محفزات وتداعيات الإرهاب على دول الساحل والصحراء

إعداد: ميار هانى

المقدمة

باتت ظاهرة الإرهاب، التى تتمدد أفقيًّا ورأسيًّا فى أفريقيا، تنخر جسد القارة السمراء، ويبدد آمال تحسين فرص حياة سكانها، خاصةً فى دول الساحل والصحراء، الذى بات يجد نقطة ارتكازه هناك، فما السبب وراء تحوُّل تلك المنطقة لبؤرة إرهاب، بمختلف تنظيماته وفروعه المتداخلة؟

وللإجابة على هذا السؤال، سنتناول العوامل التى حفَّزت تدفُّق الإرهابيين، فى الساحل والصحراء، فضلًا عن أبرز تداعيات على المنطقة.

أولًا: مُحفِّزات التوسُّع الإرهابى فى الساحل والصحراء

 الهشاشة الاقتصادية:

تواجه منطقة الساحل والصحراء، جُملةً من التحديات الاقتصادية، إلى جانب التوسُّع السكانى السريع، والتغيرات المناخية، التى أضافت طبقةً من الضعف إلى تلك البيئة الاقتصادية الهشَّة بالفعل؛ ما يجعل هذه الدول من بين أكثر الدول ضعفًا، وتعرُّضًا للخطر فى العالم، وانعكس ذلك على احتلال دول، مثل، “تشاد، ومالى، والنيجر” ذيل دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة لسنوات عديدة، والذى يقيس مجموعةً من المؤشرات الأساسية، مثل، “التعليم، والصحة، ومستوى المعيشة”، وتُعدُّ المناطق التى تغلغلت بها التنظيمات الإرهابية، من بين أكثر المناطق معاناة وتهميشًا، من حيث الأوضاع “الاقتصادية، والاجتماعية”، كما يستطيعون من خلال خطاباتهم، التأثير فى الشباب، الذى يواجه مشكلات “بطالة، وقلة دخل”، وتجنيدهم داخل صفوفهم؛ لذا لعبت الأحوال الاقتصادية دورًا فى زيادة سطوة الجماعات الإرهابية.

الهشاشة السياسية:

تعانى المنطقة من غياب مفاهيم الحكم الرشيد؛ إذ غالبًا ما ينْصَبُّ تركيز الحكام على ديناميكيات القوة بين النخب السياسية فى العاصمة، أكثر من التركيز على التنمية الشاملة، ولا تزال المؤسسات الديمقراطية ضعيفة وهشَّة، كما لا تزال الفجوة بين الحاكم والمحكوم شاسعة، ويدرك القادة وجود حالةٍ من الانقسام، وعدم الرضا، وعدم الاستقرار، لكن رد فعلهم، هو حماية نظام حكمهم، وليس الإصلاح. [1]

فضلًا عن ما بات يُعرف بـ”عدوى الانقلابات”، التى تترك فراغًا فى السلطة، يستغله المتطرفون؛ لتهديد أمن البلاد، وزعزعة استقرارها؛ حيث شهدت أفريقيا أكثر من 200 انقلاب، منذ استقلال معظم دولها من الاحتلال الأجنبى، فى ستينيات القرن الماضى، وعلى وجه الخصوص، تشهد منطقة “الساحل، والصحراء” وقوع انقلابات، أحدثها، فى دولة بوركينا فاسو، وهو الانقلاب الثانى، خلال 9 أشهر، والانقلاب الثانى عشر بتاريخها، وفيما يلى، نستعرض أبرز الانقلابات فى كل من “مالى – بوركينا فاسو” خلال العقْد الأخير:

الدولة

تاريخ الانقلابقائد الانقلاب
مالى22 مارس 2012الكابتن مادو هايا سانوغو
بوركينا فاسو17 سبتمبر 2015الجنرال غيلبرت دينديرى
مالى18 أغسطس 2020العقيد ساديو كامار
مالى24 مايو 2021الكولونيل أسيمى غويتا
بوركينا فاسو23 يناير 2022المقدم بول هنرى سانوغو داميبا[2]
بوركينا فاسو30 سبتمبر 2022الكابتن إبراهيم تراورى[3]

وبالتطبيق على دولتىْ مالى، بعد انقلاب مايو 2021، وبوركينا فاسو، بعد إنقلاب يناير 2022، نلاحظ ازدياد هجمات الجماعات الإرهابية على المدنيين، وينطبق الشيء نفسه على وفيِّات المدنيين؛ ما يفسر وجود علاقة بين الانقلابات وتزايد الهجمات الإرهابية.

Deaths and Islamist attacks محفزات وتداعيات الإرهاب على دول الساحل والصحراء

Deaths and Islamist محفزات وتداعيات الإرهاب على دول الساحل والصحراء

تقارن البيانات التى قدمتها Acled  إلى بى بى سى 661 يومًا، قبل وبعد انقلاب مالى، و 138 يومًا، قبل وبعد انقلاب بوركينا فاسو، وقد اعتمدت Acled  على شبكة من “المخبرين والمهنيين”، بالإضافة إلى تقارير وسائل الإعلام

كما يرى المحلل Yvan Guichaoua ، الخبير فى كلية بروكسل للدراسات الدولية، أن الانقلاب يخدم فقط مصالح الجهاديين، كجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» والفرع المحلى لتنظيم «الدولةالإسلامية»، فعادةً ما يؤدى الانقلاب إلى “زعزعة استقرار هيكل الجيش، وتقسيم أفراد الجيش، إلى مؤيدين ومعارضين للانقلاب”، كما قال جليل لوناس، من جامعة الأخوين المغربية، ويقول محللون: إن منظمى الانقلابات فى منطقة الساحل، يَعِدُون عادةً بتحسين الوضع الأمنى، لكن هذه التعهُّدات مُضلِّلة.[4]

ضعف المؤسسة العسكرية:

تتسم القوات المسلحة فى بلدان الساحل عمومًا، بتراجع قدرتها على التصدى بفاعلية للتحدى الإرهابى؛ ما ساهم بتمركزه، وذلك يرجع لعدة أسباب، منها:

معاناة المؤسسة العسكرية فى دول الساحل، من ضعفٍ مزمنٍ على مستوى التسليح والمعدات العسكرية، وما يزيد من صعوبة إحداث تطوُّرٍ سريعٍ فى مستوى القدرات العسكرية، هو ضعف إنفاقها العسكرى.

محدودية القوة البشرية المنخرطة، فوفقًا لتقديرات البنك الدولى، لعام 2018، يضم الجيش التشادى 33 ألف عنصر عسكرى، ويضم جيشا “مالى، وموريتانيا” نحو 21 ألف عنصر عسكرى لكل منهما، ويتجاوز حجم جيش

بوركينا فاسو 11 ألف بقليل، بينما يضم جيش النيجر 10 آلاف عنصر عسكرى فقط، وقد ساهم هذا الوضع فى منْح التنظيمات الإرهابية ميزةً نسبيةً بالتفوق العددى فى بعض المواجهات؛ ما ساعد فى تنامى نفوذها بالمنطقة.

تعدُّد الوحدات المستقلة وشبه المستقلة داخل القوات المسلحة؛ ما يؤثر بالسلب على قدرتها فى التصدى للإرهاب، فتعدُّد الهياكل العسكرية، يُعقِّد عمليات التنسيق بينها ميدانيًّا، فضلًا عن ما تفرضة هذه التعددية من تباينات محتملة فى التوجه العام، بشأن مكافحة الإرهاب.

عرف الإقليم وجود رابط قوى بين منتسبى المؤسسة العسكرية والتنظيمات الإرهابية؛ حيث دعم الأول نشاط تلك التنظيمات بعدة طرق، كغض الطرف عن تهريب الأسلحة لصالحها، أو حتى بيْع العتاد العسكرى لها، فى ظاهرة عُرفت بـ(تسرب مخزونات الأسلحة الوطنية)؛ حيث يسبب انخفاض الأجور فى المؤسسة العسكرية دافعًا للنزوع إلى الممارسات الفاسدة، وقد خلقت تلك الأوضاع بيئةً خصبةً للجماعات الإرهابية؛ لتعزيز قدرتها على الصمود، وتثبيت نفوذها، عن طريق اغتنام كميات كبيرة من الأسلحة.[5]

تهميش المناطق الحدودية:

تتسم الحكومات المركزية فى منطقة الساحل، بعدم إحكام سيطرتها على الأطراف، وتهميش المناطق النائية، سواء “سياسيًّا، أو اقتصاديًّا، أو اجتماعيًّا”؛ ما يؤدى إلى تنامى شعورٍ سلبىٍّ، باهتزاز الثقة والإحباط، تجاه الحكومة المركزية، وبالتالى، يُفقدها جزءًا من نفوذها فى هذه المناطق؛ الأمر الذى استغلته الجماعات الجهادية؛ حيث استطاعت أن تتمدد فى بعض المناطق، مثل، “شمال مالى، والنيجر”، بل فرضت تلك الجماعات المسلحة نفسها، كمقدم لـ”الخدمات الاجتماعية، والمساعدات الاقتصادية”، واستطاعت تثبيت أقدامها هناك.[6]

 كما يتميز مجال المعلومات فى منطقة الساحل، بضعف هياكله، وقلة الاعتماد على وسائل الإعلام؛ ما يساهم فى خلْق صعوبة لتواصل السلطات الحكومية مع المجتمعات، الواقعة على أطراف البلدان المختلفة، وبدوره، يُعزِّز قدرة الجماعات الإرهابية، على تجنيد الفئات الاجتماعية المختلفة، وتقوية شوكتها فى المنطقة، من خلال اعتمادها على وسائل الإعلام. [7]

الاعتماد المفرط على الدعم الخارجى:

منذ اندلاع الموجة الإرهابية فى الساحل الأفريقى، فى عام 2012، لعبت فرنسا الدور الأكبر والأبرز، من خلال انخراطها بجهود مكافحة الإرهاب، وذلك بإطلاق عملية “سيرفال”، بعام 2013، قبل أن يتم تطويرها إلى عملية “برخان”، بعام 2014، التى وظفت قدرات وطاقات فرنسية أوسع من سابقتها، واعتمدت على نمطٍ مُكثَّفٍ من الانتشار العسكرى فى الأرض، حقَّق لها قدْرًا من السيطرة والتحكُّم، لم تحققه أىّ قواتٍ أُخرى، فى إقليم الساحل بأسره، وكذلك تولَّت فرنسا تنسيق العمل مع القوات الأوروبية.

فضلًا عن الدعم الأمريكى، الذى تجسَّد فى مجموعةٍ من البرامج المتنوعة، أبرزها، الشراكة العابرة للصحراء؛ من أجل مكافحة الإرهاب، والوكالة الأمريكية للتنمية للتنمية الدولية، مبادرة حوكمة الأمن.

كل ذلك، يجعل وضع المؤسسة العسكرية فى دول الساحل، عرضةً للتأثر العميق بأىِّ اهتزاز، أو تغيُّرٍ فى حجم المساعدات العسكرية، وهو الأمر الذى أصبحنا نشهده، من خلال تزايُد عدد الهجمات الإرهابية، عقب إنهاء عملية “برخان”، وبذلك تُحْسِن المنظمات الإرهابية، اللعب على استغلال أىِّ مظهرٍ من مظاهر الاضطراب، فى عملية إمداد دول الساحل بالمساعدات العسكرية المطلوبة.[8]

الصِدامات العرقية :

تنتشر المجموعات العرقية المختلفة، فى منطقة الساحل، كما هو الحال فى أجزاء أُخرى من أفريقيا، واستطاعت الجماعات الإرهابية، توظيف النزاعات العرقية لصالحها، وعلى سبيل المثال:

يسكن منطقة وسط مالى، قبائل “الفولانى، والدوجون، وبامبارا”؛ فتعد الأولى: مجموعة عرقية مسلمة من الرعاة الرُّحَل، والثانية: مجموعة عرقية يدين عددٌ قليلٌ منها بـ”الإسلام، والمسيحية”، ومعظمهم من المزارعين، يعيشون قرب الحدود مع بوركينا فاسو، أما الأخيرة: فتُعدُّ أكبر المجموعات العرقية فى مالى، يعتنق الكثير منهم الإسلام، ومعظمهم من المزارعين.

ونشبت العديد من الخلافات بين هذه القبائل؛ لأسباب تتعلق بالنزاعات على “الأرض، والمياه”، وكانت تحل الخلافات بينهم سريعًا، على عكس وقتنا الحاضر، مع نمو أفراد قبيلة “الدوجون”، وزيادة ضغطهم على مناطق الرعى، التابعة لعرقية “الفولانى”، فضلًا عن تغيُّرات المناخ التى دفعتهم لذلك؛ لذا تفاقمت التوترات بين القبيلتيْن، فيما نجحت التنظيمات الإرهابية فى استغلالها، وذلك يتجلى فى استهداف هذه الجماعات لقبائل “الدوجون، والبامبارا”.

وعلى سبيل المثال، نفَّذت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لـ«القاعدة» هجومًا، تقول: إنها انتقام لاستهداف “الفولانى”، وبحسب “Foreign Policy” سعت الجماعات المتطرفة إلى استغلال “الضغائن التى يضمرها أفراد مجموعة ’الفولانى’ العرقية لـ’الدوجون’”؛ لتجنيد أكبر عددٍ منهم، وتوسيع سلطتها وسط مالى، كما أشارت أن هذه الجماعات لا تهتم بمعالجة “الضغائن المجتمعية بين ’الفولانين’، مقارنةً باهتمامها بإنشاء خلافة، كما أنها تلجأ إلى ’الفولانيين’؛ حتى لا تكون وحيدة فى مواجهة حكومة مالى”.[9]

الثروات الطبيعية :

توافر الموارد الطبيعية فى منطقة “الساحل، والصحراء”، منحت تلك الجماعات قدرةً أكبر على الاستمرار والتمدُّد؛ الأمر الذى يفسر فتح تلك

الجماعات الإرهابية لمسرح عملياتى جديد فى بلدان، ربما لم يطرقها الإرهاب من قبل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح تعدين الذهب غير الشرعى مصدر تمويلٍ جديدٍ للإرهابيين؛ حيث قامت الجماعات المسلحة فى كلٍّ من “مالى، وبوركينا فاسو، والنيجر”، بالاستيلاء على مواقع التعدين، منذ عام 2016، وأثناء عملية على الحدود البرية، فى “بوركينا فاسو، وساحل العاج، ومالى، والنيجر”، ديسمبر 2020، صادرت الإنتربول 40 ألف قطعة من الديناميت، كلها كانت مخصصة للتعدين غير القانونى للذهب؛ ما يشكِّل مصدرًا جديدًا للتمويل.[10]

التهديدات البيئية:

  أوضح تقرير “سجل التهديدات البيئية”، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، وجود علاقة طردية، بين  وجود أزمات إنسانية، كانعدام الأمن “المائى، والغذائى” وانتشار التنظيمات الإرهابية، فيعتبر توفير المياه أحد أكثر التحديات التى تواجه 6 دول من دول الساحل، يعقبها توفير الغذاء، الذى يمثل تحديًا أيضًا لثلاث دول، وفيما يلي، سنوضح انعكاس تلك التهديدات على الظاهرة الإرهابية:

أزمة الأمن المائى:

وفقًا للتقرير يختلف حجم هطول الأمطار اختلافًا كبيرًا فى منطقة الساحل، عند المقارنة بين “شماله، وجنوبه”؛ حيث يبلغ معدل هطول الأمطار فى الأخير، حوالى 800)) ملم سنويًّا، فى حين يستقبل الشمال)  100-200( ملم، بشكلٍ رئيسىٍ، فى “يونيو، ويوليو، وأغسطس”، وقد تسببت ندرة المياه، والوصول إلى المياه الغير الصالحة للاستخدام، فى إلحاق أضرار جسيمة بالمواطنين.

وأشار التقرير إلى تصاعد الحوادث الإرهابية، بالقرب من الممرات المائية؛ حيث تغتنم الجماعات الإرهابية الفرصة، وتعمل على استغلال سوء إدارة السلطات لتوزيع المياه، خاصةً إذا كانت الكمية ضئيلة، ولا تكفى لإشباع احتياجات المواطنين، وبالتالى، تتبنى تلك الجماعات نهْج السيطرة على مصادر المياه، واستخدامها كأداة للتهديد والإكراه والتجنيد، وعلى سبيل المثال: يستغل تنظيم «بوكو حرام» هذا الموقف، عن طريق التحكم فى منابع المياه، ومطالبة الدول والمواطنين، بدفع ضريبة للحصول عليها، بل وفى بعض الأحيان، يطالب العائلات بتجنيد أبنائها؛ للحصول على المياه، كما يشير تقرير “مؤشر الإرهاب العالمى 2022″، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولى، بوجود ترابط بين التغيُّرات المناخية وانتشار الإرهاب، ويضرب بذلك مثالًا على منطقة بحيرة تشاد، التى تواجه تهديدات بيئية، متمثلة فى الجفاف وندرة المياة والتصحر… إلخ، فإن حوالى (90%) من نمط المعيشة بتلك المنطقة، يعتمد على “مياه البحيرة، وهطول الأمطار”، من ثمَّ، فإن الجفاف أدَّى إلى القضاء على كافة أنماط المعيشة القائمة على الماء؛ ما جعل السلطات عاجزة عن حل تلك الأزمة؛ ما ساهم باندلاع حالة الرفض الشعبى، وأسفر عن صراعاتٍ وصداماتٍ داخليةٍ؛ ما أدى لانتشار التنظيمات الإرهابية.

فقد سعى تنظيما «داعش، وبوكو حرام»، على سبيل المثال، إلى استغلال نقاط الضعف الموجودة، عبْر فرض نفوذها على مناطق شاسعة من الأراضى، حول بحيرة تشاد.

أزمة الأمن الغذائى:

يشير انعدام الأمن الغذائى، إلى عدم قدرة الأفراد الحصول على متطلباتهم الغذائية اللازمة للنمو، وتُعدُّ منطقة “الساحل، والصحراء”، أحد أكثر مناطق العالم ذات معدلات عالية من النقص الغذائى، فتاريخيًّا حفْز انعدام الأمن الغذائى إلى اندلاع حركات التمرد والثورات، لكن بمرور الوقت، ارتبط نقص الغذاء بالهجمات الإرهابية والتجنيد[11]، وعلى سبيل المثال:

  • فى المناطق التى تنتشر بها تنظيمات «بوكو حرام – القاعدة – داعش» يمنعون وصول الطعام إليها، ثم يطبقون إستراتيجية الطعام مقابل التجنيد،[12] ناهيك عن انضمام آخرين من تلقاء أنفسهم، فقد ألقت الصحيفة البريطانية BBC، الضوء على أحد تلك الأمثلة؛ وهى «عائشة» التى عادت طواعية إلى خاطفيها بعد تحريرها من «جماعة بوكو حرام»؛ بسبب صعوبة فى تأمين الطعام لطفلها، البالغ من العمر عامين.[13]
  • تسبَّبت الأزمة الغذائية فى شمال نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، وهى المنطقة التى تلتقى فيها دول، مثل “تشاد، والنيجر، ونيجيريا، والكاميرون”، على تمدُّد جماعة «بوكو حرام» فى الكاميرون؛ من أجل تحقيق أمنها الغذائى.
  • فضلًا عن تحويل معضلة انعدام الأمن الغذائى إلى تكتيكٍ، تستخدمه فى توليد مشاعر مناهضة للحكومة، وخلْق فراغٍ سياسىٍّ، يُمكّنها من تحقيق مآربها.[14]

أبرز تداعيات النشاط الإرهابى بالمنطقة

ارتفاع معدل الوفيات:

وفقًا لتقرير “مؤشر الإرهاب العالمى 2022” فى نسخته التاسعة، مثلت الوفيات بمنطقة الساحل (35%) من إجمالى حالات الوفاة؛ الناجمة عن العمليات الإرهابية فى العالم، خلال 2021، مقارنة بـ(1%) خلال عام 2007، كما ارتفع إجمالى الوفيات الناتجة عن العمليات الإرهابية، عشرة أضعاف، خلال الفترة من 2007 وحتى 2021، وتصدَّرت كلٌّ من “بوركينا فاسو، ومالى، والنيجر” قائمة أعلى ثلاث دول أفريقية، من حيث إجمالى الوفيات، خلال عام 2021؛ حيث سجلت الدول على التوالى (732) و(574) و(588) حالة وفاة.

وعلى سبيل المثال، كان من ضمن (732) حالة وفاة، فى بوركينا فاسو، خلال عام 2021، (349) حالة وفاة؛ ناتجة عن هجماتٍ، ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية غرب أفريقيا، و(17) حالة وفاة، ارتكبتها جماعة «بوكوحرام»، وباقى الوفيات نسبت لأعمال جماعات مجهولة.

 وفى منطقة بحيرة تشاد، التى تضم “تشاد، والكاميرون، والنيجر، ونيجيريا”، بلغ عدد الوفيات بسبب الإرهاب ذروته، عام 2015؛ ليصل إلى أكثر من (2200) حالة وفاة، فى حين شهدت الأعداد تأرجحًا، خلال الأعوام التالية، حتى وصلت الوفيات في 2020 إلى (1300) حالة وفاة.

Incidents and deaths محفزات وتداعيات الإرهاب على دول الساحل والصحراءإستراتيجية قتل القادة المحليين:

أشار تقرير “مؤشر الإرهاب العالمى 2022” وجود نمطٍ آخذٍ فى الظهور، ألا وهو استهداف الإرهابيين لقادة الدول وكبار رجالها؛ لخلق فراغٍ فى السلطة؛ ما يؤدى بدوره إلى مزيدٍ من الصراعات المحلية على السلطة، فضلًا عن آثار الفوضى “الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية”، وبالتالى، تعزيز عدم الاستقرار فى الدولة؛ لمساعدتهم على التغلغل بصورة أكبر. [15]

استهداف البنى التحتية:

من التكتيكات المستخدمة فى الصراع، التدمير الفعلى للبنى التحتية والقرى، وعلى سبيل المثال، فى هجومٍ استمر لثلاثة أيام، فى عام 2015، أظهرت صور الأقمار الصناعية، أن «بوكو حرام» أحرقت 57٪ من قرية ومبانيها، فضلًا عن استهدافهم، واستهداف غيرهم من الجماعات المسلحة البنى التحتية للرعاية الصحية.[16]

النزوح الجماعى:

تزايد أعداد النازحين والمشردين على نطاق واسع؛ نتيجةً للهجمات العنيفة، فوفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أجبر النزاع المسلح أكثر من 2.5 مليون شخص، على الفرار من ديارهم، خلال العقد الماضى، وشهدت نسبة النزوح الداخلى، ارتفاعًا عشرة أضعاف، منذ عام 2013، وذلك من 217,000 شخص إلى 2.1 مليون شخص، بحلول أواخر عام 2021، كما أدى تصاعد الهجمات العنيفة فى جميع أنحاء المنطقة، فى عام 2021، إلى نزوح ما يقرب من 500,000 شخص.[17]

ارتكاب الجرائم المختلفة:

أشار التقرير إلى وجود زيادةٍ كبيرةٍ لحوادث الاختطاف، والاتِّجار بالبشر، وتهريب الأسلحة والمخدرات، بمنطقة الساحل، لا سيما فى دولة بوركينا فاسو، فقد تم الإبلاغ عن (7) حوادث، عام 2016، بينما وصلت إلى (111) عام 2019، كما تمكَّن تنظيم «القاعدة» فى بلاد المغرب الإسلامى، من تحقيق مكاسب بأكثر من (110) ملايين دولار أمريكى، منذ 2003؛ جرّاء تلك العمليات.[18]

انتهاك حقوق الطفل:

تنتهك الجماعات الإرهابية حقوق الأطفال، وينظرون إليهم؛ كونهم أهدافًا للتجنيد؛ وعلى سبيل المثال، شهدت نيجيريا انتهاكات كبيرة لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، التى وقَّعت وصدَّقت عليها؛ إذ لديها ثانى أكبر عدد من الأطفال المجندين فى الجماعات المسلحة، بعام 2018، وبحلول عام 2017، جندت «بوكو حرام» ما يقرب من 8000 طفل، وعلاوةً على ذلك، تم الإبلاغ عن حالاتٍ متعددةٍ من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، بما فى ذلك “الموت، والتشويه، والاغتصاب”، وغيره من أشكال العنف الجنسى، والاحتجاز، والهجمات على “المدارس، والمستشفيات”.

التعليم:

تتأثر المناطق المنتشر بها الجماعات الإرهابية، ويتم غلْق المدارس بها؛ بسبب الهجمات والتهديد العام بالعنف.. إلخ، فبالنسبة لجماعة «بوكو حرام»، ترجمة اسمهم، تعنى: “التعليم الغربى خطيئة”، وهى روح توجيهية للجماعة، تتحدى المفهوم العام للتعليم الرسمى، وبالتالى، حق الأطفال والشباب فى التعليم، وتشير التقديرات إلى أن 52٪ من الشباب فى سن الدراسة، فى منطقة شمال شرق نيجيريا، لم يلتحقوا بالمدرسة قط. [19]

تردى الأحوال المعيشية:

  وفقًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، تُظهر دراسات الحالة التى أُجريت، أن النزاعات المسلحة تسبَّبت فى تفاقُم “الفقر، والضعف الاجتماعى والاقتصادى”، فى منطقة الساحل وما حولها، ويختلف حجم التأثير بالنسبة للقرب من ممرى الصراع.[20]

الخاتمة:

الإرهاب فى منطقة “الساحل، والصحراء” واقع مهمل، يؤثر على الملايين، ومما لا يثير الدهشة، أنها باتت واحدةً من أكثر المناطق تضرُّرًا من هذه الممارسة؛ لذا فيقع على عاتق المجتمع الدولى، مسؤولية البدْء فى إيلاء المزيد من الاهتمام لمُحفِّزات تنامى الإرهاب فى المنطقة، وجمع البيانات، والتعرف على واقعها، وعندئذ فقط، ستتمكن من وضع حلول فعَّالة، لهذه المشكلة المستعصية، تكون غير منحصرة على الرد العسكرى؛ لإنقاذ المنطقة من المُضى فى دائرةٍ مغلقةٍ من التهديدات.

المراجع:

[1] مجلس الوزراء مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، “معضلة الأمن فى الساحل والصحراء وتأثيرها على دول الجوار العربى”، 12 أغسطس 2021

https://idsc.gov.eg/DocumentLibrary/View/5737

[2] إيهاب نافع، “الانقلابات العسكرية فى غرب أفريقيا بين تنامى ظاهرة الإرهاب وصراع النفوذ بين روسيا وأوروبا”، تريندز للبحوث والاستشارات، 28 مارس 2022.

https://trendsresearch.org/ar/insight/military-coups-west-africa-russia-europe/

[3] سياسة واقتصاد، ” انقلاب عسكرى جديد فى بوركينا فاسو وتعليق العمل بالدستور”30 سبتمبر 2022

https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%B3%D9%88-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1/a-63303572

[4] FRANCE24, “Sahel military coups only help jihadists: analysts”, October 7,2022.

https://www.france24.com/en/live-news/20221007-sahel-military-coups-only-help-jihadists-analysts

[5] احمد أمل، ” أثر القيود البنيوية على أداء المؤسسة العسكرية فى مكافحة الإرهاب فى الساحل الأفريقى”، مجلة الدراسات الأفريقية، العدد 51، سبتمبر2021))

https://mafs.journals.ekb.eg/article_241198_81dc7d6958216b3225c829f378ed4c56.pdf

[6] Grégory, Chauzal ,Fix the unfixable, Dealing with full-blown crisis and instability: How to bring greater stability to the Sahel? (Netherlands: The Netherlands Institute of International Relations “Clingendael”,  December 2015).

[7] Antúnez, Juan Carlos. “The Root Causes of Violence in the Sahel.” Global Strategy – Geopolítica y Estudios Estratégicos, December 4, 2022. https://global-strategy.org/the-root-causes-of-violence-in-the-sahel/ .

[8] أحمد أمل، مرجع سابق.

[9] … جبهة المتشددين الجديدة فى مالى، 1 إبريل 2019 “، “الصراعات العرقية Sky News عربية

https://www.skynewsarabia.com/world/1240733-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B4%D8%AF%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A

[10]مجلس الوزراء مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مرجع سابق.

[11] نهال أحمد السيد، ” أفريقيا في تقرير مؤشر الإرهاب العالمى 2022”، مركز المسبار للدراسات والبحوث، ٣١ مارس ٢٠٢٢

https://www.almesbar.net/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A/

[12] https://www.govinfo.gov/content/pkg/CHRG-115shrg40579/html/CHRG-115shrg40579.htm

[13] بالعربى، “قصة عائشة التى عادت طواعية بعد تحريرها إلى خاطفيها من جماعة بوكو حرام”، 28 أكتوبر 2021BBC NEWS

https://www.bbc.com/arabic/magazine-59062778

[14] منى قشطة، “قراءة فى مؤشر الإرهاب العالمى 2022 (4).. سياق وتداعيات الإرهاب فى الساحل الإفريقى”، المرصد المصرى، 23 مارس 2022

https://marsad.ecss.com.eg/68476/

[15] نهال أحمد السيد، مرجع سابق.

[16] Connor, Rosie O, Theresa S Betancourt, and Ngozi V Enelamah. “Safeguarding the Lives of Children Affected by Boko Haram: Application of the SAFE Model of Child Protection to a Rights-Based Situation Analysis.” Health and human rightsvol 23, no. 1 (2021): 27–41. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8233023/

[17] United Nations High Commissioner for Refugees. “Decade of Sahel Conflict Leaves 2.5 Million People Displaced.” The UN Refugee Agency, January 14, 2022. https://www.unhcr.org/news/briefing/2022/1/61e137ac4/decade-sahel-conflict-leaves-25-million-people-displaced.html .

[18] نهال أحمد السيد، مرجع سابق.

[19] Connor et al, Safeguarding the Lives of Children Affected by Boko Haram: Application of the SAFE Model of Child Protection to a Rights-Based Situation Analysis.

[20] “Conflict in the Sahel Region and the Developmental Consequences.” United Nations Economic Commission for Africa. Accessed December 9, 2022. https://repository.uneca.org/bitstream/handle/10855/23474/b11580410.pdf?sequence=3 .

كلمات مفتاحية