مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية.. مواقف ورسائل حاسمة

إعداد: بسمة أنور

باحثة متخصصة فى الشؤون الدولية والإقليمية

تعد مصر أكبر داعم للقضية الفلسطينية على مدار الـ 75 عامًا  التى ذاق فيها الشعب الفلسطينى مرارة الاحتلال الإسرائيلى، وتصاعد الموقف المصرى ضد العدوان  الإسرائيلى على قطاع غزة خلال الأربع أشهر الأخيرة – والتى اشتد فيها العدوان على القطاع ضاربا بقواعد القانون الدولى عرض الحائط – باستخدام كافة الوسائل الدبلوماسية على الأصعدة كافة من أجل وقف الحرب الضارية على القطاع منذ أكتوبر من العام المنصرم.

ودخلت مصر معركة دبلوماسية بأدوات قانونية وذلك بتقديم مذكرة لمحكمة العدل الدولية كمشاركة فى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة حول السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وقدمت مرافعة شفهية لمدة نصف ساعة، وهذه المذكرة الشفاهية تضمنت ثمانية بنود أساسية:

بنود المذكرة الشفاهية:

أولًا: التأكيد على اختصاص محكمة العدل الدولية بالنظر فى الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل باعتبارها مخولة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بالنظر فى الأبعاد القانونية لكل من يخالف مبادئ القانون الدولى.

ثانيًا: المذكرة المصرية توكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والذى دام لأكثر من 75 عامًا، وتدعو المحكمة للنظر فيما تم من ضم للأراضى وهدم للمنازل وطرد وتهجير وترحيل للفلسطينيين.

ثالثًا: تدعو مصر محكمة العدل الدولية إلى منع تعطيل القواعد الثابتة فى القانون الدولى العام ومنها حق تقرير المصير وحظر الاستيلاء على الأراضى من خلال استعمال القوة المسلحة.

رابعًا: تؤكد المذكرة المصرية رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصرى وغيرها من ممارسات إسرائيل.

خامسًا: الطلب من المحكمة الدولية تأكيد مسؤولية إسرائيل عن الأفعال غير المشروعة دوليًا كافة.

سادسًا: انسحاب إسرائيل الفورى من الأراضى الفلسطينية المحتلة وبما فى ذلك مدينة القدس مع تعويض الشعب الفلسطينى عن الأضرار التى لحقته جراء السياسات والممارسات غير المشروعة دوليًا.

سابعًا: طالبت مصر دول العالم والمجتمع الدولى بعدم الاعتراف بأى أثر قانونى لإجراءات الاحتلال وبالكف عن توفير الدعم لإسرائيل.

ثامنًا: دعوة المنظمات الدولية إلى عدم التهرب من مسؤولياتها تجاه احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية.

تحليل المذكرة المصرية:

ومن خلال مرافعة مصر الشفاهية يتضح أنها جاءت كاشفة للانتهاكات الإسرائيلية لقواعد القانون الدولى العام والقانون الدولى الإنسانى، وكشفت وجه الاحتلال القبيح الذى يحاول تزييف الحقائق بالأكاذيب من أجل كسب الولاءات والتعاطف الدولى، هذا إلى جانب إرسال عدة رسائل من خلال المذكرة للكيان الصهيونى تعلن فيها رفضها لممارساته وسياساته العدوانية على القطاع.

وقد عكست – المذكرة المصرية – نوعًا من التكامل (المصرى – الإفريقى) للقضية الفلسطينية، فبجانب جنوب إفريقيا والتى تمثل عمقًا إفريقيًا جاء الدور المصرى والذى يمثل العمق العربي، وبالإضافة إلى البعد القانونى والإنسانى للمحكمة التى صاغت المذكرات التى قدمت للمحكمة – العدل الدولية – تميزت المذكرة المصرية بالبعد، وذلك لاعتبارها دولة مجاورة وما يحدث فى غزة سيؤثر على الأمن المصرى بشكل كبير.

وحملت مصر محكمة العدل الدولية المسؤولية وبعث رسائل عن  قصور مجلس الأمن عن القيام بمهامه بحفظ السلم والأمن الدوليين المنوط بحفظهما، وركزت المذكرة المصرية على اختصاص محكمة العدل الدولية فى إبداء الرأى الاستشارى، ذلك لأن رأى محكمة العدل الدولية فى هذه القضية هو كاشف لازدواجية المعايير التى ينتهجها مجلس الأمن والأخذ بالمصالح السياسية فوق مراعاة الإنسانية.

ومن خلال المهام المخولة لمجلس الأمن  فهو يعد الجهة الوحيدة القادرة على إرسال قوات متعددة الجنسيات تحت إشرافه فى قطاع غزة وبدوره ستتوقف العمليات العسكرية فورا بالقطاع، ولكن الولايات بمجلس الأمن تعطى دائما الضوء الأخضر لإسرائيل باستكمال عملياتها العسكرية على المدنيين الأبرياء، باستخدامها حق الفيتو وتعطيل أى قرار لوقف إطلاق النار، والدليل على ذلك يتضح فى محاربة الولايات المتحدة الأمريكية للحوثيين فى البحر الأحمر من أجل استمرار إسرائيل فى عملياتها العسكرية وتوفير الحماية لها من أى تهديد أو قرصنة حوثية،  ولكنها لو استشعرت أى خطر يداهم مصالحها من تكتل الشرق الأوسط فحينئذ ستكون الأولوية لمصالحها وستتخلى عن دعم إسرائيل.

واستكمالا للمشهدية، فإن رأى محكمة العدل الدولية لن يستطيع حلحلة الأمر فى مجلس الأمن وذلك لأن رأي المحكمة ليس إلزاميًا له ولكن الولايات المتحدة الأمريكية هى الدولة الوحيدة القادرة على إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار.

فعلى الرغم من أن القانون الدولى يجرم العدوان والانتهاكات إلا أن قواعده والمواثيق الدولية تقف عاجزة أمام أى شخص يملك قوة ويستخدمها ويلزم لمواجهته امتلاك قوة رادعة مماثلة لمواجهته بها.

ختامًا:

مصر تخوض معارك دبلوماسية ضارية من أجل وقف الحرب العدوانية على القطاع ولكن يلزم ذلك إرادة سياسية لتكتل دول الشرق الأوسط، وبانضمام مصر لهذه المرافعة فى ظل العدوان الحالى على قطاع غزة، فإنها ترسل من خلالها عدة رسائل سياسية بأدوات قانونية لإسرائيل ويأتى أهمها فيما يلى:

أولًا: الرسالة الأولى رفض مصر لسياسة الحكومة اليمينية الإسرائيلية المعادية لفكرة الدولة الفلسطينية، والتى تؤكد الاستيطان والسيطرة على الأراضى خاصة فى الضفة الغربية.

ثانيًا: الرسالة الثانية أنها تقف ضد السياسات والممارسات الإسرائيلية العدوانية على القطاع.

ويتضح أن الموقف المصرى هو الأشد وطأة على إسرائيل وذلك خوفًا على اتفاقية السلام كامب ديفيد، لأنه فى حالة قيام مصر بتعليق الاتفاقية ستتخلى عن التزامتها، وبالتالى لن تستطيع إسرائيل مواجهة مصر أو الدخول فى حرب معها لأنها تعلم أنها دولة إقليمية عظمى ولديها قدرات عسكرية كبرى.

كلمات مفتاحية