إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
تشهد العلاقات “الروسية – الصينية” تناميًا ملحوظًا، خلال الآونة الأخيرة؛ حيث تتسم علاقة البلديْن بالاحترام المتبادل للمصالح المشتركة، والرغبة في الاستجابة المُوحَّدة للتحديات التي ترتبط – بشكلٍ مباشرٍ- بالاضطرابات المتزايدة على الساحة الدولية، ونمط الضغط الجماعي من قِبَلِ الغرب، ويستدل على ذلك؛ بتزايد المكالمات الهاتفية واللقاءات رفيعة المستوى، بين “روسيا، والصين”، والتي كان آخرها؛ زيارة وزير الخارجية الصيني “وانغ يي “، في 18 سبتمبر 2023، إلى موسكو، ودامت أربعة أيام لإجراء محادثات أمنية، حسب ما أعلنته الخارجية الصينية.
ويجدر بالذكر، أن الرئيس الصيني “شي جين بينج”، قام بزيارة إلى موسكو، في مارس الماضي، أعلن حينها، أن العلاقات بين البلديْن “تدخل حِقْبَةً جديدة”، من المتوقع، أن يقوم الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بزيارةٍ إلى بكين، في شهر أكتوبر الجاري؛ لتكون أول زيارة خارجية له، منذ صدور مذكرة اعتقاله، من قِبَلِ المحكمة الجنائية الدولية، طبقًا لوكالة “بلومبرج”.
لذا فلا شك بأن الشراكة الاستراتيجية بين “روسيا، والصين”، تعزَّزت – بشكلٍ ملحوظٍ – بعد الأزمة “الروسية – الأوكرانية”، ولديها أهدافٌ اقتصاديةٌ وسياسيةٌ على الساحة الدولية، ولكن ذلك لا ينفي أن لكلٍّ منهما أهدافه ومصالحه الخاصة، التي قد تتعارض مع مصالح الطرف الآخر.
وبالتركيز عن مصالحهم الواسعة في الشرق الأوسط، دائمًا ما يحرص المسؤولون الرُّوس بتسليط الضوء – بشكلٍ منتظمٍ- على وجهات النظر المتقاربة لكلا البلديْن، بشأن الشؤون الإقليمية؛ حيث قال نائب مجلس الدوما “فياتشيسلاف نيكونوف”: إن “فشل” السياسة الخارجية الأمريكية، ساعد في إنشاء “تحالف ’روسي – صيني’ في الشرق الأوسط”، وفي مارس الماضي، وقَّع الرئيسان “الروسي، والصيني” على بيانٍ مشتركٍ، يدعم “السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”، ويعارض التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، وعلى الرغم من هذا الخطاب المتفائل، فإن نطاق التعاون “الصيني – الروسي” في الشرق الأوسط ضيِّقٌ نسبيًّا.
ويمكن توضيح أبرز مُحدِّدات ذلك النَّهْج على النحو التالي:
- احتضان روسي حَذِر للدور الدبلوماسي الصيني في الشرق الأوسط
تنظر روسيا ظاهريًّا إلى الدور الدبلوماسي الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، والذي تجلَّى في توسُّطها في اتفاق التطبيع بين “السعودية، وإيران”، في مارس الماضي، باعتباره خطوةً إيجابيةً في الإقليم؛ فعندما ظهرت أنباء عن وساطة بكين في استعادة العلاقات بين “الرياض، وطهران”، أصدر المسؤولون الرُّوس كلمات الثناء؛ فأشاد مستشار الكرملين السابق “سيرجي ماركوف” بالتطبيع، ووصفه بأنه “نجاح كبير للصين”.
ولكن الواقع، فإن النجاح الدبلوماسي الصيني في هذا الملف طغى – إلى حدٍّ ما- على الدور الرُّوسي في منطقة الخليج، خاصة أن روسيا قد اقترحت مرارًا وتكرارًا، بتقديم نفسها كوسيط بين “السعودية، وإيران”، وجدَّدت هذا العرض في نوفمبر الماضي، وفي يوليو 2019، أعلنت روسيا عن مبادرتها التي أُطلقت باسم “مفهوم الأمن الجماعي للخليج العربي”، والتي دعت خلالها إلى حوارٍ متعدد الأشكال بين الأطراف الإقليمية المتنازعة، وإنشاء “منظمة الأمن والتعاون في الخليج العربي” في نهاية المطاف.
ومن أجل الحفاظ على الصورة الروسية في المنطقة، قام المسؤولون الرُّوس بتصوير موسكو على أنها مصدر إلهام، ومُيسِّرٌ لجهود الوساطة، التي بذلتها بكين بين “الرياض، وطهران”؛ حيث قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما “ليونيد سلوتسكي”: إن جهود الوساطة الصينية “تتوافق” مع روح الخطة الروسية الأمنية في الخليج.
في هذا السياق، يبدو أن الوساطة التي قامت بها الصين بين “الرياض، وطهران” قد أدَّت إلى توسُّع نفوذها في منطقةٍ كانت سابقًا تُعَدُّ منطقة اهتمامٍ رئيسية لـ”روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية”؛ لذا يُمكن القول: إن “موسكو، وواشنطن” – على حدٍّ سواء- تكبَّدتا خسائر نسبية، في إطار هذا التحرُّك؛ نظرًا لأن بكين نجحت في مَلْء الفراغ الذي تركته الدول المشاركة في الصراع في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، يُمكن رؤية بعض التوجُّهات الأخرى، التي تُظهر أن جهود الوساطة الروسية بين “السعودية، وإيران” لم تكن فعّالة بشكلٍ كافٍ؛ ففي نظر إيران، تمثل التدخل العسكري الروسي، في سوريا عام 2015، تهديدًا لخططها؛ لتحقيق الهيمنة على المنطقة على المدى البعيد، وهذا يجعل من روسيا متحالفًا غير محايد بالنسبة لإيران في هذا السياق.
- محدودية التأثير
يُعَدُّ نطاق التعاون “الصيني – الروسي” في الشرق الأوسط ضيِّقًا نسبيًّا، ومحدودًا في تأثيره؛ فبالرغم من امتناع “روسيا، والصين” بالتصويت على قرار مجلس الأمن رقم (1973)، بفرض حظْرٍ جويٍّ على ليبيا، قامت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بتدخل عسكري؛ تنفيذًا لقرار مجلس الأمن السالف ذكره؛ ما ساعد في الإطاحة بالرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، عام 2011، والذي تلاه سنوات عديدة لا تزال ليبيا تدفع ثمنه حتى الآن.
ودافعت “روسيا، والصين”، في يونيو 2022، عن إيران، ضد انتقادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن بعض التفسيرات الخاصة بطهران لبرنامجها النووي.
كما عارضت “روسيا، والصين” بشكلٍ مشتركٍ في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، فرض عقوبات على حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد؛ لاستخدامها أسلحة كيماوية، ولكن هذا لم يمنع الدول الغربية، من فرْض عقوبات على حكومة النظام السوري؛ حيث أصدر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون قيصر؛ لفرض عقوبات على أيِّ أفراد أو شركات، تُقدِّمُ التمويل أو المساعدة للحكومة السورية.
- تباين وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية
تسعى الصين إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، وتعتبر أنشطة روسيا في المنطقة متعارضة مع مصالحها الاقتصادية؛ لهذا السبب، وعلى الرغم من التعاون المُكثَّف بين “بكين، وموسكو” في معارضة الأنشطة العسكرية والسياسية للغرب في الشرق الأوسط، وجدت “الصين، وروسيا” نفسيهما، على طرفيْ نقيض في قضايا إقليمية متعددة.
الصين لديها تحفُّظات جِدّية، بشأن الطبيعة الانتهازية والاستقطابية، التي تتسم بها الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط؛ ففي بكين، يُنظر إلى روسيا، باعتبارها جهةً فاعلةً انتهازيةً لا يتوافق سلوكها إلا جزئيًّا مع المصالح الصينية.
وللدلالة على ذلك، تبنَّت الصين نهْج عدم الانحياز في الصراع الليبي، في حين نشرت روسيا مقاتلين عسكريين من مجموعة “فاغنر”؛ لدعم الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في محاولته لدخول طرابلس، في عام 2019، والسيطرة على منشآت النفط الرئيسية في شرق ليبيا، ورأت الصين ذلك التحرُّك، بأنه تهديدٌ للمصالح التجارية للصين مع ” حكومة الوفاق الوطني” آنذاك.
وعلى الرغم من موقفهم المشترك المؤيد للنظام السوري، لم تنضم الصين إلى روسيا، في استخدام حقِّ النقض، ضد قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر في يوليو 2022، والذي يسمح بتسليم المساعدات، عبْر الحدود “السورية – التركية”.
لذا فتظهر التحركات الروسية في “أفغانستان، وإيران، وليبيا”، وإلى حدٍّ ما في اليمن، أن روسيا تشعر بالارتياح في العمل مع أطراف متعارضة في الصراع، وعلى النقيض من ذلك، ترفض الصين دعم دولة في المنطقة ضد دولة أخرى، أو تقديم التزام سياسي لأحزاب معارضة.
وتفاقمت المخاوف من الجانب الصيني تجاه روسيا، منذ إعلانها للعملية العسكرية في أوكرانيا؛ حيث أشار تقرير صادر عن مركز جامعة بكين لدراسات الشرق الأوسط، في يوليو 2022، إلى أن الحرب الأوكرانية شحذت المنافسة بين “الولايات المتحدة الأمريكية، والصين” في الشرق الأوسط، و”خلقت شكوكًا” بالنسبة للصين، فيما يتعلق بإمكانية التنسيق “الصيني – الروسي” في مواجهة استراتيجيات الاحتواء الأمريكية.
وحتى لو تمكَّنت “روسيا، والصين” من التغلُّب على هذه الخلافات، فإن هناك حدودًا في جدوى روسيا كشريك إقليمي محتمل مع الصين؛ حيث أقَّرت بعض الاتجاهات السياسية الصينية، بأن روسيا قوة إقليمية في أوراسيا، وليس لديها سوى أربع شراكات في الشرق الأوسط، وهم “سوريا، وإيران، والجزائر، والسودان”، كما تفتقر روسيا إلى ذلك النوع من الثروة والإمكانات العلمية والتكنولوجية، مقارنةً بالصين، فهي بدلًا من ذلك، حاولت استخدام التدخلات العسكرية ومناورات القوة؛ لتحقيق أهداف دبلوماسية؛ لتثبيت النفوذ الإقليمي.
في النهاية
تقاسمت “الصين، وروسيا” المعارضة للنظام الغربي المهيمن في العالم بشكلٍ عامٍ، وفي الشرق الأوسط بشكلٍ خاصٍّ، ومع ذلك، فإن روسيا تفتقر إلى الموارد والمعرفة الفنية اللازمة لتطوير ذلك النوع من الوجود الاقتصادي، الذي أنشأته الصين في المنطقة، وبدلًا من ذلك، تحوَّلت موسكو إلى استراتيجية المشاركة، والتدخل والحضور المباشر في دول الشرق الأوسط، ويمكن أن تمثل هذه الأساليب المتباينة بداية صراع الأفكار بين البلديْن، ويمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية بين “الصين، وروسيا” في المستقبل