ما بين الاستمرارية والجمود..قراءة فى الاحتجاجات الكينية

إعداد : جميلة حسين محمد

شهدت كينيا مؤخرًا حالة من الاحتجاجات الواسعة فى البلاد التى دعمها زعيم المعارضة والمرشح السابق للرئاسة “رايلا أودينغا”، وتعتبر الموجة الثالثة خلال الفترة الأخيرة، وقد شارك فيها الآلاف من المواطنين احتجاجًا على عدد من الأزمات الاقتصادية والسياسية التى تمر بها الدولة وتؤثر بشكل رئيسى على معيشة واستقرار المواطن الكينى.

خلفية الاحتجاجات

بعد تراجع الوضع الاقتصادى فى كينيا فى الآونة الأخيرة ظهرت دعوات من جانب المعارضة بزعامة “رايلا أودينغا” مطالبة الحكومة بخفض تكلفة المعيشة وخفض الضرائب وتحسين الوضع الاقتصادى وإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتحابات للبحث فى صحة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقد أعطت المعارضة مدة قدرها أسبوعين للرئيس الكينى “ويليام روتو”، تلك المدة التى انتهت بحلول يوم  8 من الشهر الماضى، مما دفع زعيم المعارضة إلى دعوة الشعب الكينى لتنظيم احتجاجات سلمية على مستوى البلاد تهدف إلى رحيل النظام الحاكم، الذى وصفه “بالنظام الفاشل وغير الشرعى”، وفى هذا الإطار صرح ز

وفى المقابل انتقد الرئيس الكينى مطالب زعيم المعارضة ورأى أنها مطالب ابتزازية تسعى إلى تعطيل عمل الحكومة والأجندة التنموية للبلاد، وبرر قرارته التى لم تحظَ بأى شعبية على الإطلاق كقرار رفع الدعم عن دقيق الذرة والكهرباء والمنتجات النفطية بأن هذا الدعم غير مستدام ويؤدى إلى نتائج عكسية على الاقتصادى الكينى على المدى الطويل.

وقد نظم “أودينجا” انعقاد تلك الاحجاجات يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع، وقد بدأت منذ يوم 20 مارس الماضى، وأكد أنها لن تتوقف لحين تلبية مطالب المعارضة، وخلال زيارة له فى أحد أحياء شرق العاصمة “نيروبى” قال: “يجب أن يحصل الكينيون على العدالة ولن نستسلم، والحاكمون قدموا وعودًا لم يفوا بها يومًا”.

وشهدت الموجة الثانية من التظاهرات هجمات متبادلة بين الطرفين وصلت إلى إشعال النيران فى كنيسة ومسجد فى حى “كيبيرا” فى نيروبى، الأمر الذى دفع قادة المجتمع المدنى وجماعات حقوق الإنسان وزعماء دينيون المطالبة بتهدئة التظاهرات والتحذير من اندلاع صراع عرقى، وفى هذا الإطار عبر وزير الخارجية الكينى “كيثورى كينديكي” قائلًا: “حريق متعمد بناءً على دوافع عرقية فى منطقة كيبيرا، متعددة الأعراق، التى شهدت جانبًا من أسوأ أعمال العنف فى عام 2007″، وقد أكد على عدم التساهل مع أعمال العنف فى الاحتجاجات.

وخلال الموجة الأخيرة من الاحتجاجات التى كانت تخطط للوصول إلى القصر الرئاسى وشارك فيها الآلاف من المتظاهرين، منعتهم الشرطة من الوصول بإغلاق كل الطرق المحيطة بالقصر، واندلعت الاحتجاجات فى كل من حيي “كيبيرا وماثاري” فى العاصمة نيروبى، حيث تم نصب حواجز، وأشعل المحتجون النيران فى الإطارات، وألقوا مقذوفات على عناصر الشرطة الذين ردوا بإطلاق غاز مسيل للدموع نحو المحتجيين، بينما أشعل محتجون النيران فى مكتب محلى تابع لحزب الرئيس “حزب التحالف الديمقراطى المتحد” فى مدينة “سيايا”، فى حين شهدت مدينة “كيسومو” الواقعة فى الغرب تظاهرات مؤيدة لزعيم المعارضة وقامت مجموعات صغيرة منهم بإشعال النيران وضرب الشرطة بالحجارة.

وبعد أن بدأ موكب تلك التظاهرات بصورة سلمية إلا أنه تحول إلى ساحة عنف واستخدام للقوة بين المتظاهرين وعناصر الشرطة، فتصاعدت الاحتجاجات وتم استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والذخيرة الحية، وقد أعلنت الحكومة مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 400 شخص منهم ما لا يقل عن 60 شخصًا من عناصر الشرطة.

أزمة اقتصادية

يشكل الوضع الاقتصادى عامل رئيسى فى تأجيج تلك التظاهرات خاصة مع الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية ومواجهة جائحة كورونا، حيث يواجه الاقتصاد عددًا من التحديات تتمثل فيما يلى:

  • ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 13.3% مقارنة بشهر يناير السابق، وارتفاع معدل السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 0.6%، والنقل بنسبة 0.3% مقارنة بشهر فبراير السابق، الأمر الذى أدى إلى الضغط على المستهلكين، وتقليل الطلب على السلع والخدمات، وارتفاع معدل التضخم إلى 9.2% فى شهر فبراير الماضى وفقًا لبيانات ” المكتب الوطنى الكينى للإحصاء “.
  • تزايد معضلة الأمن الغذائى، حيث تشير بيانات الاتحاد الأوروبى إلى أن حوالى 4.4 مليون شخص أى حوالى 27% من السكان فى كينيا يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد، كما يعانى حوالى 900 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، وهناك توقعات وفقًا لبيانات “الرابطة الدولية للخبراء والمحللین السیاسیین” بمعاناة ما يزيد على 5.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائى الحاد بين مارس ويونيو 2023.
  • ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض قيمة العملة الوطنية “الشلن” أمام الدولار بشكل لم تشهده البلاد منذ أزمة 2008، ومن ثم انخفاض احتياطيات النقد الأجنبى إلى 6.6 مليار دولار يوم 2 مارس الماضى مقارنة ب 6.8 ملوين دولار فى 23 فبراير الماضى.
  • ارتفاع الانفاق الحكومى وتراجع الإيرادات وارتفاع الدين العام نحو68.81 مليار دولار فى أواخر العام الماضى بنسبة 62.3% من الناتج المحلى الإجمالى.
  • تشهد كينيا أيضًا أزمة فى الطاقة حيث تعجز كبرى شركات التسويق فى البلاد كشركة “فيفو إنرجى” على سبيل المثال عن تلبية احتياجات المواطنين بعد نفاذ المخزون لديها من بعض المحطات التابعة لها.

والجدير بالذكر أنه من بداية تلك التظاهرات شهدت العاصمة “نيروبى” ركودًا اقتصاديًا بسبب إغلاق معظم المتاجر تخوفًا من عمليات النهب، مما تسبب فى خسائر تقدر بمليارى “شلن كينى” أى حوالى 15 مليون دولار وفقًا لما صرح به نائب الرئيس الكينى “ريغاثى غاتشاغوا” الذى دعا إلى إلغاء تلك الاحتجاجات والنظر فى الخسائر التى لحقت بالاقتصاد الكينى.

أزمة سياسية

يواجه الوضع السياسى فى كينيا تحديات على المستوى الداخلى تتمثل فى الصراع على السلطة بين الرئيس الحالى وزعيم المعارضة، وعلى المستوى الخارجى تتمثل فى صراع القوى الكبرى على مصالحها الاقتصادية داخل الأراضى الكينية، أما عن الصراع على السلطة بدأ منذ إعلان “اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود” نتائج الانتخابات الرئاسية فى أغسطس الماضى، والتى جاءت بفوز الرئيس “وليام روتو” بنسبة 50.49% مقابل 48.85% لخصمه “رايلا أودينجا”، الذى زعم بأن تلك الانتخابات سُرقت منه وطالب أن يتم عرض سجلات اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود وتدقيقها من قبل شركة دولية للتحقيق فى النتائج الرئاسية لعام 2022.

وأسفرت تلك الانتخابات عن موجة عنيفة من الاحتجاجات من قبل المعارضة اسُتخدمت بها الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، وهذا الأمر تكرر سابقًا عقب الانتخابات الرئاسية عام 2007 و2017 الذى أدى فى النهاية إلى مشاهد دموية.

وواقع الأمر أن المعارضة بزعامة “أوينجا” تحاول استغلال الأزمات التى تمر بها البلاد وتقليل شعبية الرئيس والضغط عليه وسحب الثقة منه عبر البرلمان على المدى الطويل، خاصة مع إنكاره المستمر لشرعيته الأمر الذى يؤدى إلى احتمالات إجراء انتخابات مبكرة، وفى هذا الإطار قال “عطية عيسوى” الخبير المصرى فى الشؤون الإفريقية: “لو استطاعت المعارضة الحشد المكثف، فإن المعاناة اليومية التى يعيشها الكينيون توفر أسبابًا كافية لمظاهرات ضخمة قد تحرج الرئيس بشدة”.

فى المقابل صرح الرئيس “روتو” بأن له قاعدة شعبية جيدة على المستوى الداخلى والخارجى، ورغم  صعوبة السياسات التى يتخذها فى تلك الفترة والتى ممكن أن تؤثر على شعبيته داخليًا إلا أن لها تأثيرًا عمليًا ومفيدًا مستقبلًا.

إيقاف مؤقت

أمام هذا المشهد أعرب كل من الاتحاد الإفريقى والبعثات الدبلوماسية والولايات المتحدة عن قلقهم العميق من أحداث العنف فى كينيا والوضع المتدهور، ودعوا إلى الحوار والتفاهم بين الأطراف، وعليه دعا الرئيس الكينى زعيم المعارضة خلال كلمة ألقاها من القصر الرئاسى إلى إلغاء التظاهر المقرر يوم الاثنين الماضى والمشاركة فى لجنة برلمانية ثنائية بين الطرفين.

وقد وصف “أودينغا” هذه الدعوة بأنها تطور إيجابى، ودعا بالفعل يوم الأحد الماضى إلى إلغاء التظاهرات وأعلن أن حزبه سيشارك فى حوار مع الحكومة بعد أسبوعين من الاحتجاجات للحديث عن عدة أمور أهمها ارتفاع تكلفة المعيشة وإصلاح مفوضية الانتخابات، هذا مع الاحتفاظ بحقه فى تجديد تلك التظاهرات فى حاله لم يحقق الحوار مع الحكومة مفاده، حيث قال: “نحتفظ بالحق فى الدعوة إلى تظاهرات إذا لم تؤت هذه العملية أى ثمار، حيث إن حقوق التجمع والتظاهر والاحتجاج والتعبير راسخة كما ينص عليه دستورنا”.

وختامًا؛ يمكن القول إن جمود التظاهرات فى كينيا مرتبط بمدى التوافق بين المعارضة والحكومة والوصول إلى حلول وسط تشبع مطالب المتظاهرين وتخرجهم من الوضع الاقتصادى المتدهور، وإلا ستستمر تلك الاضطرابات الداخلية ويتجه الحشد الشعبوى بقيادة المعارضة نحو مزيد من التطلعات ضد النظام الحاكم لتحسين مستوى المعيشة، وذلك عبر تكثيف الاحتجاجات ضد الحكومة الأمر الذى يؤدى إلى مزيد من العنف والعنف المضاد.

كلمات مفتاحية