إعداد: ميار هاني
المقدمة :
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، تعيين الوزير السنغالي السابق «عبد الله باثيلي» مبعوثًا، يقود جهود الأمم المتحدة؛ لحلِّ أزمة ليبيا، وسط تصاعُد حِدَّتِها.
تشهد ليبيا الغنيِّة بالنفط، انقسامًا سياسيًّا وصراعًا على السلطة بين حكومتيْن، حكومة «فتحى باشاغا»، المُكلَّفة من قِبَلِ «مجلس النواب»، والأُخرى حكومة الوحدة الوطنية، بقيادة «عبد الحميد الدبيبة»؛ جرَّاء خلافٍ حول قانون الانتخاب؛ الأمر الذي أدَّى إلى تعذُّر إجراء الانتخابات «الرئاسية، والبرلمانية»، التي كانت مُزْمَعَةً، في ٢٤ ديسمبر من العام الماضي، وحتى وقتنا الحالي، لم يتم الاتفاق على تاريخٍ جديدٍ لها.
وبِنَاءً على ذلك، يُوجد – الآن – صراعٌ مُشْتَدٌّ في البلد الأفريقي؛ ما دفع بالميليشيات المُسلَّحة إلى ساحة المواجهة مرةً أُخرى، بالإضافة إلى توقُّف قُرَابَة نصف صادرات النفط.
تعيين مبعوث أممى جديد فى ليبيا :
وانطلاقًا مما سلف، تم تعيين مبعوث أُممي؛ للتوسط في إحلال السلام في ليبيا، ومن الجدير بالذكر، أنه قد عانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، من فراغٍ في القيادة، منذ الاستقالة المُفاجِئة لرئيسها السلوفاكي السابق «يان كوبيش»، في ديسمبر 2021، وذلك بعد فشل إجراء الانتخابات الليبية، وقد أرسل الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسية الأمريكية السابقة «ستيفاني ويليامز»؛ للقيام بمهامه، بصفتها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، حتى انتهت مهمتها، آخر يوليو من العام الحالي، وتعثَّر تعيين رئيسٍ جديدٍ للبعثة الأممية؛ بسبب الخلاف بين «واشنطن، وموسكو»، حول الشخصية المناسبة لتولِّي المهام؛ حيث أرادت «واشنطن»، إطالة أَمَدِ وجود «ستيفاني ويليامز» في ليبيا، فيما اعترضت «موسكو»، متهمةً الأخيرة، بانحيازها للأجندة الغربية.
جاء ترشيح المبعوث السنغالي، من قِبَلِ الأمين العام للأمم المتحدة، كاستجابةٍ للمطالب المتكررة، من دول أفريقية، بإسناد المهام لمرشحٍ من القارة، يحظى بدعم الاتحاد الأفريقي، الذي يأخذ على الأمم المتحدة، تهميشها للدور الأفريقي في العملية السياسية بليبيا، بالإضافة إلى فشل القوى «الإقليمية، والدولية»، في الاتفاق على اختيار مُرشّحٍ للمنصب، خلال الأشهر السابقة؛ ما جعل من المبعوث السنغالي الخيار الأخير.
يُعدُّ «عبدالله باثيلي»، المبعوث الأممي الثامن، خلال ١٠ سنوات في ليبيا، ولا بُدَّ من الإشارة، أنه لم يتمكن جميع من سبقوه من التوصُّل إلى حلِّ الأزمة، التي أصبحت – الآن – في مرحلةٍ أكثر تعقيدًا .
ردود الأفعال الداخلية إزاء تعيين المبعوث الأممى الجديد:
أولًا: حكومة «فتحي باشاغا»
رحَّبت الحكومة المُكلَّفة من البرلمان الليبي، بقيادة «فتحي باشاغا»، بتعيين الدبلوماسي السنغالي كمبعوثٍ أُمميٍّ للبلاد.
ثانيًا: المجلس الرئاسي
رحَّب المجلس الرئاسي بالأمر نفسه، وأشاد بخبرة الدبلوماسي السنغالي، مُثْنِيًا على جهوده المبذولة، أثناء شغْلِه منصب رئيس لجنة التفتيش على بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، العام الماضي، بالإضافة إلى قيامه بدراسة وتقييم هيكلة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.
ثالثًا: حكومة «عبد الحميد الدبيبة»
على الجانب الآخر، عارض معسكر «عبد الحميد الدبيبة»، ترشيح «عبد الله باثيلي»؛ لاتهامه بالانحياز لصالح منافسه «فتحي باشاغا» والمعسكر الشرقي، ويستند أنصار «الدبيبة» في تأكيد شكوكهم، بعلاقات السنغال القوية بفرنسا، الحليف القوي للقيادات والشخصيات السياسية في شرق ليبيا .
ومما لا شكَّ فيه، أن الأمين العام للأمم المتحدة، أهمل رأي الحكومة الليبية، بقيادة «عبد الحميد الدبيبة»؛ كوْنها طرفًا في النزاع بالبلاد، واهتمَّ – فقط – برأي الأعضاء الخمسة عشر، في مجلس الأمن، والذي لم يُبْدِ أيٌّ منهم اعتراضًا.
إلا أنه بعد ذلك، رحَّب «الدبيبة» بتعيين «باثيلي»، وقال في بيانٍ: «نؤكد دعمنا الكامل لعمل المبعوث الأممي الجديد، عبد الله باثيلي، وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل، الذي يُعجِّل بإصدار قاعدةٍ دستوريةٍ توافقيةٍ؛ لإجراء الانتخابات».
ردود الأفعال الإقليمية و الدولية إزاء تعيين المبعوث الأممى الجديد:
التعيين لقي ترحيبًا «إقليميًّا، ودوليًّا»، إلى جانب دعواتٍ للعمل مع المبعوث الأممي الجديد.
فعلى سبيل المثال، رحَّبت الولايات المتحدة الأمريكية بالمبعوث الأممي، وقد جاء في بيانٍ صادرٍ عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن «الولايات المتحدة تُرحِّب بتعيين «باثيلي» مُمَثِّلًا خاصًّا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ورئيسًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم».
- أهم التحديات التي تنتظر المبعوث الأممي:
إن الطريق أمام المبعوث الأممي الحالي، لا يختلف كثيرًا عمَّن سبقوه، فتعدُّد أطراف الأزمة الليبية وتعقيدها، يجعل مهمَّتَه شاقَّة وصعبة، وعليه؛ فسيواجه المبعوث الأممي الجديد، العديد من الملفات التي تُمثِّل مفاتيح الحل في ليبيا، وأهمها:
– أولًا: الملف الأمني
وهو الملف المُتعلِّق بتوحيد المؤسسة العسكرية، وسحْب السلاح من الميليشيات، تولَّى المبعوث منصبه، في ظلّ أمورٍ مُعقَّدةٍ، فيما يخصُّ الملف الأمني، فالميليشيات الليبية زادت قوتُّها، بل وأصبحت أكثر شرعية.
فإن أول أمرٍ يُفترض أن يسعى المبعوث الجديد للعمل عليه، هو خفْض التوتُّر الأمني، ففي ظلِّ إشهار كل الأطراف سلاحها، فلن يستطيع المبعوث إحداث أيّ تغيُّرٍ ملموسٍ، ففي حال ما تمَّ توحيد المؤسسة العسكرية بشكلٍ فِعْليٍّ، يستطيع «باثيلي» تحقيق تطويرٍ ملحوظٍ في باقي الملفات.
فالأزمة الليبية هي أزمة أمنية بامتياز، فحتى لا يكون تكليف المبعوث الأممي قد رمى حجرًا في مياهٍ راكدةٍ، فلا بُدَّ من ترتيب الأوضاع في ليبيا، بشكلٍ يُهيِّئ بيئةً جيدةً، تسمح بإقامة انتخابات.
– ثانيًا: الملف السياسي
يتألف ذلك الملف من صراع حكومتيْن على السلطة، كما تمَّت الإشارة مسبقًا، وتلك المُعْضِلَة تحتاج لعملٍ شاقٍّ من قِبَلِ المبعوث لحلها، وجديرٌ بالذكر، أن حلَّ الأزمة بين الحكومتيْن، سيجعل المبعوث الأُممي يصطدم بصخرةٍ دوليةٍ، أيْ أن لكلا الحكومتيْن دولًا يدعمانهما، وحلُّ ذلك الإشكال أمرٌ في غاية الصعوبة.
وحَرِيٌّ بنا التَّطرُّق، بأن سبق لمبعوثين محاولة إقناع الدول المتدخلة في الأزمة الليبية، على أن تكون على الحياد، لكن فشلت محاولاتهم، بل وجعلت بعضهم يستقيل من منصبه.
كما نجد وجود أزمة سياسية أُخرى، بخلاف صراع الحكومتيْن، ألا وهي خلاف دستوري بيْن غُرْفتيْن نِيَابيّتيْن هما: «مجلس النواب، ومجلس الدولة»؛ فيتعين على المبعوث، محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفيْن؛ لحل ذلك الخلاف.
– ثالثًا: الملف الاقتصادي
نجد أن تسلُّم المبعوث منصبه، فى ظلِّ شِبْه انهيارٍ في المؤسسات الاقتصادية، ففي ظلِّ الانقسام الحالي للبنك المركزي الليبي، وعدم ثقة الأطراف المتنازعة في إدارة البنك بـ«طرابلس»، يجعل من الملف الاقتصادي بالنسبة للمبعوث صعب الحل.
– ولعل من المفيد، أن نؤكد أن الموقف في ليبيا، يشهد تحرُّكات على المستوى الإقليمي، فمع تطوُّر التهديد القادم من ليبيا، بدأت دول الجوار تبحث إمكانية العمل الجماعي؛ من أجل التعامل مع طبيعه التهديد الذي يشكلة الصراع السياسي الحالي، ولعل الباعث الرئيسي لهذا التحرُّك الإقليمي، هو التهديدات الأمنية، المتمثلة في تطوُّر حرب الميليشيات، بالإضافة إلى عِدَّة تهديداتٍ أُخرى، متمثلة في تهريب السلاح، أو المساعدة في الهجرة غير الشرعية، أو تسهيل دخول المخدرات، والاتّجار في البشر.
وقد ظهرت بوادر هذا العمل الجماعي في الجزائر، وتحديدًا في شهر مايو الماضي، عندما بادرت الجزائر بعقْد اجتماعٍ لوزراء خارجية الدول المجاورة لليبيا، وذلك على هامش الاجتماعات الوزارية لـ«حركة عدم الانحياز»، ثم جاء الاجتماع الثاني في غينيا، في نهاية يونيو الماضي، على هامش أعمال القمة الأفريقية، والاجتماع الثالث في تونس لوزراء خارجية دول الجوار.
وقد جاءت الدعوة لهذه الاجتماعات؛ لمواجهة الخطر الإقليمي؛ الناتج عن الأوضاع الليبية، وإعادة الاستقرار لليبيا، ووقْف أعمال العنف، التي تُهدِّد سلامة المواطنين، ووحدة التراب الليبي.
وقد انتهى الاجتماع الأخير بنتيجةٍ جيدةٍ، ألا وهي اتفاق وزراء الخارجية، على وضْع خطة عمل، تُساهم في حلِّ الأزمة الليبية؛ حيث تقرّر تشكيل فريقيْ عمل، يرأسه وزير الشؤون الخارجية التونسي، أحدهما: «سياسي» على مستوى كبار الموظفين، وتتولى مصر تنسيق أعماله، والآخر: «أمني» على مستوى الخبراء الأمنيين، وتتولَّى الجزائر تنسيق أعماله.
والهدف منه، تمكين دول الجوار من التدخُّل بشكلٍ فِعْليٍّ في الأزمة الليبية، إمَّا عن طريق آليات الحوار، أو عن طريق التعامُل المباشر مع التهديدات؛ الناتجة عن الأزمة السياسية في ليبيا.
وفي السياق نفسه، تم عقْد الاجتماع الرابع بالقاهرة، ونتج عنه بعض النتائج الواعدة، كالمبادرة «المصرية – الجزائرية»؛ للتنسيق بين التحرُّكات «الإقليمية، والدولية» من ناحيةٍ، وبين استقلال الأراضي الليبية، ورفْض التدخل الأجنبي فيها، من ناحيةٍ أُخرى.
فمن المتوقع، حدوث تحرُّكٍ إقليميٍّ مُكثَّف؛ لمواجهة التهديد الأمني، الذي تعدَّى المصالح الأُحادية، والعلاقة الحدودية.
من المتوقع، أن البعثة الأُممية لن تُشكِّل فارقًا كبيرًا، على الأقل خلال المنظور القريب؛ بسبب المشهد المُعقَّد في ليبيا، على المستوى «الأمني، والسياسي، والاقتصادي»، فإن التحرُّك الإقليمي وحْدَه ليس كافيًا لحلِّ الأزمة، إلا إذا تمَّ ارتكاز مساره على التوافُقِ النِّسْبِيِّ «الليبي / الليبي»، وحاجته للاهتمام بالجوانب الأُخرى، التي سبق الإشارة إليها، وأهمها «الأمني»، فإذا تمَّ حلّ الملف الأمني فِعْلِيًّا، فمن المتوقع، تحقيق تطوُّرٍ ملحوظٍ في باقي الملفات.
.