محاولات باءت بالفشل .. قراءة تحليلية للمحاولة الانقلابية في “مدغشقر وسيراليون”

إعداد: منة صلاح

باحثة في الشؤون الأفريقية

تتفشَّى ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية، على اعتبار أنها أرضٌ خصبةٌ للانقلابات، ومع كل انقلاب أو محاولة انقلابية، تصبح هذه الظاهرة متأصلة في الثقافة السياسية للبلاد، فقد شهدت منطقة الساحل الأفريقي، موْجةً من الانقلابات، في سبْع دولٍ تمتد من غينيا إلى السودان، ونجحت خمسة انقلابات عسكرية، في خمس دول (مالي، بوركينا فاسو، غينيا، النيجر، الجابون)، ويختلف كل انقلاب عن الآخر، وتحركه الظروف الداخلية الخاصة بكل دولة، وقد شهدت دولتا “مدغشقر، وسيراليون”، خلال شهر نوفمبر للعام الجاري، محاولة انقلابية؛ نظرًا لانعدام الأمن وتعثُّر الديمقراطية، ولكن تمَّ إحباطها.

أولًا: أسباب وعوامل تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية

تعتبر ظاهرة الانقلابات العسكرية من أشدِّ الظواهر تعقيدًا، لا سيما في القارة الأفريقية، ولا يمكن حصْر أسبابها في سببٍ واحدٍ، وتختلف الأسباب باختلاف البيئة الحاضنة للانقلاب، ولكنها نتيجة حتمية للممارسات التي مارستها الأنظمة الأفريقية الحاكمة؛ للهيمنة على السلطة، في حال فقدانها للشرعية السياسية، كما أدَّت هذه الممارسات إلى فقدان أمل النُّخب المعارضة للأنظمة الحاكمة في التغيير الدستوري السلمي للسلطة، ومن ثمَّ ساهمت هذه النُّخب في الانقلاب على الأنظمة الحاكمة في عِدَّة دول.

وبالإضافة إلى ذلك، أدَّى ارتفاع معدلات الجريمة والأنشطة الإرهابية والإخفاقات الأمنية، إلى إضعاف الأجهزة الأمنية، وإلحاق خسائر مادية وبشرية بها؛ ما ساهم في النَّزْعة الانقلابية على الأنظمة الحاكمة، وعلى الصعيد الاقتصادي، أخفقت تلك الأنظمة في إدارة الملفات الاقتصادية، وعملت على إهدار الموارد؛ ما زاد من رغبة الشعوب والنُّخب في تغيير الأنظمة الحاكمة، عبْر الانقلابات العسكرية.

ويعود السبب الرئيس للمحاولتيْن الانقلابيتيْن في دولتيْ “سيراليون، ومدغشقر” إلى تعثُّر الديمقراطية، وهو سبب المحاولات الانقلابية الأخيرة في هذيْن البلديْن؛ إذ يؤدي تعثُّر الديمقراطية إلى فقدان النظام الحاكم الشرعية السياسية، وتعزيز ثقافة التغيير غير الدستوري للسلطة؛ أيْ غلق سُبل الديمقراطية للوصول إلى السلطة؛ ما يعمل على تفاقُم وتنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية أو المدعومة عسكريًّا[1].

ثانيًا: جذور تاريخية للانقلابات العسكرية في مدغشقر

منذ حصول مدغشقر على الاستقلال عن فرنسا، عام 1960م، وهي تشهد موْجات متكررة من عدم الاستقرار السياسي، بما في ذلك الانقلابات والانتخابات المُتنازع عليها، وفي مارس 2009م، اقتحمت قوات عسكرية القصر الرئاسي بالعاصمة، واستولت عليه، وتمَّت الإطاحة برئيس مدغشقر حينها (مارك رافالومانانا)؛ لصالح (أندري راجولينا)، والذي أصبح رئيس للسلطة الانتقالية العليا في مدغشقر.

وأدَّى هذا الانقلاب إلى خمس سنوات من الجمود السياسي والإدانات الدولية والعقوبات الاقتصادية، ونتج عنه أيضًا تغيير غير دستوري لنظام الرئيس السابق بعد ثلاثة أشهر من الحراك الشعبي وبدعم من الجيش، واتسمت هذه الأزمة بالتدخُّل المُكثَّف للجيش، وارتفاع عدد القتلى ومئات الإصابات، وفقدان الوظائف، وزيادة أعمال العنف والنهب، وقرَّر الاتحاد الأفريقي حينها تعليق عضوية مدغشقر في المنظمة؛ نظرًا لعدم دستورية الآلية التي وصل بها “راجولينا” إلى سُدَّة الحكم.

المشهد السياسي في مدغشقر

تعاني مدغشقر من انعدام الاستقرار السياسي، ومن تفاقُم الأزمات السياسية، منذ اكتشاف حصول (أندري راجولينا) على الجنسية الفرنسية، عام 2014م، بموجب مرسوم التجنيس، ووجهت اتهامات له، بعدم الشفافية؛ نظرًا لجنسيته المزدوجة، ويتسم المشهد السياسي في مدغشقر، بالصراع من أجل الحكم؛ إذ يقضي رئيس مدغشقر الحالي “راجولينا” فترة ولاية ثالثة، بعد فوْزه في الانتخابات المتنازع عليها، في نوفمبر 2023م، والتي قاطعتها المعارضة؛ إذ حصل على 59% من الأصوات، مُتغلِّبًا على أبرز منافسيه الرئيس السابق (مارك رافالومانانا)، واتسمت نسبة المشاركة بالنسبة الأدنى في تاريخ الدولة، وجاءت في أعقاب دعوات لمقاطعة الانتخابات من قِبَلِ حوالي 10 متنافسين رئاسيين، وتتسم الانتخابات الرئاسية في مدغشقر دائمًا بالعنف والمظاهرات مع إصابة أو مقتل العديد من الأفراد.

المحاولة الانقلابية في مدغشقر 2023م

بعد انتخابات نوفمبر 2023م، وفوز الرئيس “راجولينا” برئاسة البلاد، وقبل اعتماد النتيجة من قِبَلِ المحكمة العليا، أعلنت السلطات عن قيام اثنين من كبار ضباط الجيش بتدبير انقلاب عسكري؛ إذ خططوا الاعتماد على الاحتجاج الانتخابي؛ لتبرير انقلابهم، وعملوا على جمع الأموال لتمويل خططهم، ولكن تمَّ إحباط هذه المحاولة، وتم اعتقالهما، والجدير بالذكر، أنهما كانا تحت المراقبة لعدة أسابيع؛ أيْ خلال سيْر العملية الانتخابية.

ثالثًا: جذور تاريخية للانقلابات العسكرية في سيراليون

شهدت سيراليون انقلابيْن عسكرييْن، ما بين عاميْ (1967م، و1968م)، وخلال الحرب الأهلية في سيراليون، والتي استمرت منذ عام 1991م إلى 2002م، والتي تعتبر أحد أكثر الحروب الدموية في القارة الأفريقية، حدث انقلاب عسكري في عام 1992م، وتمَّت الإطاحة بالرئيس (جوزيف سيدو موموه)؛ نظرًا لضعف الأداء الاقتصادي، وحدث انقلاب آخر في عام 1997م؛ إذ قامت مجموعة من ضباط جيش سيراليون بانقلاب، وأنشأت المجلس الثوري للقوات المسلحة AFRC)) كحكومة جديدة للبلاد، ودعوا الجبهة المتحدة الثورية للانضمام إليهم، وتعود أسباب هذه الانقلابات، إلى انخفاض مستويات التنمية المؤسسية، وانتشار الفساد وتسييس المؤسسة العسكرية، وإخفاق الطبقة السياسية في البلاد في تبنِّي سياسات الحُكْم الرشيد وتحقيق الديمقراطية.

المشهد السياسي في سيراليون

منذ انتهاء الحرب الأهلية، ظلَّت سيراليون أكثر استقرارًا من الناحية السياسية مما كانت عليه قبل الحرب أو خلال الحرب، ولكن يسود المشهد السياسي في سيراليون حاليًا ارتفاع معدلات التضخُّم، وشيوع موْجةٍ من الاحتجاجات العنيفة، وفرْض حظْر التجول على مستوى البلاد؛ ما ساهم في خلْق بيئةٍ متقلبةٍ، واتصف المشهد السياسي خلال انتخابات 2023م بالاضطراب؛ إذ كانت موضع تنافس شديد، وشهدت الأيام السابقة للانتخابات حالةً من التوتُّر بعد الاشتباكات بين أنصار الرئيس والمعارضة، وأدَّت إلى إعادة انتخاب الرئيس (جوليوس مادا بيو)، ورفضت المعارضة نتائج الانتخابات، ووصفتها بالتزوير؛ ما فاقم من التوترات السياسية، وأدَّى إلى نزاعٍ حول شرعية تلك الانتخابات.

المحاولة الانقلابية في سيراليون 2023م

تمر سيراليون بأزمة سياسية منذ الانتخابات الرئاسية والعامة، التي جرت في يونيو 2023م؛ لذا اندلعت اشتباكات مسلحة في عاصمة سيراليون (فريتاون)، في 26 نوفمبر 2023م؛ إذ كان هناك هجوم على مستودع أسلحة من قِبَلِ جنود مُنشقُّون عن الجيش السيراليوني؛ بهدف تقويض السلام والاستقرار في البلاد؛ ما يشير إلى الانقسامات بين فصائل القوات المسلحة، واحتمالية نشوب صراعات داخلية على السلطة، ولم يُؤدِّ هذا إلى تهديد الاستقرار الوطني فقط، بل شكَّل تهديدًا للأمن الإقليمي أيضًا؛ نظرًا لموقع سيراليون الاستراتيجي في غرب أفريقيا، ولكن سيطرت الحكومة على الوضع الأمني في العاصمة، وتمَّ فرْض حظْر تجوُّل في كل أنحاء البلاد.

رابعًا: الاستجابات الدولية والإقليمية للمحاولة الانقلابية في “مدغشقر وسيراليون”

قد أعرب “الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة” وأعضاء آخرون في المجتمع الدولي، عن قلقهم إزاء التوترات السياسية في مدغشقر، وأدانو هذه التوترات، أما فيما يتعلق بالمحاولة الانقلابية في سيراليون، فقد أدانت العديد من الدول والمنظمات هذا الهجوم؛ انطلاقًا من ضرورة الحفاظ على الحكم الديمقراطي والنظام الدستوري، وفي السياق ذاته، أعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، عن اعتراضها على هذا الانقلاب؛ نظرًا لما يُشكِّلُه من تهديدٍ للحكم الدستوري، وعلى الصعيد الدولي، أعرب كُلٌّ من “الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية” عن تضامنهم مع سيراليون وحكومتها، وأدانت الولايات المتحدة – من خلال سفارتها في سيراليون – تلك المحاولة الانقلابية، والتي كانت تهدف للاستيلاء على الأسلحة العسكرية.

خامسًا: هل ستزداد الانقلابات في القارة الأفريقية؟

من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الانقلابات في القارة؛ إذ تظل دول القارة مهيئة لحدوث عمليات انتقالية غير دستورية؛ نظرًا لتدهور الظروف المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر، وضعف الأداء الاقتصادي، وانتشار الفساد، وترسل المحاولات الانقلابية في دول القارة إنذارًا بوقوع انقلابات مماثلة في الدول المجاورة، وهناك خطر من أن يؤدي التحوُّل غير الدستوري إلى تعميق انعدام الأمن، ويستلزم ذلك تعزيز العمليات الديمقراطية، وإعادة ضبْط العلاقات المدنية العسكرية، وتعزيز سيادة القانون.

إجمالًا:

تفاقمت ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية، على مدار عام 2023م، وذلك على الرغم من مساعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)؛ لنشر قوة عسكرية ضد الانقلابات، وتوسع أنشطة الجماعات المسلحة في غرب أفريقيا؛ إذ شهدت دولتا “سيراليون، ومدغشقر” محاولةً انقلابيةً، تمَّ إحباطُها؛ جرَّاء عدم الاستقرار السياسي، وتعثُّر الانتقال الديمقراطي، ومن المتوقع استمرار تفشِّي ظاهرة الانقلابات العسكرية؛ لاستمرار الأنظمة السياسية الأفريقية الحاكمة على المُضيّ قُدُمًا  بالسياسات الحالية والأفكار ذاتها؛ ما يمنح العسكريين مبررات ومحفزات للانقلاب؛ لذا توجب تلك المحاولة الانقلابية على الدولتيْن، تعزيز أسس الديمقراطية؛ للتحصين ضد التهديدات المستقبلية.

المصدر والمرجع:

[1] سعيد ندا، غياب الديمقراطية في سيراليون ومدغشقر يُنذر بموجة من الانقلابات العسكرية، قراءات أفريقية، 2021م.

https://2u.pw/Hbtd9gh

كلمات مفتاحية