مكاسب عدة… لماذا تسعى قطر لتصدر المشهد فى حرب غزة؟

إعداد: شيماء عبد الحميد

مع اندلاع الحرب فى غزة، حاولت عديد من القوى الإقليمية والدولية استغلال الحرب سياسيًا لصالحها لتحقيق بعض المكاسب والنفوذ التى اختلفت فى أشكالها واتجاهاتها؛ فمثلًا هناك دول أرادت الظهور بمظهر حامى القضية الفلسطينية مثل إيران التى حاولت تسييس الحرب لخدمة أذرعها ومشروعها التوسعى فى المنطقة تحت ستار نصرة الفلسطينيين المستضعفين، وهناك دول سعت إلى أن تظهر بنفس المظهر ولكن مع اختلاف الوسيلة، معتمدة على الأداة الدبلوماسية وعارضة وساطتها لحل الأزمة مثل قطر التى استطاعت جذب الأضواء الدولية لها وتصوير نفسها كرقم مهم فى معادلة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، مراهنة على ما ستحصده من ثمار ومكاسب بعد نجاح تعاونها مع مصر لتمرير اتفاق الهدنة الإنسانية الذى تم الإعلان عنه فى نوفمبر الماضى، باعتبارها الوسيط المفضل للغرب فى أى مفاوضات مع حركة حماس.

أبعاد الموقف القطرى منذ بداية الحرب:

دخلت قطر على خط الأزمة الراهنة منذ الأيام الأولى؛ فقد كان لها موقف أكثر وضوحًا من غيرها من الدول العربية ولكن دون أن تتصدر الدوحة المشهد، حيث كانت مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى سارعت إلى التعاطى مع الحرب على كافة الأصعدة والمستويات فى أيامها الأولى، لكن فى الآونة الأخيرة بدأ الموقف القطرى يحصد زخمًا سياسيًا وإعلاميًا لافتًا بعد التعاون (المصرى – القطرى) فيما يخص اتفاق الهدنة، وهذا الأمر يستوجب الإشارة إلى أبعاد موقف الدوحة منذ اندلاع الحرب وحتى التوصل للاتفاق الأخير، والتى يمكن إيضاحها على النحو التالى:

  1. على مستوى التصريحات الرسمية:

أ. بيان الخارجية القطرية يوم 7 أكتوبر؛ أعربت قطر عن قلقها البالغ إزاء تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، ودعت جميع الأطراف إلى وقف التصعيد والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وحملت وزارة الخارجية إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الجارى بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطينى، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، كما شددت على ضرورة تحرك المجتمع الدولى بشكل عاجل لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها السافرة للقانون الدولى وحملها على احترام قرارات الشرعية الدولية، والحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى.

ب. أمير البلاد تميم بن حمد؛ لا يجوز لإسرائيل أن تحصل على ضوء أخضر غير مشروط ورخصة حرة للقتل، ولا يمكن الاستمرار فى تجاهل واقع الاحتلال والحصار والاستيطان، ولا ينبغى السماح باستخدام قطع المياه ومنع الإمدادات الطبية والغذائية عن شعب بأكمله كأسلحة.

ج. رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى محمد بن عبد الرحمن؛ تدين الدوحة سياسة العقاب الجماعى تجاه قطاع غزة وسكانه، وترفض تسييس المساعدات الإنسانية واستخدامها كأداة لعقاب الشعب الفلسطينى، كما تؤكد ضرورة محاسبة الأطراف المتورطة فى انتهاك القانون الدولى.

– هناك خيبة أمل كبيرة فى المنطقة من رد فعل الدول الغربية، التى تقاعست عن إدانة قتل المدنيين الفلسطينيين خاصةً من النساء والأطفال، بل كان يُتوقع أن يتقدم الغرب بنفس المعايير والمبادئ التى دافع عنها فى الحروب الأخرى.

– هدف إسرائيل المعلن المتمثل فى تدمير حماس واستئصالها من غزة ليس واقعيًا، ولن يحدث أبدًا من خلال استمرار هذه الحرب، بل أن الطريقة الوحيدة لعدم تكرار الحرب الحالية هى التوصل إلى حل سياسى وتزويد الفلسطينيين بأفق لإقامة دولتهم.

د. المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة علياء أحمد بن سيف آل ثانى؛ يتطلب الحل الدائم والعادل والشامل للقضية الفلسطينية، مفاوضات جادة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، على أساس المرجعيات المتفق عليها، وقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية.

– يجب الوقف الفورى والكامل للأنشطة الاستيطانية، وعودة اللاجئين، واسترجاع الشعب الفلسطينى حقوقه غير القابلة للتصرف، مع تأكيد ضرورة عدم المساس بالوضع القائم للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، خاصةً المسجد الأقصى.

  1. على مستوى الأداة السياسية والدبلوماسية:

        واصلت قطر الاتصالات والمشاورات طيلة أيام الحرب على أعلى المستويات مع مختلف المسؤولين فى المنطقة والعالم، من أجل التنسيق حيال التطورات الخطيرة فى قطاع غزة، حيث:

  • أجرى وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن” زيارة إلى الدوحة فى 13 أكتوبر، التقى خلالها الأمير تميم بن حمد، حيث بحثا تطورات الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية وتداعيات الوضع الإنسانى هناك، فيما تلقى الأمير القطرى يومى 12 و17 نوفمبر، اتصالين هاتفيين من الرئيس الأمريكى جو بايدن، استعرضا خلالهما تطورات الحرب فى غزة.
  • استقبل تميم بن حمد، رئيس الوزراء البريطانى “ريشى سوناك”، حيث بحثا المستجدات المتعلقة بالأوضاع فى غزة، كما تلقى فى 7 نوفمبر اتصالًا من الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” لمناقشة الملف نفسه.
  • زار مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلى “الموساد” ديفيد بارنيا، قطر فى نهاية أكتوبر الماضى، كما استضافت الدوحة فى 9 نوفمبر، اجتماعًا ثلاثيًا جمع بين بارنيا ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سى آى إيه” ورئيس الوزراء القطرى، لبحث معالم اتفاق إطلاق سراح الرهائن والوصول لهدنة.
  • استقبل بن عبد الرحمن، الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس”، والممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبى “جوزيب بوريل” فى الدوحة.
  • تزامنت هذه التحركات مع جملة جهود دبلوماسية لقطر على المستويين العربى والإسلامى لوقف الحرب على غزة، إذ شارك رئيس مجلس الوزراء محمد بن عبد الرحمن فى الاجتماع التنسيقى لوزراء خارجية بلاده ومصر والأردن والإمارات والسعودية والسلطة الفلسطينية بالعاصمة الأردنية عمان فى 4 نوفمبر الماضى، فى سياق الجهود الهادفة للتوصل لوقف الحرب، تبعه اجتماع آخر لوزراء الخارجية مع وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن”.
  • كما شاركت قطر فى أعمال الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب التى عُقدت بالقاهرة يوم 11 أكتوبر الماضى للتشاور والتنسيق حول سبل وقف التصعيد والعدوان على قطاع غزة، فيما ترأس رئيس الوزراء القطرى وفد بلاده فى الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الذى عُقد فى العاصمة العُمانية مسقط يوم 17 أكتوبر.
  • وفى إطار التعاون المصرى القطرى فى هذا الملف؛ زار أمير قطر يوم 10 نوفمبر، العاصمة المصرية القاهرة للمرة الثانية، حيث اجتمع مع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى لمناقشة التصعيد العسكرى الإسرائيلى فى قطاع غزة وما يرتبط به من تحديات إقليمية، تدفع بالمنطقة فى اتجاهات خطيرة وغير محسوبة، كما توافقا على رفض أى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطينى أو دول المنطقة، وكذلك رفض محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين.
  • وفى 5 ديسمبر الجارى، استضافت الدوحة أعمال الدورة الـ44 للقمة الخليجية، وفى كلمته الافتتاحية أكد أمير قطر أن القمة تنعقد فى ظل استمرار المأساة والكارثة الإنسانية غير المسبوقة فى قطاع غزة، التى عار على المجتمع الدولى أن يسمح باستمرارها، مؤكدًا أن مبدأ الدفاع عن النفس لا ينطبق على الاحتلال ولا يجيز ما ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة تنتهك المعايير الإنسانية والأخلاقية، داعيًا إلى وجوب إجبار إسرائيل على العودة لمفاوضات ذات مصداقية لحل الدولتين.
  1.  على مستوى أداة المساعدات:

       وجهت قطر عددًا من الطائرات التى تحمل مساعدات غذائية وطبية، مقدمة من صندوق قطر للتنمية والهلال الأحمر القطرى، إلى مطار العريش المصرى تمهيدًا لنقلها إلى غزة، كما وجه الأمير القطرى بعلاج 1500 جريح فى الدوحة، فضلًا عن كفالة 3 آلاف طفل يتيم فى غزة.

  1. على مستوى ملف الوساطة:

      نجحت وساطة (مصرية – قطرية) يوم 20 أكتوبر الماضى، فى إطلاق سراح محتجزتين لدواعى إنسانية، وهما الأمريكيتان “جوديث رعنا” وابنتها “ناتالى رعنا”، وفى 23 أكتوبر، نجحت وساطة قطرية فى إطلاق سراح الإسرائيليتين “نوريت كوبر ويوشيفيد ليفشيتز”.

كما توسطت قطر فى اتفاق بين مصر وإسرائيل وحماس، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإجلاء مواطنين أجانب ومدنيين فلسطينيين مصابين بجروح خطيرة من غزة إلى مصر.

وفى 22 نوفمبر الماضى؛ أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا أعلنت فيه نجاح الجهود المصرية القطرية فى التوصل إلى هدنة لمدة أربعة أيام بموافقة الأطراف كافة، وقد نص الاتفاق على تبادل 50 من الرهائن الذين تحتجزهم حماس فى غزة مقابل إطلاق سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية.

وفى إطار الحديث عن الموقف القطرى من الأزمة؛ يجب الإشارة إلى أن ما ساعد الدوحة على هذه التحركات هى العلاقة الوثيقة التى تجمع قطر بكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل وحركة حماس؛ حيث تعود علاقة الدوحة بحماس إلى عام 2007 بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة، وتوطدت هذه العلاقة أكثر مع استضافة الدوحة للمكتب السياسى لحركة حماس وبعض قادتها مثل “إسماعيل هنية” فى عام 2012، وفى نفس العام كان أمير قطر آنذاك “حمد بن خليفة” أول زعيم عربى يزور القطاع بعد سيطرة حماس عليه، وخلال الزيارة قدم منحة قدرها 400 مليون دولار لإعادة إعمار غزة.

كما يُشار إلى أن الدوحة تقدم منذ 2014، ما يقرب من 30 مليون دولار شهريًا للمساعدة فى تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة فى القطاع، ودعم الأسر المحتاجة والموظفين المدنيين فى الحكومة التى تديرها حماس. أما فيما يتعلق بعلاقة قطر مع إسرائيل؛ فقد كانت الدوحة من أوائل الدول الخليجية التى أقامت علاقات مع تل أبيب فى عام 1996 بعد أن افتتحت مكتبًا تجاريًا إسرائيليًا، قبل أن يتم إغلاقه بعد حرب 2009، ولكن حافظت الدولتان على قدر من التنسيق والتشاور الذى يتم تحت رعاية أمريكية.

حسابات قطر فى حرب غزة:

لا شك أن موقف أى دولة من قضية أو أزمة ما، تحدده بشكل كبير مصالح الدولة وتبعات هذا الموقف عليها، ومن ثم؛ فإن الموقف القطرى من الحرب الحالية فى غزة لا يرتبط بدعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى فقط، وإنما يرتبط بحسابات المكسب والخسارة التى ستعود على قطر بنهاية الحرب، حيث قد تعود بعض المكاسب على قطر جراء دورها ووساطتها فى هذه الأزمة؛ ومن بينها:

  1. تعزيز العلاقات المصرية القطرية؛ كانت الدوحة على قدر كافٍ من الذكاء فيما يخص اختيار الشريك العربى الأمثل للتعاون معه لإنجاح وساطتها، فقطر تدرك جيدًا أن علاقاتها مع حماس ليست كافية لإتمام اتفاق الهدنة وإخراج الرهائن، وإنما تحتاج إلى الجهود المصرية نظرًا لما تتمتع به القاهرة من نفوذ فى هذا الملف، والذى يصعب تغافله فى أى صفقات تتعلق بالقضية الفلسطينية، فضلًا عن حكم الجغرافيا السياسية حيث إن مصر تملك المفتاح الرئيسى والوحيد لدخول قطاع غزة ممثلًا فى معبر رفح، ولذلك طالبت قطر بالتعاون مع مصر فى هذا الملف.

كما أن التعاون والتنسيق (المصرى – القطرى) فى ملف حرب غزة، يُعد أول تنسيق سياسى على هذا المستوى منذ عودة العلاقات بين الدولتين وفقًا لاتفاق العُلا عام 2021 بعد أن قُطعت لخلافات سياسية فى 2017، والذى ربما يؤسس لتعاون أكثر شمولًا فى إطار التفاعل (المصرى – القطرى) على المستويات كافة.

  1. الظهور بمظهر الوسيط الموثوق للولايات المتحدة فى المنطقة؛ فدور قطر كوسيط ليس جديدًا؛ بل كانت الدوحة على مدى سنوات عديدة مستعدة للتحدث مع الجهات الفاعلة غير التابعة لدولة بعينها، والجماعات القبلية والميليشياوية التى لا تستطيع الدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة التفاوض معها، مثل حركة طالبان الأفغانية والمتمردين السوريين وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامى، أو مع الدول التى تعتبرها واشنطن خصومًا لها فى المنطقة مثل إيران، وقد سمحت هذه العلاقات لقطر بلعب دور الوساطة واكتساب درجة معينة من النفوذ على كلا الجانبين؛ حيث:
  • كانت قطر بمثابة حلقة اتصال بين المجتمع الدولى وحركة طالبان التى كانت تمتلك مكتبًا سياسيًا فى الدوحة، وقد ساعد ذلك فى لعب قطر دور الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان والذى أدى إلى اتفاق السلام بين الجانبين عام 2020، والذى بناءً عليه تم الانسحاب الأمريكى من أفغانستان فى 2021، هذا إلى جانب الدور الكبير الذى قامت به الدوحة فى عمليات إجلاء الرعايا الأجانب والأمريكيين من هناك.
  • لعبت قطر أيضًا أدوار الوساطة فى الملف النووى الإيرانى، حيث سهلت المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن فى أواخر عام 2022، وفى سبتمبر 2023؛ توسطت الدوحة فى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة شهد إطلاق سراح خمسة أمريكيين من السجون الإيرانية، مقابل إفراج واشنطن عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة فى كوريا الجنوبية.

      ولم تكن هذه الوساطات لمجرد الوساطة، بل حصدت الدوحة عددًا من المكاسب؛ منها أن هذه الأدوار صورت قطر بصورة المفاوض المرن والوسيط الذى لا غنى عنه فى حل العديد من القضايا الدولية الشائكة، فضلًا عن تعزيز العلاقات القطرية الأمريكية والحصول على بعض الامتيازات من واشنطن، فمثلًا بعد دور قطر فى ملف أفغانستان، صنفت الولايات المتحدة، قطر كحليف رئيسى لواشنطن من خارج الناتو فى يناير 2022، وهى صفة رسمية لم تمنحها الولايات المتحدة إلا لـ17 دولة، هذا إلى جانب توسيع التعاون التجارى والأمنى ​​الدفاعى مع واشنطن، بما فى ذلك الأولوية فى تسليم بعض المبيعات العسكرية، وبالتالى لا يُستبعد أن تحصل قطر فى نهاية حرب غزة على بعض المكاسب والامتيازات من جانب الإدارة الأمريكية، مقابل ما قامت به من تفاوض مع حماس لإخراج بعض المحتجزين.

  1. تعزيز نفوذ قطر الإقليمى؛ مركزية الوساطة فى السياسة الخارجية القطرية، تُعد أبرز أدوات القوة الناعمة للدوحة، حيث إن اعتماد قطر صورة الوسيط النزيه، جعلتها تمتلك علاقات متوازنة مع القوى العالمية والإقليمية، وكذلك مع بعض الحركات والجماعات على غرار حماس وطالبان دون شروط أو طلبات.

وهذا ينعكس فى توافد العديد من زعماء وقادة العالم إلى قطر طلبًا لمساعدتها فى إخراج مواطنيها من غزة، مما يظهر بجلاء النفوذ والمكانة التى حصلت عليها قطر، وأنها أصبحت وسيطًا دوليًا موثوقًا به فى حل وتسوية الأزمات بالطرق السلمية والسياسية.

  1. حفاظ قطر على علاقاتها مع حركة حماس؛ بعد هجوم السابع من أكتوبر، أُثير جدل كبير حول استضافة قطر لمكتب سياسى يمثل حماس، فضلًا عن خروج بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين الذين انتقدوا علاقة الدوحة بالحركة، مطالبين قطر بتسليم قيادات حركة حماس المتواجدين فيها وإغلاق المكتب، مؤكدين أنه لا يمكن لدولة تُعتبر حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة أن تكون على علاقة جيدة مع جماعة تصنفها الإدارة الأمريكية بأنها جماعة إرهابية.

ولكن رفضت قطر هذه الانتقادات، ودافعت باستماتة عن علاقتها مع حماس؛ حيث صرح رئيس الوزراء القطرى محمد بن عبد الرحمن بأن مكتب الحركة يُستخدم لغرض التواصل وإرساء السلام والهدوء فى المنطقة، موضحًا أنه تم افتتاحه بعد طلب من واشنطن لإنشاء خطوط اتصال غير مباشرة مع حماس، وأنه كثيرًا ما اُستخدم المكتب فى جهود الوساطة، وهو ما ساعد على تهدئة الصراعات فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية.

فيما أكد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصارى، أن قطر لا تعتزم إغلاق مكتب حركة حماس لأهميته كقناة اتصال، مشددًا على أهمية بقاء هذه القناة مفتوحة لتسهم فى حل النزاع (الفلسطينى – الإسرائيلى) الحالى، حيث إنها الطريقة الوحيدة التى تمنح قطر فرصة العمل كوسيط لإطلاق سراح الرهائن.

  1. تصوير نفسها على أنها الدولة الخليجية الأكثر أهمية فى الملف الفلسطينى؛ حيث جاء اندلاع الحرب فى غزة فى وقت كثُر فيه الحديث عن اتفاق تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل، هذا إلى جانب تطبيع العلاقات بين تل أبيب وكل من الإمارات والبحرين وفقًا لـ “اتفاقات إبراهام” الموقعة فى 2020، فضلًا عن عدم اتخاذ الكويت أو سلطنة عُمان موقف مؤثر فيما يخص الحرب، ويُضاف كل هذا إلى استضافة الدوحة لأعمال القمة الخليجية الـ44، والتى ركزت بشكل كبير على ملف الحرب على غزة. وكل هذا جعل موقف قطر أكثر قبولًا وصلابة، وصورها بأنها الدولة الخليجية الأكثر انخراطًا وأهمية فى القضية الفلسطينية.

وختامًا:

تأتى أدوار الوساطة الدبلوماسية التى تحاول أن تلعبها قطر فى مختلف قضايا الشرق الأوسط سواء بشكل فردى أو بالتعاون مع غيرها من الدول، كجزء من مبادرات القوة الناعمة التى استخدمتها قطر لتعزيز مكانتها وفاعليتها الإقليمية والدولية، وهذا ينطبق أيضًا على دورها فى الملف الفلسطينى.

ورغم حسابات المكسب التى تراهن عليها قطر، فإنه لا ينبغى أن تغض الدوحة النظر عن حسابات الخسارة التى قد تقلب أوراقها رأسًا على عقب؛ حيث تواجه الدوحة الآن أصعب اختبار لها وهو فصلها عن حماس، إذ دعا اثنان من كبار المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، إلى القيام بعمل عسكرى ضد قيادة حماس المتواجدين فى قطر إذا لم تقم السلطات القطرية بتسليمهم إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل، فيما اتهم وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين، الدوحة بتمويل حماس وإيواء قادتها، ووصل الأمر إلى دعوة من الحزب الديمقراطى الحر، وهو جزء من التحالف الحكومى فى ألمانيا، إلى تجميد عقد الغاز مع قطر الذى وُقع فى 2022.

ولكن؛ من غير المرجح أن تطرد قطر حماس، لأن التخلى عن الجماعة سيكون خطوة مدمرة للذات بالنسبة للدوحة وقد يدفع حماس إلى إيران كبديل لقطر، كما أن ما يضمن لقطر أن تكون موجودة على طاولة أى مفاوضات تنطلق بشأن تحديد مصير القضية الفلسطينية هو عدم تخليها عن ورقة حماس، فيما قد تكتفى الدوحة بأن تنأى بنفسها عن الحركة مع الحفاظ على مستوى من التشاور والتواصل معها.

كلمات مفتاحية