إعداد: شيماء عبد الحميد
أملًا في تصحيح المسار وتخطي الأزمة السياسية التي تواجه البلاد منذ عدة سنوات، أجرت الكويت انتخاباتها البرلمانية يوم 4 أبريل الجاري، لاختيار أعضاء مجلس الأمة الـ50 في فصله التشريعي الـ18، والتي تُعد الأولى في عهد أمير البلاد الحالي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، والـ21 في تاريخ البلاد، ولكن رغم الآمال بأن تأتي هذه الانتخابات بجديد، يبدو مما أسفرت عنه من نتائج، أن مجلس الأمة الجديد لن يختلف كثيرًا عن سابقه المُحل.
نتائج الانتخابات الكويتية:
تنافس 200 مرشح بينهم 13 سيدة على مقاعد مجلس الأمة الـ50، والذين يمثلون الدوائر الخمسة في البلاد، بحيث يمثل كل دائرة أكثر 10 أعضاء حصلوا على أعلى عدد من الأصوات، حيث ترشح عن الدائرة الأولى 41 مرشحًا، و39 عن الثانية، و32 عن الثالثة، و48 عن الرابعة، و40 عن الخامسة.
وقد بلغ إجمالي من يحق لهم التصويت في الانتخابات، 834733 ناخب وناخبة، بواقع 405948 من الذكور و428785 من الإناث، ومن أجل إتمام العملية الانتخابية؛ تم تخصيص 123 مدرسة لاستخدامها مقار للاقتراع والفرز، بواقع 118 مدرسة ضمت 759 لجنة اقتراع، و5 مدارس ضمت 5 لجان رئيسية مخصصة لتجميع النتائج والصناديق.
وتم اختيار أعضاء مجلس الأمة بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ومن خلال نظام الصوت الواحد، وقد جاءت نتائج الانتخابات على النحو التالي:
- وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات لـ62.1%، حيث بلغ إجمالي المشاركين 518 ألفًا و365 ناخبًا.
- احتفظ 39 نائبًا من مجلس الأمة المُحل على مقاعدهم في المجلس الجديد، فيما شمل التغيير 11 معقدًا؛ بينهم 8 نواب يدخلون مجلس الأمة لأول مرة و3 نواب عائدون من مجالس سابقة، وبالتالي بلغت نسبة التغيير في البرلمان الجديد 22% عن سابقه.
- حصد التيار السلفي على 8 مقاعد بزيادة مقعدين عن المجلس السابق، فيما فاز الشيعة بـ8 مقاعد بزيادة مقعدً واحدًا، بينما تراجعت الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، ممثلة الإخوان المسلمين، حيث حصلت على مقعدين فقط مقارنةً بـ5 مقاعد في المجلس المُحل، أما باقي المقاعد الـ50، فكانت من نصيب أبناء القبائل بمختلف إنتماءاتهم السياسية.
- أما المرأة؛ فقد حظيت بمقعد واحد فقط وكان من نصيب جنان بوشهري، والتي حافظت على المقعد النسائي الوحيد في المجلس للدورة الثانية على التوالي.
دلالات عدة.. قراءة في النتائج:
يبدو من تشكيل مجلس الأمة الجديد، أنه لم يختلف كثيرًا عن المجلس السابق، إذ تمكن غالبية النواب من الاحتفاظ بمقاعدهم، وهو ما يخالف آمال التغيير وتصحيح المسار التي لطالما نادت بها القيادة الكويتية الحالية، حيث:
1- مجلس لا يتوافق مع دعوة أمير البلاد؛ فقد ناشد أمير الكويت مشعل الأحمد قبل إجراء الانتخابات، بأن يتأنى الناخبون في اختياراتهم، مصرحًا بأنه “يأمل أن تسفر الانتخابات عن مجلس متميز بوجوه ذات فكر مستنير، أعضاء مجلس أمة يستفيدون من الدروس والتجارب البرلمانية السابقة وينهضون بمسؤولياتهم الوطنية”، داعيًا بـ”ألا يتم اختيار من كان هدفه تحقيق المصلحة الشخصية أو افتعال الأزمات أو المساس بالثوابت الدستورية”.
ولكن مع عودة غالبية نواب المجلس السابق، والذي سبق وأن انتقده الشيخ مشعل الأحمد هو والحكومة لدى أدائه القسم في مجلس الأمة أميرًا للبلاد، يبدو أن خارطة الطريق التي أطلقها الأمير، ستتعرض لكثير من التحديات والعراقيل في الفترة المقبلة.
2- سيطرة للمعارضة تنذر باستمرار الأزمة السياسية في الكويت؛ أعادت الانتخابات الأزمة السياسية في الكويت إلى نقطة الصفر، حيث عادت المعارضة لتسيطر على مجلس الأمة من خلال حصولها على 29 مقعدًا، إلى جانب عودة أقطاب الأزمة إلى المجلس من جديد وعلى رأسهم مسلم البراك ومرزوق الغانم وعبد الكريم الكندري الذي حصل على أعلى نسبة تصويت في الدائرة الثالثة بعدد أصوات بلغ 9428 صوتًا، رغم أنه اُتهم بإهانة الذات الأميرية، وعلى إثر ذلك اشتعلت الأزمة التي أدت إلى حل مجلس الأمة في فبراير الماضي.
ومن ثم؛ قد تمهد سيطرة المعارضة من جديد إلى استمرار المجابهة بين المجلس والحكومة، وقد يضطر الأمير مشعل الأحمد مجددًا إلى حل البرلمان بعد فترة قصيرة، خاصةً إذا عمل البرلمان على عرقلة اختيار ولي العهد، وقام بافتعال أزمات مختلفة مع الحكومة وإغراقها بالاستجوابات والردود.
3- تغيير شكلي لن يأتي بجديد على مجلس الأمة؛ حيث أن قصر المدة الزمنية لم يترك مجالًا واسعًا للمرشحين كي يكونوا بجاهزية تامة لخوض الانتخابات، كما أن حل المجلس الأخير بعد فترة قصيرة لم يترك فترة كافية لاختبار أداء النواب في البرلمان، وهذا سبب أن نسبة التغيير ليست كبيرة.
ومن ثم؛ جاء التغيير في تشكيلة المجلس الجديد شكلي بدخول عدد ضئيل من النواب الجدد، بينما يبقى الجوهر كما هو، وبالتالي يُتوقع أن يستمر هذا المجلس على ممارسات سابقه دون جديد، وهذا على عكس تمنيات الحكومة التي بات يجب عليها الآن التعامل مع نواب رفعت مرسومًا بحل مجلسهم قبل أقل من شهرين.
4- أزمة متوقعة حول رئاسة مجلس الأمة؛ يبدو من نتائج الانتخابات أنها ستقود لمعركة انتخابية جديدة وهي انتخاب رئيس مجلس الأمة، وذلك بعد نجاح رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، والرئيس الأسبق مرزوق الغانم، والذان يُعتبران من أبرز المرشحين لرئاسة المجلس ولكنهما ينتميان لمعسكرين سياسيين مختلفين، هذا إلى جانب إعلان النائب فهد بن جامع، وهو زعيم قبلي بارز، نيته الترشح لذات المنصب، وبالتالي من المتوقع أن يكون هذا الملف من أوائل الأزمات التي ستواجه البرلمان الجديد.
5- ضعف تمثيل المرأة في المجلس؛ فرغم أن النساء مثلت ما يقرب من 51% ممن لهم الحق في التصويت بالانتخابات، لم تحظى المرأة إلا بمقعد واحد في المجلس الجديد، وهذا يدل على أنها لا تزال تواجه عراقيل عدة لكي تتواجد داخل مجلس الأمة، وأن الطابع القبلي للمجتمع الكويتي ما زال عائقًا أمام تمكين المرأة في السلطة التشريعية بالبلاد.
وفي مجمل القول؛ يبدو أن الحياة السياسية في الكويت بحاجة إلى تغيير كثير من المعطيات وخاصةً التي تحكم العلاقة بين السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الأمة الذي يمتلك صلاحيات واسعة، والسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، فالأمر لا يقتصر على حل المجلس وإعادة انتخابه من جديد، وهو ما يتضح من نتائج انتخابات الكويت البرلمانية، وبالتالي؛ إذا لم يحدث التغيير المطلوب ستظل البلاد في دوامة حل البرلمان أو إقالة الحكومات، ومن ثم استمرار تعثر البلاد والسير في دائرة مفرغة.