هل بات توقيع اتفاق سلام بين الخرطوم وتل أبيب قريبًا؟

إعداد : أكرم السيد

فى أحدث تطور فيما يتعلق بالعلاقات (السودانية – الإسرائيلية)، أجرى وزير الخارجية الإسرائيلى “إيلى كوهين” فى مطلع فبراير الجارى زيارة إلى “الخرطوم” استغرقت يومًا واحدًا، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان”، وتأتى هذه الزيارة – وفقًا لوزير الخارجية الإسرائيلى- بعد تنسيق مع الولايات المتحدة.

وفى هذا الإطار، فقد جرت مناقشة سبل تعزيز العلاقات بين البلدين فى مختلف المجالات كالصحة والزراعة والطاقة والمجالات العسكرية والأمنية، إلا أن ثمة ملف قد أعاده لقاء “البرهان” بالوزير الإسرائيلى إلى الواجهة من جديد، حيث صرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية بأن الزيارة قد شهدت إنهاء نص اتفاقية السلام بين الدولتين، وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلى أن بضعة أشهر فقط تفصلنا على توقيع اتفاق سلام بين “الخرطوم وتل أبيب” فى “واشنطن”.

وعلى الجانب الآخر، فقد أشار بيان الخارجية السودانية إلى أنه تمت مناقشة إقامة علاقات مثمرة مع الجانب الإسرائيلى، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول دوافع الطرفين لإقامة علاقات طبيعية، بالإضافة إلى كيفية تمرير هذا الاتفاق فى ظل اضطراب المرحلة الانتقالية فى السودان فضلًا عن تباين ردود الفعل بصدد هذا الملف.

إحياء بعد جمود

لم تكن الفترة الانتقالية التى يعيشها “السودان” منذ إسقاط نظام “البشير”، فترة انتقالية متعلقة فى المقام الأول بإيجاد سبل للخروج من الاضطراب الانتقالى إلى الاستقرار السياسى الذى تتولى زمام الأمور فيه قيادة منتخبة من الشعب، بل امتلأت الفترة الانتقالية بالعديد من الملفات الخارجية المتعلقة بعلاقات “السودان” مع الدول الأخرى، وكيفية تعاملها مع القضايا المختلفة، لا سيما القضايا الجدلية.

وكانت قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل من بين أبرز القضايا المطروحة على أجندة العمل الانتقالى السودانى، منذ أن التقى رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان” رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” بأوغندا فى فبراير من العام ٢٠٢٠.

وتجدر الإشارة إلى أن الأوضاع الاقتصادية الهشة التى شهدتها البلاد فى ظل نظام “البشير” وما تلاه، كانت مساهمة بشكل كبير فى فتح ملف التطبيع مع إسرائيل، ونظرًا لسعى السودان فى المرحلة الانتقالية لإزالة العوائق التى تُلقى بتداعيات سلبية على الداخل السودانى، فقد حرصت حكومة “عبد الله حمدوك” على رفع العقوبات الأمريكية على البلاد، وهو ما أدى إلى بروز ملف التطبيع على الساحة السياسية السودانية نتيجة لربط الولايات المتحدة رفع العقوبات بانخراط السودان فى مسار التطبيع مع إسرائيل.

ونتيجة لذلك فقد أعلنت دولة السودان وإسرائيل استعدادهما لتطبيع علاقاتهما فى أكتوبر من العام ٢٠٢٠، وذلك برعاية أمريكية وبعد ضغوط مكثفة على السودان، توازى مع ذلك تعهدات “واشنطن” بدعم مساعى السودان الهادفة إلى كسر عزلته الدولية واندماجه فى المجتمع الدولى، والعمل على تشجيع شركائها الدوليين للتعاون مع الخرطوم من أجل التخفيف عن مديونياته، بالإضافة إلى شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتمكينه من الحصول على مليار دولار سنويًا، إلا أنه نتيجة لما أحدثته خطوة التطبيع من ردود أفعال سودانية رافضة لهذه الخطوة، تراجع مجلس السيادة عنها، وعوضًا عن ذلك وقع وزير العدل السودانى “نصر الدين عبد البارى” أثناء زيارة وزير الخزانة الأمريكية إلى الخرطوم على “اتفاقيات إبراهيم” فى يونيو 2021 مع الولايات المتحدة وليس مع إسرائيل، حيث اعتبر البعض هذه الخطوة بمثابة خطوة تمهيدية لتطبيع العلاقات مع “تل أبيب” فى وقت لاحق، لا سيما وأنه قد تبادل الطرفان الزيارات عقب توقيع الخرطوم الاتفاقية مع واشنطن.

وفى هذا السياق، فإن ثمة معوقات قد أصابت العملية الانتقالية فى السودان على إثر قرارات “عبد الفتاح البرهان” فى أكتوبر ٢٠٢١، والتى أزاحت المكون المدنى من المشاركة فى إدارة العملية الانتقالية، وقد ألقت بظلالها على مسار تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب وجعلت منها قضية مؤجلة.

وفى سياق متصل، وفقًا لأحدث تطور للقضية، جاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى “إيلى كوهين” مطلع فبراير الجارى إلى “الخرطوم” لتعيد ملف التطبيع إلى الواجهة مجددًا، حيث شهدت هذه الزيارة لقاء الوزير الإسرائيلى بالبرهان، وعلى خلفية هذا اللقاء أبدا الجانبان سعيهما إلى توقيع اتفاق سلام قريب، والذى من المرجح حسب البيانات الرسمية أن يتم توقيعه خلال العام الجارى، لتدخل العلاقات (السودانية – الإسرائيلية) على إثر التوقيع المزمع، مرحلة التطبيع الكامل، وهو ما قوبل بأصوات مؤيدة وأخرى معارضة لهذه الخطوة.

ما بين تأييد واعتراض

ثمة حالة من الجدل تلت لقاء “البرهان” بوزير الخارجية الإسرائيلى، ما بين قوى ممانعة لأى مساعى هادفة لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وقوى لا تمانع اتخاذ هذه الخطوة طالما حققت المصالح الوطنية، ويتصدر الاتجاه الرافض لهذه الخطوة الأحزاب البعثية والشيوعية والإسلامية، والتى تفكر بمنظور تقليدى محافظ، وترى من الثبات فى رفض إقامة علاقات مع إسرائيل مبدأ لا يجب التنازل عنه مناصرة للقضية الفلسطينية، وباعتبار بأنه لا جدوى للسودان من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بل إن الجدوى كلها سوف تجنيها “تل أبيب”؛ فى المقابل لا ترفض قوى أخرى كـ (الحرية والتغيير – المجلس المركزى) المضى قدمًا فى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن تعود هذه الخطوة بفوائد عدة يحتاجها السودان من شأنها المساهمة فى تحريك دفة الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى الأمام، إلا أن الحرية والتغيير ترى ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائى انتقالى أولًا ومن ثم الشروع فى خطوة التطبيع.

مزايا تحرص عليها تل أبيب

إن ثمة مزايا هائلة سوف يجنيها الجانب الإسرائيلى من خطوة تطبيع علاقاته مع السودان، حيث ستضمن هذه الخطوة لتل أبيب تجفيف منابع ذات خطورة، كثيرًا ما كانت تستخدمها فصائل معادية لها، كفصائل المقاومة الفلسطينية للحصول على الإمدادات العسكرية التى تحتاجها لشن أنشطتها الهجومية، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل إن من شأن هذه الخطوة أيضًا أن توفر موطئ قدم لإسرائيل فى منطقة البحر الأحمر، وما لهذه المنطقة من أهمية إستراتيجية مهمة ذات أبعاد تجارية وعسكرية واقتصادية وأمنية.

بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن إغفال أهمية هذه الخطوة من ناحية مساهمتها فى تعزيز إستراتيجية إسرائيل فى التوجه نحو إفريقيا، حيث من شأن التعاون الأمنى بين “الخرطوم وتل أبيب” أن يكون بمثابة بوابة مهمة تقرب إسرائيل من العمق الإفريقى الذى تسعى لزيادة تواجدها فيه لعدة اعتبارات منها على سبيل المثال تحييد أنشطة جماعات إرهابية معادية لها تنشط فى دول مثل تشاد ومالى والنيجر، علاوة على ذلك فإن التقارب (السودانى – الإسرائيلى) سيكون له انعكاس بالطبع على علاقة الخرطوم بطهران، وهو ما يمثل أهمية كبرى لإسرائيل؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن ثمة اضطرابات داخلية تشهدها “تل أبيب” فى هذه الفترة، من تظاهرات يشهدها الداخل الإسرائيلى والتى تنادى بإسقاط حكومة “نتنياهو”، وتجعل من مسألة نجاح مساعى تطبيع العلاقات مع دولة عربية جديدة لتلحق بزمام الاتفاقيات الإبراهيمية، انتصارًا مهما يحتاج إليه “نتنياهو” لا سيما فى هذه الفترة المضطربة والتى تهدد استمرار حكومته.

تداعيات هذه الخطوة على الخرطوم
يذهب البعض إلى أن الفائز الأكبر من تفعيل خطوة تطبيع العلاقات مع “تل أبيب” هو رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان”، باعتبار أن من شأن إتمام خطوة كهذه أن توفر لـ “البرهان” دعمًا إقليميًا ودوليًا، من إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما فى المنطقة، وهو ما سيسهم فى تدعيم نفوذ “البرهان” السياسي، خاصة فى ظل فترة من الفُرقة السياسية وعدم التوافق بين القوى السياسية تعيشها السودان.

تلك الخطوة سترسخ فى الأذهان أن “البرهان” هو الرجل الأقوى والمؤثر الأول فى السياسة السودانية، الداخلية منها والخارجية، فعندما أرادت القوة الإقليمية ممثلة فى إسرائيل أن تذيب الجمود الحادث فى مسار تطبيع علاقاتها مع السودان، خاطبت ود “عبد الفتاح البرهان” ونسقت معه، وليس مع المكون المدنى والقوى السياسية المندرجة تحته.

لكن وعلى صعيد آخر، فإن ثمة فوائد سوف تجنيها الخرطوم جراء هذه الخطوة، تأتى فى مقدمتها كسر العزلة الدولية التى عانت السودان من آثارها الكثير طيلة عهد “عمر البشير” وحالت بين السودان وبين أى فوائد تعاونية من الممكن أن تستفيد منها البلاد.

وبناء عليه، فإن من شأن إتمام مسار التطبيع المدعوم من “واشنطن” أن يفتح أبواب المنظمات والمؤسسات التنموية والمالية أمام “الخرطوم”، ويمهد الطريق لها للاستفادة من التيسيرات التى تقدمها هذه المؤسسات، وهو ما سينعكس على الأوضاع الاقتصادية المتعسرة التى تعيشها البلاد، والتى تتضاعف آثارها فى ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية.

وفى هذا السياق، يُذكر أن “الخرطوم” قد استفادت من قبل من بعض المزايا كإسقاط بعض الديون وتهيئة المجال أمام المانحين الدوليين للتعاون مع الخرطوم، إلا أن هذه الجهود قد جُمِدت فى معظمها على إثر قرارت “عبد الفتاح البرهان” فى أكتوبر من العام ٢٠٢١، والتى أطاحت بحكومة “عبد الله حمدوك”، لذا فإن من شأن إحياء مسار التطبيع مع إسرائيل أن يسهم فى استفادة البلاد من هذه المزايا مجددا.

إجمالًا:-

فإن الحديث فى الأروقة السودانية الرسمية ممثلة فى رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان” عن المضى فى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل مشهد يشوبه النقصان، ويحتاج أولًا إلى توافق “سوادنى” يرسى قواعد فترة انتقالية مستقرة تقود البلاد إلى انتخابات تشريعية وتجيء بسلطة تنفيذية منتخبة من الشعب، ومن ثم يخول لهذه الكيانات المؤسسية المنتخبة أن تتخذ ما تراه مناسبًا فى ضوء اعتبارات المصلحة الوطنية السودانية؛ دون المرور بهذه الخطوة واعتبارها مسألة ذات أولية، فإن هذا الملف سوف يكون محل كر وفر بين الأوساط السودانية وسيساهم فى زيادة الفرقة بدلًا من تحقيق التوافق.

كلمات مفتاحية