مناورات «الأسد الإفريقي»: توقيت مختلف ورسائل مهمة

رضوى رمضان الشريف

يستقبل المغرب خلال الأيام القليلة المقبلة الوفود العسكرية الدولية، التي ستشارك في مناورات «الأسد الإفريقي 2022»، في نسخته الثامنة عشرة، المقرر إجراؤها بين «عشرين يونيو والأول من يوليو»، بتنظيمٍ مشتركٍ بين «المغرب، والولايات المتحدة».

ومن المقرر أن تشهد هذه النسخة مشاركة 13 دولةً، فبالإضافة إلى «المغرب، والولايات المتحدة»، ستشارك كلٌّ من« فرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، وهولندا، وإسبانيا، والبرازيل، وتونس، والسنغال، وتشاد، وغانا، وحلف شمال الأطلسي )الناتو) «  كما تنضم حوالي 28 دولةً، بصفة مراقب عسكري من إفريقيا والعالم.

وتشمل المناورات التي تُعتبر أكبر تدريب للقيادة الأمريكية في إفريقيا، للمرة الثانية على التوالي، منطقة المحبس في المناطق الجنوبية المغربية، بالإضافة إلى «القنيطرة، وأغادير، وطانطان، وتارودانت».

تندرج أنشطة مختلفة في هذه المناورات التي انطلقت منذ العام 2007، وتشمل تدريبات على عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية، والتمرينات «البرية، والجوية، والبحرية»، وإزالة التلوث «النووي، والإشعاعي، والبيولوجي، والكيميائي»، كما تسعى هذه النسخة إلى تطوير قابلية التشغيل البيْني «التِّقني، والإجرائي» بين «القوات المسلحة الملكية، وقوات الدول المشاركة»، والتدريب على تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في إطار متعدد الجنسيات.

توقيت مختلف

تأتي تدريبات هذه السنة بشكلٍ خاص، في سياقاتٍ دوليةٍ صعبةٍ، يطبعها بروز تقاطبات حادة؛ جرَّاء الحرب «الروسية – الأوكرانية»، وانقسام المواقف الدولية بين مساندة لروسيا، وأُخرى معارضة لها، فيما اختار المغرب موقف الحياد.

وعلى صعيدٍ آخر، أثار الإعلان الفرنسي في فبراير الماضي، عن سحْب الموارد العسكرية، وإنهاء الوجود العسكري لفرنسا وشركائها من «مالي»، تساؤلات حول أفضل السُّبُل للتعامل مع التهديدات الإرهابية المستمرة، خاصةً في ظلِّ تنامي البصمة الروسية في المناطق المحيطة، مثل «السودان، وليبيا، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطي، وموزمبيق»، فضلًا عن سوريا في شقِّ القارة الأسيوي.

ويشار إلى أن القوات الفرنسية كانت متواجدة في «مالي» منذ تسع سنوات، وقد وصل عددها في ذروة انتشارها إلى خمسة آلاف جندي، وكان هدفها منْع الإرهابيين من إقامة دولة خلافة في المنطقة، أو استخدام «مالي» منصةً تنطلق منها التهديدات في الخارج، سواء في أوروبا أو ضد المصالح الغربية في المغرب العربي وغرب إفريقيا.

إلا أن التوسُّع الكبير في المصالح العسكرية الروسية في إفريقيا، يشير إلى نكسة إستراتيجية للغرب، خاصةً بعد أن قامت الطُّغْمة العسكرية في «مالي» بعد وصولها إلى السلطة، عبْر انقلاب مايو 2021، بالاستغناء عن الوجود الفرنسي، الذي أصبح غير مرغوبٍ فيه، وتوظيف مجموعة «فاغنر» الروسية، بجانب عناصر القوات المسلحة المالية؛ لمحاربة الجهاديين، وفرض الأمن في مساحة تمتد على 900 ألف كيلومترًا مربعًا، من الأراضي الشمالية المعرضة للخطر، وهو أمرٌ مشكوكٌ فيه؛ نظرًا لافتقارهم إلى سلسلة قيادةٍ فعَّالة، وقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المناسبة، فضلًا عن افتقارهم إلى الإرادة السياسة، وذلك بإفادة بعض المراقبين، بأن جزءًا من مجموعة «فاغنر» في «مالي» قد يكونون سوريين وليبيين، بدلًا من عملاء روس سابقين، وأنهم أكثر ميْلًا للتركيز على تأمين مصادر دخلهم، بدلًا من محاربة الجهاديين بشكلٍ فعَّال، ونتيجةً لكل ما سبق، يُوجد خطرٌ كبيرٌ من تحوُّل «مالي» مجددًا إلى قاعدةٍ خلفيةٍ للجماعات الإرهابية.

وبجانب ذلك أيضًا، تأتي مخاوف الغرب التي ترى مجموعة «فاغنر» (محركة) للصراعات في المنطقة، وتستفيد من عدم الاستقرار؛ من أجل مصالحها الخاصة، كما لُوحِظ في دول أُخرى لازالت تعاني من الصراعات، مثل «ليبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى».

ولمحاولة سدِّ ثَغْرة الغرب في إفريقيا، وإعادة تشكيل الوجود العسكري الغربي في منطقة الساحل، تسعى الولايات المتحدة من خلال تعزيز علاقاتها العسكرية مع المغرب، إلى تحجيم الوجود الروسي في إفريقيا؛ حيث ترى واشنطن، بصفتها الشريك الأمني الرئيسي لأوروبا في المنطقة، مصلحةً في مواكبة التغيير، الذي يشهده الوجود العسكري لفرنسا والحلفاء؛ من أجل التصدي للجماعات الإرهابية في المثلث الحدودي والصحراء الكبرى، وتُعتبر الدول المجاورة، مثل «النيجر، وبوركينا فاسو» ضعيفةً – بشكل خاص- بوجه هذه الجماعات، وبالتالي، فهي على استعدادٍ لمواصلة التعاون مع القوات الغربية،

كما تحاول العناصر الإرهابية التوسُّع في البلدان الساحلية على طول خليج غينيا، وفي شمال إفريقيا، يمكن أن يساعد إشراك الحكومات الأُخرى، خاصة «المغرب، ومصر» بشأن هذه القضايا على المدى المتوسط، في التخفيف من حِدِّة التهديدات المحتملة.

دلالة المكانة

تتميز المغرب – بشكل خاص- بأهمية جيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة عن باقي بلاد المغرب العربي، وتمثل مناورات «الأسد الإفريقي» في جوهرها امتدادًا لتاريخ التحالف «المغربي – الأمريكي»، ونتاجًا لتطور علاقات التعاون العسكرية، المبنية على ظروف سابقة عن الحرب «الروسية – الأمريكية»، وعن تطور السياسة الخارجية الأمريكية، حِيالَ من تراهم خصومًا لها على قيادة العالم، ويمكن القول: إن الاهتمام الأمريكي الحقيقي بالمغرب، مردُّه إلى عدة عوامل رئيسية:

الأول: قلق واشنطن من السياسة الجزائرية، وتعاونها العسكري المُقْلِق مع روسيا.

ثانيًا: الوضع الأمني والسياسي الغير مستتب في ليبيا، والانقسامات الحادة بين الأطياف الليبية، يجعلها بُقْعةً غير مناسبة لاستضافة فعاليات دولية عسكرية مهمة.

ثالثًا: العامل المتعلق بعلاقة الدول المغاربية بقضية الصراع «العربي-الإسرائيلي»، فقد حرصت الولايات المتحدة منذ التسعينيات، على تشجيع دوْر سياسي فعَّال في المغرب العربي، في سبيل إقامة «سلام شامل» مع إسرائيل، وقد كرَّس هذا التوجُّه بعد تطبيع المغرب علاقتها العسكرية مع إسرائيل، بينما لاتزال تُبْدِي الجزائر موقفها الرافض، والمعادي بشكلٍ قطعيٍ، لتطبيع علاقات الدول المجاورة مع إسرائيل.

وعلى هامش الجهود المغربية في إفريقيا، دائمًا ما تشيد الولايات المتحدة بدوْر المغرب في مكافحة الإرهاب، والتي كان آخرها، إشادة وزارة الخارجية الأمريكية في التقرير السنوي، الذي تصدره حول الإرهاب، نهاية العام الماضي، بالجهود المغربية على مستوى محاربة الإرهاب والتطرف، مؤكدةً تعاونهما القوي وطويل الأمد، كما يجْدُر الإشارة أيضًا إلى استضافة مدينة «مراكش» المغربية اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في مايو الماضي، والتي كانت المرة الأولى التي ينعقد فيها هذا الاجتماع بالقارة الإفريقية.

كيف تستفيد المغرب؟

اعتراف ضمني بمغربية الصحراء: أهم نقطة يحصل عليها المغرب من احتضان الأقاليم الجنوبية قطاع المحبس لهذه التداريب العسكرية، هي تكريس الاعتراف الضِّمني للدول المشاركة بمغربية الصحراء.

فللمرة الثانية، يجري جزءٌ من تلك المناورات في إقليم الصحراء، منذ أن اعترفت واشنطن، في 10 ديسمبر 2020، بسيادة المغرب على الإقليم، وإعلان عزْمها فتح قنصلية أمريكية به.

قوة إقليمية في المتوسط: يمكن التعاون «العسكري، والأمني» بين «واشنطن، والرباط» لتتحول المغرب إلى قوةٍ إقليمية في المتوسط، فالدور الإستراتيجي للمغرب الثابت، في ظلِّ أدواره التي يلعبها على أصْعَدة عِدَّة، مكنَّه بأن يصبح حلقةً إستراتيجيةً دوليةً، خصوصًا في قضايا محاربة الإرهاب، فهو البلد الوحيد المستقر في منطقةٍ، تعاني اختلالات متفرقة بين «ليبيا، وتونس»، أما الجزائر، في المقابل، فهي دولةٌ لا تثق فيها المنظومة الدولية.

في الخاتمة: يمكن القول: إن المغرب أصبح في الفترة الأخيرة بمكانته الإستراتيجية في تلك البقعة الساخنة من شمال غرب إفريقيا، ركيزةً للغرب والمجتمع الدولي، في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، ومخاطبًا نافذًا عن إفريقيا في قضايا أمنية وعسكرية، وأيضًا اقتصادية، ومن الطبيعي أن يقوي المغرب نفوذه العسكري؛ لتأمين مقدراته الاستثمارية في إفريقيا؛ ما سيجعل منه دولةً رائدةً في حسابات تفاعل العلاقات الدولية.

وتأتي «مناورات الأسد الإفريقي» كجزءٍ من تكتيكٍ مغربي؛ لتقوية نفوذه العسكري «إقليميًّا، ودوليًّا»؛ لأسبابٍ تتعلق بحماية أمنه القومي الداخلي، ولتأمين مجاله الحيوي في إفريقيا؛ حيث توجد استثمارات مغربية كبيرة.

وعلى الرغم من ذلك، المغرب يبقى دولة من دول عدم الانحياز، تتجه دائمًا نحو تطوير علاقاتها الدولية مع الجميع، وفق مقاربة أكَّد عليها الملك في القمة المغربية الخليجية، سنة 2015، بحديثه عن تنويع المغرب علاقاته؛ لضمان استقلالية قرارات سياسته الخارجية.

 

 

كلمات مفتاحية