إعداد : جميلة حسين محمد
أعلن نائب وزير الخارجية الروسى، استئناف اللجنة “الروسية – الأمريكية” مباحثاتها الخاصة بمعاهدة “ستارت – 3″، والتى سيتم عقْدُها فى مصر، ما بين يومى 29 نوفمبر و6 من ديسمبر المقبل، وجاء ذلك الإعلان بعد أسبوعٍ من تصريحات إدارة “بايدن”، بعودة محادثات الحدِّ من التسلُّح النووى مع روسيا، وسط تصاعد الأزمة “الروسية – الأوكرانية”، وتهديد موسكو باستخدام الأسلحة النووية فى حربها، وأكد الجانب الروسى، أن استئناف عمليات التفتيش المتبادلة للصواريخ الهجومية الإستراتيجية، هو أحد أهم الموضوعات المدرجة على جدول أعمال اللجنة الاستشارية.
ما هى معاهدة ستارت – 3
تعتبر معاهدة “ستارت – 3” أو “نيو ستارت” أهم معاهدة بين معاهدات خفْض التسلح النووى؛ حيث تحقق التوازن الإستراتيجى بين القوتيْن النوويتيْن فى العالم روسيا وأمريكا، وتعيد التعاون بينهما فى مجال ضبط الأسلحة والصواريخ النووية طويلة الأمد والعابرة للقارات، وحلَّت تلك المعاهدة محلَّ معاهدة خفْض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، والحد منها “ستارت -1″، التى وقعت فى عام 1991، ومعاهدة الحد من إمكانات الهجوم الإستراتيجى لعام 2002، وتم توقيعها ودخولها حيِّز التنفيذ فى فبراير لعام 2011، لمدة 10 سنوات، تنتهى فى فبراير 2021 ، ومن أهم بنودها:
تخفيض الحد الأقصى للرؤوس الحربية الهجومية الإستراتيجية للبلديْن، بنسبة 30%، ولآليات الإطلاق بنسبة 50%.
ألا تزيد ترسانة الدولتيْن النووية من الصواريخ عابرة القارات عن 700 رأس نووى فى قواعد أرضية، و1550 صاروخًا نوويًّا فى الغواصات والقاذفات الجوية الإستراتيجية، خلال 7 سنوات
امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.
إجراء 18 عملية عملية تفتيش سنويًّا فى المواقع والمنشآت التى تُوجد فيها الأسلحة والأنظمة النووية الإستراتيجية.
تبادل عدد الأسلحة محل الاتفاق سنويًا، بالإضافة إلى تبادل المعلومات للـتأكد من الالتزام ببنود المعاهدة.
التحذير من تحويل أنظمة إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الموجودة على غواصات، إلى أنظمة إطلاقٍ لمكافحة الصواريخ الباليستية والاعتراضات الدفاعية.
تحديد الفرْق فى العلاقة بين الهجوم الإستراتيجى “الأسلحة النووية”، والأسلحة الدفاعية الإستراتيجية “لأنظمة الدفاع الصاروخى”.
إمكانية اختبار أو تطوير برامج نووية إضافية، وعدم عرقلة برنامج الدفاع الصاروخى الأمريكى أو قدرات الضربات التقليدية بعيدة المدى لموسكو.
تداعيات تجديد المعاهدة
حاول الجانب الروسى فى عام 2020، إقناع الرئيس الأمريكى الأسبق “دونالد ترامب”، إجراء مفاوضات؛ من أجل تجديد المعاهدة، وإعادة تعديلات عليها، ولكن مقابل إصرار الجانب الأمريكى إدخال الصين كجزءٍ من المعاهدة؛ بسبب سرعة تقدُّم برنامجها النووى ، ولكن لم يتم الوصول إلى حلٍّ بشأن تلك المفاوضات، وكان من المقرر انتهاء الاتفاقية، فى فبراير 2021، ولكن بادر الرئيس الأمريكى “جو بايدن” بعد تولِّيه الرئاسة الأمريكية، باقتراح تمديد المعاهدة لمدة 5 سنوات إضافية، ولم تتعنَّت روسيا فى هذا الاقتراح، ورحَّبت به على الرغم من قضايا سباق التسلُّح والقضايا السياسية الخلافية بينهما؛ من أجل تجنُّب الدخول فى سباق تسلُّح “كمِّىٍّ، ونوْعىٍّ” بين الطرفيْن، وبالفعل تم تمديد المعاهدة بصيغتها السابقة، دون إدخال أى تعديلات عليها، لتنتهى فى فبراير 2026.
معضلات المعاهدة
عمليات التفتيش: قرَّر الجانب الروسى، عدم السماح لواشنطن بشكلٍ مؤقتٍ، بإجراء تفتيش للقواعد الجوية والبحرية وقواعد الصواريخ، وكذلك المنشآت التى تحتوى على مواقع لتخزين الروؤس النووية، أو الأسلحة الناقلة أو الحاملة لذخائر نووية، وكذلك آلية تبادل البيانات، على عكس ما نصَّت عليه معاهدة “ستارت – 3″؛ بسبب عوائق السفر، وإغلاق المجال الجوى، وصعوبة الحصول على تأشيرات للمفتشين الرُّوس إلى واشنطن، ذلك الأمر الذى لا يواجه المفتشين الأمريكيين، أثار هذا الأمر تخوُّفًا فى الوسط الدولى، وخاصةً لدى الطرف الأمريكى تخوُّف من عودة سباق التسلُّح النووى، خاصةً مع التلويح الروسى، باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية فى حربها مع أوكرانيا فى الآونة الأخيرة.
التحديث الروسى للأسلحة النووية: اعتراض واشنطن على تطوير روسيا لنوعٍ من الصورايخ الباليستية، كـ”الطوربيد – بوسايدون”، المُسمَّى بسلاح نهاية العالم، والصاروخ “تسيركون” الفرط صوتى، وتُعتبر الأكثر تطوُّرًا فى العالم من الصواريخ الباليستية التقليدية؛ نظرًا لقدرتها العالية فى التدمير؛ ما يُثير مخاوف لدى أمريكا ودول حلف الناتو.
السيناريوهات المحتملة للمباحثات
تعتبر معاهدة “نيو ستارت” الوحيدة الصامدة حاليًا بين روسيا وأمريكا؛ لمراقبة الأسلحة النووية بين البلديْن، خاصةً بعد انسحابهما عام 2019، من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، المُوقَّعة عام 1987، ومن ثمَّ تمثل تلك المباحثات نقطة تحوُّل مهمة؛ لإعادة أجندة البلديْن؛ للحدِّ من التسلُّح النووى، وتعكس رغبة واشنطن فى التواصُل مع موسكو، بخصوص بعض القضايا السياسية، ومن أهم السيناريوهات المتوقعة فى تلك المفاوضات، ما يلى:
السيناريو الأول: تخفيف العقوبات على موسكو، خاصةً بعد إيقاف الجانب الأمريكى الحوار مع روسيا، فى فبراير من هذا العام، على أثر الغزو الروسى لأوكرانيا، وفرْض عقوبات عليها؛ ما جعل روسيا تتعنَّت فيما يخصُّ أمر عمليات التفتيش، كورقة ضغطٍ على واشنطن.
السيناريو الثانى: إجراء مفاوضات بشأن الوصول إلى اتفاق تكميلى، أو ادخال تغيُّرات جديدة على المعاهدة؛ للتوصُّل إلى اتفاقٍ ثنائىٍّ، قبل انتهائها فى عام 2026.
السيناريو الثالث: إطالة أَمَدِ المفاوضات كأداةٍ للضغط من جانب الطرفيْن؛ من أجل التوصُّل إلى حلٍّ حول ملف الحرب “الروسية -الأواكرانية”.
الاتجاه نحو الشرق الأوسط
عُقدت تلك المباحثات دومًا فى مدن أوروبية ذات شهرةٍ واسعةٍ كـ”جنيف، وفيينا، وهلسنكى”، ولكن بعد انضمام جنيف للعقوبات الغربية ضد موسكو، تمَّ عقْدُها لأول مرةٍ فى مدينة غير أوروبية، وتمَّ الاتجاه نحو مصر؛ ما يمثل قيمةً مضافةً وتقديرًا من الأطراف الدولية لدور الدولة المصرية ومساهمتها فى العديد من القضايا، ولكن سيقتصر الدور المصرى – فقط- على تسهيل المفاوضات، ويرجع هذا الاتجاه نحو الشرق الأوسط ومصر للاستضافة؛ لعدة اعتبارات:
الاستضافة الناجحة لمصر للقمة العالمية للمناخ COP27.
الرشد والعقلانية الذى تتسم به الدبلوماسية المصرية خاصة فيما يتعلق بالملفات الشائكة.
الموقف المحايد للسياسة المصرية وبعض الدول العربية تجاه الأزمة الروسية / الأوكرانية.
الدور الفعَّال للجهود العربية فى الأزمات الدولية مثل توسُّط السعودية والامارات فى اتفاق تبادُل الأسرى بين روسيا واوكرانيا.
ومما سبق، تعتبر تلك المحادثات بمثابة اختبارٍ للطرفيْن لمدى إمكانية توافقهم، وإحياء المفاوضات بينهما من جديدٍ، منذ إيقاف الحوار بينهما؛ جرَّاء الحرب “الروسية – الأواكرانية”، خاصةً فيما يتعلق بالقضايا الإستراتيجية، وتخفيف حِدَّة التخوُّف من حجم وقوة ترسانة روسيا النووية، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن نجاحها سيؤدى إلى إمكانية التوصُّل إلى حلٍّ للأزمة، ومعرفة التطوُّرات القادمة، والتوصُّل إلى هُدْنةٍ لاستقرار بيئة النظام الدولى.