، إلى نحو 45 مليار دولار، مما يعادل 9.4% من حجم الصادرات التركية، وحتى في مجال الطاقة والمواد الخام تزداد أهمية القارة الأفريقية بالنسبة إلى تركيا، وفي هذا السياق؛ تعتبر الجزائر من الشركاء المفضلين، والتي تعتبر واحدة من أهم مصدري المواد الخام إلى تركيا، إذ في نوفمبر 2022 أعلنت الدولتان عن خطط مشتركة في مجال الغاز والنفط.

كما أن دور تركيا العسكري أيضًا في ظل حكم أردوغان قد ازداد في أفريقيا؛ ففي العاصمة الصومالية مقديشو، أكبر قاعدة عسكرية خارج البلاد “معسكر توركسوم” التي تبلغ مساحتها 4 كيلومترات مربعة، وبذلك تعتبر الصومال أهم شريك استراتيجي بالنسبة لتركيا في القارة الأفريقية، وبالدرجة الأولى بسبب موقعها الاستراتيجي في القرن الأفريقي. أما على المستوى السياسي؛ فقد زار أردوغان 33 دولة أفريقية لتوطيد سياسته في القارة السمراء، وهناك بعثات دبلوماسية لـ 44 دولة أفريقية في أنقرة، وفي ضوء جميع هذه المعطيات؛ من المتوقع أن يكون هناك دور تركي أكثر اتساعًا في أفريقيا خلال الولاية الجديدة لأردوغان.

  1. العلاقات مع أذربيجان؛ مع فوز أردوغان؛ فمن المتوقع أن يواصل سياسته في تعزيز العلاقات مع أذربيجان ودعمها في النزاع مع أرمينيا في ناغورني قره باغ.

وإجمالًا:

فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة تستمر لمدة خمس سنوات، وسط انقسام وجدل واسع وتوحد غير مسبق للمعارضة في الداخل، ينبأ أن هذه الولاية قد تكون الأصعب بالنسبة لأردوغان خاصةً مع تراجع شعبيته وتردي الأوضاع الاقتصادية، أما خارجيًا؛ فيبدو أيضًا أن المهمة ستكون صعبة حيث هناك كم كبير من القضايا التي يجب أن يحسمها أردوغان سريعًا سواء فيما يخص تطبيعه مع النظام السوري، أو تعزيز علاقاته مع مصر ودول الخليج، أو كيفية استمرار سياسة مسك العصا من المنتصف التي يتبعها مع الولايات المتحدة وروسيا.

كلمات مفتاحية