إعداد: عنان عبد الناصر
كانت الدول الأفريقية – ولاتزال- عنصرًا حاسمًا في السياسة الخارجية للصين، فقد اعتمدت الصين على ما يُعرف بإستراتيجية الخروج، والتي تركز على تشجيع الشركات الصينية بالاستثمار خارج الصين، وكانت الإستراتيجية دليلًا على القوة الاقتصادية المتنامية للصين، وخلقت موجةً جديدةً من المشاركة الصينية في أفريقيا، وتعتبر زامبيا من أهم الدول الأفريقية التي تربطها علاقات شراكة قوية مع الصين، فقد حرصت الصين على تعزيز علاقاتها مع زامبيا؛ من أجل الوصول إلى الموارد والمعادن الطبيعية؛ فتعتبر زامبيا ثاني أكبر منتج للنحاس في أفريقيا، وفي إطار تعميق العلاقات التعاونية بين الصين وزامبيا، قام رئيس جمهورية زامبيا (هاكيندي هيشيليما) بزيارة الصين خلال الفترة من (10 إلى 16 سبتمبر 2023)؛ تلبيةً لدعوةٍ من الرئيس الصيني (شي جين بينغ)، في إطار تعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية.
طبيعة العلاقات بين الصين وزامبيا
تتمتع الصين بعلاقات إستراتيجية مع زامبيا، يعود تاريخها إلى دعم استقلال البلاد عن بريطانيا في 1964م، فضلًا عن تقديم الصين مساعدات لبناء خط سكة حديد تازارا بين تنزانيا وزامبيا، وتمَّ تقليص المشاركة الصينية في زامبيا لسنوات عدة، حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ حيث سعت الصين إلى الوصول للموارد وتعزيز الاستثمارات في قطاع التعدين، بالإضافة إلى رغبة الصين في تعميق تواجدها داخل الدول الأفريقية، ولاسيما زامبيا، من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في عام 2013م، والتي شهدت عددًا هائلًا من مشروعات البنية التحتية المميزة، والتي تم بناؤها من قروض صينية، فقد استثمرت الصين في أكثر من 30 مشروعًا، بتكلفة تبلغ ما يقرب من 11.3 مليار دولار، في إطار مبادرة الحزام والطريق، في الفترة من 2014 وحتى 2023م.
وقد أجرى رئيس جمهورية زامبيا محادثات مع نظيره الصيني في العاصمة الصينية بكين؛ للارتقاء بالعلاقات الثنائية لشراكة تعاونية إستراتيجية شاملة بين البلديْن، وقد أعرب الرئيس الصيني خلال هذه الزيارة، عن دعم بلاده لزامبيا في حماية سيادتها الوطنية ومصالحها الحيوية، فضلًا عن تشجيع الواردات من زامبيا إلى الصين؛ حيث تستوعب الصين نحو ما يقرب من 20% من صادرات هذه الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، بالإضافة إلى رغبة البلديْن لتعميق سُبُل التعاون في مجالات البنية التحتية والتعدين والاقتصاد الأخضر والزراعة.
دلالات توقيت زيارة رئيس زامبيا إلى الصين
تنبع أهمية زيارة رئيس زامبيا إلى الصين من توقيتها؛ نظرًا لأنها تزامنت مع مجموعة من التطورات التي شهدتها الدول الأفريقية منذ مطلع العام الجاري، ويمكن عرض أبرز هذه التطورات على النحو الآتي:
- تسلم زامبيا رئاسة الكوميسا: لقد أتت زيارة (هاكيندي هيشيليما) إلى الصين، عقب أشهر قليلة من تسلُّم بلاده رئاسة الكوميسا، وذلك خلال القمة (22) التي استضافتها لوساكا عاصمة زامبيا، في الفترة من (6-8 يونيو2023)، وذلك تحت شعار “التكامل الاقتصادي من أجل الكوميسا”، في ضوء الارتكاز على تعزيز الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة وتشجيع السياحة، ومن هذا المنطلق، فقد استغل رئيس زامبيا (اتفاقية السوق لدول شرق وجنوب أفريقيا)؛ لتعزيز علاقات الشراكة مع الصين؛ ما ينعكس بشكل إيجابي على دول الكوميسا.
- اتفاق الدول الدائنة على إعادة هيكلة جزء من ديون زامبيا: تعتبر الصين أكبر مقرض في زامبيا، فقد وصلت ديون زامبيا إلى ما يقرب من 34 مليار دولار، بنهاية عام 2021م؛ أي حوالي 133 % من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقًا لصندوق النقد الدولي، وتمتلك الصين ما يقرب من ثلث هذا الديْن، وقد أصبحت القروض الصينية قضية سياسية مهمة في البلاد، ومن ثمَّ فقد أتت زيارة رئيس زامبيا إلى الصين بعد أشهر قليلة من انعقاد القمة الدولية (من أجل ميثاق مالي عالمي جديد)، والتي عقدت بالعاصمة الفرنسية باريس، وحضرها أكثر من 40 رئيس دولة من الدول المتقدمة والنامية خلال يومي (22-23يونيو2023)؛ من أجل تناول ديون أربعة دول أفريقية؛ وهم (زامبيا وتشاد وأثيوبيا وغانا).
وقد خرجت هذه القمة بمجموعة من النتائج، أهمها؛ الاتفاق على إعادة هيكلة ديون هذه الدول، التي تخلَّفت عن السداد خلال السنوات الماضية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية في أعقاب جائحة كورونا 2020، وكان ذلك من خلال إعادة هيكلة قروض بلغت قيمتها 6.3 مليار دولار أمريكي، وتم منح هذه الدول أطول فترة سداد، ويمكن القول: إن ديون زامبيا قد تصاعدت نتيجة لإغراق رئيس زامبيا السابق (إدجار لونجو) البلاد في عدد من المشروعات الضخمة، مثل “تشييد المطارات، وبناء المدارس والمصانع والطرق”، وذلك من خلال الحصول على قروض من الدول الخارجية، وأبرزها الصين.
- مساعي الصين وزامبيا لإحياء مشروع تازارا: هناك تحركات بين الصين وزامبيا؛ لإعادة إحياء مشروع تازارا، الذي يقع في الحدود الشمالية لزامبيا، وقد تم تدشين ذلك المشروع خلال سبعينات القرن الماضي، عبر الحصول على قروض من الصين، ويربط ذلك المشروع زامبيا بتنزانيا، وقد اعتبره البعض بمثابة فرصة مهمة للدول الأفريقية؛ للنهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية؛ لذلك فهناك حرص لاستكمال باقي أعمال المشروع، وفي هذا الصدد، قام السفير الصيني لدى زامبيا بزيارة (تزارا)، في 23 من أغسطس الماضي، وبرفقته رئيس الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية لتفقُّد المشروع واستكماله.
أهداف مشتركة من الزيارة
حملت زيارة رئيس زامبيا إلى الصين في ذلك التوقيت مجموعةً من الأهداف، التي من المفترض أن تؤتي ثمارها لكلا الجانبيْن، ويمكن إيضاحها على النحو الآتي:
- تعزيز آفاق الشراكة الإستراتيجية بين البلديْن: ركزت هذه الزيارة في المقام الأول، على الارتقاء بمستوى العلاقات التعاونية بين الصين وزامبيا؛ لتشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن إبرام وثائق تعاونية، في إطار دفْع علاقات الشراكة بين الجانبيْن، وتعميق الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الثنائي في مجالات الزراعة والطاقة والتصنيع والسياحة، وذلك وفقًا لما تم إعلانه من قِبَلِ الخارجية الصينية في أعقاب اللقاء بين الرئيسيْن.
- الرغبة في تحسين الأوضاع الاقتصادية لزامبيا: تعهَّد الرئيس هيشيليما منذ أدائه اليمين الدستوري، في أغسطس 2021، كسابع رئيس لزامبيا، بأنه سوف يُكثِّفُ جهوده؛ من أجل تعزيز اقتصاد بلاده الغني بمورد النحاس، وقد تعهَّد أيضًا بتحويل زامبيا إلى سلَّة غذائية للمنطقة، والقضاء على البطالة، ولكي يتمكن هيشيليما من تحقيق أجندته، فكان عليه تعزيز العلاقات الاقتصادية بين زامبيا والصين، ودفع الاستثمارات الصينية داخل زامبيا؛ ما كشف حرصه على إعادة إحياء مشروع تازارا؛ لأنه سوف يُسْهِم في تصدير المزيد من المنتجات الزامبية إلى الصين، وقد توجَّه رئيس زامبيا في ثاني أيام زيارته إلى مدينة شنتشن، المركز التكنولوجي والصناعي في جنوب الصين، بجانب ميناء يانتيان الدولي، وقد أعرب حينها عن رغبته في زيادة حجم التجارة بين زامبيا والصين، عبر ذلك الميناء في المستقبل.
لم تقتصر العلاقات التعاونية بين زامبيا والصين على العلاقات الاقتصادية والتجارية فقط، بل امتدت لتشمل مجالات متعددة، ومنها المساعي حول توطيد التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين البلديْن، وهو ما اتضح من خلال زيارة رئيس زامبيا إلى شركة هواوي الصينية؛ الأمر الذي عزَّز رغبته لتوطيد التعاون في ذلك المجال، فضلًا عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة ZTE الصينية؛ لإنشاء مصنع تجميع الهواتف الذكية في زامبيا.
- وضع حلول مشتركة حول هيكلة الديون: سادت توقعات حول أن تكون أزمة الديون في مقدمة المباحثات التي جرت بين الرئيسيْن؛ نظرًا لأن الصين تعتبر مُقْرِضًا رئيسيًّا لزامبيا، وقد بلغت ديون زامبيا لدى الصين 9.8 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، وبعد أن تم الاتفاق على إعادة هيكلة الديون، من خلال القمة المنعقدة في باري، في يونيو الماضي، فقد ناقش هيشيليما، إمكانية الحصول على دعم الصين لمساندته؛ من أجل تخطي أزمة الديون، التي يعتبر لها تأثير كبير على التنمية الاقتصادية لزامبيا.
ختامًا
كان موقف الصين تجاه الدول الأفريقية مغايرًا للحكومات الغربية، فقد عملت الصين على تعزيز وجودها داخل أفريقيا على كافة المستويات والأصعدة، وتعتبر زيارة رئيس زامبيا هاكيندي هيشيليما للصين هي الزيارة الأولى إلى الدول الآسيوية، منذ توليه منصبه في 2021م، وقد هدفت هذه الزيارة إلى تعميق علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلديْن، بالإضافة إلى ذلك، فقد يتزايد النفوذ الصيني داخل الدول الأفريقية، وتتعاظم الاستثمارات الصينية داخل زامبيا، وذلك في إطار التحركات الصينية؛ لتعزيز نفوذها في مختلف دول القارة الأفريقية، وإبراز نفسها كدولة قوية تدافع عن مصالح الجنوب العالمي، وقد أعرب رئيس زامبيا عن مدى تأييده لدور الصين في تغيير النظام العالمي بشكل إيجابي، بما يتماشى مع مصالح الجنوب العالمي، فقد نظرت الصين إلى زامبيا من منظور إستراتيجي وطويل الأجل، فضلًا عن استعدادها للعمل مع زامبيا؛ لتحويل علاقات الصداقة التقليدية إلى قوة دافعة قوية؛ لتعميق التعاون المُرْبِح بين الجانبيْن، والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد.