نُذر أزمة دبلوماسية.. عودة الخلافات بين البرهان ومبعوث الأمم المتحدة

إعداد: أكرم السيد

في تطور هو الأحدث من حيث علاقة الدولة السودانية بالمنظمات الدولية الكبرى وعلى رأسها الأمم المتحدة، أعلنت الحكومة السودانية  في التاسع من يونيو الجاري أن “فولكر بيرتس” مبعوث الأمم المتحدة لدى البلاد شخصا غير مرغوب. يأتي هذا الإعلان على خلفية سلسلة من الخلافات بين مجلس السيادة السوداني والمبعوث الأممي منذ اللحظات الأولى لتعيينه قبل ثلاث سنوات من اليوم. من جهتها، أعربت المنظمة الأممية عن رفضها لما أعلنته الحكومة السودانية، مشيرة إلى أن مبدأ الشخص غير المرغوب فيه لا ينطبق على موظفيها.

تطورات الأسابيع الماضية

كانت علاقة عبد الفتاح البرهان بصفته القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة بمبعوث الأمم المتحدة “فولكر بيرتس” محل توتر كبير خلال الأيام الماضية، حيث انتقد البرهان سلوك بيرتس معتبره سلوكا متحيزا إزاء الأوضاع التي تشهدها البلاد. وفي ذات السياق، لم يتوقف الأمر عند مجرد انتقادات يوجهها البرهان إلى المبعوث الأممي، بل وصل الأمر إلى أن بعث البرهان برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرس يطالبه فيها بضرورة استبدال بيرتس بمبعوث آخر. تلك الرسالة لم تقابل بتجاوب من المنظمة الأممية وأمينها العام، بل كان الرد على غير رضا البرهان تماما، فبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة “ستيفان دوغاريك” فإن جوتيرس قد صدم من محتوى الرسالة، وكذلك أبدى رضاه عن الفترة التي قضاها المبعوث الأممي إلى السودان، بالإضافة إلى تأكيده على ثقته الكاملة في بيرتس. ومن ناحية أخرى أعلن مجلس الأمن تمديد مهمة البعثة الأممية لدى السودان لمدة ستة أشهر قادمة، وهو ما يوضح عدم وجود نقاط اتفاق بين الدولة السودانية وبين الأمم المتحدة حول عمل هذه البعثة .

خلفيات التوتر الراهن

بالرجوع إلى الوراء قليلا، فإن ثمة مؤشرات كانت تنذر  بأن العلاقة بين البرهان وبيرتس ليست على ما يرام، وأن العلاقة بينهما مهددة بالاشتعال في أي وقت، وتعود الأسباب في ذلك إلى الطريقة التي عين بها بيرتس في الأساس مبعوثا إلى السودان قبل نحو ثلاث سنوات من الآن، حيث كانت تشوب عملية تعيينه بعض الريبة نتيجة لمطالبة رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك الأمم المتحدة بتعيين مبعوث لها إلى السودان، وهذه المطالبة التي طالب بها حمدوك الأمم المتحدة تمثل شذوذا عن المتعارف عليه، إذ أن نادرا ما تطالب الدولة التي تشهد حالة من حالات عدم الاستقرار أو تشهد انتقالا ديمقراطيا للسلطة الأمم المتحدة بضرورة تعيين مبعوث لها، العكس تماما هو ما يحدث، حيث تأتي عملية تعيين المبعوثين الدوليين بمبادرة من المنظمة الدولية.

وبحسب محللين، فإن حمدوك في هذه المرحلة كان يهدف إلى كسب الدعم الدولي بصفته رئيس وزراء مدني وهو ما جعله يطالب بتعيين مبعوث أممي إلى البلاد، وهو ما استجابت له الأمم المتحدة فيما بعد. كما أن هذا المشهد المتمثل في مطالبة حمدوك الأمم المتحدة بتعيين مبعوث أممي، كان محل اعتراض من البرهان منذ اللحظة الأولى، حيث اعتبر أن فكرة وجود مبعوث دولي داخل البلاد يقترب من درجات التدخل السافر في الشئون الداخلية ،  والسودان في غنى عن كل ذلك.

وبمرور الوقت، دخلت البلاد في حقبة جديدة شهدت التوصل إلى اتفاق إطاري برعاية أممية، إلا أن موقف مبعوث الأمم المتحدة كان أقرب إلى قوى الحرية والتغيير عن الجيش السوداني، وأقرب إلى قوات الدعم السريع -بصفتها مؤيدة للحرية والتغيير- عن الجيش السوداني، ليس هذا فحسب، بل أعطى بيرتس انطباعا بأن ثمة إجماعا سودانيا على الاتفاق الإطاري، وهو ما أثار غضب قيادة الجيش، حيث لم يجمع الاتفاق الإطاري جميع مكونات المشهد السياسي، بل أنه كان هناك قوى رافضة له لم تشارك في جلساته، بل أن هناك أيضا خلافا بين الجيش وقوات الدعم حول عدد من القضايا أبرزها قضية الدمج، كل ذلك قادنا إلى مشهد مطالبة البرهان للأمم المتحدة بضرورة تغيير مبعوثها إلى السودان، ثم إعلان الحكومة السودانية المبعوث الأممي شخصا غير مرغوب فيه.

سيناريوهات الفترة المقبلة

أمام إصرار كلٌ من الحكومة السودانية والأمم المتحدة على موقفيهما فيما يتعلق بالبعثة الأممية وعلى رأسها فولكر بيرتس، فإنه وبغض النظر عن مبررات كلا الطرفين فإننا أمام مسارين قادمين لهذه الأزمة. الأول هو تراجع الحكومة السودانية  عن مطالبها بإبعاد فولكر بيىرتس تماما عن البلاد، وأن تدرك بأنها ليست المخولة بتعيين المبعوثين الحدد أو تغيير المبعوثيين الحالين، وأنه لا جدوى في وقت تشهد فيه البلاد صراعا مسلحا في المطالبة بتغيير المبعوث الحالي من عدمه، حيث بالإمكان إرجاء هذا المطلب حتى إشعار آخر . أما الثاني هو  استمرار تمسك الحكومة السودانية بمطلبها من ناحية، وعدم تجاوب الأمم المتحدة مع هذا المطلب من ناحية أخرى، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى نشوب أزمة بين الدولة السودانية والأمم المتحدة.

إجمالًا

علي أي حال، فإنه من الأجدى في المرحلة الراهنة أن تنشغل الدولة السودانية بمؤسساتها الرسمية في التفكير أولا  في حلول وبدائل للأوضاع الجارية الآن تهدف لإنهاء الاقتتال في أقرب فرصة، حيث أنه لن يكون الأهمية بمكان أن تدخل البلاد في أزمة دبلوماسية مع الأمم المتحدة تضاف إلى قائمة الأزمات التي تعانيها البلاد نتيجة لإصرارها على تغيير المبعوث الأممي أيا كانت الملاحظات حول آدائه. فخسارة منظمة كبرى كالأمم المتحدة في وقت تشهد فيه البلاد صراعا محتدما وأوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة لن يكون في صالح البلاد، حيث بإمكان المنظمة الدولية أن تحشد جهودا إغاثية- إن لم تكن سياسية- تساهم بدورها في تخفيف وطأة الأوضاع الراهنة، وهذا يجب أن يكون موضع أولوية الآن.

كلمات مفتاحية