محطات تطور العلاقات «السعودية – الصينية»

إعداد: مروة سماحة

المقدمة:

تشهد العلاقات «السعودية – الصينية» في السنوات الأخيرة، تطورًا تاريخيًّا، يسير بشكلٍ ممنهجٍ وهادئٍ، وسط حالة من التحولات الواسعة، التي يشهدها العالم سياسيًّا واقتصاديًّا، والتي تصُبُّ بشكلٍ إيجابيٍّ في المصالح الاستراتيجية للدولتيْن؛ ما يوحي بمستقبلٍ واعدٍ لتلك العلاقات، ولاسيما بعدما غيَّرت الصين استراتيجياتها وسياستها الخارجية حيال الشرق الأوسط، وبالأخص دول الخليج العربي؛ في مساعٍ منها لتكون قُطْبًا عالميًّا ثانيًا؛ حيث تعدت صادراتها حدود السلع والبضائع لدول المنطقة، وتوسَّعت لبيع السلاح والتقنيات العلمية، وافتتاح المشاريع الاستراتيجية المشتركة، وأصبحت بمثابة منافس قوي للولايات المتحدة الأمريكية في نطاق نفوذها بمنطقة الخليج العربي، والأكثر من ذلك، قدَّمت الصين نفسها لأول مرة، كوسيطٍ أساسيٍّ في عملية السلام بالشرق الأوسط، عندما قادت وساطةً تُوِّجت بالنجاح؛ للصلح بين “السعودية، وإيران” متبنّية في سياستها استراتيجية الاستقرار الأمني، والابتعاد عن الحروب، بمقتضى تحقيق الازدهار التجاري، والتنمية في الدول التي ترتبط معها بشراكةٍ اقتصاديةٍ، وخصوصًا التي يمر فيها مشروعها العظيم،  مشروع «الحزام والطريق».

وإبان ذلك التقرير، سيتم تناول أبرز محطات تطور العلاقات «السعودية – الصينية» بشكلٍ مستفيضٍ.

أولًا: العلاقات الدبلوماسية

بادئ ذي بدء، لم يكن هناك اعتراف من جانب  السعودية بجمهورية الصين الشعبية، عند ظهورها كدولة عام 1949، وظل هذا الموقف ثابتًا، حتى سنة 1975؛ حيث أخذت المملكة صفَّ الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم في ذلك التوقيت للصين الوطنية (تايوان).
وكان مؤتمر “باندونغ” لدول عدم الانحياز 1955، فرصة لأول اتصالٍ يجري بين “الصين الجديدة، والسعودية”، وكان سياق الحوار يتعلق بترتيب إجراءات لدخول المسلمين من الصينيين السعودية؛ لإجراء مناسك الحج، فكان غير مسموح بدخول الصينيين إلى الأراضي السعودية، عقب تولِّي الحزب الشيوعي زمام الأمور بالصين، وعقب ذلك اللقاء، سمح الأمير فيصل بن عبدالعزيز، بدخول الحجاج الصينيين الأراضي المقدسة بالبلاد 1985.

واستمرت العلاقات الدبلوماسية في حالة فُتُور بين البلديْن، على خلفية استمرار المملكة في الاعتراف بـ”تايوان” حتى عام 1980، والتي حدث فيها صدام بين “السعودية، وواشنطن”، حول رفض الثانية تصدير طائرات (إف 15 إيغل) للأولى؛ ما دفع السعودية للبحث عن خيارات، وكانت الصين هي إحدى البدائل، وفي نوفمبر 1985، كان أول اجتماع رسمي بين “السعودية، والصين، وعمان”، وعقب ثلاث سنوات، اتفقت الدولتان على دعْم الرياض، بـ50 إلى 60 صاروخًا، من فصيلة (دونغ فنغ 3) الصينية متوسطة المدى.

وكان للمتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية في الثمانينات دورٌ كبيرٌ، في تسارع كُلٍّ من “السعودية، والصين” نحو تطبيع العلاقات الدبلوماسية، وبالفعل، وقَّع البلدان مذكرات لتبادل التمثيل التجاري سنة 1988.

وفي سنة 1990، أعلن الثنائي إقامة العلاقات الدبلوماسية بشكلٍ رسميٍّ، وفي أبريل 1993، فتحت الصين أول قنصلية لها في مدينة جدة، كما فتحت السعودية قنصلية لها في هونغ كونغ، عام 1998.

وبصدد مساعي الصين لتوثيق العلاقات مع السعودية، ودفعها إلى الأمام، زار رئيس مجلس الدولة الأسبق (لي بنغ) المملكة، عام 1991، بعد عامٍ واحدٍ من بدْء العلاقات الدبلوماسية، في حين جاءت زيارة ولي العهد السعودي، عبدالله بن عبدالعزيز، إلى بكين، في أكتوبر 1998، والتي تعتبر أول زيارة سعودية على المستوى القيادي إلى الصين، وفي عام 1999، زار الرئيس الصيني الأسبق (جيانج تسه مين) المملكة، وجاءت تلك الزيارة بتوقيع عددٍ كبيرٍ من الاتفاقيات بين البلديْن في مجالات عديدة.

وفي أعقاب زيارة الرئيس الصيني (شي جين بينغ) للملكة، عام 2016، قام الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، بزيارة الصين، عام 2017، ومثَّلت هذه الزيارة نقلةً نوعيةً في تاريخ العلاقات بين البلديْن؛ حيث إنها أول زيارة رسمية لعاهل سعودي إلى بكين، وتم خلالها التوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية وتجارية.

كذلك قام ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، بزيارتيْن إلى بكين، في عاميْ 2016 و2019، وقَّع خلالها الجانبان عددًا من اتفاقيات التعاون الاقتصادي في شتى المجالات، ولَفَتَ ولي العهد فيها إلى أن مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، تتلاقى بشكلٍ كبيرٍ جدًّا مع “رؤية السعودية 2030”.

وفي نهاية 2022، قام الرئيس الصيني (شي جين بينغ) بزيارة المملكة؛ تأكيدًا على مدى التطور في العلاقات بين البلديْن، وعلى هامش تلك الزيارة، حضر “بينغ” ثلاث قمم، «سعودية – صينية»، و«خليجية – صينية»، و«عربية – صينية»، ووقَّع خلالها قادة البلديْن على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما تم توقيع خطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة «الحزام والطريق»، واتفاقيات أخرى.

وبالأخير، قامت جمهورية الصين الشعبية خلال الفترة، ما بين 6 إلى 10 مارس 2023، باستضافة ورعاية مباحثات الوفد “السعودي، والإيراني”، وقد انتهت هذه المباحثات بالتتويج بصدور البيان الثلاثي «السعودي – الصيني – الإيراني”.

ثانيًا: العلاقات الاقتصادية

رافق زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الأولى، في 2017، بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ من التعاون «السعودي – الصيني» على المستوى الاقتصادي بشكلٍ واسعٍ؛ حيث تم التوقيع على 14 اتفاقية، تضمنت التعاون في مجالات الفضاء والعلوم والطاقة المتجددة، وتم الاتفاق على إنشاء لجنة رفيعة المستوى، وعلى هامش زيارة «محمد بن سلمان» إلى الصين، في مارس 2017، وقَّع الطرفان على اتفاقيات، تجاوزت قيمتها 65 مليار دولار، شملت إنشاء مصنع صيني للطائرات العسكرية بدون طيار بالمملكة.

وفي فبراير 2019، زار «بن سلمان» نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الصيني، وتم التوقيع على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الدولتيْن، في مجالات مختلفة، من أهمها؛ الطاقة وتخزين الزيوت ومجالات التعدين والتجارة، وتوقيع اتفاقية لتنمية طريق الحرير المعلوماتي، كما شملت الاتفاقيات مذكرة تفاهم بين وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية ومدينة الملك «عبدالعزيز»، بالإضافة لمذكرة تفاهم للتعاون في مجال الموارد المائية.

والجدير بالذكر، أنه منذ عام 2000، شهدت العلاقات التجارية بين “السعودية، والصين” نموًا كبيرًا في حجم التبادل التجاري؛ حيث أصبحت الصين شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا للمملكة العربية السعودية بعد الولايات المتحدة، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلديْن من 3 مليارات دولار في عام 2000 إلى 67 مليار دولار في عام 2020؛ ما يعكس تضاعفه بأكثر من 22 مرة خلال هذا الفترة، بالإضافة إلى ذلك، نجحت السعودية خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة، في أن تصبح المُصدِّرَ الأول للنفط إلى الصين، متفوقةً على روسيا، الدولة الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين.

كما أنه في السنوات الخمس الأخيرة، احتلت الصين مكانةً مهمةً كشريك تجاري رئيسي للمملكة العربية السعودية؛ حيث كانت الوجهة الرئيسية لصادراتها ووارداتها، منذ عام 2018، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلديْن خلال هذه السنوات الخمس، ما يقدر بحوالي 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار)، وتجاوزت قيمة التجارة البينية بين “السعودية، والصين”، في عام 2021، حوالي 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، بزيادةٍ تبلغ 399 مليار ريال عن العام 2020.

إجمالًا

بلغت صادرات السعودية إلى الصين حوالي 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية، تقدر بحوالي 41 مليار ريال (10.9 مليار دولار)، هذه الأرقام تعكس بوضوح الارتفاع الكبير في التعاون التجاري بين البلديْن، خلال السنوات الأخيرة.

والجدير بالإشارة، أن الصين أصبحت أيضًا مستثمرًا رئيسيًّا في السعودية؛ حيث استحوذت الرياض على نسبةٍ تُقدَّر بنحو 20.3٪ من استثمارات الصين في العالم العربي، التي بلغت حوالي 196.9 مليار دولار، منذ عام 2005 حتى عام 2020، السعودية أيضًا كانت الوجهة الرئيسية للاستثمارات الصينية في العالم العربي خلال هذه الفترة؛ حيث بلغت نحو 39.9 مليار دولار.

ثالثًا: العلاقات العسكرية

تطورت العلاقات العسكرية بين “الصين، والمملكة العربية السعودية”، بشكلٍ ملحوظٍ منذ بدايتها، وتميَّزت بالسِّرية والتبادل المشترك للمصالح، وقد تغيَّر هذا النَّهْج مع مرور الوقت، وأصبحت العلاقة بين البلديْن واضحة المعالم، ومبنية على احترام السيادة والمصالح المشتركة.

قبل عام 1975، كانت السعودية ترفض الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كدولة، وخلال 1980، بدأ التعاون العسكري بينهما، بعد رفْض الولايات المتحدة بيْع بعض المعدات العسكرية للسعودية، وفي عام 1985، انعقد أول اجتماع رسمي بين “الصين، والسعودية”، وفي عام 1987، تمكَّنت المملكة من الحصول على صواريخ بالستية استراتيجية من الصين.

هذه العلاقة استمرت في السرية لمدة 27 عامًا؛ حتى تمَّ الكشف عن وجود هذه الصواريخ، خلال مناورات عسكرية، في عام 2014، وتُعتبر هذه الصواريخ من نوع «3 DF-» ولها مدى يصل إلى 4000 كم.

والجدير بالذكر، أن هذا التطور في العلاقات العسكرية يعكس الاهتمام المشترك بين البلدين، في مجال الأمن والدفاع، ويعكس أيضًا تحوُّلًا في استراتيجية المملكة تجاه تحديات المنطقة، بما في ذلك التصاعد في النفوذ الإيراني وتأمين الأمن الاستراتيجي.

وفي التسعينات، بدأت السعودية المفاوضات مع الصين، واكتشفت صفات مميزة في القيادة الصينية، مثل الجدية والانضباط، فازدادت الثقة، وفي عام 1990، اشترت السعودية من الصين صواريخ بالستية، قادرة على حمل رؤوس نووية، وفي 2007، حدَّثت ترسانتها بصواريخ صينية أكثر تقدُّمًا، وفي 2012، وقَّعت اتفاقَ تعاونٍ في مجال الطاقة النووية، وفي 2017، اتفاقية تعاون في مجال أبحاث الفضاء، وفي 2018، وقَّعت مذكرة تفاهم لتسريع التنقيب عن اليورانيوم والثوريوم في السعودية؛ لتلبية احتياجات البلاد من المواد المشعة.

في عام 2018، وقَّعت “السعودية، والصين” مذكرة تفاهم في مجال الطاقة النووية، وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم تسريع عملية التنقيب عن مواد اليورانيوم والثوريوم في السعودية، بالتعاون بين الشركة النووية الصينية وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وفي عام 2020، بَنَتْ السعودية مصنعًا لمعالجة اليورانيوم الخام بمساعدة الصين، ويقع هذا المصنع بالقرب من بلدة العلا، النائية في شمال غرب المملكة.

ويُعدُّ دور المصنع هو إنتاج الكعكة الصفراء، وهي شكْل شِبْه مُصَنَّع من اليورانيوم، الذي يُستخدم في مفاعلات الطاقة النووية وصُنْع القنابل الذرية، تجدر الإشارة إلى أن معالجة اليورانيوم تتضمن عدة خطوات مُعقَّدة، تشمل استخراجه وتحويله إلى مواد أخرى، وقد أنجزت السعودية مرحلتيْن من هذه العملية حتى الآن، ومن المتوقع، أن تساهم الصين في تطوير تقنيات نووية في السعودية، وربما تُمكِّنُها من امتلاك مواد نووية عالية التخصيب في المستقبل، هذا يشبه لما حدث مع باكستان، عندما ساعدت الصين في تطوير قدراتها النووية في الماضي.

وفي عام 2022، تم الإعلان عن صفقةٍ جديدةٍ بين “السعودية، والصين” تضم (300) طائرة بدون طيار من طراز CH-4B، بالإضافة إلى خط إنتاج للطائرات بدون طيار 001-TB و(15) مجموعة من صواريخ فرط الصوت 21 ومجموعات Silent Hunter المضادة للطائرات، هذه الصفقة تمَّت في معرض الصين الدولي للطيران والفضاء، في نوفمبر 2022.

ختامًا

باستنادٍ إلى ما سبق من مُعْطَيَات، يمكن التوصُّل إلى أن العلاقات بين “المملكة العربية السعودية، وجمهورية الصين الشعبية”، ستشهد ازدهارًا في مختلف المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية، مع تحفُّظٍ بسيطٍ في المجال العسكري، حال التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد المملكة بما يلزمها من أسلحة، فإن لم يتحقق ذلك، ستضطر السعودية إلى تعزيز قدرتها العسكرية لمواجهة التحديات الأمنية، والبحث عن بديل، وستكون هناك إمكانية كبيرة لزيادة التعاون العسكري مع الصين.

كلمات مفتاحية