هل تنجح مساعي “البرهان” في تثبيت أقدامه عن طريق دول الجوار؟

إعداد: ريهام محمد 

أحد المتدربين من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 

في الوقت الذي احتدم فيه القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حدثت مجموعة من التطورات ذات دلالات، ربما تشي بإدراك رئيس مجلس السيادة السوداني “عبدالفتاح البرهان”، أن المعركة قد عادت إلى المربع الأول.

أجرى “البرهان”، العديد من الجولات الداخلية والخارجية، أعرب خلالها عن حاجته لتضامن عربي، يسمح له بإيجاد حلول للأزمة السودانية، والخروج بالدولة من براثن الاضطرابات، بدأها من مصر، ومن ثمَّ توالت زياراته وجوْلاته الخارجية مع قادة الدول ذات التأثير والثقل في المنطقة، لا سيما في الملف السوداني، وذلك في سياق قد يُفسَّر على أنه سعيٌ لدعم إنهاء الصراع بينه وبين قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بمساعٍ وجهود إقليمية؛ وإعادة الاستقرار للمشهد السوداني، أو ربما سعيه لتثبيت أقدامه عن طريق دول الجوار.

الزيارة الخارجية الأولى لـ”البرهان” منذ بدْء النزاع…. القاهرة وجهته:

في يوم الثلاثاء (29 أغسطس الماضي)، وصل رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى مدينة العلميْن الجديدة على الساحل الشمالي لمصر؛ لإجراء مباحثات مشتركة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، كأول زيارةٍ خارجيةٍ من نوعها لـ”البرهان”، منذ بدْء الصراع مع قوات الدعم السريع، في أبريل الماضي؛ في محاولةٍ لتقديم “البرهان” الشُّرُوحات حول موقف الأزمة السودانية، ومدى استجابة دول الجوار لها، والحصول على الدعم خلال المرحلة المقبلة، في إطار عرْض مصر التوسُّط بين الطرفيْن المتناحريْن.

وهو ما يحمل دلالات عدة، في إطار ريادة القاهرة ودورها الاقليمي المعهود في أفريقيا، وتمسُّكها بمبادرة “إسكات البنادق”، التي تبنتها منذ ٢٠١٩؛ في سبيل إنهاء النزاعات والحروب بالقارة، واعتمادها من جانب “البرهان” كأولى الدول المعنيّة بحل الأزمة السودانية؛ لاعتبارات الروابط الأزلية والمصلحة الإستراتيجية المشتركة بين البلديْن، ومساعي مصر الدائمة في استغلال دبلوماسيتها الناعمة؛ للحيلولة دون الدخول في نفق الحرب الأهلية المظلم، وتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد.

فهناك علاقات راسخة تربط بين مصر والسودان، يمكن التدليل عليها بالنظر إلى العبْء الأكبر الذي تحملته مصر عن الشعب السوداني، وفتح المعابر، واستضافتها لنِسَبٍ كبيرةٍ من السودانيين الفارّين من الحرب الدائرة إلى أرضها، وتوفير كافة الخدمات والمساعدات لهم، فضلًا عن دورها في المفاوضات بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية من البداية؛ حيث استضافتها في أبريل ٢٠١٩، لقمة تشاورية للشركاء الإقليميين للسودان؛ بهدف حلحلة الخلافات بين كافة الأطراف السودانية المتنازعة بشقيِّه “المدني، والعسكري”، واستضافتها أيضًا اجتماعًا بين “الجبهة الثورية، وقوى الحرية والتغيير” السودانييْن، في أغسطس ٢٠١٩، إلى جانب مشاركتها كشاهدٍ وضامنٍ في مراسم التوقيع النهائي على اتفاق جوبا للسلام.

الزيارة الثانية لـ”البرهان” … جوبا وجهته:

أجرى قائد الجيش السوداني “البرهان”، ثاني جولاته الخارجية، في 4 سبتمبر الجاري، متجهًا إلى عاصمة جنوب السودان جوبا، وتوجَّه إلى إجراء محادثات مع الرئيس سيلفا كير، حول الجهود الإقليمية لإيجاد مخرج للأزمة السودانية، بعد أن حوَّل القتال العاصمة السودانية مسرحًا للصراع بين القوات المتناحرة، وتأتي تلك الزيارة في محاولة للاستفادة من جهود الرئيس “كير”، باعتباره على دراية بشؤون السودان، وربما يكون طرفًا من وجهة نظر “البرهان”؛ للتوسط في الصراع الدائر؛ استنادًا إلى التاريخ المشترك بين البلديْن؛ باعتبارهما دولة واحدة قبل الانفصال في ٢٠١١، ومعرفة كلا البلديْن مشاكل واحتياجات الآخر، من عدسةٍ أخرى، ربما يكون الإسهام ضعيفًا من جانب “كير” في تلك الأزمة؛ نظرًا لتأثير الاحتدام الشديد بين البلديْن، إثر واحدة من أطول الحروب الأهلية وأكثرها دموية في ٢٠١١؛ ما يجعل الحدود بين الجارتيْن والعلاقات بينهما – إلى الآن- غير مستقرة.

الزيارة الثالثة لـ”البرهان”.. وجهته الدوحة:

استكمل “البرهان” لقاءاته الخارجية في مسار كسْب دعم دول الجوار ومطالعتهم على تطورات الأزمة السودانية، فتأتي زيارة قطر في المحطة الثالثة لـ”البرهان” منذ بدْء النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ نحو 5 أشهر؛ حيث أفاد بيان المجلس السيادي الانتقالي، الذي يتولى رئاسته عبد الفتاح البرهان، بأنه قد توجه في زيارة رسمية، صباح اليوم، الخميس 7 سبتمبر، إلى العاصمة القطرية، الدوحة؛ لإجراء المباحثات الثنائية مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حول الجهود والتحركات بين الجانبين؛ في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلديْن، وإجراء المباحثات بشأن الحرب الدائرة في السودان، التي راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف مدني، ونزوح أكثر من 4 آلاف شخصٍ، وذلك تزامنًا مع تصريحات “البرهان”، يوم الأربعاء، في ٦ سبتمبر الجاري، عن حلِّ قوات الدعم السريع، ووضع الأمر محلّ التنفيذ.

تأتي زيارة “البرهان” للدوحة؛ استنادًا إلى تاريخ نجاح الدبلوماسية القطرية، فيما يقارب عشر ملفات، وقضايا دولية وإقليمية، خلال الفترة من 2008 إلى 2016، فقد كان للوساطة القطرية دورٌ في التوصل إلى اتفاق الدوحة للسلام في دارفور، والتي أرْسَت دعائم الأمن والاستقرار في الإقليم، بعد تفاوضٍ صعبٍ، دام أكثر من عاميْن، إلى أن تكلَّلت جهودها باتفاقية وثيقة الدوحة للسلام، في يوليو 2011، بين حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة، إلى جانب قدرتها الكبيرة على تقديم كافة أشكال الدعم؛ كالدعم “اللوجستي، والمالي”؛ في سبيل فضِّ النزاعات وتسوية الأزمات.

من المقرر استكمال “البرهان” زياراته الخارجية، وعدم اكتفائه بالدعم القطري من دول الجوار الخليجية، خاصةً مع تداول الأخبار عن عزْمه زيارة السعودية، وربما تليها الإمارات وغيرها من الوجهات الخليجية الأخرى، بل إن الأمر يُلاحظ تخطِّيه حدود دول الجوار، وامتدَّ في سياق التحركات الإقليمية، ومنها؛ زيارته لأنقرة يوم الأربعاء، الموافق ١٣ سبتمبر الجاري، والتي تُعتبر الزيارة الخامسة من نوعها، في ضوء إجراء المباحثات مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سياق تناول مسار العلاقات الثنائية بين البلديْن، والتي جاءت على إثْر اتصالٍ هاتفيٍّ مع “البرهان”،  في مايو الماضي، وقد أبدى خلاله “أردوغان” استعداد أنقره لاستضافة مفاوضات شاملة، بشأن حلِّ الأزمة السودانية، إلَّا أن أيًّا من طرفيّ الصراع لم يبدِ أيَّ ردٍّ رسميٍّ على تلك المبادرة.

دلالات اللقاءات الخارجية لـ”البرهان”:

تأتي زيارات “البرهان” لتحمل دلالاتٍ وأمورًا عدة، فثمَّةَ تكهُّنات، ترى أن تلك الزيارات تحمل في طياتها مؤشرًا جيدًا على الاستقرار النسبي في الداخل السوداني، والتفوق الميداني للجيش السوداني، وربما سعيْه لتثبيت شرعيته، في أن المؤسسة العسكرية هي الممثل الرسمي للدولة السودانية، خاصةً بعد إصدار “البرهان” مرسومًا، مساء أمس، الأربعاء، 6 سبتمبر، بحلِّ قوات الدعم السريع؛  نتيجة تمرُّدِها والانتهاكات الجسيمة التي مارستها ضد المواطنين، لا سيما بالتزامن مع العقوبات التي فرضتها عليهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ ما ينفي ما قد تمَّ تناوله في التصريحات، بشأن سعيْه للتفاوض والتسوية مع قوات الدعم السريع،  كما يدل ذلك أيضًا، على سعيه لتثبيت موقفه في المشهد “الإقليمي، والدولي”، والانفتاح على العالم لتعزيز موقف السودان؛ في محاولةٍ منه لطرح تطورات الأزمة السودانية مع دول تؤثر على السودان وتتأثر بها، كـ”مصر، وجنوب السودان” الأكثر تأثُّرًا بالأزمة وتداعيات ذلك على أمنهما الإقليمي، والارتباط التاريخي بين المؤسسة العسكرية في السودان وكلا الدولتيْن، بجانب قطر؛ وما قدمته للسودان من معونات إنسانية وغيرها من الاحتياجات، فمن المتوقع، أن تجني تلك المفاوضات ثمارها، وتلعب تلك الدول دورًا محوريًّا في حل الأزمة، باعتبارها أولى وجهاته، والأكثر تأثُّرًا بالأزمة.

 السيناريوهات المحتملة:

سيناريو تفاؤلي:

يتمثل هذا السيناريو في نجاح الوساطة الإقليمية، فمن المتوقع، أن تتخطى زيارات “البرهان” حدود دول الجوار، ويعدل وجهته نحو المستوى الإقليمي، خلال الفترة المقبلة، ونجاح تلك الوساطات الإقليمية في إقناع الأطراف المتناحرة على توقيع اتفاقية سلام، ربما ليس على المدى القريب، في ظل هذا التصعيد على الجانبيْن، لكنها خطوة مشروعة، وصفقة لن تحدث إلا بعد ضغط سياسي واقتصادي من أطراف خارجية، مثل “مصر، وقطر، والسعودية”، ومع إطالة أَمَدِ القتال، وزيارات “البرهان” الخارجية، تعزَّزت حظوظ هذا السيناريو.

سيناريو خطي:

يواصل الطرفان الاقتتال ورفض أيّ مبادرات خارجية للتسوية، إلى أن يسيطر أحدهما على الآخر سيطرة تامة، وذلك مع توزان القوى الموجود بين الطرفيْن، وما يوفر لهما من إمكانيات كافية لمواصلة القتال لفترات طويلة، دون تنازل أيٍّ منهما عن هدفه في تحقيق السيطرة التامة.

سيناريو تشاؤمي:

من المتوقع، فشل المفاوضات والوساطة الإقليمية في حل الأزمة، وذلك مع استمرار القتال وتعنُّت الطرفيْن، رغم الهدنة التي كانت لا تكاد تبدأ حتى تتوقف، وإعلانهم الدائم عن موافقتهم المبدئية على مبادرات التفاوض، ومن ثمَّ يستمر الطرفان في التصعيد والإصرار على تحقيق مكاسب ميدانية، ولجوء كلا الطرفيْن إلى أطراف خارجية؛ للحصول على الدعم “المالي، والعسكري”، ومن ثمَّ فإن السيناريو التشاؤمي هو احتمال فشل الدبلوماسية أمام صراعٍ يملك كافة العناصر؛ لكي يتحول إلى حرب أهلية طويلة الأمد، يصعب السيطرة عليها.

كلمات مفتاحية