مصر تبحث عن حلول

إعداد: مصطفى مقلد

مقدمة:

كانت مصر أحد أكبر دافعى فاتورة تطورات حرب غزة، فتأثر السياحة وتراجع إيرادات قناة السويس شكلا وضعًا غير جيد للمصريين فيما يخص إيراد العملة الأجنبية واستقرار الأوضاع الاقتصادية المحلية، حيث أحدثت الضربات الحوثية العشوائية على ميناء إيلات الإسرائيلى أضرارًا لمدن مصرية سياحية تقع على خليج العقبة، وهو ما أثر سلبًا على حركة السياح القادمين لمصر، كذلك هبطت إيرادات قناة السويس بعد التصعيد الذى بدأ من جانب الحوثيين فى البحر الأحمر ثم زادت الأمور سوءًا بإقدام الولايات المتحدة على مواجهة ذلك باستخدام القوة، وهو ما زاد من أعباء مصر الاقتصادية فى وقت تحتاج للعملة الأجنبية فى ضوء تحدياتها الاقتصادية المتعددة.

وعلى الرغم من لفت المسؤولين المصريين الانتباه لخطورة ما يجرى على حرية التجارة الدولية سواء فى محادثات مع الولايات المتحدة أو الحوثيين وإيران، لكن الأزمة ما زالت مستمرة ويبدو أنها ستستغرق مزيدًا من الوقت، باعتبار أن الأهداف المرجوة من وراء ذلك التصعيد بالنسبة للطرفين لم تتحقق بعد، فالحوثيون ومن ورائهم إيران يضغطون على الولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب فى غزة، وبالمقابل لا تريد الولايات المتحدة أن تكون تلك الأزمة أحد محددات سلوكها فيما يخص حرب غزة.

وبين هذا وذاك يبدو أن خيارات مصر لتخطى تبعات تلك الأزمة اقتصاديًا -على المدى القصير- محدودة، حيث تضيف اضطرابات البحر الأحمر المزيد من الأعباء على صادرات مصر من الغاز الطبيعى المسال، وتأتى هذه الاضطرابات بعد هبوط الأسعار العالمية وامتلاء المخزونات الأوروبية، لكن أيضًا هناك تحركات بدأتها مصر تحاول من خلالها فتح سبل جديدة للتنمية، فقد سلطت هجمات جماعة الحوثى الضوء على أهمية مشروع الربط التجارى بين مصر والأردن والعراق، بل والحديث عن إضافة مسارات أخرى تربط دول الخليج بمصر، وعليه فإن الخط العربى الرابط بين الدول الثلاث بدأ تشغيل مرحلته الأولى بداية العام الجارى، ولا شك أن أحد أبعاد مثل تلك المشروعات تأتى فى سياق التنافس اللوجيستى بين مصر وإسرائيل.

فعالية الضربات الأمريكية:

كانت قد أعلنت الولايات المتحدة – عند بداية مهاجمة الحوثيين لمنعهم من استهداف السفن العابرة لمضيق باب المندب- هدفًا متواضعًا يتمثل فى إضعاف قدرات الحوثيين من خلال ضرب أهداف حوثية محددة بهدف تحقيق توازن بين ردع الحوثيين وعدم انخراط الولايات المتحدة فى صراع جديدة، ويرى مراقبون أن الضربات الأمريكية لم تعد تفى بالغرض خاصة أن إيران لا تتردد فى إرسال أسلحة جديدة للحوثيين.

لذا قدم برنامج الدفاع والأمن التابع لمعهد دراسات الشرق الأوسط فى واشنطن مذكرة إلى الرئيس بايدن بخطة إستراتيجية وأمنية جديدة لدراسة تنفيذها، وتوصى بإصلاح النظام الحالى لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “يونيفم”، والتى تتطلب فحصًا للمواد القادمة إلى اليمن، وتمكين القيادة المركزية الأمريكية من زيادة الطلعات الجوية التى تستهدف شن هجمات على أراضى اليمن كجزء من جهد مخصص لتقليل قدرات الحوثيين، بجانب تكليف وزارتى الدفاع والخارجية الأمريكيتين بتعزيز الشراكات القائمة مع الحلفاء الأوروبيين والعرب لتشكيل فريق عمل دولى، منفصل عن عملية “حارس الرخاء” لتنفيذ حظر بحرى على الحوثيين.

وتترك هذه الإستراتيجية مساحة لإيران لإعادة النظر فى تصعيدها، فلم تتحدث الخطة عن إمكانية معاقبة إيران على مغامرتها تلك من خلال ضرب مجموعة أوسع من الأهداف الإيرانية مثل السفن الحربية التى تساعد الحوثيين فى جمع معلومات استهداف السفن التجارية.

موقف مصر من حارس الازدهار:

لم تقدم مصر إدانة للحوثيين وكذلك لم تشارك فى تحالف حارس الازدهار لمواجهة الحوثيين، ويمكن إرجاع ذلك إلى ممانعة مصر جعل البحر الأحمر ساحة نفوذ غربى، أو بالأحرى ساحة نفوذ لطرف معين حتى لو كان من غير الدول الغربية لما يحمله ذلك من مآلات قد تؤثر على الأمن القومى المصرى عند باب المندب، كذلك ترى مصر أن الهدف المعلن للحرب من جانب الولايات المتحدة وحلفائها وهو إعادة الهدوء إلى المياه الدولية والقضاء على التهديدات، لن يتحقق بخوض الحرب ضد الحوثيين، بل بإزالة أسباب هذه التوترات وهى الحرب الدائرة
فى غزة والتى يؤدى استمرارها لاتساع دائرة الصراع بشكل يهدد استقرار المنطقة والعالم، وتم استقبال وتفسير الخطوتين المصريتين بشكل إيجابى فى طهران.

فاتورة النفط:

من ناحية أخرى، فإن مصر استوردت شحنات وقود بقيمة تقارب 12.6 مليار دولار فى 2023 وبذلك قلصت قيمة الواردات من الوقود بنحو 11% خلال 2023، مقارنة بعام 2022 الذى بلغت فيه فاتورة الاستيراد نحو 14.3 مليار دولار،  ويعود سبب انخفاض قيمة الواردات إلى تراجع متوسط سعر خام برنت على أساس سنوى عند 80 دولارًا فى 2023، مقارنة بنحو 98 دولارًا للبرميل كمتوسط سنوى فى عام 2022 بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

المنتجات البترولية استحوذت على ما بين 55 و60% من قيمة فاتورة الوقود بما يعادل 7 و7.5 مليار دولار خلال 2023 وتوزعت باقى قيمة الفاتورة على شحنات النفط الخام والغاز الطبيعى والفحم اللازم لاستهلاك السوق المصرية، وفى هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء المصرى، فى سبتمبر الماضى، أن مصر ستوقف استيراد المنتجات البترولية المكررة مثل البنزين والسولار، والعمل على تكريرها محليًا، من أجل خفض فاتورة استيراد المنتجات البترولية، فى وقت تعانى فيه الدولة من شح العملات الأجنبية.

استثمار المواقف الإقليمية:

بالتوازى مع تلك التطورات فى الداخل المصرى، تخطط إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، لـ”تضييق الخناق” على مبيعات النفط الإيرانية، من أجل تحييد دعم الجماعات المسلحة الموالية لطهران بالمنطقة، لكنها اعتبرت أن الضغط الشديد يخاطر بإمكانية ارتفاع الأسعار عالميًا، وإلحاق الضرر بالمستهلكين، وهى ما يمكن أن يمثل مشكلة لبايدن قبل الانتخابات الرئاسية، لذا يرى خبراء أنه لا توجد أى مؤشرات على أن إدارة بايدن على وشك تغيير سياستها المتمثلة فى السماح باستمرار تدفقات النفط الإيرانى، وكانت قد ارتفعت الصادرات الإيرانية بشكل مطرد مع تحول تركيز واشنطن إلى خنق إيرادات الطاقة الروسية، ولم تعرقل الولايات المتحدة ذلك باعتبار الحفاظ على سعر عالمى متوازن للنفط أمر مهم يشغل واشنطن دائمًا.

ومع ذلك لو حاولت واشنطن تشديد العقوبات، فإنها ستواجه صعوبات فى تعطيل شبكة موسعة من المدفوعات والوسطاء وشركات الشحن التى ظهرت فى الأعوام الأخيرة، وساعدت قضايا مماثلة، بما فيها أسطول الظل المكون من ناقلات النفط القديمة، روسيا فى الحد من تأثير جهود تحديد سقف للأسعار التى قادتها الولايات المتحدة.

وبناءً عليه، يمكن لمصر الحصول على حاجاتها من المواد البترولية بأسعار مخفضة بشكل كبير من إيران – التى تسببت فى تعطل سلاسل الإمداد عبر قناة السويس وتضرر العوائد الدولارية منها- بما يضمن توفير مصر المزيد من العملة الأجنبية كانت تذهب فى شراء المواد البترولية، فى وقت تكافح فيه الدولة لمواجهة أزمة العملة والسعى للاحتفاظ بقيمة عادلة لعملتها المحلية بما يضمن الاستقرار المجتمعى ويحقق دفعة نحو توفير بيئة استثمارية آمنة للمصريين والأجانب.

كلمات مفتاحية