هجوم أربيل: مزيدٌ من التعثُّر في المشهد الأمني العراقي

حسناء تمّام كمال

تزامنًا مع حالة التعثُّر التي يعاني منها المشهد السياسي في العراق، تتزايد التحديات الأمنية، ففي مطلع مايو الجاري، قالت سلطات مكافحة الإرهاب في كردستان العراق: إن ستة صواريخ سقطت بالقرب من مصفاة لتكرير النفط، في مدينة أربيل، بشمال العراق، وبحسب السلطات، فإن الصواريخ انطلقت من محافظة نينوى، وسقطت بالقرب من مصفاة كار، دون الإبلاغ عن أي إصابات أو أضرار.

وفي بيانٍ صادرٍ عن أمن إقليم كردستان العراق، اتهم ميليشيات «عصائب أهل الحق، وحشد الشبك» بقصف المصفاة، فيما قال رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي”: إن قوات بلاده ستلاحق منفذي الاعتداء، في قضاء خبأت، بمحافظة أربيل، وأن لجنة شكّلت للتحقيق في الحادث.

الهجوم أنتج ردود أفعال واسعة بالشجب؛ فالهجمات الخاصة بقطاع الطاقة دائمًا ما تكون قادرة على إثارة المخاوف لدى الحكومات؛ لما تمثله من استهداف للبُنَى التحتية للدولة، وإلحاق الضرر بها، بجانب كونها خسائر مادية، من ناحية أخرى، فإن الاستهداف مجهولٌ مرتكبوه، وتتبادل فيها فصائل سياسية داخلية الاتهامات؛ ما يعني انعكاسًا لحجم التوتُّر الداخلي.

أولًا: لماذا يتهم أمن كردستان «عصائب أهل الحق»؟

بالرغم من أن الأمن العراقي لم يوجّه اتهامات إلى «عصائب أهل الحق»، واكتفى بتشكيل لجنة للتحقيق في الهجوم، لكن الأمن الكردستاني وجَّه اتهاماته لـ«عصائب أهل الحق»؛ وذلك بسبب عددٍ من الخلافات التي سادت بين الطرفين مؤخرًا، ويمكن إجمال هذه الأسباب فيما يلي:

رفضًا لحكومة الصدر: كانت «عصائب أهل الحق» على رأس الفصائل التي رفضت طريقة تشكيل الحكومة، بالطريقة التي يرغب بها “مقتدى الصدر”؛ إذ صرَّح الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» الشيعية، قيس الخزعلي، بأن الحكومة العراقية الجديدة، لن تتشكل من دون تفاهمات، وأن هناك مؤشرات، عن وجود تغييرات سياسية في البلاد، وأن التحالف الثلاثي الذي شكّله “الصدر” شكّلته إرادة خارجية؛ الأمر الذي يجعل التحالف – وفقًا له-  مهددًا بالتفكك، في حال اختلفت عليه الإرادة الخارجية، ومن ثمَّ فرفْض «العصائب» تشكيل حكومة أغلبية، يُعدُّ واحدًا من أسباب توجيه الاتهام لها، بتنفيذ الهجوم كأداة ضغطٍ؛ لتشكيل حكومة ائتلاف، تكون جزءًا منها.

الخلاف مع إقليم كردستان: من ناحية أخرى، تزايدت الخلافات بين «عصائب أهل الحق» وإدارة إقليم كردستان؛ لتفضيل “مقتدى الصدر” للحزب الديمقراطي الكردستاني في التحالف الثلاثي المقترح لتشكيل الحكومة، بجانب وجود خلافات ظهرت مؤخرًا مع «البيشمركة»؛ إذ تطالب «العصائب» الحكومة الحالية، بجعل القضاء بيد القوات الأمنية والحشد الشعبي، بعد الصدامات الأخيرة بين قوات البيشمركة وأهالي قضاء سنجار، ومن ثمَّ فقد يكون هذا ضغطًا على إدارة الإقليم.

 الخلاف مع الحكومة العراقية الحالية: تُوجد حالةٌ من الاحتقان بين الحكومة الحالية وبين «عصائب أهل الحق»؛ إذ شهدت العلاقة بينهم توتُّرًا؛ على خلفية الانتخابات البرلمانية، وفي مظاهرة احتجاجية على نتائج الانتخابات، وقعت اشتباكات بين القوات الحكومية ومناصرين لـ«العصائب»، خلَّفت عددًا من القتلى والجرحى، وكان من ضمنهم قيادي بـ«عصائب أهل الحق»، عقب ذلك، توعَّدت «العصائب» بالانتقام من الحكومة؛ ليُجرى بعدها بأيام، محاولة اغتيال “مصطفى الكاظمي”، وتُوجه لـ«العصائب» اتهامات، بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي”.

ضغط إيراني: من ناحية أخرى، فإن العلاقة بين «العصائب، وإيران»، خصوصًا في ظلِّ الهجوم الذي وقع في مارس، على أربيل، وتبنَّاه الحرس الثوري، تجعل الاتهامات موجهةً لـ«العصائب»، باعتبارها أداة إيران في إيصال رسالةٍ، متنها، تحذير إقليم كردستان من دعم الأكراد المعارضين، داخل إيران، أو ربما محاولات إيرانية؛ لتحجيم النفوذ التركي المتصاعد مؤخرًا داخل الإقليم، وقد يُفسرهذا  كمحاولةٍ إيرانيةٍ للدفع بالإقليم نحو مطالبة ضمِّ الإطار التنسيقي في الحكومة القادمة.

ثانيًا: تحديات أمنية متزايدة

إن الاستهداف الأخير لـ”أربيل” لا يمكن انتزاعه من سياق الهجمات التي جرت على المدينة ذاتها، في مارس الماضي، وبالرغم من أن الحكومة العراقية لم توجّه الاتهامات لأي طرفٍ بعد، كما لم يعلن أيّ فصيل تبنِّيه الهجوم، لكن من المؤكد، أن الهجوم نفَّذه فصيلٌ في الداخل العراقي؛ ما يجعله رسالة تحذير، بأن أية تغييرات في معادلة المشهد السياسي العراقي القائم دون أساس توافقي، سينتج عنها ردود أفعال عنيفة من الفصائل المختلفة على أرض الواقع.

كما أن الاستهداف المتكرر لـ”أربيل”، يُنذر بأن الأوضاع الأمنية في العراق تسير نحو مزيدٍ من التعقيد والتوتُّر، الأمر الذي سينعكس على تشكيل الحكومة خلال الفترة المقبلة، كما ستلقي هذه الهجمات بظلالها كتحدٍ رئيسي للمشهد الأمني في العراق، خصوصًا بعد استكمال الولايات المتحدة سحْب قواتها العسكرية القتالية من الأراضي العراقية، وتأثير هذا الانسحاب بما خلَّفه من هجمات متتابعة للأهداف الحيوية على مجمل المشهد العراقي الأمني.

وبالرغم من محاولة الحكومة العراقية احتواء الوضع داخليًّا، والتوفيق بين الأطراف المتنافسة، والوصول إلى حالة توافقية بين كافة الأطراف في الداخل، وإرساء حالةٍ من الاستقرار الداخلي، لكن المُعطيات تؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد استمرار الضغط الأمني في العراق، سواء بين الفصائل وبعضها، أو بين الأطراف الإقليمية؛ جرَّاء تصاعُد التنافس الإقليمي على الأراضي العراقية، وذلك حتى تشكيل الحكومة، على أفضل تقدير.

 

كلمات مفتاحية