مباركة تركية لانضمام فنلندا للناتو.. والسويد على قائمة الانتظار

إعداد/ دينا لملوم

أعطى الرئيس التركى “رجب طيب أردوغان” الضوء الأخضر لانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسى، بعدما اتخذت الأخيرة خطوات ملموسة نحو مكافحة الإرهاب والتوقف عن دعم المنظمات التى أعدتها تركيا إرهابية وتهدد أمنها القومى، وتحاول السويد الانضمام كنظيرتها الفنلندية، إلا أن تخاذل موقفها نحو الانصياع لمطالب تركيا، قد عرقل من محاولة الانضمام، وبالنظر إلى الموقف الروسى إزاء هذه المحاولات، نجد عدم معارضتها لعملية الانضمام، وإنما رفض محاولات توسيع الناتو، والذى قد يؤدى إلى زيادة عمليات التسليح والعسكرة فى المنطقة، على الصعيد الآخر، نجد أن السويد قد تكون الخطوة القادمة، وتلحق فنلندا فى عضويتها فى الناتو إذا ما امتثلت لرغبات الجانب التركى.

مباركة تركية:

قامت فنلندا والسويد بتقديم طلب انضمام لعضوية حلف الناتو العام الماضى؛ ردًا على العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، إلا أن تركيا وقفت حائلًا دون انضمام هاتين الدولتين للحلف، ووجهت أصابع الاتهام لهم، عن دعم إرهابيين أكراد، وشخصيات على علاقة بجماعة حزب العمال الكردستانى المسلح، علاوة على وقف الدولتين إمداد تركيا بالسلاح عقب اجتياحها للأراضى السورية عام ٢٠١٩، على الرغم من عدم شراء تركيا أى أسلحة مهمة من هاتين الدولتين، ولكنها دائمًا ما تحافظ على رونقها الخارجى وحفظ ماء وجهها؛ لذا فكيف تقبل انضمام دول تمنع تسليح إحدى دول الحلف، وفى مارس الحالى، قام الرئيس التركى “رجب طيب أردوغان” بمباركة انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، التى سبق ووافقت عليها أعضاء حلف شمال الأطلسى، باستثناء تركيا، وقد التقى الرئيس الفنلندى مع نظيره التركى؛ مما أسفر عن موافقة تركيا على دخول هلسنكى فى عضوية الحلف الدفاعى، ومازالت فى صدد تصديق البرلمان التركى عليها.

انتخابات ٢٠٢٣:

يسعى “رجب طيب أردوغان” جاهدًا إلى حشد الجهود لدعمه فى انتخاباته الرئاسية القادمة، حيث إن تصرفه حيال السويد وفنلندا، ودعمهم للأكراد والتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى شن هجوم عسكرى على الأكراد شمال سوريا، عمل على استهداف الجمهور المحلى قبل الانتخابات، حيث يحاول “أردوغان” تحفيز المشاعر القومية، فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة ضربت البلاد، وعلى صعيد المستجدات، فقد سعى الرئيس التركى أيضًا لحشد الجهود الدولية، حيث قبول انضمام فنلندا إلى الناتو، بعد جهودها لمجابهة الإرهاب، ومن ثم الحصول على ورقة رابحة نحو دول أوروبا التى تدعم الموقف الإنسانى فى الداخل التركى، إذن فجهود “أردوغان” تستهدف المستويين المحلى والدولى؛ لتعزيز قاعدته الانتخابية وتعبئة الناخبين قبل الانتخابات.

لماذا فنلندا ؟

ترى أنقرة أن الخطوات التى قدمتها فنلندا بموجب مذكرة التفاهم الثلاثية، فيما يخص التوقف عن دعم المنظمات الإرهابية، وإعلان حزب العمال الكردستانى كمنظمة إرهابية محظورة، واتخاذ خطوات واضحة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ومن ثم التوقف عن الأنشطة التى تمثل تهديدًا لتركيا وتحرض على العنف ضدها، كانت دافعًا نحو إعادة النظر فى مطلبها، وبالتالى لا يوجد ما يدعو إلى عرقلة انضمامها إلى عضوية الناتو، أيضًا فقد سعى الرئيس التركى جراء قبوله بهذه العضوية إلى التأكيد على أنه لا يسعى إلى معارضة توسيع الناتو، بقدر سعيه نحو الضغط على فنلندا والسويد لمراعاة الهواجس الأمنية التركية، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وربما سعى “أردوغان” لإرسال رسائل إيجابية إلى الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، من شأنها المساعدة فى إضفاء طابع إيجابى على العلاقات بين البلدين، والرغبة فى تسريع وتيرة موافقة واشنطن على إمداد أنقرة بمقاتلات إف ١٦، وهو أمر احتمالى الحدوث؛ لذا فسوف يؤدى ضم فنلندا للناتو إلى حدوث انفراجة على مستويات عدة، ويعمل على إعادة ترتيب المشهد.

مواءمة سياسية:

فى ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية التى تمر بها تركيا؛ بسبب التداعيات التى خلفتها أزمة الزلازل الأخيرة، تزامنًا مع قرب موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية التركية، وجد “أردوغان” نفسه فى حلقة مفرغة، اضطرته للقبول بعضوية فنلندا إلى حلف الناتو، فربما سعى من وراء ذلك إلى استغلال ملف توسيع حلف الناتو، وترحيب الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بانضمام هذه الدولة، لتحقيق مكاسب خارجية، تدعم موقفه فى الداخل مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فى ظل الوعود التى أدلى بها للشعب التركى، بمعالجة تبعات الزلازل، وتسريع وتيرة إعادة الإعمار خلال عام واحد، الأمر الذى قد يبدو صعبًا، لكن قد تكون هناك انفراجه اقتصادية، إذا ما أقبلت الدول الأوروبية على دعم الاقتصاد التركى، وإعادة الإعمار فى البلاد.
فقد أدت دبلوماسية الزلازل إلى إعادة ترتيب المشهد، حيث إقصاء التوترات بين الاتحاد الأوروبى وتركيا جانبًا، والتى تعود إلى اتهام الاتحاد الأوروبى “أردوغان” بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، كما أن العلاقات متوترة بسبب قمع “أنقرة” للمعارضة فى أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016، وأخيرًا عرقلة تركيا محاولة السويد، العضو فى الاتحاد الأوروبى، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسى فى أعقاب الهجوم الروسى على أوكرانيا.
وعلى الرغم من ذلك فإن الجانب الأوروبى لم يتردد فى توجيه الدعم الإنسانى للشعب التركى، فى ظل الخسائر الفادحة التى أغدقت على تركيا، فمهما كان وضعها الاقتصادى، فلن تتمكن من مواجهة مثل هذه الكارثة بمفردها، لما تكبدته من خسائر وصلت إلى حوالى ١٠٤ مليارات دولار، واستمرارًا لسياسة المواءمة السياسية التى تلعبها تركيا كورقة ربما تكون رابحة حال قبولها لانضمام فنلندا إلى الناتو، فإنها أعربت عن رغبتها فى الحصول على مقاتلات “إف ١٦” من الولايات المتحدة، ذلك الشرط الذى وضعته إدارة الرئيس “جو بايدن”، حال موافقة “أردوغان” على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، فقد سبق وتقدمت تركيا بطلب إلى “واشنطن” فى أكتوبر ٢٠٢١؛ لشراء ٤٠ مقاتلة من طراز إف ١٦، وقرابة ٨٠ من معدات التحديث لطائراتها الحربية، وبالرغم من احتمالية استكمال عملية المقايضة بين الطرفين خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، إلا أنه ليس من السهل إعطاء مؤشرات أو توقعات واضحة، فالنتيجة النهائية متروكة لواشنطن لحسم الأمر فيها.

لماذا تعرقل تركيا انضمام السويد للناتو؟:

أدى الموقف المتعنت من قبل السويد، واستمرار دعم الكيانات الإرهابية، وعدم اتخاذ خطوات كافية نحو دحر الإرهاب إلى عرقلة المفاوضات مع تركيا بشأن انضمام “ستوكهولم” إلى حلف شمال الأطلسى، فمنذ سنوات وأنقرة تتهم السويد بإيواء المعارضة التركية، وتقديم المساعدة لحزب العمال الكردستانى، الذى تصنفه إرهابيًا، وتنظيم “فتح الله غولن”، فضلًا عن دعم متورطين فى محاولة الانقلاب التى حدثت عام ٢٠١٦، وجاءت مواقف السويد لتزيد من حدة التوترات بينها وبين أنقرة، حيث رفضها تسليم ١٢٠ إرهابيًا، أعدتهم تركيا كعناصر تابعة لحزب العمال، وقد زادت حدة الخلاف بين البلدين بعد قيام سياسى سويدى متطرف بحرق مصحف أمام السفارة التركية فى ستوكهولم، إضافة إلى شنق متظاهرين دمية لأردوغان.
كل هذه الأمور وقفت حائلًا دون انضمام السويد للناتو؛ لأن الرئيس التركى فى حاجة لأصوات الناخبين، الذين نفروا من الأعمال التى قامت بها السويد، فإذا اعتزم “أردوغان” قبول السويد فى الناتو، فقد يخسر ورقة رابحة تتمثل فى دعم محلى فى الانتخابات المقبلة، ناهيك عن رفضه القاطع للإجراءات التى تمثل انتهاكًا وتهديدًا للأمن القومى التركى.

موقف روسيا من انضمام فنلندا إلى حلف الناتو:

يعد انضمام فنلندا للناتو، ومحاولة السويد الإقدام على هذه الخطوة بمثابة تحدٍ صارخ للرئيس الروسى “فلاديمير بوتين”، الذى يطالب بالحد من تدخلات الناتو فى المنطقة، حيث إن ذلك سيضيف لأراضى الحلف ٣٠٠ ألف ميل مربع باتجاه الشمال الشرقى، ومضاعفة حدوده مع روسيا إلى حوالى ١٦٠٠ ميل، وتحذر موسكو من أى خطوة من شأنها تهديد أمنها القومى، أو محاولة المساس بحدودها، وتشير إلى أن محاولة انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو لا يشكل تهديدًا واضحًا لروسيا، ولا تعارض انضمامها لهذا الحلف، وإنما اعتراضها يكمن فى محاولة الحلف توسيع حدوده وتوسيع بنيته التحتية العسكرية من خلال قبول أعضاء جدد، ومن ثم قد يؤدى ذلك إلى عسكرة الشمال، ولكن فى حقيقة الأمر روسيا غير قادرة على تكرار مصير أوكرانيا، لعدم قدرتها على فتح جبهات جديدة فى الوقت الحالى.

تحركات فنلندية سويدية على إثر حرب أوكرانية:

أدت العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا إلى تحول فنلندا والسويد من سياسة عدم الانحياز، والحياد الذى اتبعوه خلال فترة الحرب الباردة، وظلوا متمسكين بذلك بالرغم من العملية العسكرية التى نفذتها روسيا فى أوكرانيا عقب ضمها للقرم عام ٢٠١٤، وكذا العملية السابقة ضد جورجيا عام ٢٠٠٨، ولكن الأمر لم يكن بخطورة العملية العسكرية الحالية فى أوكرانيا، والتى قد تطال فنلندا والسويد، الأمر الذى جعلهم يتحولون إلى حقبة جديدة مع إرسال شحنات غير مسبوقة من الأسلحة، وتأييد قوى لحلف شمال الأطلسى؛ لذا فقد رأت الدولتان أن الانضمام للحلف بات ضرورة ملحة، بعد تغير بنيتهما الأمنية والرغبة فى الانضمام إلى أكبر منظمة عسكرية فى العالم.

هل السويد هى الخطوة القادمة ؟:

ربما إذا عدلت السويد عن الأعمال التى تستفز تركيا، وعزفت عن دعم الأكراد والتنظيمات الإرهابية، قد يسلط عليها أردوغان الضوء الأخضر كنظيرتها فنلندا، ويوافق على انضمامها إلى الناتو، فقد تسعى “ستوكهولم” للعدول عن سياستها الداعمة للإرهاب، والمضى قدمًا نحو إزالة العراقيل التى تحول بينها وبين الانضمام لحلف الناتو، وقد يكون انضمام فنلندا بشكل فعلى إلى عضوية الناتو، بمثابة ضغط داخلى ودولى على الحكومة السويدية من أجل إيجاد مخرج للأزمة فيما يتعلق بالمفاوضات المرتبطة بمجابهة الإرهاب، ومن ثم يمكن القول أن خطوة فنلندا تمثل انفراجه نحو احتمالية انضمام السويد إلى الحلف، فقد يكون إعطاء الضوء الأخضر لفنلندا بمثابة ضغط تركى على نظيرتها السويدية لتقديم تنازلات فيما يتعلق بالمطالب التركية.

وختامًا:

نجد أن الرئيس التركى كان حريصًا كل الحرص على الإمساك بالعصا من المنتصف، فمن ناحية قبول فنلندا بعد تخليها عن دعم الأكراد والإرهاب والامتثال لمطالب مذكرة التفاهم الثلاثية، الأمر الذى سوف يساعد على حشد الجهود الأوروبية لدعم أردوغان والمساعدة فى جهود إعادة الإعمار، ففى هذه الحالة سوف يتمكن أردوغان من كسب الحشد الدولى فى صفوفه، والسعى قدمًا نحو تنفيذ وعده للشعب التركى، ومن ثم تقوية موقفه فى الانتخابات وتعبئة الناخبين، على الجانب الآخر إرجاء ضم السويد للناتو؛ بسبب سياساتها الحاضنة للأكراد، فأراد أردوغان بذلك طى ذراع السويد، وعدم التهاون مع أى إجراءات من شأنها المساس بالأمن القومى للدولة، علاوة على إرضاء الشعب التركى، لضمان ولاءه وحشده فى الانتخابات، وهكذا تكون سياسة أردوغان التى دائمًا ما تسعى لتعظيم المكاسب وتجنب الخسارة، واللعب بكافة الأوراق الرابحة.

كلمات مفتاحية