مكاسب متبادلة .. أبرز مخرجات القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين

إعداد: منة صلاح

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

انطلقت القمة الأفريقية بحضور 13 دولة أفريقية وزعماء مجموعة العشرين في العاصمة الألمانية برلين، وذلك يوم الإثنين الموافق 20 نوفمبر 2023م، وتعتبر هذه القمة نتاج المباردة التي أطلقتها ألمانيا، في عام 2017م، خلال رئاستها لمجموعة العشرين، وتهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول المشاركة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار في القارة الأفريقية سريعة النمو، وبحث فرص تعزيز الاستثمار الخاص في القارة، بالإضافة إلى بناء تعاون طويل الأجل في أشكال الطاقة المستدامة.

أهمية القارة الأفريقية بالنسبة لمجموعة العشرين

تأتي هذه القمة، في ظل تنافس “الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا” مع “روسيا، والصين”، حول النفوذ والفرص الاقتصادية المتاحة في القارة الأفريقية، التي تُعدُّ ثاني أكبر قارات العالم من حيث عدد السكان، وترى مجموعة العشرين، أن القارة مصدر للمواد الخام والمعادن، لا سيما التي تدخل في صناعات الرقائق والتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار وأجهزة الاتصالات.

وتستوفي معظم الدول الكبرى احتياجاتها من المعادن من القارة الأفريقية، ومن المتوقع أن يزداد الطلب عليها؛ نظرًا للتقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم، ومن بين تلك المعادن الاستراتيجية معدن الكولتان المتوفر في شرق الكونغو، والذي يستخدم في صناعة رؤوس الصواريخ وصناعات دقيقة خاصة بالطائرات، فضلًا عن الليثيوم والكوبلت والبلاتين والكروم والذهب والألماس، وتُعدُّ تلك الموارد مطلبًا رئيسًا لتحقيق النمو والتنمية لكل الأقطاب والقوى.

كما تحظى القارة الأفريقية بإمكانيات تتعلق بإنتاج الطاقة المتجددة، ولا سيما الهيدروجين الأخضر؛ ما قد يساعد أوروبا في التحوُّل إلى اقتصادٍ محايدٍ كربونيًّا، وبالإضافة إلى ذلك، يُعتبر استقرار القارة أساس مواجهة الهجرة غير الشرعية، وتؤدي القارة الأفريقية دوْرًا هامًا في مساعدة مجموعة العشرين، على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بهم، وتأمين العمالة، والحد من الهجرة غير الشرعية، وتحقيق التحوُّل الأخضر.

أهداف القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين

تتعدد وتتنوع أهداف القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين، وتأتي في مقدمتها؛ ترسيخ تعاون طويل الأمد في مجال إمدادات الطاقة المستدامة، وتصدير الهيدروجين الأخضر من القارة الأفريقية إلى “ألمانيا، وأوروبا”؛ وذلك لما تمتلكه أفريقيا من مصادر الطاقة المتجددة؛ مثل الطاقة الشمسية والرياح، والتي يمكن من خلالها تحويل الهيدروجين إلى مصدر طاقةٍ مستدامٍ، إضافة إلى كونه أداةً لإزالة الكربون؛ ما يهدف بالأساس إلى تعزيز ثقل القارتين في العالم.

وتهدف القمة أيضًا إلى تجميع الدول الأفريقية ذات التوجُّه الإصلاحي والمنظمات الدولية؛ لتنسيق أجندات التنمية، وتعزيز فرص الاستثمار، وتوسيع العلاقات الاقتصادية، فضلًا عن توسيع البنية التحتية للقارة؛ لتعزيز التجارة البينية الأفريقية؛ ما قد يعمل على خلْق فرص عمل مستدامة، تساهم في حماية المناخ؛ إذ تهدف القمة إلى تحسين أحوال القارة الأفريقية، وخفْض معدلات الفقر، ومساعدة الدول في التحوُّل، وذلك من خلال خلْق مناخٍ مناسبٍ؛ لجذب الاستثمارات بشكلٍ مستدامٍ، ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كما هدفت هذه القمة إلى مزاحمة النفوذ الروسي في القارة؛ إذ تسعى ألمانيا من خلال هذه القمة إلى مزاحمة روسيا في المناطق التي تشهد أوضاع أمنية هشَّة؛ نظرًا لدعم روسيا القارة الأفريقية في عدة مجالات، ومنها الأسلحة والاستخبارات، ومنذ عام 2015م، وقَّعت روسيا حوالي 19 اتفاقية عسكرية مع الحكومات الأفريقية، وتعتبر روسيا حاليًّا أكبر مورد أسلحة إلى أفريقيا.

الدول المشاركة في القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين

شملت القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين، الدول الأفريقية الأعضاء في مبادرة عام 2017م، خلال رئاسة ألمانيا لمجموعة العشرين، وهم “المغرب، وتونس، ومصر، والسنغال، وغينيا، وساحل العاج، وغانا، وتوغو، وبنين، وبوركينا فاسو، ورواندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا”، وأبدت دول أخرى رغبتها في الانضمام؛ لذا ذهب مندوبون عن كُلٍّ من “أنجولا، وكينيا، وزامبيا” إلى برلين.

كما شارك في القمة عدد من القادة الأوروبيين؛ إذ حضر كُلٌّ من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارلز ميشيل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتة، وأجرى المستشار الألماني أولاف شولتس، باعتباره مضيف القمة، مباحثات ثنائية مع قادة الدول الأفريقية بشكلٍ فرديٍّ، وذلك قُبَيْل القمة؛ ما يعكس الاهتمام المتجدد بالقارة الأفريقية.

مخرجات القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين

توصلت القمة إلى نتائج بارزة، ومن أهمها تعزيز الاستثمار الخاص والتعاون في مجال إمدادات الطاقة المستدامة، واستقبال الأيدي العاملة، وسوف نتطرق إلى تلك المخرجات على النحو التالي:

مبادرة الطاقة الخضراء بين “أفريقيا، والاتحاد الأوروبي”؛ إذ أعربت ألمانيا عن سعيها لاستثمار أربعة مليارات يورو في مشاريع الطاقة المستدامة في أفريقيا، بحلول عام 2030م، من خلال مبادرة الطاقة الخضراء بين “أفريقيا، والاتحاد الأفريقي”؛ بهدف تحسين دور القارة في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وقد ارتكزت محادثات القمة على مشاريع الطاقة النظيفة، ويشمل ذلك مشروع الطاقة الحرارية الأرضية في كينيا، وتوسيع الشبكة والإنتاج اللامركزي للطاقة في نيجيريا، ومشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في المغرب.

وعملت ألمانيا على حثِّ الدول الأفريقية للشروع في إنتاج الهيدروجين الصديق للبيئة على نطاقٍ واسعٍ؛ لتمكين الأفارقة من الحصول على الطاقة بأسعار معقولة، وبشكلٍ مستدامٍ، ونظرًا لأن مستقبل أوروبا مرتبط بمستقبل القارة المجاورة لها، سوف يؤدي إنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا دورًا هامًا في هيكل إمداداتها المستقبلية من الوقود الاصطناعي.

تعزيز التعاون التجاري؛ إذ طرحت ألمانيا خطط إنشاء منطقة تجارة حرة أفريقية، والتي قد تزيد من إمكانات السوق للمستثمرين، وفي السياق ذاته، اتخذت الحكومة الفيدرالية الألمانية مجموعةً من القرارات؛ لمساعدة الشركات على الانخراط في السوق الأفريقية، وأعربت ألمانيا عن رغبة شركاتها في تعزيز أنشطتها التجارية العام القادم، لا سيما في مجاليْ الهيدروجين الأخضر والغاز الطبيعي المُسال، من خلال زيادة حجم استثماراتها في القارة بنسبة 43%؛ بهدف إقامة شراكة اقتصادية متبادلة المنفعة مع الدول الأفريقية، وتعزيز الاستثمار باستخدام ضمانات الائتمان، والاستفادة بشكلٍ مشتركٍ من الإمكانات التي توفرها القارة لتحقيق النمو الاقتصادي.

استقبال العمالة الماهرة، تمَّ التأكيد خلال القمة على تعزيز قانون جذْب العمالة الماهرة، من خلال شراكات الهجرة مع الدول الأفريقية، بهدف تشجيع المزيد من العمال المهرة من القارة للقدوم إلى ألمانيا؛ إذ إن هناك ترحيبًا بالعمال الأفارقة؛ لملء الوظائف الشاغرة للعمالة الماهرة، والتي تعتبر حاليًا بمثابة تحدٍّ يواجه خطط تحوُّل الطاقة والتنمية الاقتصادية في ألمانيا، التي تفتقر إلى العمالة.

ختامًا:

جاءت القمة الأفريقية مع مجموعة العشرين في العاصمة الألمانية برلين، في ظل التنافس الدولي على النفوذ والموارد في القارة الأفريقية، التي تزْخر بثروات طبيعية وفرص اقتصادية واسعة، كما جاءت للتأكيد على الاهتمام المتجدد بأفريقيا، وأن ألمانيا شريك طويل الأمد وذات ثقة للدول الأفريقية، وهدفت القمة إلى تعزيز التعاون بين دول “أفريقيا، وأوروبا”، من خلال مبادرة الطاقة الخضراء؛ لتحسين دور القارة في الطاقة المتجددة، ولا سيما الهيدروجين الأخضر؛ ما قد يوفر فرص عمل ورخاء في الدول الأفريقية؛ إذ إن المنافع والمكاسب الناجمة عن الشراكة “الأوروبية، الأفريقية” متبادلة، وأكَّدت تلك القمة على استمرار التعاون بين القارتيْن حتى عام 2030م.

كلمات مفتاحية