“نتاج الاستدارة”.. كيف تحاول إيران إعادة توطيد العلاقات مع إفريقيا ؟

إعداد: حسناء تمام كمال

في تطورٍ لافتٍ، شُهدت حالة من التحركات الإيرانية الملحوظة التي تسترعي الانتباه؛ إذ أجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، جولة أفريقية، شملت ثلاث دول، هي “كينيا، وأوغندا، وزيمبابوي”، وذلك في 11 يوليو الجاري، ولمدة ثلاثة أيام، في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني إلى أفريقيا منذ 11 عامًا، ولا يعد هذا التحرك الوحيد الذي اتخذته إيران مؤخرًا تجاه أفريقيا، فقد سبقتها تحركات تمهيدية، متمثلة في زيارات أجريت لإقليم غرب أفريقيا وغيرها من التحركات التمهيدية المتباينة التي اتخذتها إيران.

أولًا: الأسباب والدلالات

يمكن فهم حركة الاستدارة الإيرانية تجاه أفريقيا، وفقًا للسياق الإيراني الداخلي من ناحية، وفي ظل المتغيرات الدولية من ناحية أخرى، أبرز هذه المتغيرات ما يلي:

المصالحة “الإيرانية – السعودية”: لم تغير المصالحة “السعودية – الإيرانية” في علاقة البلدين فقط، وإنما في المشهد السياسي في المنطقة أيضًا، وفي اتجاه علاقات البلديْن مع الخارج، سمحت هذه العلاقات بإعطاء مساحة ملائمة لإيران بالتحرك تجاه محيطات أوسع لدعم سياساتها الخارجية، مستفيدة من حالة التوافق الإقليمي الدائرة.

جاءت التحركات لتوازن الزخم الدولي الحادث تجاه أفريقيا، فقد أدت الحرب “الروسية – الأوكرانية”، إلى حالة من النشاط في حضور القوى الكبرى في أفريقيا، سواء الولايات المتحدة أو العديد من القوى الأوربية، وقد خصت الزيارة دول في شرق أفريقيا ، و يقدر البعض،  أن اختيار إيران لمجموعة الدول يرجع بشكل أساسي؛ لأن هذه الدول علاقتها غير مستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه وفقًا  لهذا المنطق، يظهر سبب اهتمام إيران بتعزيز علاقاتها مع دول منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما انعكس في توالي زيارات مسؤولين إيرانيين لعدد من دول المنطقة، بينهم وزير خارجية البلاد، حسين أمير اللهيان، الذي زار “موريتانيا، ومالي” ومع ذلك، يمكن التحفظ نسبيًّا على هذا الطرح، باعتبار أن إيران حتى وإن فُسرت أولى زياراتها على هذا النحو، فمن غير المرجح، الاستمرار فيه في ظل حالة تعدد القوى الدولية وتقاطع مساحات التواجد من القوى الدولية داخل الدولة الواحدة.

ثانيًا: الملفات الاقتصادية على رأس الاهتمام الإيراني

جاءت الملفات لتتناسب مع الشكل التمهيدي لعودة العلاقات؛ لذا شملت ملفات اقتصادية، ففي زيارة الرئيس الإيراني شملت المخرجات الآتي:

كينيا: وقعت إيران 5 اتفاقيات تعاون، ومذكرات تفاهم في عدة مجالات، شملت الآتي “الاقتصاد، والطب البيطري، والاتصالات، والثقافة، ومصايد الأسماك، والتعليم المهني”، كما تم الاتفاق على قيام إيران ببناء مصنع لتجميع السيارات، بالإضافة إلى إنتاج سيارات إيرانية بأسماء سواحلية في كينيا.

في أوغندا: وقعت “إيران، وأوغندا” 4 وثائق للتعاون، تضمنت “إعفاء من التأشيرات، والتعاون الزراعي، وإنشاء لجنة مشتركة دائمة”.

زيمبابوي: وقعت إيران مع زيمبابوي عددًا من الوثائق مجالات “ريادة الأعمال، والسلامة المهنية، وتقليل حوادث العمل، والعلوم، والتكنولوجيا”.

تعزيز وصولها للموارد الطبيعية: يمثل البعد الاقتصادي مسعىً ملائمًا، يتناسب مع احتياجات إيران؛ لتعزيز مصادرها من الموارد الأولية والطبيعية، خصوصًا أن أفريقيا لديها وفرة في الموارد الطبيعية، تتمثل في 96% من الماس، و90% من مادة الكروم، و65% من الذهب، و30% من اليورانيوم حول العالم.

فك الحصار المفروض عليها من الولايات المتحدة: تمثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، وفرض العقوبات المتتالية على إيران، وتتابع الأزمات المختلفة على الاقتصاد الإيراني مثل “جائحة كورونا”، وارتدادات الحرب “الروسية – الأوكرانية” على الجانب الإيراني، هزات متتالية للاقتصاد الإيراني، يحتاج التعامل مع هذه الهزات لتوسع في دوائر الشركات الاقتصادية.

ويجدر الإِشارة، أن علاقة إيران الاقتصادية بأفريقيا ضئيلة جدًا، فبحسب الرئيس الإيراني، حجم الاقتصاد الأفريقي يبلغ 1200 مليار دولار، بينما حصة طهران لا تتجاوز مليار و200 مليون دولار، وتعتبر دولة جنوب أفريقيا الشريك التجاري وجهة التصدير الرئيسة لإيران في أفريقيا، تليها “موزمبيق، وغانا”، أما الدول المصدرة إلى إيران خلال الفترة الأخيرة، فتأتي على رأسها تنزانيا، ثم “كينيا، وجنوب أفريقيا، وغانا”.

تأثرها بالاقتراب الصيني في أفريقيا: يعزز اختبار إيران المدخل الاقتصادي تأثرها بالصين كشريك استراتيجي من ناحية، وكفاعل أثبت تبينه المدخل الاقتصادي على الصمود في القارة الأفريقية، ومهَّد تضامنًا سياسيًّا في أوقات لاحقة، ليس في أفريقيا فقط، بل في الشرق الأوسط أيضًا.

كما يبقى التعاون في الملفات السياسية غير مستبعد، وإنما مُرْجَأَة لمراحل لاحقة، فقد حرص بيان وزارة الخارجية الإيرانية عن الزيارة على التأكيد، بوصف الخارجية الإيرانية للدول الأفريقية الثلاث التي شملتها الزيارة، بأنها تتقاسم مع إيران وجهات نظر سياسية مشتركة.

ولا شك أن هذا التحرك سيتسبب في انزعاج لدى القوى الغربية، وارتكزت معالجات عدد من مراكز الفكر الأوروبية على بثِّ المخاوف من أهداف هذه الزيارة، فوفقًا لتقرير أصدره المركز الوطني الفرنسي للأبحاث، حول أبرز القضايا الدولية، رأى أن “النفوذ الإيراني في أفريقيا بات قضية أيديولوجية وأمنية واقتصادية؛ إذ لم تعد علاقات طهران مع عواصم دول الجنوب العالمي مجرد إطار لستار معاداة ما يسمى الإمبريالية وحسب؛ كسبًا للرأي العام المحلي، وإنما كذلك من منظور نهج ثوري؛ يهدف إلى تصدير نموذجي إيران السياسي والديني”.

بالأخير: يمكن القول: إن زيارة الرئيس الإيراني للدول الأفريقية، تأتي في ظل سياسة الانفتاح المتبناة في عهده، يعززها احتياج داخلي للتوسع في الشراكات الاقتصادية، ويدعمها حالة الاستدارة في المواقف السياسية، المتمثلة في التبدل السريع والمنعطفات الهامة في مواقف الكثير من الدول، سواء بين الدول العربية أو مع القوى الإقليمية، مثل “إيران، وتركيا”، أو مع إسرائيل.

تحاول إيران في هذا السياق، أن تطبع العلاقات مع مختلف الشركاء، وأن تعود مساحات التنافس الإقليمي على النحو الذي يعزز بروزها وفك عزلتها، وتوطيد علاقتها بشركاء آخرين، وتمثل هذه الزيارة إحماء لتعزيز العلاقات، من المرجح أن تُلحق بإجراءات أُخرى على مستويات مختلفة، سواء “دبلوماسية، سياسية، أو اقتصادية”.

لاشك أن فاعلية التحركات الإيرانية تبقى مرهونة بعدة محددات، أولها: مدى سرعة وفعالية تنفيذ الاتفاقات المعقودة، بجانب مدى إقبال الدول الأفريقية على الالتزام بتنفيذ وتعزيز هذه الشراكة، مع مراعاة أن ضغوطًا قد تقع على الدول الأفريقية؛ للحد من فاعلية هذا الإقبال الإيراني، كما سيؤثر استمرار العقوبات على إيران من عدمه على ذلك؛ فإذا بقيت العقوبات الغربية سارية وظلت طهران تعاني من المشاكل التي لم يتم حلها مع مجموعة العمل المالي؛ فسيبقى مؤثرًا علي إنتاج ثمار الاتفاقات المختلفة.

كلمات مفتاحية