ملفات عدة: ماذا تحمل قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة بأديس أبابا؟

إعداد: شيماء ماهر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تحتضن أديس أبابا، في يوميْ 17 و 18 فبراير الجاري، الدورة السابعة والثلاثين للقمة الأفريقية، تحت شعار “التعليم الأفريقي المناسب للقرن الحادي والعشرين: بناء أنظمة تعليمية مَرِنَة؛ لزيادة الوصول إلى التعلُّم الشامل مدى الحياة، والجيِّد، والملائم في أفريقيا”، وتأتي هذه القمة في ظلِّ توقيتٍ حَرِجٍ تشهده معظم الدول الأفريقية، منها وصول الأزمة السودانية إلى شهرها العاشر، وعدم توصُّل طرفيْ النِّزَاع إلى حلٍّ مناسبٍ، وفي ظلِّ تأجيل انتخابات السنغال، والاحتجاجات عقب تأجيل الانتخابات، وتداعيات الانقلابات العسكرية في “النيجر، والجابون”، وخروج “مالي، وبوركينا فاسو” من مجموعة “إيكواس”، وتزايد أنشطة التنظيمات الإرهابية، مثل ” حركة شباب المجاهدين” ، فضلًا عن الاتفاق غير القانوني بين “إثيوبيا، وصومالي لاند”، الذي يقتضي اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال كدولة مستقلة في المستقبل القريب.

ظروف انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي الـ37

تعقد القمة الأفريقية  رقم 37 لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة الاتحاد الأفريقي، في ظلِّ حالة الاستقطاب الشديد التي تشهدها معظم دول القارة الأفريقية من قِبَلِ مختلف القوى الدولية، مثل انعقاد القمة “الإيطالية – الأفريقية” وزيارة وزير خارجية “الصين، والولايات المتحدة الأمريكية” لدول القارة وتنامي الدور الرُّوسي في غرب أفريقيا، ومن المرجح أن تؤكد قمة أديس أبابا على هذا المسار، خاصَّةً في ظلِّ تنافُس الدول الكبرى على الفُرَص الاستثمارية المُتاحة بالقارة، وإدراك قادة القارة لأهمية الحياد، وبناء علاقةٍ إيجابيةٍ مع جميع الأطراف الدولية.

والجدير بالذكر، أنه لم يتم الإعلان عن اسم البلد الذي يتولَّى رئاسة الاتحاد الأفريقي، وهذا الأمر يتطلب توافُقًا كبيرًا بين البلْدانِ المعنيّة، ولا يُوجد توافق بين “المغرب، والجزائر”، وهما البلَدانِ المُرشَّحَان لتولِّي هذه الرئاسة؛ بسبب الصراع بينهما، على خلفية مشكلة الصحراء الغربية، ومن الممكن أن تنتقل الرئاسة إلى منطقة جنوب القارة الأفريقية؛ إذ لم يتم التوافُق بين البلديْن على رئاسة القمة، وهذا المنصب تتنافس عليه بشِدَّة الدول الأعضاء؛ لأنه يسمح لرئيس القمة بلعب أدوارٍ مهمةٍ داخل القارة وخارجها، والتحدُّث باسمها في المحافل الدولية، إلى جانب الدفاع عن قضايا القارة، في تسليط الأضواء على مشاغل مجموعته الإقليمية والدفاع عن مصالحها، كما يعتبر رئيس القمة أحدَ كبار حكماء القارة، ومرجعًا تلجأ إليه الدول الأعضاء عند الأزمات، وسيكون السلام والتكامل والتنمية من بين أهم القضايا الرئيسية على جدول أعمال قمة الاتحاد الأفريقي.

الدول المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي الـ37

ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير ميليس ألم، في بيانه، أن أكثر من 34 دولةً عضوًا، من بينها 24 دولةً، بقيادة رؤساء، ستشارك في قمة الاتحاد الأفريقي الـ 37 التي ستعقد في أديس أبابا، وذكر أنه قد تكون هناك دول مشاركة ستعلن عنها خلال الأيام المقبلة، وأن إثيوبيا أكملت كافَّةَ الاستعدادات اللازمة لإنجاح القمة.

أهم الملفات المقترحة على هامش القمة

هناك ملفات شائكة وقضايا تتطلب معالجات سريعة على أجندة قمة الاتحاد الأفريقي، منها الأزمة الدستورية التي حصلت مؤخرًا في السنغال؛ بسبب قرارٍ أُحاديٍّ من الرئيس المنتهية ولايته “ماكي سال” وحزبه الحاكم، بتأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررةً في 25 فبراير الجاري إلى نهاية العام الجاري؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بزعزعة الأمن والاستقرار في السنغال، خاصَّةً أنها لم تشهد على امتداد تاريخها الحديث أيَّ انقلاب، وتضغط المعارضة في الداخل، وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” والاتحاد الأفريقي والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية على الرئيس السنغالي؛ للتراجع عن هذا القرار غير الدستوري، الذي من المحتمل أن يُشجِّعَ رؤساء آخرين على النَّسْج على منواله.

وستناقش القمة أيضًا التطورات المتسارعة في منطقة الساحل الأفريقي، من أبرزها الانقلابات العسكرية التي حدثت في “النيجر، والجابون”، والمحاولات الانقلابية التي تمَّ إحباطها في “غينيا بيساو، وبوركينا فاسو”، وقرار “مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر” بالانسحاب من مجموعة “إيكواس” ومجموعة دول الساحل ” G5″، وإعلانهم عن تشكيل تحالُفٍ دفاعيٍّ، وتوقيع ميثاق ” ليبتاكو- غورما”، واقتراح النيجر بفرْض عُمْلةٍ مُوَحَّدة مع “بوركينا فاسو، ومالي” ومن شأن هذا التطوُّر أن يعرض المنطقة إلى تعقيدات إضافية، خاصَّةً أن عضوية هذه البلْدان مُعلَّقة على مستوى مجموعتها الإقليمية، وكذلك في الاتحاد الأفريقي، فضلًا عن توقيع العديد من العقوبات على البلْدان الثلاث؛ ما تسبَّب في المزيد من المعاناة لشعوبها، هذا علاوةً على افتقار البلْدان الثلاث المنسحبة إلى منْفَذٍ على البحر، بالإضافة إلى اعتمادها الكبير على الطاقة والكهرباء من البلْدان المجاورة، مثل النيجر؛ حيث يعتمد شمال البلاد على الكهرباء من نيجيريا.

ومن المتحمل أن يتمَّ التطرُّق إلى الملف الليبي؛ حيث يُولِيهِ الاتحاد الأفريقي اهتمامًا خاصًّا، وتسعى مع الأمم المتحدة وبقية الشركاء الإقليميين والدوليين إلى تسريع إجراء انتخابات عامَّة؛ عن طريق حوار “ليبي – ليبي” قبْل نهاية العام، وهناك مؤتمر مصالحة يجمع كُلَّ أطراف النِّزَاع، تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، خلال شهر أبريل القادم، وتحتضنه مدينة “سرت”، ولا بُدَّ من الإعداد له جيِّدًا، وإقناع الجميع بضرروة المشاركة الإيجابية والبنَّاءة في أعماله والالتزام بمقرراته.

وسيكون النِّزَاع المُسلَّح في السودان من أوَّلويات القمة بعد أن دخل شهره العاشر، وكانت نتائجه كارثية على البلاد، ومن المنتظر أن يُجدِّدَ الاتحاد الأفريقي دعْمَه للمساعي التي تبْذُلها الأمم المتحدة؛ عن طريق مبعوث الأمين العام الجديد إلى السودان؛ من أجل تشجيع أطراف النِّزَاع على إيقاف الاقتتال، واللجوء إلى التفاوُض، ومعالجة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، التي خلَّفَتْها الحرب السودانية، بالإضافة إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ خمسة أشهر، وارتكابه لمجازر شنيعة، تصل إلى حدِّ الإبادة الجماعية، وقد أدانت محكمة العدل الدولية ممارسات الاحتلال، وأمرت بإيقافها بعْد مساعٍ مُكثَّفة، بذَلَتْها واحدةٌ من أكبر دول القارة، وهي جمهورية جنوب أفريقيا.

وسيتمُّ النَّظَر في العديد من التقارير الصادرة عن أجهزة الاتحاد الأفريقي ووكالاته المتخصصة، وكذلك تقرير مختلف اللجان الفرعية التابعة للاتحاد الأفريقي، التي تبحث في مسائل التعاون متعدد الأطراف، مثل حقوق الإنسان والحكم، وكذلك اللاجئون والعائدون والنازحون داخليًّا، والمسائل الاقتصادية والتجارية وغيرها، فضلًا عن تقارير مختلف اللجان الفنية المتخصصة التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي تُركِّزُ على المجالات المواضيعية المتعلقة بالمساواة بين الجنسيْن، وتمكين المرأة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والتنمية الريفية والمياه والبيئة والنقل والبنية التحتية الإقليمية والطاقة؛ العدل والشؤون القانونية، من بين أمور أخرى.

كما يُعَدُّ موضوع مكافحة الإرهاب واحدًا من أهم الموضوعات التي سيتمُّ إدراجها على جدول القمة الأفريقية؛ حيث أثَّرت هذه الظاهرة سلبًا على استقرار الدولة الوطنية في أفريقيا، وأدَّت إلى تزايُد أعداد النازحين والمُهجَّرين؛ بفعل العنف والإرهاب، كما هو الحال في “الصومال، ومناطق بدولة نيجيريا”؛ إذ تنْشَطُ حركتا “بوكوحرام، وشباب المجاهدين” الإرهابيتيْن، وكذلك تسبَّبت الحركات العنيفة في زيادة توتُّر العلاقات الدبلوماسية بين دول الجوار، كما هو الحال بين “رواندا، والكونجو الديمقراطية”؛ بسبب أنشطة “حركة إم 23”.

فرص نجاح قمة الاتحاد الأفريقي الـ ” 37″

من المرجح أن تُحقِّقَ قمة الاتحاد الأفريقي نتائج ملموسة، لا سيما فيما يتعلق باختيار رئيس جديد للاتحاد الأفريقي، وفي حالة عدم توافُق الجارتيْن “المغرب، والجزائر” بشأن رئاسة الاتحاد الأفريقي، فمن المتوقع أن تكون الرئاسة من نصيب الرئيس الموريتاني ” محمد ولد الشيخ الغزواي”، وقد يتم التوصُّل إلى حلولٍ بشأن الأزمات المُثَارة حاليًا، مثل الانتخابات الرئاسية المقبلة في السنغال، والأوضاع في “السودان، غزة”؛ نظرًا لاستمرار سُوء الأوضاع فيهما، كما قد يتم التوصُّل إلى حلٍّ بشأن وقْف إطلاق النار، وتحقيق المصالح بين طرفيْ الأزمة السودانية، هذا فضلًا عن إمكانية تنسيق الجهود لوقف ظاهرة الانقلابات العسكرية المتكررة في القارة الأفريقية بشكلٍ عامٍ.

ختامًا:

يأتي اجتماع قمة الاتحاد في ظروفٍ مُعقَّدةٍ تشهدها بعض الدول الأفريقية؛ فهناك حالةٌ من عدم الاستقرار السياسي، وتعثُّر خرائط الانتقال السياسي، وتمدُّد الأنشطة الإرهابية لـ”حركة شباب المجاهدين، وحركة إم 23″ في الكونغو الديمقراطية، من هذا المنطلق، هناك ضرورة لتعامُل الاتحاد الأفريقي من منظورٍ شاملٍ مع التحديات والتهديدات الأمنية في القارة الأفريقية؛ من أجل معالجة الأسباب الجِذْريّة لهذه التحديات، بالإضافة إلى تعزيز أولويات العمل الأفريقي المشترك لضمان توفير السلام والأمن لدول القارة، بما في ذلك تضافُر الجهود الأفريقية؛ لاحتواء أوضاع الصراعات في القارة، وإيجاد حلولٍ دائمةٍ لها في المستقبل القريب.

كلمات مفتاحية