استضافت كلية الآداب في جامعة عين شمس صباح يوم 20 مارس 2022م، معالي السفير محمد العرابي وزير خارجية مصر الأسبق، ورئيس مجلس الأمناء في مركز “شاف” ليكون متحدثاً في ندوة بعنوان ” آفاق العلاقات المصرية الآسيوية”
في ظل حضور نخبة من الأساتذة والمسئولين والطلاب، وتحت إشراف ا.د/ رانيا فوزي رئيسة قسم اللغات الشرقية، وادار اللقاء د./ سعيد الصباغ أستاذ الدراسات الإيرانية المعاصرة بالكلية والمشرف على النشاط الثقافي، وذلك تحت رعاية ا.د/ محمود المتيني رئيس جامعة عين شمس و ا.د /مصطفى مرتضى عميد كلية الآداب.
بدأت الندوة بكلمة ألقاها الدكتور سعيد الصباغ، رحب فيها بالسفير العرابي مشيرا إلى أهمية هذه الندوة من حيث التوقيت؛ خاصة أنها جاءت بالتزامن مع احتفالات مصر بمرور 33 عاما على عودة طابا إلى مصر، ومرور مئة عام على تأسيس الخارجية المصرية. كما رحبت الدكتور رانيا فوزي بسعادة السفير ونوهت إلى أهمية هذه الندوة في زيادة الوعي لدى طلاب الجامعة.
وفي كلمته أكد السفير العرابي على مكانة مصر الراسخة في محيطها الإقليمي والدولي وما تتمتع به من احترام جميع دول العالم، خاصة أن لديها أسس ومبادئ ثابتة في سياستها الخارجية قائمة على (السلام والاستقرار والتنمية) و هي سياسة جديرة بالاحترام، و أن وزارة الخارجية المصرية أدت دور هام في جميع أنحاء العالم من حيث الدفاع عن مصالح الدولة والأمن القومي المصري، ورصد اي تهديدات تتعلق بأمن واستقرار الوطن ضد أي جهة خارجية، وأشار سعادته، إلى أن السياسية الخارجية المصرية على مدى القرن السابق أثبتت أنها سياسة وطنية تعمل من أجل مصر وشعبها ومصالحهم، واتبعت دائما نهج رصين وسلس بدون الإعتماد على الأضواء الإعلامية والصحفية خلال عملها لتحقيق مصالح الدولة والشعب المصري.
وبالفعل لدى مصر من القدرات التي جعلتها تجابه الكثير من التحديات والتهديدات، بدليل أنها اجتازت تجربة نكسة 1967م، بنصر أكتوبر 1973م، وخاضت مفاوضات السلام مع إسرائيل استردت بموجبها جميع أراضيه، كذلك استطاعت مصر ان توفر لشعبها كل احتياجاته الأساسية على مدى استمرار ازمة جائحة الكورونا، التي فرضت مفهوما جديدا في العلاقات الدولية وهو الأمن الصحي.
وتستمر تحديات عملية البناء والتنمية داخل الدولة المصرية، وهي عملية ثبتت أهميتها منذ تفشي جائحة الكورونا، وأدخلت في العلوم السياسية مفاهيم جديدة منها القوة الذاتية للدولة، ومنها قدرة الدولة على مجابهة ظواهر الواقع الجديد حيث أن الأمراض والأزمات الاقتصادية وتغير المناخ وتنقل السلاح والإرهاب أصبحت عابرة للحدود، ويتوجب على الحكومات توفير الأمن المائي والأمن الغذائي والأمن الصحي وأمن الطاقة والأمن بشكل عام لشعبها.
و يأتي ذلك في إطار تغيّرات دولية حادة و متسارعة يشهدها العالم كل 10 سنوات تقريباً، تؤثر على شكل العلاقات الدولية، ومن هذه المتغيرات انهيار جدار برلين، وأحداث 11 سبتمبر، ثم الاحتجاجات الشعبية في المنطقة العربية بداية من 2011، وأخيراً تفشّي جائحة كورونا، و قد نشهد تلك التغيرات بوتيرة أسرع في المستقبل القريب، و من معالمها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 2021 و الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 و ما نتج عنه من دخول دول العالم في دوامة من التحديات الاقتصادية و الإنسانية بسبب الأزمة الأوكرانية، وخلال السنوات العشر المقبلة سوف يكون الرهان أمام الدول مرتبطاً بمدى القدرة على المرور من هذه الفترة متماسكة، بقوة ذاتية في الأساس.
وأثنى سعادته على رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي وتحركات الإدارة المصرية الرصينة والحكيمة، حيث تمسكت مصر بمكانتها الراسخة وتمكنت من مجابهة أزمة جائحة الكورونا والأزمة الأوكرانية بكل ثبات، وذلك بفضل وضع وتنفيذ إستراتيجية استباقية من حيث توفير الأمن للدولة وتسليح الجيش المصري، والعمل على مشاريع الطاقة، والدلتا الجديدة ومدينة الأدوية، وذلك لتحقيق كافة نواحي الأمن والاستقرار في مصر.
في إطلاله على دول القارة الآسيوية، نجد اقتصاديات بازغة، من مجموعة النمور الآسيوية، إلى دول كبيرة مثل (الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا) وهي دول ذات ثقل استراتيجي ودلالة على ذلك توجه السياسة الخارجية الأمريكية إلى أسيا في العقود الأخيرة. وقد أوضح السفير العرابي أهمية تعزيز العلاقات المصرية مع الدول الآسيوية والعمل على المصالح المشتركة، مشيرا إلى الجولة الآسيوية التي قام سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وزار خلالها سنغافورة وفيتنام، فضلا عن زيارة السيد سامح شكري وزير الخارجية لبعض الدول الآسيوية مؤخرا.
فهناك نماذج لبعض الزيارات الغير مسبقة لمصر في دول مثل سنغافورة وفيتنام، فلم تكن زيارات رمزية بل هي للاستفادة من الخبرات الخاصة لتلك الدول، فعلى سبيل المثال فإن سنغافورة من الدول المتقدمة في إدارة الموانئ وتحلية مياه البحر والطاقة النظيفة والمتجددة، و فيتنام فهي دولة ذات اقتصاد بازغ و في تقدم ثابت و لديها خبرات واسعة في الزراعة و الري، من الممكن للدولة المصرية الاستفادة منها و استخلاص تجارب تلك البلاد في العملية التنموية داخل مصر، و استضافة مصر لرئيس جمهورية كوريا الجنوبية مؤخرا، كان عمل دبلوماسي كبير سيكون له إنجاز هائل على الجهود التنموية، فهي أحد شركاء التنمية للدولة المصرية، فإن جهود الخارجية المصرية في ترسيخ العلاقات المصرية – الآسيوية هي معنية بعملية التنمية الداخلية من خلال نقل كل عناصر التقدم و التطور في الخارج و نقل التجارب التي تمر بها الشعوب في الخارج لمصر و شعبها، للإرتقاء بمستوى المعيشة و تحقيق الاستقرار الداخلي.
وجه الدكتور سعيد الصباغ أسئلة الحاضرين وكان أولها:
س: لماذا لا تتقارب مصر مع إيران؟
وأضاف من جانبه، بوصف البلدين كقوى إقليمية مؤثرة، وحيث أن إيران دولة مهمة ومؤثرة على الأمن القومي العربي، بل ومهددة في بعض الأحيان، استطاعت أن تحقق عُمقًا استراتيجيا لها يسمى إِعْلاميًّا “بالجدار الشيعي”، وضعت إيران نفسها في المخيلة العربية وأصبحت قضيتها مطروحة على الطاولة في كل الأوقات.
ج: أكد السفير العرابي على أنه في 2009 على هامش مؤتمر مجموعة “ال د8” المتكونة من الدول الإسلامية الكبرى (من حيث حجم السكان) والذي عقد في طهران، من خلال دوره كمساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية تم تكليفه بالتواصل مع القيادات الإيرانية في إطار مفاوضات دبلوماسية أسفر عنها طلب من الجانب الإيراني بفتح مجال تأشيرات الدخول للمواطنين الإيرانيين وذلك بحجة زيارة المعالم التاريخية الشيعية في مصر.
و شكل ذلك السيناريو المحتمل عملية مقلقة أَمنيًّا للدولة المصرية، خاصة في ظل وجود بوادر التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد و الركائز التي تصدرها إيران في بعض الدول العربية و المتمثلة في الجماعات الموالية لإيران من حزب الله في سوريا و لبنان والتيارات الأخرى الموالية لإيران في العراق و البحرين و اليمن، و لذلك السبب تصبح إيران مصدر مقلق، و عليها بأن تقلل من شهيتها في التدخل في الشؤون الداخلية العربية، و في نفس السياق بجانب إيران توجد دول إقليمية ذات شهية في التدخل في المجال العربي بمختلف التوجهات و الطرق مثل تركيا و إسرائيل. فعلى سبيل المثال، بدأت تركيا بالتوغل في المجال العربي من خلال القوة الناعمة للدولة ثم تحولت الان للتسلل الخشن مثل إيران. فأذن الدولة المصرية دائمًا مطلعة على المخاطر الاستراتيجية التي تلوح في الأفق، وبالفعل يوجد اتصالات بين مصر وإيران وتمثيل دبلوماسي، ولكن من المتوجب على إيران بأن تنظر بمنظور مختلف على المنطقة العربية وتوقف في العمل على استخدام البعد الشيعي في زعزعة الاستقرار والأمن في بعض الدول، فإذا تحولت المنطقة العربية إلى صراع سني-شيعي سيؤدي إلى صراع دموي طويل المدي.
س: توجهات السياسة المصرية الحالية تجاه الهند؟
ج: الهند دولة مهمة جدا، ذات ثقل استراتيجي تهتم الدولة المصرية بتوثيق العلاقات بين البلدين بمختلف الأوجه، وبالأخص هي دولة متقدمة تكنولوجيا واستطاعت استقطاب أبناء الهند في الخارج للعودة والعمل على تقدم الدولة في شتى المجالات الحديثة، وبرغم من تباعد الرئيس الحالي للهند عن توجهات الدول العربية الإسلامية (في مثال القوانين ضد الحجاب) في مقابل التقرب إلى إسرائيل، فإن من الضروري ترسيخ والعمل على تقارب أوجه التعاون والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.