ما هو مستقبل لبنان بعد انسحاب الحريري من المشهد السياسي؟

رضوى رمضان الشريف

مقدمة

شهدت الساحة اللبنانية العديد من الاحداث مع بداية العام الجديد، سواء فيما يتعلق بإعلان “حزب الله” و “حركة أمل”، العودة لحضور جلسات الحكومة، بالإضافة إلى إعلان “ميقاتي” الشروع في تشكيل الحكومة فور اعتماد الموازنة، وغيرها من الأحداث التي كان من المخطط لها، ولكن بحلول الخامس والعشرون من يناير شهدت الساحة اللبنانية حدثًا فريدًا يتعلق بإعلان “الحريري” انسحابه من المشهد السياسي اللبناني.

ما سيجعلنا بحاجة لرؤية حول ما سيؤول إليه الوضع في لبنان الآن؟ وكيف تفاعلت أطراف العملية السياسية مع هذا القرار؟ وكيف سيخدم أجندات لأحزاب أخرى؟، وهو ما سنحاول الوقوف عليه خلال السطور التالية.

قراءة في مستجدات المشهد السياسي في لبنان

أكد الزعيم السني اللبناني البارز ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري الاثنين 24 يناير 2022 إنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة وإنه قرر تعليق مشاركته في الحياة السياسية، داعيا حزبه السياسي “تيار المستقبل” لفعل الشيء نفسه. وشكلت خطوة الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات زلزالا سياسيا في البلاد عقب الانهيار المالي الذي تشهده البلاد منذ عام 2019.

وطلب الحريري، من حزبه تيار المستقبل عدم الدفع بأي مرشحين في الانتخابات، مبينا عدة عوامل كانت وراء قراره هذا ومن ضمنها تزايد النفوذ الإيراني، في إشارة إلى جماعة حزب الله الشيعية التي تمتلك ترسانة ضخمة من السلاح.

وأشار الحريري إلى أن “مشروع (رئيس الحكومة الراحل) رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين: أولا: منع الحرب الأهلية في لبنان، وثانيا: حياة أفضل للبنانيين. نجحت في الاولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية”، لافتا إلى أن “منع الحرب الأهلية فرض على تسويات، من احتواء تداعيات 7 أيار إلى اتفاق الدوحة الى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها”.

أثار قرار الحريري بتعليق عمله السياسي وعدم الترشح للانتخابات المقبلة ردود فعل واسعة سواء على المستوى الشعبي أو السياسي والرسمي.

فعلى المستوى الشعبي، قام عدد من أنصار الحريري بقطع عدد من الطرق بالعاصمة بيروت بإطارات السيارات المشتعلة وصناديق القمامة والدراجات النارية احتجاجا على قرار الحريري، ومن بينها أوتوستراد المدينة الرياضية ومنطقة بشارة الخوري‏ وأوتستراد الناعمة وكورنيش المزرعة وقصقص وفردان وساقية الجنزير.

وعلى المستوى السياسي، قال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق تمام سلام، إن موقف الحريري لا يعبر فقط عما توصل إليه من اقتناع في هذه المرحلة التي يمر بها لبنان واللبنانيون، بل يعكس أيضا الخلل العميق في التوازنات السياسية والوطنية المفقودة للحفاظ على وحدة الوطن وأبنائه. وأضاف أن مشاركته وتياره السياسي المسؤولية قد يكون عبرة لمن يعتبرون أنفسهم اليوم منتصرين على أشلاء الوطن المنهار.

بينما أكد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أن الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان، مؤكدا أن غيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف، مشددا على أن التطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان.

ووصف عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب فيصل الصايغ المشهد قائلا: “بكل أسف وحزن، استكملت لبنان حلقة جديدة في عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري! يبقى الأملُ والعزم والرهان أن نحافظ مع المخلصين على إرث الرئيس الشهيد، ونواصل حمل راية مشروعه بأبعاده اللبنانية والعربية والوطنية والإنسانية”.

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قد أكد أن ما أعلنه رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري يعد صفحة حزينة للوطن وله شخصيا، مؤكدا أنه يتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها.

لماذا اختار الحريري الانسحاب من المشهد السياسي؟

يمكن تلخيص الدافع وراء قيام الحريري بالإقدام على تلك الخطوة في جملة مفتاحية في خطابه حين قال “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”؛ إذا قرار الحريري يأتي في سياق داخلي وإقليمي بالغ الدقة، يعاني فيه لبنان من وطأة أزمة مركبة سياسية واقتصادية ومالية منذ عام 2019.

تعمل إيران على استغلال الأزمة الحالية لزيادة نفوذها في المنطقة، ما يضع لبنان على فوهة الاستقطابات الإقليمية في المنطقة ويساعد على ذلك الفوضى الحالية في لبنان التي تقوي ميليشيا حزب الله المدعومة من طهران، وهذا ما من شأنه أن يغير موازين القوى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وبجانب النفوذ الإيرانية، يوجد عدة أسباب أيضا يمكن استقراؤها من علاقة الحريري بالسعودية والموقف السعودي منه شخصيا ومن تيار المستقبل كنهج وأداء وهيكلية سياسية والتي ربما تكون دفعته للانسحاب تدريجيا من الساحة السياسية.

علاقة الحريري التي كانت شبه حميمية مع السعودية، تدهورت عام 2017، حينما قام بعض الأطراف بادعاء بأن سعد الحريري تم احتجازه خلال زيارته للسعودية، حيث أجبر خلالها على الإعلان على استقالته، وبالرغم من قيام كلا الجانبيين (السعودية والحريري) بنفي ذلك الادعاء رسميا، غير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي توسط حينه لحل الأزمة، أكد ادعاءات احتجاز الحريري، حيث بعد تلك الوساطة تمكن الحريري من العودة إلى بيروت.

ومن الأسباب الأخرى، هو شعور الحريري انّ خوضه وتياره الانتخابات النيابية المقبلة قد لا يمكّنه من الفوز بما يطمح إليه من عدد وازن من المقاعد النيابية، يكون له تأثيره في العملية السياسية الداخلية، وبالتالي من الافضل عدم المشاركة في هذه الانتخابات والانصراف الى توسيع قاعدة الاستقطاب الشعبي والسياسي أكثر فأكثر استعداداً للمرحلة المقبلة. 

هل يخدم انسحاب الحريري أجندة حزب الله؟

انسحاب الحريري من الحياة السياسية ومن الاستحقاقات التشريعية المقبلة، لم يصاحبها حل لحزبه “تيار المستقبل”، وبالتالي قد يكون هذا الانسحاب مؤقتا وقد يتم التراجع عنه إذا اختفت مسبباته، فيمكن القول بأن قرار الحريري يمكن اعتباره احتجاجا أيضا على النخب السياسية الأخرى العاجزة عن حل مشاكل البلاد والتي انقلبت عليه أحيانا.

ويرى الكثير من المراقبين أن سيادة لبنان باتت أكثر من أي وقت مضى مرتهنة لإيران عبر حليفها حزب الله. وبهذا الشأن أكد وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، عن موقفه في هذا الاتجاه واعتبر أن قرار انسحاب الحريري “يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان”.

في الواقع سيخلف قرار الحريري فراغا في مشهد محكوم دوما بتوازنات المحاصصة الطائفية، فمن سيمثل المسلمين السنة؟ ليس ذلك واضحا بعد، وما إذا كان تراجع الحريري مؤقتا أم نهائيا.

ولكن في الحالة الثانية فإن انسحابه نهائيا قد يفتح البلاد أمام قيادة سنية جديدة قد ترضي السعودية الداعم التقليدي للسنة في لبنان وأن تلعب تلك القيادة دورا أكثر صرامة في مواجهة إيران عبر حزب الله، وبالتالي فإن حزب الله قد يكون أول المتضررين من هذا التحول.

فالسعودية قد تدعم زعيما سنيا قويا يطرح على الأجندة اللبنانية تنفيذ القرار الدولي رقم 1559 الذي ينص صراحة على نزع سلاح حزب الله، وهو ما تفاده الحريري لحد الآن.

الخاتمة والسيناريوهات

في الواقع الأسباب التي دفعت الحريري إلى مثل هذه الخطوة بالانسحاب كثيرة ومتعددة بأبعادها الداخلية والخارجية، ولا يمكن الأخذ بسبب واحد منها باعتباره الوحيد الذي أملى هذا القرار الحريري، وإنما يمكن القول انّ كل هذه الأسباب مجتمعة دفعته إليه، تبدأ من الوضع الشخصي الى العام، لتصل الى ما يمكن ان ينطوي القرار من احتمال ان يكون لبنان والمنطقة مقبلين على تطورات كبيرة وخطيرة، جعلت صاحبه يقتنع بأنّ خروجه من الحياة السياسية في هذه المرحلة قد يكون الخيار الأسلم بالنسبة اليه شخصياً وكفريق سياسي، لحفظ الوجود في الواقع الجديد الذي سينشأ في المرحلة المقبلة محلياً واقليمياً ودولياً.

لكن أيا كانت مؤديات قرار الحريري وتفاعلاته أو مضاعفاته الداخلية والخارجية، فإنّ علامات استفهام كثيرة بدأت ترتسم حول مصير الاستحقاق النيابي. فالبعض يقول إن هذا القرار قد يؤدي إلى واقع يدفع المعنيين إلى تأجيل هذه الانتخابات بذريعة ميثاقية.

فخروج الحريري من الاستحقاق النيابي مشفوعاً بخروج الرئيس تمام سلام ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لن يترشح للانتخابات هو ووزراء حكومته لضمان الحياد في العملية الانتخابية، فضلاً عن عدم ترشح الرئيس فؤاد السنيورة، قد يدفع المعنيين بالاستحقاق النيابي الى اعتبار انّ المكون السنّي الميثاقي غير متوافر فيه، وبالتالي لا ينبغي إجراء الانتخابات ما لم تُزل هذه «العقدة الميثاقية».

إذا يمكن القول بأن قرار الحريري بتعليق مشاركته وتيار «المستقبل» في العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات النيابية ترشيحاً واقتراعاً يعكس ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: تأجيل الانتخابات النيابية، وتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي.

الاحتمال الثاني: وجود رغبة داخلية وخارجية بفرض تغيير في الطبقة السياسية اللبنانية، تحت عنوان انّها تتحمّل مسؤولية انهيار لبنان على كل المستويات.

الاحتمال الثالث: انّ لبنان موضوع خارج الاهتمامات العربية والدولية، وذاهب الى مزيد من الانهيارات التي ستوصله الى مرتبة الدولة الفاشلة.

كلمات مفتاحية