هل تحسم حرب الدبابات المعركة لصالح كييف؟

إعداد: أكرم السيد

بعد عدة أسابيع من إلحاح أوكرانيا على الغرب لإمدادها بمنظومة دبابات عالية المهام، والتي من شأنها إحداث تغييرًا ميدانيًا لصالحها، وافق البيت الأبيض، الأربعاء، على إمداد كييف بمنظومة دبابات “أبرامز”. وجاءت الموافقة بالتوازي مع إعلان ألمانيا هي الأخرى موافقتها على إرسال دبابات “ليوبارد ٢”، بالإضافة إلى إعلان برلين عدم عرقلة رغبة أي دولة حليفة تسعى إلى تزويد كييف بهذه المنظومة الأقوى من الدبابات.

وجاءت الموافقتان الأمريكية والألمانية بعد سلسلة رفض أبداها الطرفان طيلة الأسابيع الماضية، لتدخل الحرب في أوكرانيا بعد مرور ما يقارب العام على اندلاعها، مرحلة جديدة من انخراط غربي مباشر في الحرب، آخذ في التزايد ليطيل بدوره من أمد الحرب، ويجعل من احتمالات تسويتها بالأدوات السياسية والدبلوماسية أمرًا بعيد المنال في الفترة الراهنة.

تعنت واشنطن وبرلين
لم يكن تزويد برلين لكييف بهذا النوع من الدبابات “ليوبارد 2” سهلا، إذ قوبل هذا الأمر بتعنت ألماني واضح، ورافض لهذه الفكرة من الأساس، وهو ما قوبل بانتقاد صريح شنته كييف على برلين من خلال تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينيسكي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أعلنت عدة دول أوروبية رغبتها في إمداد أوكرانيا بهذه الدبابات بغض النظر عن وجود موافقة ألمانية أو  رفض، إذ لا تستطيع أي دولة قد مدتها ألمانيا بدبابات “ليوبارد 2” من أن تمد غيرها من الدول بهذه المنظومة إلا بعد أن تحصل على الموافقة الألمانية.

ولألمانيا في رفضها إمداد أوكرانيا بهذه الدبابات العملاقة عدة أسباب جعلت من الموقف الألماني موقفا يشوبه التردد الواضح، ولعل هذه الأسباب تتمثل فيما يلي:-

  • الخوف من إثارة ردود الفعل الداخلية في ألمانيا من التعامل الحكومي مع الحرب في أوكرانيا، فيمكن لإجراء كهذا أن يقلص من رصيد حكومة شولتز الشعبية، خاصة وأن استطلاع رأي أجرته شبكة القناة الألمانية الأولى “ARD”، بين أن ٤٦% من الأشخاص الذين تم استطلاع آرائهم يؤيدون إمداد أوكرانيا بدبابات ليوبارد ٢، فيما يعارض ٤٣% هذه الفكرة، بالإضافة إلى ١١% لم يحسموا آرائهم.

وبالقياس على هذا الاستطلاع، فإن ثمة حالة من الانقسام الشعبي، تجعل من اتخاذ قرار كهذا ليس بالأمر السهل.

  • كذلك فإن من شأن إرسال دبابات ليوبارد أن تحقق نجاحات ميدانية كبيرة لأوكرانيا، وهو ما سينتح عنه رد فعل روسي مضاد بطبيعة الحال ضد الإجراء الألماني، يعيد إلى الأذهان فترة الحقبة النازية، والتي عملت ألمانيا قرابة السبعة عقود الماضية على تجاوزها، وتقديم نفسها في صورة الدولة المحبة للسلام.
  • بالإضافة إلى ما سبق فإن ألمانيا لا تريد أن تتحرك في سياق أحادي، بل في ظل سياق غربي، ومن هنا يمكن فهم رغبتها في أن ترسل واشنطن دبابات “أبرامز” حتى ترسل ألمانيا دبابات “ليوبارد”.

أما فيما يتعلق بوجهة نظر الولايات المتحدة، فقد رفضت واشنطن في البداية إمداد كييف بدبابات أبرامز وذلك لعدة أسباب، منها تكلفة الصيانة العالية، بالإضافة إلى التكلفة التشغيلية لهذه المنظومة، علاوة على احتياج هذه المنظومة من الدبابات إلى تدريبات مكثفة للجنود الأوكرانيين، وهو ما سيأخذ وقتا طويلا نسبيا.

تغيرات في المواقف
لم يصمد رفض برلين وواشنطن طويلا أمام إلحاح كييف الهادف إلى إمدادها بمنظمومة دبابات قتالية عملاقة، فكما ذكرنا فيما سبق فإن رفض برلين في بعض من أسبابه كان رفضًا راجعًا إلى عدم رغبتها في أن تتصرف بشكل أحادي خارج عن السياق الغربي، وكأنها تأخذ بمفردها زمام المبادرة في تصعيد الدعم العسكري لأوكرانيا، فهذا ما كانت ترفضه برلين تماما. ونتيجة لذلك فقد ربطت ألمانيا تزويد أوكرانيا بمنظومة “ليوبارد ٢” بضرورة أن تزود الولايات المتحدة هي الأخرى أوكرانيا بمنظومة دبابات أبرامز.

 وفي هذا السياق، فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء الماضي، أنه يخطط لإرسال ٣١ دبابة من طراز “أبرامز M1” إلى أوكرانيا، موضحا أن هذا الدعم يهدف إلى مساعدة كييف في الدفاع عن سيادتها. لذا فإن ثمة تحول واضح في موقف واشنطن، ويمكن فهم هذا التحول بأنه بمثابة ضوء أخضر وتمهيد للطريق أمام ألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، كانت ألمانيا في حاجة إليه للشروع في إمداد أوكرانيا بالدبابات. ونتيجة لذلك وفي سياق متوازي مع إعلان الإدارة الأمريكية، أعلنت ألمانيا، الأربعاء، أنها سترسل ١٤ دبابة من طراز ليوبارد ٢ إلى أوكرانيا، لتنضم بذلك عدة دول أوروبية أخرى إلى ذات المسار  وتعلن رغبتها في إمداد أوكرانيا بالدبابات، وهو ما يعني تدفق عشرات الدبابات إلى كييف الفترة القادمة.
توالي الدعم
إن موجة من الدبابات الغربية تنتظرها أرض الميدان في أوكرانيا، والتي من المتوقع أن تصل الفترة القادمة، فلم يتوقف الأمر عند الإمداد الألماني والأمريكي لأوكرانيا بالدبابات، بل أعلنت دول أوروبية عدة رغبتها في تزويد كييف بالدبابات. وتعتبر بولندا من أوائل هذه الدول، والتي كانت حريصة على إمداد كييف بمنظونة “ليوبارد ٢” حتى قبل أن تعلن ألمانيا السماح لأي دولة ترغب في إرسال هذا النوع من الدبابات إلى كييف. حيث رحبت “وارسو” بالموقف الألماني الجديد فيما يتعلق بالدبابات، وأعلنت استعدادها لإرسال ١٤ دبابة ليوبارد ٢، كذلك تدريس النرويج إرسال عدد من دبابات ليوبارد التي تمتلكها. فيما قالت وزير الدفاع الفنلندي إن فنلندا ستنضم إلى الدول الأوروبية التي سترسل دبابات “ليوبارد ٢” إلى أوكرانيا، على الرغم أن فنلندا ليست عضوا في حلف الناتو. فيما قد صرح رئيس وزراء هولندا أن بلاده على استعداد لتزويد أوكرانيا بدبابات قتالية إذا لزم الأمر. ونفس الأمر يتعلق بإسبانيا، إذ قالت وزيرة الدفاع الإسبانية إن بلادها لن تمانع من إرسال دبابات “ليوبارد ٢” إلى أوكرانيا. فيما تدرس فرنسا إمداد أوكرانيا بدبابات “لوكلير”، وفي ذات السياق فقد أعلنت بريطانيا عزمها على تزويد أوكرانيا بـ١٤ دبابة من طراز “تشالنجر ٢” البريطاني الصنع.

وبناء على ما سبق، يمكن القول بأننا أمام سياسة أوروبية تصعيدية، وتخلي من جانب أوروبا عن سياسة مهادنة روسيا، بعد شهور طويلة منذ بداية المعركة حاوطها تردد أوروبي في دعم أوكرانيا بأسلحة قتالية متقدمة حتى لا تنخرط بشكل مباشر في الصراع.

هل تحسم الدبابات المعركة؟

إن هناك أهمية كبرى للدبابات التي من المزمع أن تحصل عليها أوكرانيا، خاصة أنها منظومة دبابات تصنف بأنها الأقوى في العالم، فمن غير الممكن أن تشن القوات الأوكرانية أي عمليات هجومية أو دفاعية في حالة عدم امتلاكها لترسانة قوية من الدبابات الهجومية، وهذا لا يعني أن من شأن الدبابات سواء الأمريكية أو الأوروبية التي تم الإعلان عن إرسالها لأوكرانيا أن تحقق الأفضلية لأوكرانيا في ميدان المعركة، لكن ثمة أهمية لهذه الدبابات تنبع من استخدامها جنبا إلى جنب أسلحة متطورة أخرى قد حصلت عليها أوكرانيا كمدافع هاورتز والقيصر وراجمات هيمارس، ومن شأن كل ذلك أن يحدث تأثيرا كبيرا في ميدان المعركة، ومن ثم يمكن فهم أسباب الإلحاح الأوكراني طيلة الأسابيع الماضية.

تورط مباشر في النزاع

وكرد فعل على التصعيد الغربي للمساعدات، قال الكرملين إن تزويد أوكرانيا بالدبابات الغربية هو بمثابة التورط المباشر في الصراع من قبل أمريكا والحلفاء الأوروبيين. وفي ذات السياق وكرد فعل استباقي على حرب الدبابات التي ستشهدها ساحة المعركة في الفترة القادمة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية في يناير الجاري أن رئيس الأركان “غيراسيموف”، الخبير في الدبابات، سيتولى شخصيا قيادة العملية العسكرية في أوكرانيا، وأن ثمة خطة لديه لمجابهة الدبابات الغربية كالدفع بأنواع متعددة من المقذوفات المضادة للدبابات لصد جميع أنواع المركبات الخفيفة والثقيلة، بالإضافة إلى الدفع بالروبوت القتالي “ماركر”. ووفقا لمراقبين فإنه من المتوقع أن تكثف روسيا ضرباتها على أوكرانيا كرد فعل على إرسال الدبابات الغربية، كذلك فإن قوافل الأسلحة الغربية ستكون مستهدفة بشكل كبير أيضا من قبل الجانب الروسي. وفي هذا السياق يدور الحديث عن الدبابة الروسية العملاقة “T-90” كنوع من إحداث التوازن بين منظومة الدبابات الغربية، والدبابات الروسية، ويذكر أن “T-90” واحدة من أبرز الدبابات الروسية، حيث دخلت الخدمة عام ١٩٩٢، وتمتلك قدرات تسليح وحماية عالية، وبإمكانها مقاومة أقوى القذائف.

إجمالًا

فإننا أمام انخراط غربي مباشر  في الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث بإمكان خطوة إرسال الدبابات هذه أن تجعل من فكرة نزع السلاح الأوكراني وتحييد كييف الذي دعا إليها الجانب الروسي كثيرا ويهدف إلى تحقيقها جراء هذه الحرب فكرة بعيدة المنال في الوقت الحالي، فبعدما كانت تحصل كييف من الحلفاء الغربيين على أسلحة سوفيتية الصنع، أصبح بإمكان كييف الحصول على سلاح غربي بطريقة مباشرة، وسيستمر زيلينيسكي في طلب المزيد من الدعم الغربي ولن يتوقف عند منظومة الدبابات بل سيتطرق إلى مطالبات أخرى كالطائرات وغيرها، وبعدما كانت تسعى روسيا إلى تحييد أوكرانيا، أصبحت أوكرانيا تتلقى دعما عسكريا مباشرا من الغرب، وكل ذلك يزيد من تصعيد الصراع في الفترة القادمة، ويعرقل احتمالية الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد تسوية للصراع في الأشهر القليلة القادمة.

كلمات مفتاحية