مخاوف من اضطرابات في الشارع الإفريقي بسبب الأزمات الغذائية

بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي 

شكلت المظاهرات العنيفة التي عرفها الشارع في السيرليون منتصف أغسطس الحالي جرس إنذار بالنسبة للخبراء المهتمين بثالوث السياسة والزراعة والتغذية وتساءلوا عن ما إذا كانت هذه المظاهرات التي نجمت عن الغلاء الذي عرفته المواد الاستهلاكية الأساسية  في السيرليون ستكون مؤشرا على حالة عامة بالنسبة لأغلب البلدان الإفريقية التي عانت من الغلاء بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي المزمن في الكثير من البلدان الإفريقية بالإضافة إلى انعكاسات جائحة كورونا في السنتين الماضيتين وما كان لذلك من انعكاسات سلبية على القوة الشرائية بالإضافة إلى التقلبات المناخية لتأتي أخيرا منذ ستة أشهر الحرب في شمال البحر الأسود وما نجم عنها من انعكاسات على واردات القارة من الحبوب خاصة التي كانت تعتمد فيها بشكل أساسي على روسيا وأوكرانيا وكذلك الزيوت والأسمدة وبعض المواد الأخرى التي يستوردها أغلب دول القارة من هذين البلدين.

ولا يرى المراقبون أن الاتفاق الأخير الذي بموجبه ستغادر أوكرانيا من حين لآخر بواخر محملة بالحبوب والغلال الأخرى سيكزن له تأثير سريع على حالة الغلاء الحالية في البلدان الإفريقية ويعتبر هؤلاء الخبراء أن عدة بلدان إفريقية أصبحت بالفعل تعيش أزمة غذائية حادة ومستوى من الغلاء غير مسبوق نذكر منها السيراليون وزيمبابوي اللتين تمثلان حالة خاصة ويضيفون إلى ذلك آنكولا واثيوبيا ورواندا .

كما يسود التذمر في الأوساط الشعبية في الكثير من البلدان الأخرى كما ظهر في الشارع السيراليوني في الاسابيع الأخيرة حيث خرج الناس إلى الشوارع احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونجمت عن ذلك صدامات دامية أدت إلى دمار كبير وقتلى وجرحى بالعشرات.

ويعتبر هؤلاء الخبراء أن البواخر العشرة المحملة بالحبوب التي غادرت الموانئ الأوكرانية منذ مطلع أغسطس الحالي باتجاه القارة الإفريقية ستشكل عنصر تهدئة ولكنها لا تكفي ولن يكون لها تأثير ملموس على أسواق المواد الزراعية إلا إذا تسارعت حركة البواخر وزاد عددها بشكل كبير في الأسابيع القادمة من أجل استدراك النقص المتراكم في الأشهر الماضية ومن أجل تصحيح الاختلالات التي حدثت في الأشهر الأخيرة.

كما أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمدخلات الزراعية خاصة في أوروبا وكذلك في إفريقيا سيؤثر سلبا على حصاد السنة المقبلة وبالتالي ستكون الكميات أقل في سياق غير مستقر جدا قد يستمر لفترة طويلة سيؤدي إلى حالة اضطراب في الأسواق الزراعية وفي الأسعار ويبقى الوضع تحت رحمة التقلبات المناخية التي لا يمكن حساب حركاتها.

من العوامل الأخرى انعكاسات سياسات الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة حيث زادت الكمية المستوردة من الحبوب في القارة بالضعف منذ عشرين سنة خاصة من الأرز والقمح بسبب السياسات الزراعية في القارة ذلك أن الحكومات توجهت إلى الاستيراد من أجل تأمين الحاجات الغذائية للمدن على حساب المناطق الزراعية الريفية الداخلية في البلدان الإفريقية وعلى حساب الإنتاج المحلي وهو ما يحصدون نتائجه السلبية الآن حيث أصبح الناس يعتادون على الاستهلاك الواسع للقمح والأرز وتأثروا لهذا السبب بالأزمة الحالية.

رغم إمكانات زراعة الأرز في إفريقيا الغربية وكذلك القمح مع استحالة ذلك في بعض البلدان الأخرى فإن التحول عن هذه الوضعية يحتاج إلى سياسة صارمة وتوجه جديد في مجال الزراعة في البلدان الإفريقية لن تظهر نتائجه على كل حال في القريب العاجل.

من الجوانب الإيجابية، ورب ضارة نافعة، للأزمة الحالية هي أنها جعلت الناس يتوجهون إلى الحبوب التقليدية من الزراعات المحلية التي هجروها لصالح القمح والأرز وغيره من الغلال المستوردة حيث ظهر على الأسواق الطلب على الذرة والذرة الصفراء والدخن إلى غير ذلك من الحبوب المزروعة محليا ولكن لابد من اتخاذ إجراءات من أجل دفع إنتاج هذه الحبوب على المستوى المحلي حتى تغطي العجز الحاصل في الوقت الراهن.

لكن البلدان المعروفة بإنتاجها لهذه المحاصيل التقليدية تعاني من انعدام الأمن في كثير من مناطق الزراعات التقليدية خاصة في نيجيريا وبوركينافاسو وغيرهما حيث هجر الناس تلك المناطق بسبب الوضعية الأمنية الحالية أي أن الأمر بالنسبة لهؤلاء الخبراء يتطلب سياسة متعددة الأبعاد من أجل تفادي وضعية تقود إلى اندلاع اضطرابات في الشارع الإفريقي بسبب غلاء المواد الغذائية وخاصة من الحبوب.

 

 

كلمات مفتاحية