هجوم فــي الـعـمــق الإيـــرانـــي .. الــمــحــفــزات والانــعــكــاســات الــمــحــتــمــلـة

إعــداد: مـــيـــار هـــانــي

الــمــقــدمــة:

شهدت إيران خلال الأيام القليلة الماضية ضربة في عُقر دارها، إذ تعرضت إحدى منشآتها العسكرية في حي “الخمیني” بمدينة أصفهان لهجوم تم بواسطة 3 طائرات مسيّرة من طراز “كوادكوبتر Quadcopter” ذات المراوح الأربع، والتى تمكنت، وفقًا للرواية الرسمية الإيرانية، من إلحاق أضرار طفيفة على المجمع العسكري، ولم تتسبب في أي إصابات أو وفيات، وتشير تقديرات إلى أن الهجوم قد يكون انطلق من داخل الأراضي الإيرانية ليستهدف أصفهان، وذلك من خلال توظيف أطراف خارجية لجماعات مناوئة للنظام الإيراني لزعزعة أركان الحكم الملالي، وتُجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم لا يعد الأول من نوعه، بل سبق أن تعرضت إيران لهجمات مماثلة وربما أشد قوة، لحقت بمؤسساتها العسكرية وقادتها العسكريين، فضلًا عن تعرض منشآتها النووية الرئيسة للتخريب عدة مرات في الماضي واغتيال علمائها النوويين؛ وما لبث أن تجدد الأمر بهجوم على مجموعة شاحنات لنقل أسلحة إيرانية إلى مجموعات موالية لطهران على الحدود العراقية- السورية، فيما ذكرت تقارير مقتل قائد في الحرس الثوري وحراسه الشخصيين.

وقد وجهت طهران أصابع الاتهام لإسرائيل بتورطها في الهجوم الأخير الذي استهدف أصفهان، وذلك عقب كشفها نتائج تحقيقاتها الأولية، مُتعهدة بالرد وفقًا لوكالة “أنباء الطلبة” الإيرانية. وفي رسالة من قِبل مبعوث طهران “أمير سعيد إيراواني” إلى الأمين العام للأمم المتحدة: “إيران تحتفظ بالحق في رد حازم في الوقت والطريقة التي تشعر أنها ضرورية”، مشيرًا إلى أن “هذا الفعل الذي ارتكبته إسرائيل يتعارض مع القانون الدولي”. وفي وقت سابق، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” و “نيويورك تايمز” الأمريكية من جانبها، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، أن إسرائيل هي المسؤولة عن تنفيذ ضربة غير معلنة استهدفت المجمع العسكري لتخزين الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في العمق الإيراني، وذلك وسط امتناع السلطات الإسرائيلية عن التعقيب على تلك التقارير غربية، وكشف مسؤول بارز في الاستخبارات العسكرية الأمريكية لوسائل إعلامية أنه “تم تنسيق الهجوم مع سلاح الجو الأمريكي وبعلم من قادة البنتاجون والرئيس جو بايدن”.

وبالتالي تطرح التطورات الأخيرة عدة أسئلة حول سياقات ومحفزات الهجوم وتداعياته المحتملة، وذلك على نحو مايلي:

ســيــاقــات مــصــاحــبــة لــلأزمــة

  • مشاركة إيران في الحرب الروسية-الأوكرانية:

تزامنت هذه الضربة مع دعم طهران لموسكو بطائرات مسيرة، بما في ذلك “طائرات مسيرة انتحارية”، والتى استخدمتها روسيا لاستهداف محطات طاقة وبنية تحتية مدنية في أوكرانيا، ومن المحتمل أن يتبعه في المستقبل توريد صواريخ، وهو الأمر الذي يثير قلق الغرب بشدة.

  • جمود النووي الإيراني:

جاء الهجوم وسط تصاعد التوترات مع الغرب بسبب تعثر مفاوضات ملف طهران النووي وتزايد المخاوف من طموحات إيران النووية.

  • مناورات عسكرية:

أجرت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مناورة جوية مشتركة، في 29 نوفمبر 2022، والتي تعد الأكبر في تاريخ التدريبات المشتركة، وكانت هي المرة الأولى التي تذكر فيها الولايات المتحدة الأمريكية صراحة إمكانية شن هجوم أمريكي إسرائيلي مشترك على المنشآت النووية الإيرانية.

كما أعلنت إيران عن “مناورة ذو الفقار” البرية والبحرية، في 30 ديسمبر 2022، باتجاه أذربيجان وشرق مضيق هرمز-الخليج العربى، ومفادها رسالة إيرانية إلى الدول ذات علاقات تعاونية جيدة مع إسرائيل، وتحديدًا دولة أذربيجان وكردستان والعراق.

وأطلقت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مناورة مشتركة أخرى، في 23 يناير 2023، والتي تعتبر أكبر من سابقتها “جنوبير أوك”، وتولت قيادة القوة البحرية الأمريكية حاملة الطائرات الأمريكية جورج بوش، وتعد المرة الأولى التي يجرى فيها الجيش الإسرائيلى تدريبات مع الولايات المتحدة وتشارك فيها حاملة طائرات أمريكية وقواتها الضاربة وقنابل موجهة بالليزر وصواريخ كروز شبحية.

  • زيارات متتالية:

وقع الهجوم في أعقاب سلسلة من الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين الأمريكيين إلى إسرائيل، حيث تم وضع القضية الإيرانية على رأس جدول أعمال زياراتهم، ومن بينهم مستشار الأمن القومى “جيك سوليفان” ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية “وليام بيرنز” ووزير الخارجية “أنتونى بلينكن”.

  • تقارب سعودي إيراني:

وعلى الرغم من أن سياسة التقارب الإيرانية تجاه السعودية لا تشكل توجهًا كاملًا لدى طهران بجميع مؤسساتها، إلا أن الرئاسة الإيرانية أعلنت ترحيب السعودية باستئناف التفاوض معها، ويستدل على ذلك استضافة بغداد خمس جولات بين الطرفين لمناقشة المسائل الأمنية، فضلًا عن تصريح الأمير “فيصل بن فرحان” وزير الخارجية السعودي خلال منتدى دافوس الأخير، بأن المملكة تتواصل مع إيران وتحاول إيجاد طريق للحوار.

أبـــرز مــحــفـــزات الــهــجــوم

  • استمرار حالة العداء بين إسرائيل وإيران، على خلفية التحركات الإقليمية للأخيرة والرغبة في الحد من برامجها النووية أو الصاروخية، ونقلها من حرب التصريحات والنوايا إلى استعادة توجهات تنفيذ العمليات العسكرية النوعية خاصةً في ظل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الراهنة.
  • يمكننا القول إن أحد احتمالات شن الهجوم الأخير بالعمق الإيراني، هو الدعم العسكري الإيراني لروسيا، والتى اعترفت به طهران ولكنها زعمت أن ذلك كان قبل اندلاع غزو أوكرانيا، فقد مدت روسيا بطائرات مسيرة منها مسيرات من طراز “شاهد 136 الانتحارية” والتي تميزت بكفائتها في ساحات المعركة، واستطاعت الحاق ضرر كبير بالبنية التحتية الأوكرانية، وعليه تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والقوى الغربية للضغط على إيران من أجل وقف دعمها العسكري.

وعلى وجه التحديد، تحيط المخاوف بإسرائيل لإمكانية فرض هذا الدعم معطيات جديدة في المنطقة لا تتماشى مع رؤيتها، إذ ترى أن بإمكان هذا الدعم التأثير على روسيا بالتغاضي عن محاولات إيران تعزيز حضورها العسكري بالقرب من الحدود الإسرائيلية، بعدما كانت حريصة على وضع حدود لتلك التحركات، فضلًا عن كونه يسمح لإيران بتطوير صناعاتها العسكرية في مجال الطائرات المسيرة بتجربتها في الساحة الأوكرانية، إلى جانب إمكانية رفع روسيا مستوى التعاون العسكري مع إيران إلى حد إرسالها مزيد من المقاتلات من طراز “سوخوى 35” كرد على مساعدة طهران لها في إدارة الحرب في أوكرانيا، وهو ما انعكس في المحادثة الأخيرة بين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، إذ عبر الأخير عن قلقه من توسع العلاقات العسكرية بين روسيا وإيران.

  • لا نستبعد أن يكون أحد أهداف الهجوم الأخير هو رفع كلفة مساعدة إيران العسكرية لروسيا، أي إلحاق الضرر بروسيا بشكل غير مباشر، وبالتالي من المُحتمل أن يكون الهجوم الأخير مقدمة لحرب بالوكالة مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لانخراط قوى منها في الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن كون الدول الكبرى التي تدير الحرب الأوكرانية هي نفسها منخرطة في أزمات المنطقة.

كيف سيكون الرد الإيراني؟

يعد هجوم أصفهان هو الأول منذ إعادة تولى نتنياهو منصبه، وهو الأمر الذي ستعتبره إيران بمثابة اختبار جديد لها في عهده، وعليه، من المتوقع أن يفرض هذا الأمر ردود فعل مضادة من الجانب الإيراني، وذلك من خلال  اتباع إيران أسلوبها المألوف باعتماد الرد بالوكالة، وهو ما يُعرف بــ “حروب ظل إقليمية”، كما قد تلجأ إلى استهداف سفن تابعة لإسرائيل في الخليج العربي، وهو الأمر الذي تكرر خلال السنوات الماضية على خلفية زيادة الصراع مع إسرائيل، بالإضافة إلى أنها قد تستهدف مرافق أو مواقع إسرائيلية عن طريق شن هجمات سيبرانية.

الخاتمة:

يعد الحادث إشارة قوية لإيران لضرورة مراجعة مواقفها من استمرار دعم أذرعها الإقليمية، إلى جانب تصريحاتها وتهديداتها المستمرة لإسرائيل، بالاضافة إلى موقفها من ملفها النووي ودعم روسيا في حربها مع أوكرانيا، وبالتالي يمكننا القول إن انفجار أصفهان إيذان بزيادة حدة التوترات الإقليمية في مناطق التماس للمصالح الإيرانية- الإسرائيلية، وفي الساحة السيبرانية كذلك، فضلًا عن احتمالية كونها مقدمة لإدارة حرب بالوكالة مع روسيا وانتقال الحرب الروسية الأوكرانية لساحات أخرى خارج أوروبا، وعليه لن تكون أوكرانيا الساحة الوحيدة.

كلمات مفتاحية