هل تساهم مبادرة إحياء “اتفاق بوزنيقة” في حلحلة المشهد الليبي؟

هل تساهم مبادرة إحياء "اتفاق بوزنيقة" في حلحلة المشهد الليبي؟

إعداد : رضوي الشريف 

اتفاق بوزنيقة

حمل اللقاء الأخير بين رئيس المجلس الأعلى للدولة والبرلمان الليبي في العاصمة المغربية مؤشرات ايجابية، وذلك بعد تفاهمات حول بعض النقاط التي مثلت خلافات بين الجانبين في الفترة السابقة، حيث اتفق رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية، خالد المشري، على تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية، وذلك قبل نهاية العام الجاري.

مسار بوزنيقة

بدأ مسار مدينة بوزنيقة المغربية في يناير 2021 بهدف تقريب وجهات النظر بين مجلسي النواب والدولة بشأن توزيع المناصب السيادية وتثبيت وقف إطلاق النار، حيث شكلت في حينه لجنة (13+13) من كلا الطرفين.

وتشمل المناصب السيادية: محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، ومنصب النائب العام.

ومن بين المناصب السيادية التي أجرى أطراف النزاع مباحثات لشغلها؛ رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، والنائب العام، ورئاسة البنك المركزي، ورئاسة مؤسسة النفط، ورئاسة المخابرات العامة.

وسبق أن احتضن المغرب 5 جولات من الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، توجت في يناير 2021 بالتوصل إلى اتفاق على آلية تولي المناصب السيادية، بالإضافة إلى لقاء بين وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب حول قانون الانتخابات خلال سبتمبر 2021، وزيارات أخرى لوزراء ومسؤولين ليبيين للرباط خلال عام 2022.

البعثة الأممية ترحب

أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة، عبد الله باتيلي، إنه خذ علماً بنتائج اجتماع المغرب بين صالح والمشري، ورحب في بيان وزعته البعثة الأممية بـ”استئناف الحوار بين الطرفين”، معرباً عن استعداده لمناقشة التفاصيل والآليات والجداول الزمنية لتنفيذ التزاماتهما.
كما حث باتيلي جميع القادة الليبيين على الانخراط في حوار شامل، باعتباره السبيل الوحيد لتجاوز المأزق الحالي، وتلبية تطلعات الشعب الليبي.

الدبيبة يرفض

على رغم أن أغلبية الأطراف السياسية في شرق البلاد وغربها رحبت بهذا التقارب بين الخصمين السياسيين، فإن رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة واصل التغريد خارج السرب، برفضه فحوى الاتفاق في شقه المحسوم وهو تقاسم المناصب السيادية، والشأن المتعلق بتوحيد المؤسسة التنفيذية.

و اندلعت مواجهة كلامية «حادة وعلانية» بين الدبيبة، و المشري ، واعتبر الأول أن الحديث عن مسارات موازية، مثل تقاسم المناصب السيادية، لم يعد مقبولا، وجدد مطالبته للمشري وصالح بـالإسراع في اعتماد قاعدة دستورية عادلة، تنهي المشكل القانوني، الذي يمنع إجراء الانتخابات، كما حدث في ديسمبر الماضي.
في المقابل، سارع المشري إلى مطالبة الدبيبة بـ”الكف عما وصفه ببيع الأوهام للشعب”. وقال مخاطبًا الدبيبة عبر «تويتر»: «عليك بتوفير العلاج لمرضى الأورام، والكتاب المدرسي لأبنائنا الطلبة، ولا علاقة لك بما ليس من اختصاصك ولا صلاحياتك… فقط قم بعملك.”

يبدو أن رفض الدبيبة للاتفاق تسبب في خسارته حلفاء جدداً في الغرب الليبي، على رأسهم رئيس مجلس الدولة خالد المشري و”حزب العدالة والبناء” الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ومن يدور في فلكهما من الحلفاء والمناصرين، مما يزيد في عزلته ويهدد بقاء حكومته في المشهد بشكل فعلي.

ومن المتوقع بإن المجلس الأعلى للدولة قد يتجه لسحب الثقة من حكومة الدبيبة حال موافقة البرلمان على تشكيل حكومة ثالثة.

كسر لحالة الجمود ولكن...

ليبيا لا تزال تعيش تحت رحمة الصراع على السلطة والثروة بين الفرقاء السياسيين، ويجب التحذير من أن التدريبات العسكرية التي تجري في مناطق مختلفة من البلاد، تبقي سيناريو المواجهة العسكرية قائماً، لا سيما مع انشغال المجتمع الدولي بأزمة الطاقة، والصراع في أوكرانيا.

لذلك لا شك بأن التوافقات التي حدثت بين البرلمان ومجلس الدولة تكسر حالة الجمود السياسي في ليبيا وتحدث اختراقا في جدار الأزمة الليبية، كما أن التوافق حول المناصب السيادية وضخ دماء جديدة بها مسألة حيوية للغاية، لكن يبقى تحقيق النتائج البناءة مقرونا بإذابة الخلافات بين الطرفين حول عدة عناصر على رأسها ضرورة تجديد كل رؤساء المؤسسات السيادية، دون استثناء بما فيها ديوان المحاسبة الذي يتمسك المشرى ببقاء رئيسه، وزميله سابقا في حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان.

لذلك فالمطلوب من المسؤولين كافة أن تكون لديهم خطوات فعلية لا مجرد الوقوف مكتوفي الأيدي للبقاء فترة أطول في السلطة، لا سيما مع انطلاق مهمة المبعوث الأممي.

ويجب دعم أي تقارب بين مجلسي النواب والدولة، وحثهما على بذل مزيد من الجهود لإنقاذ البلاد من انقسام مؤسسات السلطة التنفيذية وتوحيدها وكذلك المؤسسة العسكرية

وتتطلب أولويات الفترة الحالية وضع نظام دستوري ومنهجية متفق عليها، لإنقاذ المسار الانتخابي الذي يفترض أن يكون هو الهدف المنشود من كل حراك سياسي في المرحلة المقبلة.

 

كلمات مفتاحية