ماذا ينتظر تنظيم القاعدة فى اليمن بعد تعيين (سعد العولقى) زعيمًا له؟

إعداد: جميلة حسين 

فى مطلع الأسبوع الحالى أعلنت القيادة العامة وفاة زعيم التنظيم (خالد باطرفى) المكنى  بأبى المقداد الكندى، دون الكشف عن سبب الوفاة، وتم الإعلان عن زعيم جديد للتنظيم وهو (سعد بن عاطف العولقى) المكنى (بأبى الليث)، وذلك فى وقت تعصف بتنظيم القاعدة فرع جزيرة العرب فى اليمن أزمات داخلية طاحنة وانشقاقات بين قياداته وعناصره مع اشتداد الحرب عليه، لاسيما مع القوات الجنوبية والحملات التى شنتها عليه وتعامل القيادة السابقة مع أزمات التنظيم بسياسة التأجيل والتهرب من تلك الأزمات دون التعامل معها وحلها بشكل جذرى مما زاد من التخبط والتعقيد داخل التنظيم، ومع تعيين زعيم جديد يطرأ تساؤل حول ماهية مستقبل تنظيم القاعدة فى اليمن والتهديدات التى يطرحها فى الفترة القادمة للأمن الإقليمى فى ظل وجود قيادة ورؤية داخلية جديدة؟

من هو سعد العولقى؟

يعرف باسم “سعد محمد عاطف العولقى”، وقد ولد فى اليمن وفى عام 1999 سافر إلى أفغانستان، وتدرب هناك فى مخيم “الفاروق” التابع لمنظمة القاعدة، وفى عام 2001 قاتل إلى جانب حركة طالبان الأفغانية ضد القوات الأمريكية وذلك قبل انضمامه عام 2010 إلى تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية فى اليمن، وعمل قاضيًا شرعيًا ومتحدثًا باسم تنظيم القاعدة، وظل لسنوات أميرًا لشبوة حتى عام 2014، حتى أصبح عضوًا بارزًا داخل مجلس الشورى للقاعدة، كما تم تعيينه فى منصب العمليات باعتباره أحد أبرز كوادر التنظيم، وبتوليه زعامة التنظيم بعد “خالد باطرفى” يصبح القيادى الخامس الذى يتولى زعامة القاعدة فى اليمن وذلك بعد عمله لسنوات كرجل ثانٍ للتنظيم.96a9ccd2 b5bc 41e1 8ce3 ee247a8f5d48 2 ماذا ينتظر تنظيم القاعدة فى اليمن بعد تعيين (سعد العولقى) زعيمًا له؟

وتم إدارج العولقى على قائمة “برنامج المكافآت من أجل العدالة” الأمريكى، فقد عرضت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة تصل إلى 6 ملايين دولار، وصرحت الخارجية الأمريكية مسبقًا بأنه دعا علنًا إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، وكان وراء سلسلة من الهجمات على عدد من مصالح ذات الشأن فى النظام الدولى.

دلالات اختيار العولقى

شعبية متزايدة للعولقى:

حقيقة الأمر فإن “العولقى” يتمتع بشعبية ونفوذ أكثر من ما تمتع بها سابقه “باطرفى”، الذى يفتقد لقدر من الكفاءة والقدرة على إدارة التنظيم من الناحية اللوجيستية، وتراجع التنظيم خلال زعامته وتعرض للعديد من الانشقاقات والهزائم خاصة فى أبين وشبوة على يد القوات الجنوبية، وذلك على عكس شخصية العولقى الذى يوصف داخل التنظيم بأنه “الدينامو” نظرًا لتوليه مناصب كثيرة داخل التنظيم، وشخصيته أكثر حزمًا وشدة وتطرفًا وتستوجب الكثير من التحديات فى ضوء محاولات التنظيم العودة وزخم نشاطه داخل الأراضى اليمنية لاسيما فى الجنوب اليمنى.

تنامى خط المواجهة ضد “خالد باطرفى”:

تراجعت فعالية “باطرفى” قبل وفاته بسبب المشاكل الداخلية التى عصفت بالتنظيم بفعل التصدعات الداخلية التى تؤثر بشكل كبير على الفرع المحلى للقاعدة فى جزيرة العرب فى ظل المشاكل المالية والتنظيمية والخلافات بين القيادات، ومن ناحية أخرى تغير مركز قيادة التنظيم من أفغانستان إلى إيران، وتولى (سيف العدل) المقيم فى إيران قيادة تنظيم القاعدة خلف (أيمن الظواهرى)، واختلفت توجهات التنظيم المركزى بشكل ما فى الأبعاد الأمنية والتنظيمية والمالية، للتأسيس لمرحلة جديدة من العمل الجهادى لاسيما فى اليمن تكون مع إعطاء الأولوية للعمليات الخارجية ضد المصالح الغربية وتجميد العمليات الداخلية لأنها تستنزف التنظيم، الأمر الذى أحدث خلافًا وفرقة بين عناصر التنظيم فى اليمن حول تلك القرارات، لاسيما مع اتباع “باطرفى” إستراتيجية يبتعد فيها كل من لا يقدم له الولاء المطلق حتى يحافظ على تماسك التنظيم من وجهة نظره، لكن فى خط المواجهة يوجد “العولقى” وأتباعه والمقربين منه الذى حاول “باطرفى” قطع الأوصال عنهم، ولكنه كان يزيد الأمر تعقيدًا ويقسم التنظيم إلى جبهتين ووصف البعض جبهة “العولقى” بأنها صاحبة ولاء مطلق لقيادة القاعدة فى شبه جزيرة العرب وتحديدًا فى شبوة وأبين.

اشتداد جبهة الجنوب اليمنى ضد تنظيم القاعدة:

استطاعت القوات الجنوبية المكونة من  قوات الحزام الأمنى والأمن العام وقوات محور أبين بتنشيط العملية العسكرية ضد مكونات التنظيم القاعدى عبر محاولات استئصال جذور التنظيم، وبالفعل تمكنوا من تحقيق بعض الانتصارات وإعادة بعض المناطق التى كانت تحت سيطرتهم فى بعض المحافظات الجنوبية التى يتمركز بها، وفى ظل الجهود المبذولة من القوات الجنوبية لمكافحة التنظيم والقضاء على عناصره وقياداته وكذلك تدمير أهدافه ومعاقله الرئيسية التى ينشط فيها.

فى حين يحاول تنظيم القاعدة فى اليمن من خلال توجهات زعيم التنظيم المركزى (سيف العدل) الدفع بالعودة فى الجنوب اليمنى بمساعدة حوثية ومناهضة القوات الجنوبية التى تمكنت من مكافحته واستهداف معاقله وأهدافه الرئيسية، وخلال شهر يناير المنصرم تم طرح إمكانية التحالف بين جماعة الحوثى وتنظيم القاعدة فى ضربات البحر الأحمر لخدمة مصالح كل منهما فى المنطقة، فبالنسبة لجماعة الحوثى استكمال أجندتها ومخططاتها لاسيما فى البحر الأحمر وبالنسبة للقاعدة إعادة إحياء لنشاطه بعد فترة من التراجع على الساحة اليمنية فى الجنوب بفضل العمليات الأمنية للقوات الجنوبية، وبوجود زعيم جديد للتنظيم (سيف العدل) تميل توجهاته ناحية التعاون مع جماعة الحوثى.

محاولات العودة إلى خط الواجهة:

وعلى الرغم من تراجع فعالية تنظيم القاعدة مؤخرًا إلا أنه ما زال الجماعة الإرهابية الأكثر فعالية وعتادًا فى اليمن، التى لديها نية لشن هجمات فى المنطقة وخارجها وذلك طبقًا لتقرير صادر مؤخرًا للأمم المتحدة عن تنظيم القاعدة ومن ثم يحتاج التنظيم إلى قيادة بارزة قادرة على إعادة ترتيب صفوفه وتوجيهه من أجل العودة إلى المشهد العملياتى وتجاوز أزماته خاصة على المستوى المادى لإعادة زخمه فى الجنوب ضد القوات الجنوبية خاصة فى محافظتى أبين وشبوة، لاسيما العلاقات التى تربط “العولقى” فى المناطق التى ينتمى إليها وينتشر بها التنظيم لتعزيز تواجده وقدرته.

رؤى مستقبلية

مع استمرارية أزمات تنظيم القاعدة فى الجنوب اليمنى وتعقدها، فإن وجود زعيم جديد للتنظيم يرى الكثير أنه أشد تطرفًا من الزعيم السابق له من أجل بقاء التنظيم واستمراريته وحماية مصالحه الإقليمية، كما يجدر به السعى للتوصل إلى حلول جذرية والتغلب على أزماته بين عناصره لاسيما مع المناصرين مع “باطرفى” الذى لم يستطع التقدم بالتنظيم بل عصفت به مشاكله ووقع فى الوحل أمام تحقيق أجندات تحمل فى طياتها أخطارًا جسيمةً.

وعلى صعيد آخر، ربما يعيد “العولقى” اتباع إستراتيجية مختلفة تعتمد على إعادة زخم العمليات الداخلية والابتعاد عن كونها تستنزف التنظيم “العدو القريب” التكتيك المغاير لتكتيك تنظيم القاعدة الأساسى، ومن ثم يستطيع بدء مرحلة جديدة ترتكز على استهداف المكونات العسكرية بالجنوب اليمنى بالاعتماد على عدد من القدرات المتطورة والتقنيات العملياتية التى يأتى فى مقدمتها الطائرات المسيرة التى تحمل عبوات ناسفة الأمر الذى يشكل تهديدًا للمرافق السياسية والعسكرية المحلية فى الجنوب كذلك تهديد الملاحة فى البحر الأحمر والمياه الإقليمية، ويتم تسليمها من جانب مليشيات الحوثى التى من الممكن أن يحافظ التنظيم على علاقات جزئية معها، رغم الخلافات العقائدية بينهما إحداها شيعية والأخرى سنية، ولكن يحكمهم “تحالف الضرورة” فبالنسبة لجماعة الحوثى استكمال أجندتها ومخططاتها لاسيما لاستهداف السفن فى البحر الأحمر، وبالنسبة للقاعدة إعادة إحياء نشاطه بعد فترة من التراجع على الساحة اليمنية.

مما سبق؛ استكمالًا لسلسلة التحديات التى يواجهها تنظيم القاعدة بشكل عام وفرع المحلى فى اليمن بشكل خاص فجاء وفاة زعيمه، ليحمل فى طياته تحديًا جديدًا فى خضم ظروف معقدة ليس فقط فى اليمن إنما فى المنطقة برمتها، خاصة وأن الزعيم الجديد المعروف بـ”الدينامو” قد يحاول إثارة بعض أنشطة التنظيم على المستوى العسكرى والدعائى الفترة القادمة من أجل كسب مزيد من التأييد والشرعية واستعراض القوة من ناحية، ومن ناحية أخرى إثبات قدرة التنظيم على التكيف والاستمرارية رغم الخلل الداخلى.

كلمات مفتاحية